العنوان نظريات التطور من خلال شخصياتها
الكاتب قيس القرطاس
تاريخ النشر الثلاثاء 12-يناير-1971
مشاهدات 37
نشر في العدد 43
نشر في الصفحة 16

الثلاثاء 12-يناير-1971
- ابن خلدون يسبق زمانه في تحليل ما يُسمَّى بنظرية التطور
سنستعرض في هذا المقال أبرز شخصيات التطور بما يعطي للقارئ صورة متجانسة، وأضفنا لهذه الشخصيات شخصيتين: شخصية نسبت إليها نظرية التطور، وشخصية عارضت التطور لكي تكتمل الصورة.
لامارك:
يعتمد لامارك في نظريته المشهورة باسمه على أثر البيئة المباشر في تعليل التطور. وتسمى نظريته بنظرية الاستعمال والإهمال.
فاستعمال أي عضو من الأعضاء يُقويه ويُنميه، وإهماله يضره ويلاشيه، ثم تتكفل الوراثة بنقل الصفات المكتسبة من الأسلاف إلى الأحفاد.
ومن أشهر الأمثلة على ذلك هو رقبة الزرافة الطويلة، والزرافة لطول قوائمها الطويلة تعوَّدت أن تمط عنقها، كلما تجردت تجرد الفروع السفلى حتى بلغ العنق غاية الطول. وقد قام إيزمان بإجراء تجربة على فئران كان يقطع أذنابها بمجرد ولادتها، واستمر على هذا المنوال أكثر من عشرين جيلًا، فلم يحدث حادثة واحدة ولدت فارة بدون ذنب. وبذلك لم تلق اللاماركية أية شهرة في البداية.
دارون:
وجاء دارون ليدخل تنقيحات على نظرية لامارك، فعلل التطور تعليلًا جديدًا بإدخال عامل الانتخاب الطبيعي؛ فيعلل دارون استطالة رقبة الزرافة أن الزراف جاءت إلى عالم الوجود وهي متفاوتة الأعناق فيما بينها، فتكفل الانتخاب الطبيعي بإفناء قصار الزراف وإبقاء طوال الأعناق.
وقد تيسر لدارون رحلة طويلة على ظهر السفينة بيغل دامت حوالي خمس سنوات شاهد خلالها بقاعًا عديدة وجزرًا مختلفة وحيواناتٍ غريبة.
يقول دافيدلاك: «في عام (1835) م شاهد دارون مجموعة من الطيور شبيهة بالعصافير صغيرة الحجم منطفئة اللون، كُتب لها أن تغير مجرى التاريخ البشري».
ولاس:
وولاس شخصية أخرى توصلت إلى نظرية التطور في الوقت الذي توصل إليها دارون، إلا أن هناك فروقًا عميقة بين نظريتي دارون وولاس. يقول لورين إيزلي «لقد رأى دارون في نشوء الإنسان ذي الدماغ الفريد الذي يستطيع أن يتخطى الزمن مجرد تمثيلية دون مخرِج تقوم بأدائها القوى الطبيعية التي أوجدت بقية عالم الأحياء من النباتات والحيوانات. وفي مقابل ذلك تخلى ولاس بالنسبة للإنسان كلية عن وجهة النظر هذه، وولّى وجهه شطر نظرية تقول بوجود رقابة لعلمية التطور تسيرها العناية الإلهية، وأخيرًا تحدى ولاس موقف دارون من الإنسان بأكمله بإصراره على أن القدرات الفنية والرياضية والموسيقية لا يمكن تفسيرها على أساس الانتقاء الطبيعي أو تنازع البقاء وحاجة البيئة بقوله: إن هناك عنصرًا روحانيًّا مجهولًا، ولذلك شطب على الدور الذي قام به ولاس.
هيجل:
اعتبر كثير من الباحثين هيجل من المتطرفين في عرض نظرية التطور؛ إذ إنه أعلن تسلسل الإنسان من القرد مباشرة. يقول هرمن كلاتش «ودارون كان نفسه شديد الحذر، فلم يعلن تسلسل الإنسان من القرد بوضوح، كما جهر به هيجل في ألمانيا بعد ذلك».
تقول دوروثي ديفدس: «ليس هناك أسخف من الرأي القائل بأن الإنسان تحدر من القرد». ومن أجل ذلك استبعد أنصار التطور الحاليين شجرة التطور التي رسمها هيجل التي تجعل الإنسان من نسل القرد مباشرة، ووضعوا بينهما حلقتين مفقودتين هما: القرد الإنساني والإنسان القردي. إذ إنه لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يتطور القرد إلى الإنسان، وإنما هما يشتركان في جد مشترك قبل ملايين السنين.
ابن خلدون:
وقد حشر بعض الكُتَّاب اسم هذا العالم الكبير من القائلين بنظرية التطور، لما ورد في مقدمته من تحليل وتقسيم بديع للكائنات ليشابه تقسيمات علم الأحياء حديثًا، إلا أن التدقيق في عباراته يجعلنا نستبعد أن يكون معناها اعتقاده بنظرية التطور، وإنما كان يرى أن الكائنات على هيئة بديعة من التدرج من العوالم الدنيا إلى عالم الإنسان، وهي نظرة علمية صائبة استدل بها أنصار التطور على صحة نظريتهم، وعارضهم خصوم التطور بأن هذه الملاحظة صحيحة، إلا أنها لا تؤدي إلى الاستنتاج الذي انتهوا إليه.
هرمن كلاتش:
وظهر عالم ألماني استدل ببراهين رآها مقنعة أن البشر لا يلتقون بأصل ما واحد مع نوع معين من القردة، وإنما كل نوع من القردة يلتقي ببعض أجناس البشر، فالغوريلا تلتقي مع زنوج أفريقيا، بينما يلتقي قرد الأورانج مع المغول في أصل آخر وهكذا. ولعل هذه النظرية أثر من آثار التفرقة العنصرية التي تفضل الاتصال بنوع من القردة قبل الاتصال بالملونين. يقول هـ.ج ويلز معلقًا على هذه النظرية: «تلك أفكار عقيمة لا يُجيزها العقل السليم».
هوجودي فريس:
وقد قام هذا الباحث بتجارب عديدة لإثبات نظرية الانتخاب الطبيعي، إلا أن تجاربه لم تؤد إلى نتيجة مثمرة، وذات يوم عرج على حقل مهجور فرأى فيه مجموعة كبيرة من أزهار الربيع، وشاهد بينهما نوعًا لا ينبت في أوروبا، وإنما ينبت في أمريكا، بالرغم من أنه كان يعلم ثلاثة أنواع منها نقل من أمريكا إلى أوروبا في أوقات مختلفة.
فانتهت به هذه الملاحظة إلى الاعتقاد بالنظرية التالية، وهي أن الأنواع الجديدة قد ظهرت إلى عالم الوجود دفعة واحدة كاملة العدة، ودون إعداد سابق أو خطوات متوسطة.
فلم يكن ثمة حاجة إلى سلسلة من الأجيال المتعاقبة أو الانتخاب الطبيعي أو تنازع البقاء؛ إذ إن ظهورها كان قفزة مفاجئة نحو طراز جديد أو طفرة بكل ما تحمل هذه اللفظة من معانٍ.
وواجهت هذه النظرية هجومًا عنيفًا من قِبل أنصار التطور بالرغم من أنها أرادت أن تتفادى الهجوم المُوجَّه إلى النظرية.
ميتشورين:
وتبنَّت روسيا مذهب ميتشورين، وهو شبيه بمذهب اللاماركية الجديدة، واعتبرت نظرية دارون فيها أفكار رجعية لقبولها نظرية مالثوس عن الندرة النسبية لنقص الموارد الطبيعية في الوقت الذي يجب أن تلقى المسؤولية على الأنظمة الاستغلالية.
أما أصحاب مذهب الدارونية السياسية الاجتماعية فهم على طرفي نقيض مع الميتشورنية، لأن الأوائل يرجعون أسباب الفقر والمصائب على الطبيعة بينما ترجعها الماركسية الميتشورنية إلى وسائل الإنتاج.
هولدين:
ثم ظهر من حاول أن يجمع بين نظرية الطفرة ونظرية الانتخاب الطبيعي، وهم هولدين وفيشر ورايت، وسميت نظريتهم بالنظرية التركيبية الحديثة، واعتمد أحد هؤلاء الثلاثة وهو هولدين على ظاهرة معينة، فقد لاحظ أن نوعًا من الفراشات له سلالتان إحداهما بيضاء الأجنحة والأخرى منقطة، وكانت نسبة الأولى كبيرة في القرن الماضي قبل انتشار دخان المصانع في إنجلترا، وبعد نحو خمسين سنة من انتشار الصناعة لوحظ زيادة نسبة عدد الفرشات ذات الأجنحة المنقطة.
كريسي موريسون:
وهو رئيس أكاديمية العلوم بنيويورك أعلن بكل جرأة «لم تحمل شجرة بلوط قط قسطلًا ولم يلد أي حوت سمكة». وحقول القمح المتماوجة هي قمح في كل حبة من حبوبها. والحنطة هي الحنطة. والقانون يتحكم في التنظيم الذري «بالجينات» التي تقرر قطعًا كل نوع من الحياة من البداية إلى النهاية. أي أن لكل نوع شجرة مستقلة.
جوليان هكسلي:
وتطوع هذا الباحث لإنقاذ نظرية التطور من أي امتحان أو اعتراض عليها من قِبل العلماء، فقد اعترض المعترضون على نظرية التطور بأنه إذا كان الحيوان قد تحول إلى إنسان في الماضي، فلماذا لا تتحول بعض الحيوانات الحالية إلى أناس؟! فأجابهم هكسلي: بأن عملية التطور قد حدثت في الماضي، ولن يحدث مثلها في المستقبل؛ لأن تخصص الحيوانات قد زاد، وقد فقدت قابليتها للتطور، وبذلك أسدل الستار على العملية، ولا ندري متى يُسدل الستار على النظرية.
النتيجة:
والآن أي رأي من هذه الآراء نأخذ؟
ومن التدقيق يتبين لنا أن أسلم هذه الآراء بالإضافة إلى تحقيق الابتعاد عن هذه الفوضى الضاربة أطنابها، أن نأخذ برأي ا. كريسي موريسون بأن لكل نوع شجرة مستقلة.
وإذا كانت هناك تغيرات بأثر البيئة وغيرها فهي تغيرات طفيفة لا تخرج النوع عن نوعه، ونُضيف إلى هذا الرأي نظرة ابن خلدون بأن الكائنات قد وجدت على هيئة بديعة من التناسق والتدرج والنظام، وهي النظرة العلمية الحديثة المتفق عليها من كافة العلماء، وهي أساس علم التصنيف الحيواني.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل

الحق سلطانه أقوى من كل سلطان والباطل لا يصمد أمام الحقيقة
نشر في العدد 2170
28
الاثنين 01-أغسطس-2022
