; نحو سلام عالمي بغیر خــداع | مجلة المجتمع

العنوان نحو سلام عالمي بغیر خــداع

الكاتب د. توفيق الواعي

تاريخ النشر الثلاثاء 07-مايو-1974

مشاهدات 35

نشر في العدد 199

نشر في الصفحة 32

الثلاثاء 07-مايو-1974

إن الأخوة البشرية التي أرساها إمام الأنبياء والمرسلين لم تكن نبتًا عفويًا أو صدفة برقت على طريق الحياة كما لم تكن ترديدًا بشريًا نادی به شعب أو هتفت به أمة أو تسربل به حزب، بل كانت أخوة عامة أصيلة حانية تتعامل مع الناس كالكون في نواميسه الشخصية الرتيبة من شمسه وقمره ونجومه ومائه وهوائه وزرعه وفرسه وثمره ينير ويسقى ويؤكل بغير حقد أو منّ أو كراهية ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا﴾ أخوة ربانية تشع على الناس من خلال الخالقية العامة للمخلوقين ومن بين الرأفة التامة للرحمن الرحيم، ومن ثنايا الإحسان الغامر لمالك يوم الدين ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ ﴿وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ﴾

إن النداء في القرآن الكريم للإنسانية عامة وليس لجنس دون جنس ولا لطبقة دون طبقة، ويمتاز ذلك النداء بـ

  ١- أنه من الغنى..  ﴿۞ يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ ۖ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ.

۲ - وأنه من المنعم..﴿فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ إِلَىٰ طَعَامِهِ أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا  ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبًّا   وَعِنَبًا وَقَضْبًا  وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا  وَحَدَائِقَ غُلْبًا  وَفَاكِهَةً وَأَبًّا مَّتَاعًا لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ﴾،﴿أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ * أَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ *،﴿أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ * أَأَنتُمْ أَنشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنشِئُونَ- ﴿عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ﴿وَاللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا﴾ إلخ.. 

٣ - وأنه من الرؤوف الرحيم.. ﴿يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ ۚ وَخُلِقَ الْإِنسَانُ ضَعِيفًا

٤ - وأنه من عليم.. ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ﴾، ﴿يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ

 5 - وأنه من عادل ﴿وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا﴾ - ﴿فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ﴾ «يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته محرمًا بينكم فلا تظالموا». 

٦ - من أمر بالقسط ﴿قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ ۖ﴾ ﴿وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ﴾

﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِجاء النداء ليرد البشرية إلى أصلها بغير دخل ويصرفها بغير تسلط﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا ونِسَاءً واتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ والْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا

جاء ليكشف السارقين لنسب البشرية والمتاجرين بنسب الألوهية والمتسلطين على رقاب الإنسانية، جاء الإسلام ليقرر وحدة الجنس البشري في المنشأ والمصير في المحيا والممات في الحقوق والواجبات أمام القانون وأمام الله، فوثب بالإنسانية وثبة لم يعرف لها التاريخ نظيرًا. بعد تسلط دام طويلًا بلغ بالإنسان إلى أن ادعى الألوهية، كقول بعضهم ﴿مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرِي وجاء يشاهد على ذلك ﴿أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَٰذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي ۖ أَفَلَا تُبْصِرُونَ﴾ وليس له من مراد إلا استعباد الناس والبغي عليهم بغير حدود أو قيود ﴿إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ ۚ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ﴾ وقد واكب ذلك جهاد مرير لتخليص البشرية من قبضة أولئك المفترسين الذين سار في طريقهم أدعياء كثيرون ادعوا أنهم من نسل الآلهة أو أنهم قد خصوا بما حرم منه العالمون ﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَىٰ نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ ۚ﴾ فرد القرآن عليهم ﴿بَلْ أَنتُم بَشَرٌ مِّمَّنْ خَلَقَ﴾ وكان الميزان العام ﴿لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ ۗ مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا﴾ وكان منهم من كان لهم في خلق البشرية هوى عجيب، فقالوا: هذا الشعب خلق من رأس الإله وهؤلاء من يده، وهؤلاء من رجله إلى آخر تلك المضحكات العقائدية التي كانت تزرع في عقول الناس؛ لتقاد قيادة الحيوان وتسخر تسخير السائمة بغير حقوق وبغير كرامة ﴿أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِن دُونِي أَوْلِيَاءَ ۚ﴾ فجاء الرسول الداعية الخاتم لينسف تلك الحماقة الكبرى ويبدد ذلك الطيش البغيض من هذه الجاهليات القديمة والأمجاد الزائفة التي تنتج في ظلال هذه العصبيات أن أناسًا يريدون أن يسودوا؛ لأن فروج الأمهات يوم قذفت بهم إلى الحياة أضفت عليهم هالة خاصة، وصبغتهم بلون وردي ولو غربلت تلك البيوت لم تجد إلا القربان والبون والجراثيم ولو كشفت عن تلك البطون لوجدت دماء الناس الملتهبة ولحومهم المزدردة، ولو بحثت عن تلك الأيدي لرأيتها صفرت من الجد وملئت بالهزل ولو تحققت في تلك الوجوه لرأيتها كوالح تشق طريقها في الحياة وخدود صعر وقامة متطاولة. 

لقد جاء الإسلام بالأحساب والأنساب للمجتمع الإنساني ﴿إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾ - يا أيها الناس وضعتم نسبا ووضعت نسبا قلتم فلان بن فلان وقلت ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾ فالآن أرفع نسبي وأضع نسبكم. 

لا اعتبار البتة لما تواضع عليه الناس من شارات الرفعة أو الخسة ابن النبي أو ابن العبد الحبشي، إن تأخر الأول في سباق الصالحات لم ينفعه حسبه، وإن تقدم الأخير لم يضره نسبه، وقد أكد الله- سبحانه- أن هذا قانون أزلي وإن تعامى عنه الناس ﴿أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَىٰ وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّىٰ  أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَىٰ وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَىٰ ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَىٰ﴾، ﴿ومَّنِ اهْتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ ۖ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا «إن الله لا ينظر إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم» وقد خاطب القرآن الإنسانية كلها ولم يخاطب جنسًا أو قبيلة أو أهل كتاب خاصًا لهم . فيقول في رحمة ويوجه في رفق ﴿۞ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾، ﴿اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ﴾ - ﴿۞ نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ويحذرهم جميعا من قوى الشر والبغي. - ﴿يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ﴾، ﴿أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ ۖ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ. وهذه الآيات وغيرها في القرآن الكريم إنما تدل على وحدة البشرية المكينة، وقد كانت سير الرسول- صلوات الله وسلامه عليه- تطبيقًا حيًا لتلك المثل العليا. 

وهذه الآيات البينات لقد سمع الرسول- صلى الله عليه وسلم- رجلًا يقول لآخر: يا ابن السوداء، فغضب الرسول غضبًا شديدًا، وقال: «لقد طف الكيل.. لقد طف الكيل.. لقد طف الكيل.. ليس لابن البيضاء على ابن السوداء فضل إلا بالتقوى» فإذا لم تحترم الحرية والإنسانية، كان أساس العلاقة بين الناس هو الإرهاق النفسي والاسترقاق والاستعباد والاستعمار، ولذلك يعلنها المعلم الأول محمد- صلوات الله وسلامه عليه-: «ليس منا من دعا إلى عصبية» فكان لهذا التوجيه الكريم في تلك البقعة العربية التي أكلتها العصبيات وانفطرت عليها أخلاقهم قسوة وشدة ولكنه الإسلام الذي يربي الأمة الربانية ولكنها النفوس الكبار التي رباها محمد- صلوات الله وسلامه عليه- وشربت الوحي سلسلا صافيًا. 

حتى لتراها وجلة تتحسس خطاها بين يدي الرسول- عليه السلام- فتسأل الرسول سؤالًا: یا رسول الله أمن العصبية أن يحب الرجل قومه؟ فقال- عليه السلام- فارقًا بين المحبة والتعصب: «ليس من التعصب أن يحب الرجل قومه إنما العصبية أن يعين قومه على ظلم» هذه الكلمات العالية. هذه البنود والتعاليم المحلقة في دنيا الإنسانية تحتاج اليوم إلى من يوقظ بها النائم ويهدي بها الحيارى.

ولقد شدد النبي- صلى الله عليه وسلم- في النهي عن الإعانة على ظلم، فقال- عليه السلام- «مثل الذي يعين قومه على الظلم مثل البصير المتردي في الركى فهو ينزع بذنبه». 

وإن رحمة الرسول للعالمين في قوله- سبحانه-: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ (سورة الأنبياء: 107)

إلا من هذا القبيل، وقد تكون الرحمة للمؤمنين معلومة، أما الرحمة لغير المؤمنين منها تخليصه من ربقة العبودية وإشعاره بشرف الإنسانية وإزاحة كابوس البغي عن نفسه وإيصال رحمة الله إليه وكشف القناع عن بصره وتعظيم روح الله فيه وإجلال لصنعة الله في جسده. 

ولقد وقف الرسول إجلالًا لجنازة يهودي تمر عليه، فقيل له: يا رسول الله إنها جنازة يهودي، فقال:- رحمة الله للعالمين- « أليست نفسًا» والشخصية المسلمة صاحبة أفق سام ونفس مطمئنة لا تبذر أحقادها ذات اليمين وذات الشمال إنما تصدر الحب والحنان والرفق، وما أصدق قول الرسول- صلوات الله وسلامه عليه-:« من يحرم الرفق فقد حرم الخير كله»، «الراحمون يرحمهم الرحمن ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء» - لا تنزع الرحمة إلا من شقي- ولو تصورت معي ما فعلته قريش برسول الله- صلى الله عليه وسلم- وهو من هو الداعية الناصح المبعوث رحمة للعالمين، لأخذتك قشعريرة واعتراك غضب هادر وحينما ترى مناظر المعذبين والمصروعين على رمال مكة الملتهبة وترى الجيوش الحاقدة المستعينة بكل لعين كذاب وبكل باطل ماحق متربص تنساب هادرة لتحرق العصبة المؤمنة في غير ما هوادة ولا رحمة حتى بقرت البطون ولاكت الأكباد وجدعت الأنوف، ومثلت أشنع تمثيل بالأجساد الساجدة العابدة قد لا تستطيع كبح بشريته في إبادتهم إذا واتتك الفرصة بذلك، ولكنك تسمع القرآن يجلجل ﴿وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ ۖ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرِينَ وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وتسمع وترى معلم الإنسانية محمدًا- صلوات الله وسلامه عليه- عندما واتته الفرصة لإبادتهم في فتح مكة، وقد تجمعوا في مسكنة ووقفوا في ذلة يقول: أقول كما قال أخي يوسف: ﴿لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ ۖ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ ۖ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ اذهبوا فأنتم الطلقاء، وقد تأخذك الدهشة لأشياء تخالف استراتيجية البشرية على وجه الأرض في سلمها وحربها، حينما تعلم أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- سمع أن قريش في كفرها وعنتها وحربها للمؤمنين، قد أصابتها مجاعة، وهذا شيء قد يعوق مشركي مكة عن حرب الرسول وتحمل نفقات الجيوش الباهظة وتعطيل التجارة التي عليها مدار الدخول في مكة، ولكن الرسول- صلوات الله وسلامه- عليه أرسل مع حاطب بن أبي بلتعة ما تملكه الأيدي المسلمة من دراهم إعانة لقريش وإخراجًا لها من مجاعتها، أرسل مع حاطب بن أبي بلتعة خمسمائة دينار إلى أبي سفيان ليشتري بها قمحًا ويوزعها على فقراء مكه.

هل آن الأوان ليعرف العالم، الأمة المؤهلة لقيادة البشرية بحق، نحو السلام والرخاء والحب والفضيلة وما أحسن قول القائل في رسول الله: 

                     وإذا رحمت فأنت أم أو أب 

                                                  هذان في الدنيا هما الرحماء

                      وإذا أخذت العهد أو أعطيته

                                                     فجميع عهدك ذمة ووفاء

ستعرف الإنسانية رسولها الخاتم وأمتها المعلمة بغير غش أو دخل لا بد بعد صراع المذاهب والدعاوي وانكشاف الغطاء عن تلك القمامات التي أزكمت أنوف الناس زمنًا طويلًا. 

إن البشرية قبل كل شيء تحتاج إلى شفاء القرآن ورحمة الرحمن:﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ﴾ فيجب أن تستشفى نفسيا وجسديا وأن تنعم برحمة الله والناس وأن تحترم إرادتها وقد إحترم الله إرادتها ﴿قُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ ۖ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ وما وجد على ظهر الأرض من احترم إرادة الإنسان مثل الإسلام والمسلمين، وإذا نظرت في أحكام الدولة الإسلامية في التشريع لغير المسلمين تجد: «إذا تزوج المجوسي بنته جاز ما دام ذلك في شريعته»، وفي المغنى: مجوسي تزوج ابنته فأولدها بنتا ثم مات عنها فلهما الثلثان..!! 

إن الإسلام لم يقم على اضطهاد مخالفيه أو مصادرة حقوقهم أو تحويلهم بالإكراه عن عقيدتهم أو المساس بأعراضهم وأموالهم ودمائهم وإنما هو خطر داهم على الإذلال والتعصب والختل ولا يخاف شعب شريف الغاية من دعوته ولا جنس نقي النية من دولته، وإننا لنجزم بأن كل عائق يوضع في طريق هذا الدين إنما هو لحساب القوى الغاشمة والنخاسة الدولية، ولكني أقول إن حبل الباطل قصير وستبقى قمة الإسلام عالية سامقة ترد الطرف وتناطح الأفق وتهدي الضال، وسيرجع المغرورون يومًا إلى أوكارهم الهشة، فإذا بها مسواه بالرغام.

الرابط المختصر :