; نظريات الرجل الثالث | مجلة المجتمع

العنوان نظريات الرجل الثالث

الكاتب قيس القرطاس

تاريخ النشر الثلاثاء 13-أبريل-1971

مشاهدات 44

نشر في العدد 55

نشر في الصفحة 24

الثلاثاء 13-أبريل-1971

- هل تدل على الذكاء وسعة الحيلة، أم على تبرير الهدم وتغيير الأوضاع بأية وسيلة، أو على الاثنين معًا؟

 

إن النظريات التي أخرجها الرجل الثالث تشـكل مبدأ يحاول أن يعالج أمور الحياة من وجهة نظر معينة، ويلقي أضواء تفسيرية على الماضي والحاضر والمستقبل، وهي امتداد للنظريات التطورية التي تحمل جميعها روحًا مادية واحدة، فنظرية دارون أعلنت أن الإنسان أصله حیوان، وفرويد بين أن مشاعر الإنسان حيوانية بحتة، ثم جاء ماركس ليثبت أن تاريخ الإنسان هـــو تاريخه في البحث عن لقمة العيش، وبذلك لن يرتفع تاريخه عن تاريخ أي حيوان آخر.

نظرته للمشاكل: ينظـر الرجل الثالث إلى المشـاكل بالمنظار الاقتصادي فقط؛ فالاقتصاد وحــده هو سبب جميع المشاكل، إن كيان الإنسان متعدد الجوانب، وإن الاقتصاد جانب مهم إلا أنه ليس الجانب الوحيـد الذي يترتب عليه صلاح البشرية، وأحسن مثال على ذلك شخصان عاشا في ظل هذا المبدأ الذي أصلح الاقتصاد من وجهـة نظره، إلا أن الصلاح كان بعيدًا عنهما، فلقد اتهم بريا وستالين بجرائم ينبو القلم عن ذكرها من قبل المؤمنين بهذا المبدأ نفسه.

نظريته في الأخلاق: كان ماركس يرى أن النظم الخلقية ليست إلا خداعًا وبهتانًا افتراه الملاك الرأسماليون، فالأخلاق عنده هي كل ما يؤدي إلى هدم المجتمع الاستغلالي وتوحيد الكادحين حول طبقة العمال، وأن الغاية في رأيه تبرر الوسيلة، فكل وسيلة يستعين بها لهدم المجتمع الاستغلالي مشروعة، ویری صاحبه إنجلز: أن واضعي القيم الأخلاقية المطلقة- أي غير المتذبذبة- مجانين أو دجالون، وأنه لا يوجد شيء يسمى الأخلاق بمعزل عن المجتمع البشري، وأن تلك الأخلاق تزييف وتزوير إلا الأخلاق التي تستمد قيمها من صراع طبقة الصعاليك.

الدين: كان ماركس يرى أن النظام الخلقي في كل مجتمع هو وديانته وقوانينه، ليس إلا جزءًا من بناء زائف أقامته ظروف الإنتاج ويعكس مصالح الطبقة السائدة، وأن القانون والأخلاق والدين كلها في نظر البروليتاريا أوهام برجوازية، ولا وجود لله في نظره والحياة مادة بحتة. وإن رسالة العمل للشيوعيين هي القضاء على الدين والداعين إليه، وأن الدين هو نفثة المخلوق المضطهد، إنه أفيون الشعوب فيخدر الجماهير لتسهل سرقتها.

نظام رجعي: والماركسية نظام رجعي؛ لأنها الجانب الأساسي منها قد ظهر في القرن الخامس قبل الميلاد، فقد اشترط أفلاطون على الحكام في جمهوريته الخيالية الشيوعية أن اشترط على حكام هذه الجمهورية ألا يتزوجوا من النساء، ولكن يخصص لهم عدد من النساء يتصل الواحد منهم بمن شاء منهن، ويوضع الأطفال في أمكنة خاصة، ويشتركوا جميعًا على موائد الطعام، وقبل الميلاد أيضًا ظهر مزدك الذي قال: «إن الناس ولدوا سواء فليعيشوا سواء، وإن سبب الخلاف بين الناس هو وجود المال والنساء فلا بد أن يكونا شركة بينهم، وكانوا يدخلون على الرجل فيغلبونه على منزله ونسائه وأمواله ولا يستطيع منعهم من ذلك».

الملكية الفردية: ويبرر ماركس إلغاء الملكية الفردية بقولهم «يهولكم ويروعكم أننا نريد محو الملكية الخاصة، ولكن مجتمعكم هذا ذاته تسعة أعشار أعضائه محرومون من أية ملكية خاصة، وإذا كنتم تتمتعون بالملكية الخاصة فما ذلك إلا لأن تسعة الأعشار الباقية محرومة منها».
إن المسألة بسيطة في نظر ماركس فما دام تسعة أعشار محرومين، فليحرم العشر الباقي إنه حل مريح سهل، أليس كذلك؟ ولا ندري لماذا يغمض ماركس بصره عن الحل السليم، ألا وهو تمكين المحرومين الباقين من الملكية الفردية.

إشاعة النساء: النساء في نظر الماركسية كانت مشاعة في عهد البشرية الأولى، ثم تكونت الأسرة بفعل علاقات الإنتاج، وإن النساء والأبناء أدوات إنتاجية صرفة، ولما كانت الشيوعية تريد القضاء على رأس المال فسيقضي حتمًا على العائلة. فالأسرة في نظرها دعامة المجتمع البرجوازي، فيجب تحطيم هذه الدعامة والقضاء عليها والحب الحر يقوم مقام الزواج والعائلة بكامل كيانها، وتمام بنيانها ليست موجودة إلا عند البرجوازية فقط، ولكن تتمتها هي الإلغاء القسري لكل عائلة بالنسبة للبروليتاريا ثم البغاء العلني، إن العائلة البرجوازية تضمحل باضمحلال تتمتها وكلتاهما العائلة وتتمتها تتلاشیان بتلاشي رأس المال.

إن ماركس يدافع عن هذه الأفكار بقوله «أتأخذون علينا أننا نريد القضاء على استثمار الأبناء من قبل ذويهم؟، إن كان كذلك فنحن نعترف بهذه الجريمة». ويقول مدافعًا: «فقصاری ما يمكن أن يتهم به الشيوعيون هو أنهم يريدون إبدال إشاعة النساء المغطاة بالرياء بإشاعة صريحة رسمية».

القيمة الفاضلة: ترى الماركسية أن العمل يعطي لكل شيء قيمته، فلا قيمة لشيء من الأشياء بغير العمل الذي يبذل فيه، وإذا لم يكن هنـاك استغلال وجب أن يأخذ العامل ثمرة العمل كله، إلا أن صاحب المال يستغل العامل فلا يعطيه إلا الكفاية لقوته، ويأخذ هو لنفسه الزيادة، ومن العجيب أن أجرة العامل قد انخفضت في روسيا مما عليه في الدول الرأسمالية، أي أن السرقة في الدولة من أجرة العامل أكثر مما كانت عليه في الدول الرأسمالية، أو ليست التجارب والأقمار الصناعية من القيمة الفاضلة؟

النظرية الاستاخانوفية: وهي أغرب نظرية ظهرت في التاريخ، وذلك على إثر قيام أحد العمال باستخراج كمية من المعدن في أحد المناجم تعادل سبعة أضعاف ما استخرجه زملاؤه، فخرجت نظرية باسم هذا العامل نفسه تقول إن ما يقدر عليه فرد يقدر عليه فرد آخر إذا بذل جهدًا وهمة مماثلة.

 

التاريخ: ترى الماركسية أن وسائل الإنتاج هي الأساس لسير التاريخ وارتقائه، وإن أي طبقة تسيطر على وسائل الإنتاج تستغل الطبقات الأخرى فيقوم صراع بين الاثنين إلى أن تسيطر طبقة أخرى، وتمتلك وسائل الإنتاج فتنتزع الزمام من الأولى.

التطوير: وهو مبني على فلسفة التناقض بين وسيلة الإنتاج السائدة في المجتمع والطبقة المهيمنة على النظام، فطاحون الريح يعطيك مجتمعًا يتولده سيد الإقطاع، وطاحون البخار يعطيك مجتمعًا يتولاه صاحب رأس المال في الصناعة، وتغيير وسيلة الإنتاج هو الذي غير الأنظمة من الشيوعية البدائية إلى الرق فالإقطاع فرأس المال فالشيوعية الثانية فكرامة الآلة أثمن وأرفع من كرامة الإنسان في نظر الماركسية.

دفاع الماركسية: يدعي بعض الماركسيين أن بعض هذه الاتهامات باطلة بدليل:

١- أنها تسمح للرأسمال الوطني بالعمل، وهذا يدل على عدم إلغاء الملكية الفردية.

٢  -وإن وجود مساجد ومصلين في الدول الشيوعية يدل على أنها لا تحارب الدين.

٣- وجود العائلة يدل على أنها لا تؤمن بإشاعة النساء.

ونسيت أن هذا الدفاع يشكل أكبر ضربة نحو نظامها إذ أن ذلك يدل على أن نظامها غير واقعي ولا يمكن تطبيقه بالرغم من الجهود الهائلة التي بذلت والدماء الكثيرة التي سالت.

وأنه من الأولى اتهام المدافع بعدم الفهم والاطلاع على أقوال مؤسسيها، ومن عجيب ما يدعيه بعد ذلك هنري لوفافر أن ماركس طالب بأن تعامل المرأة كما يُعامل الكائن الإنساني الحر.

النتيجة: يتبين لنا مما جاء في هذا البحث أن الماركسية مؤسسة على نظريات غير واقعية مخالفة لفطرة الإنسان وواقع وحقائق الأشياء، وهي في ذلك شأنها شأن المبادئ البشرية. ومن المعلوم أن مبدأ هذا شأنه لابد أن يوقع في نفوس الأفراد وأفكارهم ومجتمعهم الخلل والاضطراب.

إلا أننا نجد في ديار الإسلام عدم المبالاة تجاه هذا التيار فإنما يقف بأساليب ساذجة تزيد من قوته، وأما القاعدون فيقنعون أنفسهـم بأن هذا الخطر لا وجود له في بلادنا لأننا مسلمون، وهم يقولون ذلك ببساطة متناهية وكأن الإسلام مطبق في مجتمعنا مهيمن على شبابنا، والأدهى من ذلك أن الذين يقولون هذا القول لا يكلفون أنفسهم تطبيق شعائر الإسلام والإنفاق في سبيل الله، بل أنهم قد لا يؤدون الزكاة المفروضة.

 فليتنبه هؤلاء فإن الماركسية لن تبقي لهم مالًا ولا كرامة، صحيح أن الإسلام سيحد من شهوات الجميع ويأمر بالإنفاق من المال العزيز الذي يحبه الإنسان، ولكن عندما تأتي الماركسية لن تبقي لهم مالًا، بل لن تبقي لهم وجودًا وإذا أبقت لهم وجودًا فلن تبقي لهم كرامة. إننا بتطبيق الإسلام سنربح ما هو أثمن من المال إنه كرامتنا إنه إنسانيتنا.

 إن الإسلام سد منيع ليس تجاه الماركسية فحسب بل تجاه أي مبدأ بشري، شريطة أن يتمثل في واقع حياتنا ومجتمعنا ويسيطر على أفكار وعقول شبابنا، وعند ذلك نكون قد صدقنا الله.

 

 

المصادر :

۱- البيان الشيوعي ماركس وانجلز.

۲- رأس المال ماركس.

٣ - الشيوعية والإنسانية العقاد.

٤- النفس والمجتمع محمد قطب .

٥ - ديمقراطية القومية العربية محمد عبد الله العربي (مع انتقادنا لعنوان الكتاب الأخير إذ أن العنوان لا يدل على مواضيعه التي طرقت فيه).

٦ ـ كارل ماركس هنري لوفافر.

 

بقلم قيس القرطاس

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل

نشر في العدد 16

896

الثلاثاء 30-يونيو-1970

لست أدري؟! صبيان الحــمراء

نشر في العدد 71

59

الثلاثاء 03-أغسطس-1971

أكثر من موضوع (العدد 71)