; نقوش علي جدار الدعوة.. نحو تأصيل العمل السياسي الإسلامي (۳).. نجاح المشروع الإسلامي | مجلة المجتمع

العنوان نقوش علي جدار الدعوة.. نحو تأصيل العمل السياسي الإسلامي (۳).. نجاح المشروع الإسلامي

الكاتب د. جاسم المهلهل آل ياسين

تاريخ النشر الثلاثاء 01-يوليو-1997

مشاهدات 7

نشر في العدد 1256

نشر في الصفحة 66

الثلاثاء 01-يوليو-1997

إنما ينجح المشروع الإسلامي إذا وجدت التجمعات القائمة به تجاوبًا عمليًا واقعيًا في ساحة المجتمع الإسلامي، بمعنى أن يشعر كل فرد وكل مؤسسة أن هذا المشروع يعبر عن أشواقه وأماله في الحياة، وأنه يحافظ على مكتسبات الأفراد والجماعات، ولا يضار من السعي نحو تحقيق هذا المشروع إلا ضال أو باغ، وأن هذا المشروع يفتح ذراعيه ليسع الناس أجمعين، الذين يقبلون مبادئه، ويرضون منهاجه، ويشاركون في تحمل أعبائه بجهودهم المتعددة، ليعلنوا بذلك عن هويتهم الإسلامية السمات والتصرفات.

وقد كان هذا نهج رسول الله صلي الله عليه وسلم حين تأتيه القبائل مسلمة، فإنه يقر من كانت له ولاية عليهم، ويقر ما هم فيه من عمل اللهم إلا إن كان في هذا العمل ما يتناقض مع مبادئ الدين فإنه لا يقرهم عليه، ولا يقبل منهم إلا أن يتركوا الحرام ويتوجهوا إلى الحلال.

ونحن نعلم الفارق بين دعاة اليوم والمدعوين، وبين المدعوين أمس والداعين، لقد كان صلي الله عليه وسلم يدعو غير المسلمين، لكنه لم يترك - في أي لحظة - تذكير المؤمنين بواجبهم نحو هذا الدين، بحيث يصير السلوك والقول والتصرف في كل أمر خاضعًا لمنهج الدين، لا يشذ عنه أحد ولا ينحرف، وبحيث يصير كل مسلم متفاعلًا تفاعلًا إيجابيًا مع دعوة الحق، وقدوتهم في ذلك رسول الله صلي الله عليه وسلم ، الذي كان خلقه القرآن، والذي جعل من مجتمع المسلمين في المدينة كتلة موحدة رغم التفاوت فيما بينهم، فقد كان في هذا المجتمع مهاجرون وأنصار وأعراب مخلصون، وأعراب غير مخلصين، ومنافقون مردوا على النفاق، ومؤمنون خلطوا عملًا صالحًا وآخر سيئًا، ولكن الدين له قداسته وله شأنه الأول في شؤون الحياة، لا يجاهر أحد بعداوته، وإن كان منافقًا معلوم النفاق.

ونحن ندعو اليوم مسلمين في مجتمع إسلامي، تسربت إليهم في غفلة من الزمن مناهج أرضية وتقاليد غير إسلامية، جاءتهم من الغرب أو الشرق، وحملها إلى ديار المسلمين أجانب ليسوا مسلمين أو مسلمون لبسوا لباس الأجانب في تصرفاتهم وأخلاقهم وقيمهم، وأخذت هذه المناهج وتلك التقاليد تترسخ في المجتمع، حتى ظن كثير من الناس أنها غير منافية للدين، وأنها ليست بعيدة عن هدي رب العالمين، وساد ذلك بين كثير من المثقفين حتى أن أحدهم كتب عن الرقص في معرض حديثه عن رقص الباليه: ليس في الرقص حرام وحلال، بل فيه ترفع وتبذل وركاكة وإتقان.. أما تحليله وتحريمه فغير مقبول حتى من وجهة نظر دينية مستنيرة، لأن الفن ليس أمرًا من أمور الدين إن لم يتناقض معه، إذ هو أيضًا نشاط روحي له قوانينه التي تنظمه بعيدًا عن الدين، كما أن للعلم قوانينه والطب قوانينه، فليس لعلماء الدين سلطة على الفن، كما لا سلطة لهم على العلم إن الدين لا علاقة له بالرقص أو التصوير أو التمثيل أو الموسيقى فلا يحق لأحد أن يقيسها بمقياس الحلال والحرام حتى لو صورت أفعالًا لا تتفق مع تعاليم الدين، لأن هذا التصوير ليس فعلًا بل هو فن يقاس بمقاييس جمالية».

وهذا الزيف الذي لا يقره الدين ولا يقبله عقل سليم شائع في بلاد المسلمين، ومثله زيف كثير مستقر في البيوت والشوارع والأسواق وفي كثير من المؤسسات القائمة في بلاد المسلمين. وهذا ما يحاول أصحاب المشروع الإسلامي أن يبينوه للناس وأن يدعوهم إلى نبذه، سالكين في ذلك ومن أجله كل السبل، ولن ينجحوا في ذلك بالقدر المرجو إلا إذا تفاعلت معهم كثير من القوى القائمة في المجتمع، والتي هي محبة للدين تحن إليه إن زال من أمام عيونها وعقولها مثل هذا الزيف الذي ذكرنا نموذجاً له، وتلك مهمة صعبة أمام أصحاب المشروع الإسلامي الذين عليهم أن ينفذوا إلى كل القوى العاملة في المجتمع، وأن يجعلوا منهم عونًا لهم وسندًا لقضيتهم التي هي قضية جميع المسلمين وهي العودة الحميدة إلى هذا الدين، وبهذا يصبح العمل السياسي الذي هو جزء من الدين قضية مجتمع لا قضية تجمع تطالب به كل الجماهير وليس مجموعة من الناس، وحينئذ تكون أمام هذا العمل السياسي الإسلامي قضية عظمى هي قضية التمكين لدين الله في قلوب الناس وأوطانهم، ويقوم بالتذكير بها في كل حين دعاة على مناهج النبوة، يرشدون إلى الحق، ويدلون على الخير، ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، ويقيمون الصلاة، ويؤتون الزكاة بعد إيمانهم بالله، فيكون الإيمان بالله هو محور حياتهم وقطبها، وأعمال الإسلام البارزة هي عناصر هذه الحياة وجزئياتها.

ويسود فيه الحق والعدل، وتزول منه غاشية الزيف والزيد ﴿فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً ۖ وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ ۚ ﴾ (الرعد: ۱۷).

الرابط المختصر :