; نحو إصلاح السينما الكويتية | مجلة المجتمع

العنوان نحو إصلاح السينما الكويتية

الكاتب مجلة المجتمع

تاريخ النشر الثلاثاء 25-أبريل-1972

مشاهدات 17

نشر في العدد 97

نشر في الصفحة 8

الثلاثاء 25-أبريل-1972

السينما.. لم تعد نشاطًا تجاريًا هدفه الربح فقط

بل أصبحت أداة لترويج الأفكار المذهبية والسياسية

رفض الفكرة الداعية إلى كسر احتكار السينما

 

من الخطأ..

طحن القضية بين احتمالين:

* إما بقاء الفساد كما هو

* وإما إلغاء السينما جملة

فهناك الطريق الثالث المعقول وهو.. الإصلاح..

* حلول واقعية ميسرة

* إخضاع السينما لإشراف كامل من الدولة

* وضع سياسة اجتماعية فنية ثابتة..

* إعادة تكوين جهاز الرقابة.. ودعمه وتنشيطه

* إنتاج سينمائي وطني يخدم قضايانا وحضارتنا

يعتبر الفن في عرف الحضارة الأوروبية أرفع مقياس للمستوى الثقافي والحضاري لدى الأفراد والمجموعات والمجتمعات، الفن بجميع أشكاله سواء أكان رقصًا أم موسيقى أم رسمًا، ولقد أعطى الفن السينمائي الحديث بالقفزة الفكرية الهائلة التي حققها أخيرًا معنى أكبر وأوضح لهذا الاعتبار. فلم تجعل السينما من الفن مجرد إنجاز ثقافي رفيع، بل جعلت منه سلاحًا فعالًا وخطيرًا في التأثير الثقافي والفكري.

لقد فاقت السينما في تأثيرها الثقافي على سلوك الناس ومفاهيمهم وتقاليدهم وأذواقهم، كل الوسائل المعروفة من كتب ومؤسسات أكاديمية ومحاضرات وأحاديث مباشرة.

 والسينما هي المسؤول الأول عن كل المظاهر الانقلابية التي طرأت على سلوكنا وأفكارنا -ظاهرة الفوضى الجنسية- مثلا لم تتفش بسبب إقبال «الجمهور» على دراسات مؤلفات فرويد، أذواق الفتيات عندنا أصبحت توجهها أخبار الممثلات، كيف يلبسن؟ وكيف يصففن شعورهن؟ وكيف يمشين؟ وكيف يعاملن الرجل؟

الكثير من الأفكار التي تتردد على شفاه العامة من الناس لم يقرؤوها في الكتب العلمية ولم يسمعوها من المحاضرين من الأساتذة والعلماء ولكنهم سمعوها من ممثل يقوم بدور الطبيب النفساني أو محام يدافع عن موكله الضحية البريئة التي جنت عليها ظروف اجتماعية معينة أو تربية أسرية معينة.

لقد أصبحت السينما أخطر الأدوات الثقافية والتربوية تأثيرًا لأنها تمثل أفكارًا حية تعيش أمام المشاهد، ولذلك فإن تأثيرها لا يقتصر على الأفكار النظرية كما هو تأثير المؤلفات إنما ينطبع بصورة أشد على سلوكنا ومظاهرنا، كذلك فإن أفكار السينما ترسخ أكثر لأنها تظهر حقيقة معاشة وليس مجرد خاطر نظرة.

وأفكار السينما تصل إلى الجميع –فالعامة- عندنا لا يطلعون على كتب الفلسفة أو كتب الفكر المجرد ولا يستمعون إلى المحاضرات العلمية والثقافية ولكن الجميع يدخلون السينما ولعل «العامة» هم من أكثر الناس ارتيادًا لدور السينما كذلك الأطفال وهؤلاء جميعا لا يملكون المقدرة الذهنية أو الخلفية الثقافية حتى يمحصوا ما يشاهدون بل يأخذون ثقافة السينما أخذًا أعمى.

فإذا سلمنا بأن السينما هي -بحكم الواقع- مدرسة الجمهور الرئيسية والجمهور غير المثقف بصفة خاصة وهم سواد الشعب، فإن ذلك يصل بنا إلى نتيجة خطيرة، وهي أن الموجه التثقيفي الرئيسي بالنسبة للمجتمع هي أفلام هوليوود والشركات التي تنتجها والتي يقع أغلبها تحت السيطرة اليهودية الكاملة!

ولا يكفي أبدًا أن نمتنع عن عرض الأفلام التي يشترك في تمثيلها ممثلون يهود أو صهاينة ذلك لأن الشركات نفسها تقع تحت السيطرة اليهودية وتستخدم ممثلين من غير اليهود، حتى أنهم استخدموا عمر الشريف ورفعوه إلى قمة «المجد» لنفتح الأسواق أمام أفلامه والتي لم يتورع في أحدها أن يسخر من القرآن والرسول -صلى الله عليه وسلم- والمسلمين «فيلم الجياد».

وظهر مرة أخرى في أفلامهم الدعائية التي تسيء إلى النازية وتتباكى على اضطهادهم مثل «ليلة الجنرالات».

صحيح أنه علينا أن ننفتح على ثقافات الشعوب الأخرى، لكن ليس صحيحًا أن نتبنى ثقافات الآخرين، وحقيقة النهضة هي أن ننهض بواقعنا لا أن نستعيد واقع الآخرين.

ولا شك أن السينما قد حشت أفكار عامة الناس بالصور الحضارية التي تعرضها أفلام الحضارة الغربية.

وإن هذه الصور قد انطبعت بالتالي على واقعنا ونقلت معها كل أمراض الحضارة الغربية دون أن تنقل الثقافة العلمية المحايدة أو الإنجازات الإيجابية الصالحة.

الخيانة الزوجية مثلًا أصبحت واقعًا يوميًا يعيش فيه المجتمع الغربي لذلك لا يكاد «فيلم» يخلو من هذه الظاهرة وبتكرار العرض تبدو هذه الظاهرة في حس المشاهد شيئا عاديًا، لأن عدوى الإغضاء عن الخيانة الزوجية قد أصابته في أخلاقه، وكثيرة هي ظواهر الإنحلال في المجتمع الغربي والاختلافات التناقضية في أعرافنا ومقاييسنا الاجتماعية والأخلاقية كذلك فإن الجريمة أصبحت مادة غنية للإنتاج السينمائي، حتى أن بعض الشركات God fathers أخذت تتعامل مع أعضاء عصابة المافيا لمساعدتها في الحصول على مادة السيناريو والقصص السينمائي.

وسيطرة اليهود على صناعة السينما ليست عبثًا، فقد عرف اليهود مدى التأثير الفعال الذي تحدثه السينما -وإذا كانت بروتوكولات صهيون- قد نصت على إشاعة الرذيلة في المجتمعات غير اليهودية لتخريبها فإن الغرض من أفلام الهوس الجنسي الرائجة يبدو جليًا.

وقد كتب «الأستاذ عبد العزيز المساعيد» عن شاب كان موظفًا في المخابرات الأمريكية، وكان مكان عمله في الشرق الأوسط، وذكر أن شعبته كانت تختص بالأعمال الفنية وتوجيه الأغاني والأعمال المسرحية لخدمة أهداف المخابرات المركزية.

وبما أن تشجيع اليهود والاستخبارات الأمريكية للنشاط الشيوعي قد أصبح معروفًا، فالمرء يستطيع أن يدرك لماذا ينتج الأمريكان فيلما للدعاية الشيوعية باسم «نقطة زابرسكي» ليعرض في الكويت.

لقد أدرك الرأسماليون أن النظم الشيوعية في العالم الثالث هي أفضل طريقة لإفقار الدول النامية وتمزيقها وجرها إلى السيطرة الغربية طائعة مختارة. وقد نجحت هذه السياسة بالفعل في الكثير من البلدان التي جربت النظام الشيوعي أو الحكم الفوضوي. إذًا فالترويج للشيوعية أصبح سلاحًا تستخدمه السينما الأمريكية لخدمة الأهداف الإمبريالية المشبوهة وما فضيحة مجلة حوار ببعيدة عن الأذهان. إذًا فتأثير السينما الثقافي ليس تأثيرًا عفويًا فحسب، ولكنه تأثير مقصود وموجه كذلك خصوصًا في مجالات.

1 - الترويج للأفكار السياسية الهدامة.

2 - الترويج للجريمة عن طريق أفلام الإجرام.

3 - الترويج للرذيلة عن طريق أفلام الجنس.

ولا يملك إنسان أن يحار في النقطة الأخيرة، فالذين شاهدوا السينما المصرية مثلًا أول عهدها ثم شاهدوا صورة المجتمع المحافظ في ذلك الوقت يرون أن المجتمع أخذ يتدهور أخلاقيًّا حتى تغيرت صورته وأصبح نسخة من مجتمع الأفلام الهابطة لا يختلف عنها في شيء، وأصبحت «الفضائح» السينمائية بإيحاءاتها المثيرة خطرًا مائلًا يهدد الحياة الاجتماعية.

فالسينما ليست تجارة فحسب، ولكنها أداة ثقافية وسياسية خطيرة موجهة بصورة خاصة إلى عامة الناس وتحركها الصهيونية والرأسمالية من هوليود، فهل تترك الدولة عقول الناس وروح المجتمع مرتعًا خصبًا لهذه السياسات السرطانية الوبيئة؟

الواقع أننا هنا نعالج المسألة بصورة غير مجدية: فنقترح انتقاء الأفلام التي لا نلمس فيها خطرًا واضحًا، ثم نعرضها على الرقابة لتصدق عليها أو تمنعها أو تحذف منها بعض المشاهد.

أما اختيار الأفلام التي لا تخرج على سياسة الرقابة فذلك لا يكفي -بغض النظر- عن الامتعاض من سياسة الرقابة المطاطة- لأن الأفلام جميعها نتاج ثقافي لمجتمع معين ولواقع معين تسري روحه في كل الأفلام وتلوث كل مشاهد الفيلم - ولا يمكن أن تحصر هذه الروح الخفية بفقرات قانون الرقابة التي لا تزيد على أن تحذف بعض المشاهد الصريحة لسبب أو لآخر.

ولا شك أن «روح» الثقافة الغربية تسري في كل فيلم مهما خلى من محظورات قانون الرقابة وأن المشاهد يتشرب هذه الروح دون أن يشعر.

إن الرقابة عندنا تقوم بدور مضحك للغاية فلو أنها تركت بعض الأفلام على وقاحتها لنفر المشاهد بحسه الفطري منها ولاستفزته جرأتها على الحقيقة والأخلاق، ولكن الرقابة تقوم بتلطيف هذه السموم وتحد شفرة السكين حتى يأتي الذبح مريحًا.

يقول مدير الرقابة في مقابلة صحفية إن «القبلة» مباحة لمدة 30 ثانية وإذا زادت نتركها إذا لم تكن في وضع جنسي مثير!

فإذا كان مقياسنا -كمجتمع ثقافته هي الثقافة الإسلامية- هو أن القبلة غير مباحة ولو لثانية واحدة فإن قانون الرقابة يبدو إنجيلًا جديدًا مهمته أن يكون جسرًا بين الأفلام السامة والذوق الإسلامي أو وسيطًا يحول دون رفضنا الصريح لهذه السموم الخطيرة.

والشيء المؤسف أن دور الرقابة لم يعد دورًا واعيًا يحرص على حماية القيم، بل هو دور المسكن الذي يحاول أن يوهم الناس بأن ما يعرض عليهم قد خضع لعملية تطهير دقيقة استأصلت خطورته، وفي فيلم «هيا للغابة» سمحت الرقابة بعرضه ثم سحبته استجابة لاستنكار الجمهور، أي أن الجمهور أصبح يشكل رقابة على الرقابة! وأن الرقابة تحتاج إلى رقابة!

ومهما تبرأت الرقابة من الضعف والسلبية فإن دورها يظل دورًا ضعيفًا ما دامت الأفلام السينمائية، تمثل ثقافة لا تلائم مجتمعنا وما دامت أخطارها تبقى بعيدًا عن صلاحيات الرقابة وتتسرب إلى عقول الناس وأرواحهم من حيث لا تشعر الرقابة ولا يشعرون.

ولو التزمت الرقابة بمقاييس أصيلة وجادة لما استطاعت أن تجيز فيلمًا واحدًا، لذلك فهي مضطرة للقيام بدور المساوم، والحل الجذري الوحيد لهذه المشكلة يبقى في الأمل البعيد، في ظهور الإنتاج المحلي-كإنتاج قومي- ينطلق من خلفياتنا الثقافية والحضارية ويهدف إلى ترقية مفاهيمنا وأذواقنا ويحترم أخلاقنا ومعتقداتنا وفي النهاية مصالحنا القومية.

ولا يبدو هذا الأمل مثاليًّا، لأن صناعة السينما قد قامت بالفعل في العالم العربي منذ سنين طويلة، وما دامت التربة الفنية موجودة -في مصر ولبنان والجزائر وأجزاء أخرى من العالم الإسلامي- فإن الكويت بإمكانياته يستطيع أن يحقق هذا العمل بجدارة والتجربة التي أنجزت في «بس يا بحر» أثبتت واقعية الفكرة على الأقل.

وحتى ينهض الإنتاج المحلي الملتزم، فهناك أمور يجب أن تراعى:

* أولًا: رفض الفكرة الداعية لكسر احتكار السينما رفضًا باتًا والدعوة إلى وضع السينما تحت إشراف الدولة المباشر انطلاقا من أن السينما لم تعد نشاطًا تجاريًّا تختص به الشركات التجارية، ولكنها أجهزة إعلام وتربية وتوجيه.

* ثانيًا: رسم سياسة ثقافية محددة للسينما حتى نطمئن إلى رسالة السينما ونوجه تأثير الأفلام بما يتفق وأهدافنا.

* ثالثا: إعادة تكوين جهاز الرقابة، بأن يقوم الجهاز على أسس سياسية واضحة ويكون جهازًا ملتزمًا وتشترك فيه مؤسسات مختلفة واختصاصات معينة ويكون أفراده على قدر عال من الثقافة والالتزام.

في العدد القادم رأينا في موضوع احتكار السينما

الرابط المختصر :