الثلاثاء 17-أغسطس-1971
نحو رعاية صحية أفضل
مع وزارة الصحة.. في السالمية.. وجليب الشيوخ
الطفل في خطر .. وأنبوب الأكسجين بدون «منظّم» ساعة!!
المؤسسات الصحية غير متناسبة مع التطور السكاني
هاتف وعتاب
ـ ما إن رفعت سماعة الهاتف.. حتى جاءني صوت من بعيد.. كان صوت رواد الفضاء وهم على سطح القمر أوضح منه على نفس أرض الكويت وأبين..!
ـ فهل يا ترى؛ لأن حريتهم كانت قد تجاوزت قيود الأرض والمتسلطين عليها.. أمَّا هو فمسكين يَرزَحُ تحت نِير الخوف وجبن المسئولية؟ .
ـ أم أنهم أصبحوا في منطقة السموق والارتفاع، فعلوا، وتعالوا على كل الكائنات الموجودة تحتهم على سطح الأرض، وإن كانت في ناطحات السحاب أو نسور الأجواء.. أمَّا هو فما زالت دروب الأرض ومنعطفاتها تضمه بين جدرانها؟
ـ أم أن عيون الناس والمسئولين فيهم من شتى الأنحاء، وتباين الاتجاهات واختلاف الغداوات كانت ترقبهم، وترعاهم.. أمَّا هو فأقرب الناس إليه لا ينظر إليه بعين الاعتبار مما أشعره بالإهمال وسوء القصد؟
ـ المهم.. جاء صوته خافتًا يقول :لقد قرأت ما كتبتموه عن مستوصف «الجهراء».. فهلا تكرمتم بزيارتنا في «جليب الشيوخ الجنوبي»..؟ سترون مدى الاستهتار بنا.. مع أننا جزء من أبناء هذا الوطن الغني... ألا يحق لنا أن نطلب المساواة بإخواننا في الفيحاء والشامية؟!.
ـ ورددت عليه:- لكم كل الحقوق يا أخي.. وإنما المسألة مسألة وقت.
ـ وبدا انفعاله: وقت!.. كيف؟ منطقتنا من أقدم المناطق الكويتية وأعرقها.. بغض النظر عن سكان البادية الوافدين إلينا حديثًا، والقاطنين في العشيش الذي لم تأذن الحكومة بالقضاء عليه، ونقلهم على الفور إلى المساكن الحديثة.
ـ وأنهيت المكالمة بوعد أن أستجيب للزيارة من مجمع السالمية إلى مستوصف جليب الشيوخ الجنوبي.
ـ وبدأت جولتنا من مجمع السالمية، الذي يقع ببنائه الحديث في ساحة التجمع الرحبة التي تضم الجمعية التعاونية الاستهلاكية، ومكتب البرق والبريد والهاتف.. وأخذت أتجول في أنحاء مبناه.. الذي ضيع بهاءه، وأزری بروعته قلة الاكتراث بنظافته.. ومن الهمسات التي سمعتها هناك أدركت السبب :
أولًا: قلة الأيدي العاملة في النظافة، والتي لا يشفع لوزارة الصحة فيها أي عذر..
ثانيًا: وجود بعض سكان للعشيش حديثًا هناك.. وهؤلاء جديرون بأن يزيلوا كل جهد للنظافة تبذله القلة العاملة في المكان.. لأن مشـكلة توجيههم في حاجة إلى جهد كبير على مستوى وزارات مختلفة.. وهم الآن يشكلون ۱/۲ نصف مراجعي مستوصف السالمية.
اختلال الميزان
ورغم أن حيًّا مثل السالمية قد تجاوز عدد سكانه الآلاف خلال السنوات العشرة الماضية.. وكثرة العمران فيها؛ مما تدل عليه حركة البناء والتشييد التي لا تهدأ.. حتى تضاعف عدد القاطنين به مرات.. إلا أن وزارة الصحة تصر على تجاهل هذه الزيادة، وستبقي الوضع كما هو.. فما زال عدد الأطباء ستة غير طبيين للأطفال.. كما كان الوضع منذ عام ۱٩٦٠.. ونتيجة لذلك تظل معاناة الأطباء لزيادة المراجعين وزحمتهم في تفجر وتضخم.. لأن التطور السكاني غير متناسب مع المؤسسات الصحية.
الزجاجات الفارغة
وفي صفوف المراجعين، رأيت فتى يربط قدمه بمنديل.. والدم متفجر منه.. ويطلب الإسراع بإدخاله للطبيب، فقلت له: ما الذي أصابك في قدمك؟
وتلعثم الفتى.. ثم قال: «بطل» أي زجاجة بارد.. فعلمت أنها إحدى زجاجات المشروبات التي يلقيها الصبية بعد شربهم في الطريق..
ولما دخل إلى الطبيب كان صوته يقول:-
«كم أتمنى أن تُعبأ المشروبات في زجاجات من «البلاستيك» أو تتخذ شركة «كندا دراي» قرارًا مثل «البيبسي كولا» وغيرها، بضرورة تأمين نقدي على الزجاجات الفارغة؛ حتى يكون الحرص عليها نوعًا من الوقاية الطبية أو الصحية للمواطنين.. وأن تستمر حملات التوعية للمواطنين ببيان أضرار إلقائها في الطرقات.. وأن تتولى أية جهة تسيير سيارات للمرور على المنازل لتجمع الزجاجات الفارغة من كل صنف.
في مستوصف الجليب
وفي وسط الدروب الضيقة، والطرقات المتربة، والمنعطفات، والمتعرجات.. والمنخفضات، والارتفاعات.. وقفت بنا السيارة أمام مبنى عتيق.. لم نتعرف عليه إلا باليافطة والسيارات ذات الهلال الأحمر، وغيرها التي تزحم المكان، وتسد الطريق.
القذارة في الخارج
وكان أول ما صدمنا، ذلك الماء الراكد على أحد الأبواب للمستوصف.. على قمته برميل من الصاج المكشوف مملوء بالزبالة والنفايات؛ حيث يرتع فيه الذباب والحشرات.. متحديًا كل المهلكات والمبيدات .
وبدأنا الدخول من باب لنجد أنفسنا في طريق مسدود.. ونرجع إلى باب أخر.. أقسمت لو أن الحالة مستعجلة لَلَقِيَ صاحبها ربه قبل أن يعرف طريقه إلى الطبيب، وهو في مكان الإسعاف والعلاج.. فالمبنى خِلْوٌ من الاستعلامات الهادية للقادمين إليه .. وهو في تصميمه بيوت حرص بانيها على أن يتوه بداخلها كل غريب..
حجرة الطبيب بلا مكيف
وما إن وصلنا حجرة الطبيب؛ حتى وجـدناها لا تزيد في مساحتها عن زنزانة سجين ۲۱/۲ × ۳ متر.. في أعلاها كُوَّة خالية من مكيف.. اللهم إلا مروحة تتهادى بالهواء الساخن.. والتراب في أرض الحجرة من آثار طوز الأيام الماضية، أو أرجل المراجعين.. يغير هواءها.
ظلام الصيدلية
ولو قدر لك أن تدخل حجرة الصيدلية للتَّوَّة من ضوء الشمس، ما استطعت أن تتبين الصيدلي الواقف أمامك، أو الأدوية على الأرفف من شدة الظلمة بالداخل..
ـ لم أستطع أن أسأل الصيدلي أو أساعده:
أما يحدث أن تخطئ في الدواء، أو قراءة الوصفة؟ لأنه ممنوع من الحديث أو إمداد الصحافة بأية معلومات.. كأنه قد قدر لهم أن يعيشوا في السراديب والخنادق، ولا ينطقون؛ لأنهم في ساحة حرب وميدان قتال.. وكل ما يصدر منهم لغير القائد يعتبر خيانة حكمها الإعدام أو الطرد من الخدمة.. وليعش طوال فترة عمله في ليل النهار.
دورات المياه بلا أحواض
وعنَّ لي أن أدخل دورة المياه.. فكانت على النظام العربي القديم المبتور.. فهي بدون خرطوم أو إناء للغسيل، أو حوض يمكن أن يتلاقى بمائه وصابونه الشيء المفقود..
المشاكل مكررة
الزحام وكثرة المراجعين.. قلة الوعي الصحي لدى السكان.. عدم الاهتمام بالنظافة.. وهَلُمَّ جَرّا.
حوادث تشيب لها الولدان
وجمعتني المهنة ببعض الأطباء.. فقال أحدهم :- صدمت سيارة المواطن «س» وحُمل لحظة الحادث إلى أقرب مستوصف.. وبالكشف عليه.. وجدت الإصابة سطحية وبسيطة.. لكنه قدر لي أن أفحصه فحصًا كاملًا ودقيقًا.. واكتشفت من حديثي معه، أنه يشكو ألمًا مزمنًا بخاصرته.. فكان تشخيصي له: هبوط في إحدى الكليتين.. فأحلته إلى الجراحة؛ حيث تأكد التشخيص.. وأجريت له عملية استئصال الكلية..
قلت له: وهذا التشخيص بعيد عن إصابات الحادث..؟
قال: نعم.
قلت له: ولماذا لم يتم اكتشاف مرضه من قبل.. خاصة وأنك ذكرت أنه مزمن؟
قال:- بالطبع! .. لقد راجع الطبيب مرات.. ولكن أين للطبيب بالوقت الذي يسمح له أن يسمع كل كلام المريض وشكواه.. وأن يتخذ كل الإجراءات اللازمة للفحص الدقيق والتشخيص الصائب الذي يكتشف به حقيقة المرض؟
قلت له : أما فحصته سيادتك.. وعرفت المرض؟
قال: بصراحة.. لولا الحادث.. وإفساح المراجعين المكان له.. وسكوتهم على طول الوقت.. وانتظارهم دون ضوضاء وشكوى وتهجم على المكان بالدخول.. لمرَّ المريض من أمامي كما مرَّ من أمام غيري.. ولكان اقتصاري على إصابات الحادث فقط.
الصدفة تكشف سل العظام
وتدخل طبيب آخر، ليقول:-
كنا يوم جمعة.. وكنت منتدبًا للخفارة في إحدى المستوصفات والوقت آخر النهار.. والمراجعون قلة.. وجاءتني أم تحمل طفلها الذي لم يتجاوز عشرة شهور من عمره..
یا دکتور، الصبي عنده حرارة.. وراجعنا الطبيب أمس.. وأعطانا إبر.. وما في فائدة..
قلت لها: هل طاح الصبي؟
قالت: نعم.. وفي ظهره جروح..
وفحصت الطفل؛ لأشخص مرضه بسل في العظام، ويتأكد ذلك.. وتبدأ عملية العلاج الصحيحة..
تصور! ماذا كان سيحدث لو جاءتني وسط الزحام.. الذي يضم في طوابيره الهائلة من لا يستحقون المراجعة.. وبذلك يضيعون الفرصة على المريض الحق..؟ وماذا لو كانت له بطاقة علاج.. أما كانت المهمة سهلة لمتابعة المريض؟
دكتور: كيف يأتي إلى الطبيب من ليس بمريض؟
قال: أضرب لك مثلًا..
حضر أحد المواطنين، ومعه ثلاثة من أولاده.. أحدهم مريض، وكتبت له الدواء..
فقال: وهذا الصبي؟.. فقلت له:- ما الذي يوجعك يا صبي؟ فقال ببراءة: ولا شيء..
فنظرت لوالده عاتبًا.. فقال: هو لا يدري.. أعطيه أي شيء مقوي.. وهكذا بحساب بسيط تستطيع أن تدرك الفرص التي ضيعها على آخرين من هذا العدد الكبير الذي يراجع فيه أقل نسبة هي ۲٥۰ طفلًا.
حماسة طبيب
وقال أخر: بهذه المناسبة اذكر أن أحد الزملاء الذي غادر البلاد :
دخل المستوصف يومًا؛ فوجد زحامًا شديدًا على باب حجرته، والحارس حائر تائه مغلوب الأيدي.. فخلع جاكِتَّتَه، وشمَّر عن ساعديه، وبدأ يصُفُّ المراجعين صفين؛ كانت بدايتهما من مكتبه، ونهايتهما عند باب المستوصف.. ووقف ساندًا على مكتبه وسماعته في رقبته، يسأل كل مريض مأمولًا أن ينتهي منهم بسرعة، ويؤخر من يحتاجون للفحص الدقيق.. وبدأ في العملية، يعزل فريق المرضى، ويكتب للآخرين ما يريدون.. وانقضت ساعة وهو واقف يكتب وصفات.. حتی ازدحمت حجرته بالمعزولین.. والطابوران لا ينتهيان..
فما كان منه إلا أن جلس على مكتبه، وبدأ فحص المعزولين.. وعاد إلى ما كان عليه من الاستمرار في الكشف بالطريقة العادية؛ حتة انتهى الدوام، وتسلم منه زميله.. وعرفنا القصة، فكانت فكاهية محزنة.
دورة على أربعة مستوصفات
وقال الطبيب: عرفت قصة رجل دار علی أربعة مستوصفات يومًا من أجل العلاج.. لأنه في كل مستوصف يكتب له الطبيب دواء من الحبوب والشراب، وهو لا يريد إلا الإبر.
معذور
ورد عليه زميله قائلًا:
إنه معذور.. لأنه لم يعط العناية الكافية التي تستطيع بها أن تقنعه، أو تسمح له.. ثم إن كثيرًا منهم لا يفهم كيفية استعمال الدواء الذي يكتب له.. فهو -مثلًا- يأخذ دواءً للنوم، ولكنه لا يعلم أنه للنوم، أو يأخذ دواءً لخفض الحرارة، ولكنه لا يعلم أي دواء هو.. مثل هذا المريض يراجع المستوصف مرة أخرى في نفس اليوم ليلًا؛ ليأخذ إبرة ضد الحرارة، والدواء عنده! لكنه لا يعرفه، ولا يعرف كيف يستعمله.. ولذلك ألجأ -أنا شخصيًّا- إلى التقليل من الدواء، والاعتماد على الإبر ما أمكن ذلك.. وإن كان هذا يسبب ضغطًا على الممرضين والممرضات.
في الجناح السابع بمستشفى الصباح
قلت لهم: بمناسبة الضغط على هيئة التمريض.. أذكر أني مررت يومًا على الجناح السابع للأطفال بمستشفى الصباح.. وكان مزدحمًا بمرضاه لدرجة شغل الطرقات.. والذين كان يتجاوز عددهم فيما أتصور المائة والعشرين طفلًا.. ولم أر فيهم من هيئة التمريض سوى أربعة.. -أعني أن لكل واحدة ٤٠ طفلًا بحالاتهم المختلفة..!- تقوم بحمامه، وتغيير ملابسه، واستبدال فراشه.. زيادة على دوائه في ساعاته المحددة، التي غالبًا ما تكون كل ثلاث ساعات، وكذلك رضعاته العديدة في نفس الساعات تقريبًا.. إلخ.. والمعلوم أنه لا يصل إلى هذا الجناح إلا الحالات الخطيرة التي تصل فيها -على سبيل المثال- درجة الحرارة إلى الأربعين.. ومن ثم تجد مناظر مختلفة.. هذا طفل يُنقل له دم.. وذاك آخر موضوعًا داخل غِلاف مزود بالأكسجين.. وتلك تُغذى بأنابيب «الجلوكوز».. وهَلُمَّ جرًّا
حادث فظيع.. ولكنه عندهم ليس بغريب
وجاءت الممرضة، تعطي أحد الاطفال دواءه.. وكان مصابًا «بربو» وضيق التنفس.. وأعطته الجرعة.. لكنه شهق شهقة انقطع بها نفسه.. فقامت بعملية تدليك للقلب.. وأخذت تصيح على زميلتها التي كانت مشغولة في آخر العنبر مع آخر ترضعه.. والثانية تستقبل مريضًا حديث الوصول.. والثالثة ترقب تطورات حالة خطيرة واقفة بجوارها.. وجميعهن مشغول لا يسمعها.. وكان الوقت ساعة زيارة الأهالي، فأسرع أحد الزائرين بالهرولة؛ ليأتي بزميلتها، وقمن ببعض الإسعافات العاجلة التي لم تُجْدِ.. وبدا لنا أن الطفل ميئوس من إنقاذه.. وخرجت الممرضة تبحث عن أنبوبة الأكسجين.. فوجدتها بدون منظم «ساعة»..!!
وتعرفن بسرعة ريثما يحضر الطبيب.. فحملت الطفل ووضعته في غلاف الأكسجين مع طفل آخر موضوع فيه.. وحضر الطبيب ليطمئن الجميع بأن الطفل حي، وأن الإسعافات أنقذته، وأمر بإخراجه فورًا، ووضعه في غلاف منفصل..
وبدأ البحث في العنابر الأخرى عن منظم أنبوبة الأكسجين! وانفرجت الأزمة بعودة الحياة إلى الطفل.. لكن بقيت المشكلة، وهي أن الممرضة تقوم بمهمة «دادة» للأربعين طفلًا، تحاول أن تسكت الباكين الذين أفاقوا.. وتطعم الجائعين.. وتنظف أجسادهم، وتغير ملابسهم وفرشهم.. كيف يكون ذلك؟! وهي في نفس الوقت مسئولة عن الدواء ومباشرة العلاج.. كيف يكون ذلك ؟! عِلمُها عند وزارة المعجزات..
نحن من أرقى البلدان !
قلت لهم: نحن من أرقى بلدان الشرق الأوسط، بالنسبة إلى عدد الأطباء، وهيئة العاملين بمؤسسات وزارة الصحة مع النسبة السكانية.. فما هي أسباب هذه المأساة من انخفاض مستوى الخدمة الطبية؟! وكانت خلاصة الإجابات:
أولًا: التقدير الإحصائي السليم.. لا بد أن يرسم خطه البياني على أساس عدد الأطباء وعدد المراجعين.. وهيئة التمريض كذلك.. لا على أساس عدد السكان..!!
ثانيًا: تأميم الطب وعدمه.. وهنا اقترح أحد الأطباء فرض رسوم على المراجعين في حدود إلى ۱۰۰ فلسٍ، محتجًّا بأن ذلك يقلل من نسبة الوافدين على المستوصفات في الأمور التافهة، ويعطي الإنسان فرصة التفكير قبل مزاحمة الطوابير.. ويمنع التردد الكثير دون هدف، إلا الاقتناع بأنه لا يشفى الا بإبرة.. ملقيًا الدواء على تراب الأرض..!!
الرسوم لا تقلل العدد !!
وهنا انبرى أحد الأطباء قائلًا:
ـ إن فرض رسم يعني أن كثيرين سيموتون داخل بيوتهم! وخاصة المناطق التي لم يصل فيها مستوى التعليم والوعي الصحي إلى الحد الذي يجعله مؤمنًا بالطب.
ـ إننا ما زلنا في مرحلة نحاول فيها أن نجعل كثيرين ممن كانوا يعيشون في البادية يؤمنون بطب اليوم.. فما زالت الحجامة، والكي بالنار، واللجوء إلي مدعي السحر.. تجد سوقًا رائجة في المناطق النائية..
ـ إن العلاج لهذه الظاهـرة ذو شقين:
1- «المواطنون» وهم يشكلون رواد المستوصفات، وهؤلاء لا يحتاج الأمر معهم إلى معجزة :
· الوعي الصحي:
وهنا يأتي كما ذكرت «المجتمع» في عدد سابق، بتعاون جميع أجهزة الدولة في هذا الشأن:
· وزارة التربية؛ بمدارسها، ونواديها.
· وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية؛ بمساجدها، ووعاظها.
· وزارة الإعلام؛ بصحفها، ومذياعها، وتلفزيونها.
· وزارة الصحة؛ بإدارة التثقيف والوعي الصحي، الذي أشرنا سابقًا إلى ضرورة إمدادها لهذه الجهات وقيامها بنفسها في المستوصفات، وساعات الزحام بعرض أفلام سينمائية صحية.. وليكن في كل مجمع جهاز لهذا الغرض.. وأن تباشر التوعية في كل مكان ومجال، وأن تبعث بأخصائيها إلى العشيش كمصدر رئيسي لهذه الزيادة.. وهكذا..
· التنظيم الدقيق :
ـ وهذا يأتي بأن تقوم وزارة الصحة بتوزيع سليم وعادل للهيئات العاملة بها حسب المناطق وكثرة المراجعين فيهـا.
ـ توفير العدد الكافي من الأطباء وهيئة التمريض والنظافة والميزانية، بحمد الله وفيرة، والبلاد العربية بها ما يسد الحاجة، ولعل جهود الوزارة للتعاقد مع إخواننا في بعض البلاد العربية يأتي بالعـدد الكافي.
ـ ضرورة الالتزام بتنفيذ التسجيل الصحي، وعدم التهاون في ذلك.
ب- «الأطباء» وهم يشكلون الجانب الرئيسي.
وإذا كانت الهيئة الطبية جزءًا من المجتمع وقطاعًا هامًّا يخدم في أقدس ساحة وأنبلها؛ فقد وجب على الدولة:
أولًا: أن تحسن اختيارهم، وتضع لذلك المقاييس اللازمة التي تنفي عنهم نوعية المستهترين..
ثانيًا: أن تقوم بتشجيع المخلصين، ولو بخطاب شكر أو تقدير..!!
ثالثًا: أن تمنحهم الثقة والشعور بالاطمئنان.. وألا تجعلهم مجالًا للتهديد من قبل المواطن، الذي يحدث في كثير من الأحيان إرضاؤه علـى حساب الطب وضمير الطبيب!
ج- ويلحق الأطباء «هيئة التمريض»
د- «الإداريون» وهم عصب التنظيـم، والمشرفون على المبنى كله، كواجهة جميلة للصحة.. وهؤلاء لا بد أن يكونوا على مستوى من الثقافة والوعي.. ولو أدى الأمر إلى دورات تدريبية وتوجيهية خاصة بهم وتفتيش على أعمالهم.
فمثلًا.. كانت الفوضى تعم أحد المستوصفات زمنًا طويلًا.. وحين أكرم الله المستوصف بأمين حازم مثقف.. استطاع بحسن إدارته أن يخفف من حدة الزحام وفوضى المراجعين وقذارة المبنى.. إلخ.
أمَّا أن ترى الإداري مستهتَرًا في أوقات الدوام، ومحاسبة العاملين تحت إمرته.. لا مباليًا بشأن الزحام وفوضاه، غيرَ مراعٍ للمبنى وصيانته ونظافته.. فذلك أمر بالغ السوء..!!
وأخيرًا
فإن المسئولية التي ألقاها الله على عاتق وزارة الصحة تستلزم من القائمين على الأمر أن يقدروها حق قدرها، وأن يولوها مزيدًا من العناية اللازمة.. وأن تكون هذه اللمسات التي ذكرناها علامات في طريق الأبحاث الجـادة لتنفيذ ما فيه صالح للمواطنين.
أبو هالة