العنوان نقوش على جدار الدعوة: حتى لا تكون فتنة: لا بد من...
الكاتب د. جاسم المهلهل آل ياسين
تاريخ النشر الثلاثاء 07-أكتوبر-1997
مشاهدات 830
نشر في العدد 1270
نشر في الصفحة 66
الثلاثاء 07-أكتوبر-1997
إن الفتن لا تهجم فجأة ولكنها تتسلل إلى الأفراد والمجتمعات كتسلل الشيطان «إن الشيطان ليجري من ابن آدم مجرى الدم» فتبدأ بكلمة لتنتهي بانفجار مروع يهز الأمة، وتاريخنا شاهد على ذلك، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم محذرًا من التهاون وعدم الالتفات إلى زحف الفتن واستصغارها عند بدايتها، قال صلى الله عليه وسلم: «تعرض الفتن على القلوب عرض الحصير عودًا عودًا فأي قلب أشربها نكت فيه نكتة سوداء، وأي قلب أنكرها نكت فيه نكتة بيضاء، حتى يصير القلب أبيض مثل الصفا لا تضره فتنة ما دامت السموات والأرض، والآخر أسود مربدًا كالكوز مجخيًا لا يعرف معروفًا ولا ينكر منكرًا إلا ما أشرب من هواه» ص. ج. ص (2957) وبيان هذه الأمور خطوة في البداية، فميدان العمل فيه سعة لمن شحذ همته، وبذل نصحه، ونسأل الله أن نخلص النية وألا نطيل بمكرر لعل ما فيها يثلج الصدر، ويبرد الوَحَرَ ويطمئن لها قلب من له طلب مليح وقصد صحيح، وتوضيحنا لبعض ما نراه سببًا لحصول فتنة كبرت أم صغرت ليس تقليلًا من قدرة العاملين في الحقل الإسلامي على معرفة الأمور بل كما قال ابن رشد: ما من مسألة وإن كانت جلية في ظاهرها إلا وهي مفتقرة إلى الكلام على ما يخفى من باطنها، وقد يتكلم الشخص على ما يظنه مشكلًا وهو غير مشكل على كثير من الناس، وقد يشكل عليهم ما يظنه هو جليًا.
علاج الهواجس والخطرات:
1- لا بد من رصد وعلاج الهواجس والخطرات والإرادات في أي تجمع، من قبل أن تصير عزمات فحركات فعادات يصعب التعامل معها وقد استقرت كأعراف، ينشأ عليها الجدد فيصعب علاجها..
ولا تحتقر كيد الضعيف فربما *** تموت الأفاعي من سموم العقارب
فقد هد قدمًا عرش بلقيس هدهد *** وخرب فأر قبل ذا سد مأرب
كان نصر بن سيار يحذر الأمويين من دعوة العباسيين التي تنتشر شيئًا فشيئًا، وكانوا لا يعبؤون بذلك حتى استفحل الأمر، فأرسل إليهم بهذه الأبيات:
أرى خلل الرماد وميض نار *** فيوشك أن يكون لها ضرام
فإن النار بالعودين تذكى *** وإن الحرب أولها الكلام
فإن لم يطفها عقلاء قوم *** يكون وقودها جثث وهام
فقلت من التعجب ليت شعري *** أأيقاظ أمية أم نيام
فإن كانوا لحينهم نيامًا *** فقل قوموا فقد حان القيام
ففري عن رحالك ثم قولي*** على الإسلام والعرب السلام
استفادة مرجوة:
2- لا بد من المحافظة على كل مكسب ولو لكان عقال بعير كان يؤدي لهذه الدعوة المباركة، فالدعوة سلسلة متصلة من الإنجازات، وهذا لا يعني عدم مراجعة مكونات المسار الدعوي وحلقاته لمعرفة صلاحيات الوسائل والطرق من أجل الاستفادة من كل التراكمات والخبرات والتجارب والخطط ليتآلف هذا كله فيؤدي عملية بعث جديد ودورة من دورات التجديد.
احتراز وواجب:
3- لابد من رصد لاتجاهات الرأي العام داخل هياكل الجماعات لمعرفة أماكن الخلل ومواطن الصواب في المناهج وطرائق التفكير مع فتح باب الحوار وحلقات الرأي، حتى يقطع التشرذم والتشبع الحركي الداخلي، وحتى لا تتلوث البيئة الداخلية وينفرط رباط المحبة والإخاء، ونظن أننا بهذه المنهاجية سنطرد باب التأويل المفتوح على النوايا واتهامها، ونتقبل الرأي المقابل في فهم النصوص الدعوية وتفسيرها وتنفيذها، فليست هناك أي مصادرة لحقوق الغير في أن يحوز الصواب أو بعضًا منه.
لا تحقرن الرأي وهو موافق *** رأي الصواب إذا أتى من ناقص
والدر وهو أعز شيء يقتني *** ما حط قيمته هوان الغائص
النظرة الموضوعية:
4- لا بد حين المعالجة لمشاكل الدعوة من الالتزام بالنظرة الموضوعية المؤسسة على معطيات محددة بعيدًا عن الاستغراق في العموميات، وذلك في محاولة للإجابة عن منظومة الأسئلة الأساسية، ولرسم التوجهات في المسارات الحركية المختلفة لوضع مجموعة بدائل متصورة للمرحلة المرتقبة، وهذه المنهاجية تستلزم أن تكون لنا آذان صاغية وعقول واعية وصدور رحبة لكل إضافة منهجية موضعية تكمل سلسلة المعاني الدعوية الكبيرة، إذن لا بد من السماع للرأي الآخر حتى لا تكون الفرقة والاختلاف.
قال بشار بن برد:
إذا بلغ الرأي المشورة فاستعن *** برأي نصيح أو نصيحة حازم
ولا تجعل الشورى عليك غضاضة *** فإن الخوافي قوة للقوادم
وما خير كف أمسك الغل أختها *** وما خير سيف لم يؤيد بقائم
وقال آخر:
من استشار فباب النُّجح منفتحٌ *** لديه ما يبتغيه غير مردود
وللحديث بقية....
أخوكم/ جاسم بن محمد بن مهلهل الياسين
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل