; الحداثة.. هل هي تيار متطرف لا يسمح بحق الحياة لغـيره؟ | مجلة المجتمع

العنوان الحداثة.. هل هي تيار متطرف لا يسمح بحق الحياة لغـيره؟

الكاتب مجلة المجتمع

تاريخ النشر الثلاثاء 05-يوليو-1988

مشاهدات 12

نشر في العدد 873

نشر في الصفحة 40

الثلاثاء 05-يوليو-1988

ندوة الأصالة والحداثة:

● ابن بيه: الأصالة تعني وجود جملة من الثوابت لا تخضع لتغير ولا تزال توجه

الفعل وتحدد مسار العمل.

 في ندوة حاضر فيها الشيخ عبد الله بن بيه وزير العدل.. ثم وزير التعليم العالي الأسبق في موريتانيا.. تحدث عن موضوع الأصالة والحداثة.. هذا الموضوع الذي تحاول تجذيره الأوساط الثقافية العربية والإسلامية في كل مكان.. في عصر يحاول فيه الاستعمار الحديث طرح مقومات التغريب باسم التحديث على مجتمعاتنا الإسلامية.. هذا وقد شارك في التعقيب على حديث الشيخ ابن بيه كل من الأساتذة: كامل الشريف والدكتور حامد أحمد الرفاعي، وفيما يلى أبرز نقاط الندوة:

1- المصطلح: 

 بدأ الشيخ ابن بيه بطرح السؤال التالي: ما هي الأصالة؟ وأجاب: الأصالة هي مصدر لأصول الشيء، ومن ذلك أصل الأمر تأصيلًا ثبته ورسخه، تقول العرب: شيء أصيل يرجع إلى أصول معروفة ولهذا يقولون مال أصيل، وفرس أصيل.. فالأصالة تشير إلى الكرم، فالفرس الأصيل يكون كريمًا وذات صفات معينة تدل على عتقه وأصالته، و يرادف التليد والتلادة.

 وهي إذن مصدر يدل على الخصال الحميدة، والإنسان يتميز عن الحيوان بالسلوك الواعي وبالفكر المتوقد وبالتالي فإن الأصالة تتعلق بالفكر والسلوك، فشعب أصيل.. معنى ذلك أن له قيمًا معينة وشخصية متميزة تترسخ جذورها، وقد ثبت على قيمه وسلوكه ردحًا طويلًا من الزمن يستلهم من تراثه في مواجهته لنفسه وفي تعامله مع الغير، يصوغ حاضره ومستقبله في ضوء ماضيه فيومه نتيجة لأمسه، وغده هو نتيجة اليوم والأمس معًا.

● الأصالة والعالمية:

 إن الأصالة تقابل لحد ما العالمية المذمومة، والعالمية، لا توجد فيما يتعلق بالنفس الإنسانية ومميزاتها، قالوا: العالمية ضرب من الحياء، ولا ينبغي لها إلا أن تكون كذلك، لأن كينونتها تعني عبقريات الشعوب وقدراتها على المساهمة إلا إنها تطلق على أفكار الغرب من أدب وفن وغيرهما، فالغرب في المصطلح الفكري ليس هو الغرب بالمصطلح السياسي، فهو في المصطلح الفكري يعني أوروبا غربيها وشرقيها مع أمريكا، أي الشطر الشمالي من الكرة الأرضية، والعالمية إذن مغالطة ككثير من المغالطات الأخرى.

 إن الأصالة تعني وجود جملة من الثوابت لا تخضع لتغير ولا تزال توجه الفعل وتحدد مسار العمل. هذه الثوابت هي التي تجيب الفرد عندما يتقدم لمشروع حيث يطرح على نفسه أولًا.. لماذا؟ وسنعرف فيما بعد إشكالية لماذا بالنسبة لأمتنا.. هذه الثوابت كثيرة وأريد أن أذكر بعضها فقط لأتكلم عن الأخرى.

ثوابت:

الثابت الأول: الشهادة على الناس، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قال تعالى:

﴿وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ۗ﴾ (سورة البقرة 143)، ﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ۗ﴾ (سورة آل عمران: 110).. ۗ

وترجمة ذلك أن هذه الثوابت تتعلق أولًا: بتصور الكون والخلق والحياة والألوهية وما يتبع ذلك من حاكمية الله سبحانه وتعالى.

الثابت الثاني: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وترجمة ذلك أنها أمة تفرض على نفسها وصاية الحق وتقوم برعايته ولا مجال هنا للأنانية.

الثابت الثالث - الوسطية: وهي التي تشير إلى عدم الغلو أو الإفراط والتفريط، فاليهود فرطوا بأنبيائهم وكذلك النصارى ﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَٰلِكَ قَوَامًا﴾ (سورة الفرقان: 67).

 فهي أمة عادلة مع نفسها، عادلة مع غيرها، ﴿…وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا ۚ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ (سورة المائدة: 8).

الثابت الرابع: الشهادة على الناس في عرصات القيامة والشهادة عليهم في الدنيا بتبليغ دعوة الحق.

 هذه الثوابت إذا احترمت، فإن المرونة في التعامل والاستفادة من التجارب الإنسانية وتعددية الاجتهاد ليست فقط مطلوبة في الإسلام، وإنما هي مطلوبة في الحياة.

وذلك يغرس في النقاط الثلاثة الآتية: 

1- الحوار مع الغير: ﴿وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ﴾، و﴿ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ﴾ (النحل: 125).

2- الاستفادة من التجارب وهذه النقطة في غاية الدقة، فما هي المجالات التي يمكن أن يستفيد فيها من الآخرين؟ وما هي حدود هذه الاستفادة؟ وما هي الخطوط الحمراء والخضراء؟ إنها أسئلة مهمة تختلف فيها الاجتهادات، والحق أن الموقف من هذه الاستفادة له حدان، حد تمثله شريحة من الناس.. يقولون كل شيء بلا قيد ولا شروط، و يرون السبيل الوحيد هذا التصرف طبقًا لنظرية ابن خلدون وهي تقليد: المغلوب للغالب، وهم يرون تقليد الغير في نظامه وأساليبه وأحاسيسه كأنهم يريدون أن يخلق فيهم الحديد «لتتبعن سُنن من كان قبلكم شبرًا بشبر وذراعًا بذراع حتى إذا دخلوا جحر ضب لدخلتموه».

الحداثيون والتيار المضاد:

 إن الغير عند هؤلاء مرادف للمتقدم، وعند هؤلاء لا علاقة للحاضر بالماضي، فأفعالهم مضارعة، تدل على الحضور والاستقبال وقد وصل بهؤلاء الأمر إلى تقليد الغرب في العلوم الإنسانية. إنهم يترجمون لنا كتب الأدب ولا يترجمون لنا العلوم الإنسانية، يترجون القانون الخاص والعام الذي يحكم علاقات الأفراد ونظام الأُسر ومكانة المجتمع حتى كادوا يقولون: ﴿اجْعَل لَّنَا إِلَٰهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ ۚ﴾ (سورة الأعراف: 138) فكان موقفهم متطرفًا. 

 والتطرف نعني به التيار الفكري الحاد الذي لا يسمح بحق الحياة لغيره، كما يشير إلى ذلك الحديث الشريف «إذا رأيت شحًا مطاعًا وهوى متبعًا وإعجاب كل صاحب رأي برأيه».

إن الحديث يصور حالة من الاستبداد الفكري، يستحيل معها النصح لإعجاب كل صاحب رأي برأيه، أن هذا التيار الحاد الذي يبتغي نقل تراث الغرب السياسي والفكري بحذافيره ويهتم بالحضارة الغربية لأنه مبهور بها، قد أفرز تيارًا مضادًا وهو الحد الآخر والطرف الآخر الذي يرفض كل وافد جملةً وتفصيلًا، ويعتبره رجسًا من عمل الشيطان دون تمييز بين النافع والضار، فاليوم عنده هو تكرار للأمس والغير مرادف لاستغلال الجنس والمخدرات والمسكرات والكفر وأوكار التآمر والرذيلة والتبعية، وهناك واسطة ترى أن الغير له جوانب متعددة ومحاسن ومساوئ، وأن احتفاظنا بالثوابت العقدية والنظم التشريعية ونظام القيم والأخلاق يتيح لنا أن نستفيد من التراث الإنساني في مجالات العلوم والتكنولوجيا، ووضع إستراتيجية طويلة لأنه تراث إنساني خاضع للتجربة أي أنه من عالم الأشياء الخارجية. إن هذا التراث ليس للغرب وحده، وإننا قد ساهمنا بوضع أسسه قبل أن نذهب بالعطلة الحضارية. 

 قد يقول قائل إننا نقلنا وترجمنا منذ العصور المتقدمة، قلنا هذا صحيح إلا أن أيدينا في ذلك الوقت كانت هي العليا، أما اليوم فإننا آخذون ونفوسنا مزعزعة والعقليات متحركة والعقول مقهورة، وقد بثت دسائس قوانين الغرب ودساتيره في الأمة الإسلامية، لذلك لا بُدَّ من أخذ الحيطة والحذر عند التعامل مع القوانين الغربية. 

 إن الأصالة ليست معوقة وإنما هي حابس للاندماج بالغير، ومنظم للإبداع كما كانت المبادئ التي قام عليها الدين حاجزًا للجيل الأول.

في العصر الحديث نذكر جملة من الأمثلة باختصار شدید: 

● في شمال إفريقيا كانت هناك حرب ضروس، هذه الحرب أصلًا قامت على قضية الأصالة، وقد يقول البعض قامت لسوء الأوضاع الاقتصادية، بل قامت أساسًا على الخلاف في الاندماج، فالفرنسيون كانوا مستعدين أن يعطوا الجزائريين حقوق الفرنسيين، إلا أن الشعب المسلم العربي لم يقبل بهذا الحل، لكن الشيخ عبد الحميد بن تاديس قال: إن شعب الجزائر مسلم وإلى العروبة ينتسب، إذن الإدماج والتنويم للشخصية كان أساسًا لهذه الحرب الضروس التي لم تكن وراءها دوافع اقتصادية فحسب، ولكن الأساس هو التمايز بين هذا الشعب الذي لا يريد أن يكون امتدادًا لشعب موجود في أوروبا، يعني أن الأصالة الكاملة لهذا الشعب هي التي دفعته لهذه التضحيات.

● في العصر الحديث وفي عصرنا هذا جهاد يدور على حدودنا الشرقية في أفغانستان، هذا الشعب هل يريد لقمة العيش؟ هل حمل السلاح لهذا؟ إن الروس كانوا مستعدين لإغداق ما عندهم عليه، ولكن هذا الشعب حمل السلاح لماذا؟ لأنه يتصور هدفًا كبيرًا وهو لا إله إلا الله محمد رسول الله، هذه الأصالة التي تشبث بها وهذا الشعب من سنة ٢٢ هجرية، أي منذ دخول الإسلام لتلك البلاد غير مستعد للتنازل عنها مهما كلفه ذلك من التضحيات، وقد كلفهم الشيء الكثير.

 هذه بعض أمثلة لما يمكن أن تعطيه هذه الأصالة وبخاصة في زمن الصحوة الإسلامية التي نشهدها هذه الأيام بكل مكان بين الشباب والشابات الذين يرتادون المساجد، ويقدمون أنفسهم في سبيل الله ويقومون الليل، ويصومون النهار، إنهم يريدون أن يقتدوا بالصحابة الكرام رضي الله عنهم، الذين كانوا فرسانًا بالنهار رهبانًا بالليل، يقتدون بخالد وأبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه وبعمر بن الخطاب رضي الله عن الجميع.

 هذا ويمكن أن نعيد الانتفاضة الإسلامية في فلسطين أيضًا إلى الأصالة، فلو أن هذا الشعب قبل أن يكون يهوديًا ما كانت المشكلة مطروحة، ولكن الأصالة والتميز والتشبث هي التي تدفع الإنسان للعمل.

 وأخيرًا.. أنصح أن نتشبث بثوابت الأصالة وأن نستوعب المتغيرات ونواكبها، وأن نوفق إلى مواءمة ذكية تحدث انسجامًا بين ثوابت الماضي ومتغيرات الحاضر. 

 علينا أن نستفيد من الغرب وأن نترجم الكتب العلمية التي تعلمنا كيف نزرع، كيف نصنع بدلًا من الكتب التي تعلمنا الغرام والتي تعلمنا الرومانسية، وعلينا أن نأخذ من الغرب شيئًا مهمًا ونافعًا، ونتعلم منه كيف ننظم أنفسنا وأن نحسن التخطيط، ونتقن التنفيذ.

تعليق:

 هناك إضافة بسيطة في جانب الأدب الذي يترجم اليوم من اللغات الأوروبية الأخرى، فقد أفاد أستاذنا عن ترجمة ما يحسن اختياره من الغرب في مجال التقنية العلمية والذي أقام الغرب حضارته على أصول إسلامية أو عربية، والدليل على ذلك هذه المخطوطات العربية التي توجد في دور المخطوطات في الغرب والجامعات الغربية وبخاصة في ألمانيا وإنكلترا، لكن للأسف الشديد فإن بعض الذين قاموا بالترجمة هم أجهل الناس بثقافتنا والأدلة على ذلك كثيرة، فقد تحدث

الصحافة عن شاعر أمريكي «أوديت» عاش في بريطانيا دون أن نعرف عنه شيئًا، والسبب أن من ترجم له لم يترجم الخلفية الفكرية لهذا الشاعر فهو كاثوليكي متطرف، وهو أيضًا يدعو لنظام الملك البريطاني ويدعو إلى الطبقة البرجوازية ويدعو للتمسك بأخلاقها. 

 فنحن نطلب من الشعراء أن يكونوا في مستوى أصالة أوديت بالنسبة لوطنه، لا يعلمون هذه الروايات هي التبشير بمولد الدولة الصهيونية في فلسطين، هذه أمثلة للدلالة على أن الذين يقومون بالترجمة هم أجهل الناس بثقافة الغرب، لذلك نطلب من الذين يقومون بالترجمة أن يكونوا على وعي تام بالخلفيات الفكرية والثقافية.

 إن أدباء أوروبا يدعون للأصالة التي تحدث عنها أستاذنا الكريم في مطلع الستينات عندما اجتمع الأدباء العرب في مؤتمر شعري لهم، والأديب الإيطالي المشهور «سينولي» قدم نصيحة للأدباء العرب أن يلتزموا بالأصالة وأن يلتزموا بأدب

عربي يعبر عنهم وعن عاداتهم وتقاليدهم. 

 وهناك شاعر لا أريد أن أذكر اسمه يكتب في جريدة الشرق الأوسط وهو محرر فيها، هاجم شخص الرسول -صلى الله عليه وسلم- وشبه الجزيرة العربية بأن جاءها الظلام منذ مجيء الهاشمي، وأن المرأة تُباع وتشترى.. هل سمعتم شاعرًا أجنبيًا يتكلم عن المسيح؟

 كما أن الأدب المسيحي على ما فيه.. هو مقدس من قِبل شعرائهم والقضية من وجهة نظري هي أن القائمين على الصحف والمجلات العربية غير مؤهلين دينيًا ولا فكريًا ولا إنسانيًا.

الأستاذ كامل الشريف:

 لقد أخذ أسلافنا التراث اليوناني وهضموه وصنعوا منه تراثًا إسلاميًا، وفي كل الأحوال كان الاتجاه هو الحفاظ على الشخصية، واستقرار على القواعد، وفي نفس الوقت الاستفادة: الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها استفاد منها، وهذا هو المطلوب الآن، والحقيقة في معاركنا مع الغير كانت هذه الأصالة، والانتماء والارتباط بالقرآن كان هو القلعة الضخمة التي حمت أمتنا من الذوبان. 

 والأصالة الآن وفي هذا الوقت أشد ضرورة لنا من أي وقت مضى فيجب أن نتمسك بها ونحافظ عليها، ومعركتنا مع اليهود لن يقف أمامها إلا تمسكنا بهذه الأصالة الإسلامية.

● د. حامد الرفاعي: هذا الهواء الفاسد الذي اندفع إلى محيطنا التربوي وإلى محيطنا التكويني، أحسب أن فرصته جاءت من الفراغ الذي نتحمل نحن مسؤوليته، لماذا هذا الهواء؟ ولماذا هذه الهجمة؟ لقد تحدث أخي عن الهجمة وعلق بما فيه الكفاية إخوة أحبة كرام، ولكن أقول: نحن نحمل ونتحمل مسؤولية كبيرة لهذه الهجمة ولهذا الفراغ الذي فتح أمام هذه الهجمة، نحن نتحدث عن ثوابت الأمة ونتحدث عن تراث هذه الأمة، ولكن لا زلنا مقصرين في تحويل وتأصيل التراث لدى أجيالنا، لا زلنا نتحدث عن تراثنا بعمومياته ومنطلقاته دون أن ندخل دائرة التأصيل التنظيري لهذه الثوابت، ولهذا التراث الضخم الذي نحمله..

أقول:

لا زالت القضية الإسلامية تعالج في خارج أطرها الموضوعية، ما نظريتنا الاجتماعية؟ وما هي نظريتنا السياسية؟ وما هي نظريتنا الأمنية؟ وما هي نظريتنا الثقافية؟ لا بُدَّ نحن حتى نملأ فراغنا الثقافي والدنيوي أن نقدم لأجيالنا فكرنا مؤصلًا مقننًا يملأ أنفسهم ويملأ أذهانهم وواقعهم حتى ينسد أمام هبات الرياح الفاسدة، ولا بد من نحمل مسؤولية منطلقاتنا، ولا بد أن نحمل هذا ونحوله إلى نظريات مع التحفظ عندنا جميعًا على كلمة نظرية، ولا أقصد بالنظرية التقليد الشائع اللغوي عند غيرنا، ولكني أقصد التصور المتكامل، يجب أن نضع تصورًا كاملًا وأن نضع مفاهيم وأسسًا متكاملة ومشاريع متكاملة عن متطلبات حياتنا المعاصرة، في الاجتماع، في السياسة، في العسكرة، في الأمن في كل شيء من شؤون حياتنا، إذا ملأنا هذا الفراغ عندها سنقيم الحاجز والحصن السديد الذي يحول بيننا وبين هذه الهجمات الطارئة المستعارة المزروعة بأيد خفية من وراء هذه الأمة ومن خارج أصالتها وكيانها.. إن الأحداث لا بد أن تقرأ قراءة دقيقة تعطي من خلالها ربط الأمور بخلفياتها، هذه الأمة اليوم تواجه تفجيرًا عسكريًا وسياسيًا، وبنفس الوقت تواجه بتفجير ثقافي عقدي، فالمعركة متكاملة والمعركة عقدية وثقافية وبندقية. فالمعركة متكاملة، كل من أولئك يقف على ثغرة من ثغراتها ليطاح بهذه الأمة، وليجتث جذورها لا سمح الله ولكن الله لهم بالمرصاد، وللأيدي المخلصة والعقول المخلصة وللعقول الأصيلة إن شاء الله الدور الأساسي في دفع هذا الشر وفي دفع هذا المكر، وأرجو الله -سبحانه وتعالى- أن يبعث من هذا الجيل وأن يبعث من هؤلاء الناس المهتمين، الفئة الذي تحول تراثنا وتحول إمكاناتنا الفكرية والعقدية إلى تصورات عملية توضع أمام أجيالنا، لنكون عمليين لا أن نكون شاعريين حدثيين نبكي على أطلالنا، ولا نعيش حاضرنا ومستقبلنا بما نملك من قوة ومن دفع عقدي وفكري.

الرابط المختصر :