; نحو حركة إسلامية عالمية واحدة (3) | مجلة المجتمع

العنوان نحو حركة إسلامية عالمية واحدة (3)

الكاتب د. فتحي يكن

تاريخ النشر الثلاثاء 11-أغسطس-1970

مشاهدات 21

نشر في العدد 22

نشر في الصفحة 20

الثلاثاء 11-أغسطس-1970

طريق الإيمان العميق والتكوين الدقيق والعمل المتواصل «أو تجربة حركة الإخوان المسلمين»

دراسة في ثلاث حلقات يقدِّمها الأستاذ فتحي يكن

الحلقة الثالثة

• "أنتم لستم جمعيَّة خيريَّة، ولا حزبًا سياسيًّا ولا هيئة موضعيَّة لأغراض محدودة المقاصد، ولكنَّكم روح جديد يسري في قلب هذه الأُمَّةّ فيحييه بالقرآن، ونور جديد يشرق فيبدِّد ظلام المادَّة بمعرفة الله، وصوت داو يعلو مردِّدًا دعوة الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم".

• "لقد أراد الله أن نرث هذه التركة المثقلة بالتبعات، وأن يشرق نور دعوتكم في ثنايا هذا الظلام، وأن يهيِّئكم الله لإعلاء كلمته، وإظهار شريعته، وإقامة دولة من جديد".

• "في الوقت الذي يكون فيه منكم ثلاثمائة كتيبة قد جهزت كلَّ نفسها روحيًّا بالإيمان والعقيدة، وفكريًّا بالعلم والثقافة، وجسميًّا بالتدريب والرياضة. وفي هذا الوقت طالبوني بأن أخوض بكم لجاج البحار وأقتحم بكم عنان السماء، وأغزو بكم كلَّ عنيد جبار؛ فإنِّي فاعل إن شاء الله، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم القائل: «ولن تُغلب اثنا عشر ألفًا من قلَّة»".

• "القوَّة أضمن طريق لإحقاق الحقِّ، وما أجمل أن تسير القوَّة والحقُّ جنبًا إلى جنب".

حركة الإخوان المسلمين هي الحركة الممتدَّة عبر أكثر أقطار العالم الإسلاميِّ، وإن لم تصبح بعد حركة واحدة فكرًا وتخطيطًا وتنظيمًا واسمًا.

وقد أوضح مؤسِّس الحركة الإمام الشهيد حسن البنَّا من أول يوم طريق دعوته وأسلوبها ووسائلها، فقال: «أيُّها الإخوان، لقد أراد الله أن نرث هذه التركة المثقلة بالتبعات، وأن يشرق نور دعوتكم في ثنايا هذا الظلام، وأن يهيِّئكم الله لإعلاء كلمته، وإظهار شريعته، وإقامة دولته من جدید.

أمَّا كيف نعمل لهذه الأهداف؟ إنَّ الخطب والأقوال والمكاتبات والدروس والمحاضرات وتشخيص الداء ووصف الدواء، كلّ ذلك وحده لا يجدي نفعًا، ولا يحقِّق غاية، ولا يصل بالداعين إلى هدف من الأهداف، ولكن للدعوات وسائل لا بدَّ من الأخذ بها والعمل لها.

والوسائل العامَّة للدعوات لا تتغيَّر ولا تتبدَّل ولا تعدو هذه الأمور:

١ - الإيمان العميق.

۲ - التكوين الدقيق.

٣ - العمل المتواصل.

أيُّها الإخوان، أنتم لستم جمعيَّة خيريَّة، ولا حزبًا سياسيًّا ولا هيئة موضعيَّة لأغراض محدودة المقاصد، لكنَّكم روح جديد يسري في قلب هذه الأمَّة فيحييه بالقرآن، ونور جديد يشرق فيبدِّد ظلام المادَّة بمعرفة الله.

وصوت داو يعلو مردِّدًا دعوة الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم، ومن الحقِّ الذي لا غلوّ فيه أن تشعروا أنَّكم تحملون هذا العبء بعد أن تخلَّى الناس عنه.

فإذا قيل لكم إلامَ تدعون؟ فقولوا ندعو إلى الإسلام الذي جاء به محمَّد صلَّى الله عليه وسلَّم والحكومة جزء منه، والحريَّة فريضة من فرائضه، فإذا قيل لكم هذه سياسة فقولوا هذا هو الإسلام ونحن لا نعرف هذه الأقسام.

وإن قيل لكم أنتم دعاة ثورة، فقولوا نحن دعاة حقّ وسلام نعتقده ونعتزُّ به، فإن ثرتم علينا ووقفتم في طريق دعوتنا فقد آن لنا أن ندفع عن أنفسنا وكنتم الثائرين الظالمين.

وإن قيل لكم إنَّكم تستعينون بالأشخاص والهيئات، فقولوا: آمنّا بالله وحدَه وكفرنا بما کنتم به مشركين، فإن لجُّوا في عدوانهم فقولوا: سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين». من خلال ما تقدّم يتبين لنا أن حركة الإخوان المسلمين تتميَّز بعموميَّتها عن سائر الحركات الأخرى.

- فهي دعوة فكريَّة من حيث إنَّها تدعو إلى الالتزام بالأفكار الإسلاميَّة والوقوف عند أحكام الشريعة الإسلاميَّة ولفظ وترك كلِّ ماعدا ذلك من أفکار وتشريعات ومبادئ وفلسفات «من أجل تكوين العقليَّة الإسلاميَّة».

- وهي دعوة تربويَّة من حيث إنَّها تدعو إلى الالتزام بأخلاق الإسلام وآدابه وإلی تزكية النفس والسمو بها في مدارج الربانيَّة «من أجل تكوين النفسيَّة الإسلاميَّة».

- وهي دعوة جهاديَّة من حيث إنَّها تدعو إلى الإعداد الجهاديِّ بكلِّ وسائله وأسبابه، حتَّى يكون للحقِّ القوَّة الَّتي تحميه، وحتَّى تتمكَّن الدعوة من مواجهة التحديَّات ومجاوزة الملمّات.

ولقد أشار الإمام البنَّا إلى هذا المعنى في «رسالة إلى أيِّ شيء ندعو الناس» فقال: «ما أحكم ذلك القائل (القوَّة أضمن طريق لإحقاق الحقَّ، وما أجمل أن تسير القوَّة والحقّ جنبًا إلى جنب)، فهذا الجهاد في سبيل نشر الدعوة الإسلاميَّة فضلًا عن الاحتفاظ بمقدَّسات الإسلام فريضة أخرى فرضها الله على المسلمين كما فرض عليهم الصوم والصلاة والحج والزكاة وفعل الخير وترك الشرِّ، وألزمهم إيَّاها وندبهم إليها، ولم يعذر في ذلك أحدًا فيه قوَّة واستطاعة. وإنَّها لآية زاجرة رادعة وموعظة بالغة ﴿انفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (التوبة: 41).

ولقد كان الإمام الشهيد يؤكَّد على هذه المعاني الجهاديَّة في أكثر أحاديثه وخطبه لأنَّ الحقَّ الأعزل لن يحقّق شيئًا ولن يصل إلى شيء، ولأنَه لا قيمة لحقٍّ لا تسنده القوَّة. ولقد جاء تركيز هذا المعنى واضحًا في خطاب ألقاه في المؤتمر الخامس للحركة عام 1357 هجريَّة، حيث قال «وفي الوقت الذي يكون فيه منكم -معشر الإخوان المسلمين- ثلاثمائة كتيبة قد جهزَّت كلَّ نفسها روحيًّا بالإيمان والعقيدة، وفكريًّا بالعلم والثقافة، وجسميًّا بالتدريب والرياضة. في هذا الوقت طالبوني بأن أخوض بكم لجاج البحار، وأقتحم بكم عنان السماء، وأغزو بكم كلَّ عنيد جبَّار، فإنَّني فاعل إن شاء الله، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم القائل: «ولن تُغلب اثنا عشر ألفًا من قلَّة».

 

الحركة الإسلاميَّة وظروف المنطقة ومنطق المواجهة:

ولقد كان مقدَّرًا لحركة الإخوان المسلمين أن تنجح وتحقق الهدف من وجودها، بعد أن أصبحت ملء عين العالم وسمعه وبصره، لولا أن تكاتفت عليها معاول الهدم من كل جانب، وتآمرت عليها قوى الاستعمار من كلّ جهة، وتلاحقت على رأسها الضربات والمحن. بدأت باستشهاد مؤسِّسها المرحوم حسن البنا عام 1948، ثم باستشهاد عدد ضخم من رجالاتها وقادتها، ممَّن يُعتبَرون عمالقة ليس على المستوى الحركيِّ الحزبيِّ الضيِّق، ولكن على المستوى العالميِّ الفسيح.

ولقد كان من نتائج ذلك انكماش نشاط الحركة وانحسارها عن معترك الصراع السياسيِّ، وإن بقي وجودها الفكريُّ والعقائديُّ قائمًا.

كما كان من نتائج المحنة الَّتي لحقت بالحركة الإسلاميَّة، أن تحكَّمت أنظمة الفكر في بلاد المسلمين، وعمل الغزو الماركسيّ الملحد عمله في تخريب عقول الناس وأدمغتهم.

وبذلك تغيّر في المنطقة -على الأقل العربيَّة منها- كلّ شيء.

فالحياة الديمقراطيَّة الَّتي كانت تسمح بحريَّة العمل الحزبيِّ ذهبت إلى غير رجعة، والنظم القائمة في المنطقة معبَّأة بالحقد الأسود على الإسلام والمسلمين.

والمواجهات الحزبيَّة لم تعد في مستوى النقاش والحوار العقائديِّ، وإنَّما غدت دمويَّة غوغائيَّة شرسة. إلى غير ذلك من الظروف والأوضاع ممَّا يحتّم على الحركة الإسلاميَّة رسم استراتيجيَّة جديدة للعمل تمكِّنها من التحرُّك والإنتاج والتطوُّر لتكون الحركة الإسلاميَّة العالميَّة المنشودة ولتصبح في مستوى المواجهة الفعليَّة مع التحدِّيات العالميَّة الَّتي يواجهها الإسلام في العصر الحديث.

 

 

ملامح الحركة الإسلاميَّة العالميَّة الواحدة:

وأخيرًا فإنَّ من الإنصاف القول إنَّ الحركات الإسلاميَّة المعاصرة، وإن لم تتمكَّن حتَّى اليوم من تحقيق الهدف الأساسيِّ من وجودها وهو إقامة الدولة الإسلاميَّة واستئناف الحياة الإسلاميَّة، إلَّا أنَّها خلّفت وراءها ثروة كبيرة من التجارب في نطاق العمل والتحضير لتحقيق هذا الهدف، كما أنَّها تركت ميراثًا فكريًّا ضخمًا، مما يمهّد السبيل أمام نشأة حركة إسلاميَّة عالميَّة واحدة، تكون في مستوى المواجهة مع جاهليَّة القرن العشرين.

 

(1) الانقلابيَّة:

إنَّ الصفة الأساسيَّة الَّتي يجب أن تتَّصف بها الحركة الإسلاميَّة المنشودة هي «الانقلابيَّة»، فالإسلام منهج انقلابيٌّ ولیس منهجًا ترقيعيًّا. وتحقيق المنهج الانقلابيِّ يحتّم بالتالي قيام تجمُّع حرکيّ انقلابيّ ويعين على الحركة التي تتصدَّر للعمل الإسلاميِّ أن تكون في مستوى تحقيق الانقلاب الإسلاميِّ وعيًا ونهجًا وكفاية.

إنَّ الحركة الإسلاميَّة هذه أحوج ما تكون إلى استراتيجيَّة انقلابيَّة تبلغ بها مرحلة التنفيذ العمليِّ لأهدافها ومبادئها.

وأعني بالاستراتيجيَّة الانقلابيَّة «نظريَّة الحركة وأسلوبها في تغيير الواقع الجاهليِّ القائم بالواقع الإسلاميِّ المنشود، بكلِّ ما يقتضيه هذا التغيير من فهم شامل ودقيق للواقع القائم، وتقدير واعٍ للقوى والعوامل الَّتي تحرِّكه وتؤثِّر فيه.

وبالتالي إلى تصوُّر عميق للواقع الإسلاميِّ المرتقب ومدى ما يحتاجه من كفايات وإمكانات على كلِّ صعيد».

وينبغي أن يكون في مضمون هذه الاستراتيجيَّة حرص الحركة الإسلاميَّة على أن تتولَّى هي بنفسها تحقيق منهجها في الحكم الإسلاميِّ. وليس من الإخلاص والتجرُّد في شيء -كما قد يتصوَّر البعض- زهدها في تولي الحكم؛ ذلك أنَّ العالم والتاريخ لا يعرفان حركة على الإطلاق قدَّمت عصارة نضالها وكفاحها لغير المؤمنين بأهدافها الملتقين معها على دروب الكفاح والنضال.

فالدولة الإسلاميَّة الأولى لم تأتِ إلَّا نتيجةً لجهادِ الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم ومن معه من المسلمين. والثورة الفرنسيَّة لم تكن إلَّا أمنيَّة من الأماني التي عمل لها روسو وفولتير ومونتسكيو، والانقلاب الشيوعيُّ جاء ثمرة المخطَّط الذي وضعه ماركس ولينين وانجلز. والنازيَّة الألمانيَّة لم تظهر إلَّا في أرض غزاها هيغل وفيخته وغوته ونيتشه.

هذا التصوُّر من شأنه أن «يقيّم» إدراك الحركة لمسؤوليَّاتها ومهمَّاتها تقييمًا صحيحًا وسليمًا، فما هي بجمعيَّة توجيهيَّة تقف عند حدود الوعظ والإرشاد. ولا هي بمنتدى أدبيٍّ لإقامة المحاضرات والمناظرات. ولا هي بمعهد شرعيِّ لتخريج علماء في الشريعة والفكر الإسلاميِّ. ولا هي بدار نشر لطباعة الكتب والمؤلّفات الإسلاميَّة نشرًا للثقافة وإحياء للتراث.

ولكنَّها الدعوة الَّتي قُدِّرَ لها أن تحمل مواريث النبوَّة ورسالة الإسلام في العصر الحديث.

أن تحملها بكلِّ أبعادها وتكاليفها، أن تحملها فكرًا يكشف زيف الأفكار والمبادئ والفلسفات المادِّيَّة الطاغية، وجهادًا يتصدَّى للباطل في كلَّ أشكاله، ويطيح بالطواغيت -كلّ الطواغيت- حتّى لا تكون فتنة ويكون الدين كلُّه لله.

وحتَّى تقوم الدولة الإسلاميَّة التي تنشر الخير وتحقِّق الطمأنينة والعدالة والمساواة، وتخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة الله الواحد القهَّار، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الإسلام، ومن جور الأديان إلى عدالة الإسلام.

وإنَّ مثل هذه المهمَّات والتبعات لتتطلَّب من الحركة التي تقوم بها أن تكون في مستوى عال وعال جدًا من الإعداد والكفاية على كلِّ المستويات.

 

(2) اللامركزية:

وصفة رئيسية أخرى يجب أن تتَّصف بها الحركة الإسلاميَّة العالميَّة الواحدة، وهي صفة اللَّامركزيَّة أو مجاوزة الانتماء القطريِّ المصطنع.

والهجرة في عصر النبوَّة لم تكن في معناها العميق إلَّا لفتة إلى اللَّامركزيَّة في العمل الإسلاميِّ، وإشارة إلى أنَّ تحقيق الإسلام قد يكون سهلًا ومُمكنًا في مكان وصعبًا ومستحيلًا في آخر، وعندها يصبح من الضروريِّ إفراغ الجهد فيما هو ممكن وميسور حفاظًا على الطاقات والأوقات من التلف والضياع.

وهذا المنطق بالذات يفرض وجود تخطيط عالميٍّ للعمل الإسلاميِّ في العصر الحديث، من شأنه أن يوجّه الطاقات -كلّ الطاقات- ويحشد القوى كلّ القوى ويسخّر الإمكانيات كلَّها ويعمل على دفعها وحشدها حيث يؤمِّل الإثمار والعطاء.

 

(3) الفكرية:

بمعنى أن تعتمد الحركة الإسلاميَّة الفكر -وليس العاطفة- أساسًا لانطلاقها. فهي دعوة الحجَّة والدليل ودعوة العقل والمنطق، وهي الميزة الَّتي امتازت بها دعوة الإسلام وتمتاز عن سواها من الدعوات قديمًا وحديثًا.

ومن شرائط هذه الفكريَّة أن يكون الفهم للإسلام والدعوة إليه والمُحاجَّة فيه مبنيَّة على عمق التصوُّر وكليَّة النظر ووضوح الرؤيا.

ومن شرائطها -كذلك- أن تكون المواجهة مع الجاهليَّة قائمة على دراسة مُسبقَة ومركَّزة لأفكار هذه الجاهليَّة، ومبادئها، ووسائلها، واستراتيَّجيتها.

 

(4) العلمية:

بمعنى أن تسعى الحركة للاستفادة من كلِّ التجارب العلميَّة الَّتي أنتجتها الحضارة الإنسانيَّة ومن كلِّ ما تفتَّقت عنه عقول البشر في شتَّى الحقول والميادين، ما دامت كلُّها وسائل يمكن الإفادة منها والانتفاع بها واستخدامها وتسخيرها فيما يعود على البشريَّة بالخير والنفع.

ومن ملامح هذه العلميَّة استفادة الحركة من أحدث النظريَّات في حقل التنظيم. ومن أحسن الوسائل وأوقعها في حقل الإعلام. ومن أفضل الأساليب الحركيَّة في حقل العمل الشعبيِّ، والطلَّابيِّ والسياسيِّ وغيره.

 ومن ملامح هذه العلميَّة اعتماد الحركة على معرفة واسعة ودقيقة للمجتمع الذي تعيش فيه، لأوضاعه النفسيَّة والفكريَّة والسياسيَّة والحزبيَّة ولارتباطاته الدوليَّة وعلائقه الخارجيَّة.

 

الربانية:

وأخيرًا وقبل كلِّ شيء أن تعتمد الحركة الإسلاميَّة التربية الربانيَّة سبيلًا لتكوين أفرادها وطلائع صفها، فالشخصيَّة الإسلاميَّة لا تتحقَّق ولادتها بالنوعيَّة الفكريَّة المجرَّدة، بل لا بدَّ لذلك من تربية وتعهُّد حتَّى يصبح الإسلام وحده المقياس الأساسيّ لإشباع الميول والنوازع، ولدوافع الخير والشرِّ، ولحدود الحلال والحرام.

إنَّ الشخصيَّة الإسلاميَّة هي العنصر الأساسيّ في عمليَّة التحضير لتحقيق الانقلاب الإسلاميِّ وإقامة الدولة الإسلاميَّة. ونجاح الحركة في تكوين الشخصيَّة الإسلاميَّة سيملكها أقوى الإمكانيات وأشدُّها فعَّاليَّة في مغالبة الصعاب وفي بلوغ الأماني والآمال.

ولهذا وجب إعداد «الطليعة الإسلاميَّة» إعدادًا غیر عاديِّ لأنَّ مهمَّتها كذلك غير عاديَّة.

إعدادها نفسيًّا ومعنويًّا، إعدادها عقيديًّا وأخلاقيًّا، إعدادها فكريًّا وحركيًّا للقيام بالدور الكبير.

إنَّ الحركات والقوى والاتجاهات الإسلاميَّة الأصيلة مدعوَّة لمواجهة مصيرها المشترك ولمواجهة مسؤوليَّاتها الضخمة بإعادة النظر في تجاربها، وبرسم قواعد سيرها في ضوء حاضرها وماضيها بمستوى السرعة والدقة والكفاية التي يتطلَّبها العصر، والَّتي تتطلَّبها مواجهة جاهليَّة هي غاية في المكر والشراسة. وعند ذلك فقط يتحقَّق فيها التفسير العمليُّ لقوله تعالى ﴿وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ۚ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ (الأنفال: 60).

إنَّ هذه لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهید.

قد بلّغت اللَّهمَّ فاشهد.

فتحي يكن

الرابط المختصر :