العنوان هذا الكون.. لا بُد له من إله
الكاتب الأستاذ عبد العزيز الصالح الشريم
تاريخ النشر الثلاثاء 02-مارس-1971
مشاهدات 19
نشر في العدد 49
نشر في الصفحة 12
الثلاثاء 02-مارس-1971
· الصفر المطلق ونهاية الحياة
· لا طمأنينة إلا بإفراد الله بالألوهية
· لن يكون الموت نهاية المطاف
هل وقفت يومًا على الشاطئ ترقب الماء والسماء وتنظر إلى المراكب الشراعية؟ وهل رأيت هذه القوارب تبتعد وتبتعد في عرض البحر ثم تختفي عن الأنظار؟ أين ذهبت؟ إن البصر يعجز أن يميز مكانها فضلًا عن شكلها وصفاتها.
وهل حلَّقت فوق رأسك مرة طائرة نفاثة فملأت الكون ضجة وجلجلة، حتى إذا ما أخذت تبتعد قلَّ صوتها وهدأ أزيزها شيئًا فشيئًا؛ حتى لا تستطيع أن ترى لها وجودًا ولا تسمع لها صوتًا؟!
إن البصر والسمع حاستان في الإنسان لهما طاقة محدودة لا تستطيع أن تتعداها ولا أن تتجاوزها، وإلا فأين ذهب القارب الشراعي؟ وأين اختفى صوت الطائرة النفاثة؟ وبما أن هاتين الحاستين تعملان إلى حد معلوم ثم تعجزان عن تخطي ذلك الحد، فكذلك العقل البشري له طاقة محدودة وقدرة معينة، فالعقل البشري لا يستطيع الإحاطة بكل شيء، كما أن البصر والسمع لا يستطيعان إدراك كل شيء؛ فهناك ما يخفى، هناك ما لا يستطيع العقل إدراكه، هنالك الغيب المحجوب الذي لا تستطيع قدرة العقل الإحاطة به.
ومن أخطر ما ينتاب البعض الشك في الله- سبحانه وتعالى- الشك الذي يقوم على أساس عدم اكتمال العلم بالشيء، فقصور العلم أدى إلى إنكار وجود الله- سبحانه وتعالى-.
v لا بد للكون من خالق
وبما أن الإنسان اليوم يعيش في عصر العلم، كما يقولون أحيانًا، فإننا سندع العلم يتحدث لنا عن هذه الحقيقة:
يقول الدكتور «فرانك آلن» وهو عالم الطبيعة البيولوجية:
إن قوانين الديناميكا الحرارية تدل على أن مكونات هذا الكون تفقد حرارتها تدريجيًّا، وإنها سائرة حتمًا إلى يوم تصير فيه جميع الأجسام تحت درجة حرارة بالغة الانخفاض وهي الصفر المطلق، ويومئذ تنعدم الطاقة وتستحيل الحياة، ولا مناص من حدوث هذه الحالة من انعدام الطاقات عندما تصل درجة حرارة الأجسام إلى الصفر المطلق بمُضِيِّ الوقت.
أما الشمس المستعرة والنجوم المتوهجة والأرض الغنية بأنواع الحياة، فكلها دليل واضح على أن أصل الكون أو أساسه يرتبط بزمان بدأ من لحظة معينة، فهو إذًا حدث من الأحداث، ومعنى ذلك أنه لا بد لأصل الكون من خالق أزلي ليس له بداية، عليم محيط بكل شيء، قوي ليس لقدرته حدود، ولا بد أن يكون هذا الكون من صنع يده.
v صلاحية الأرض للأحياء
إن ملاءمة الأرض للحياة تتخذ صورًا عديدة لا يمكن تفسيرها على أساس المصادفة أو العشوائية؛ فالأرض كرة معلقة في الفضاء تدور حول نفسها، فيكون في ذلك تتابع الليل والنهار، وهي تسبح حول الشمس، فيكون في ذلك تتابع الفصول، والذي يؤدي بدوره إلى زيادة مساحة الجزء الصالح للسكن من سطح كوكبنا، ويزيد من اختلاف الأنواع النباتية أكثر مما لو كانت الأرض ساكنة، ويحيط بالأرض غلاف غازي يشتمل على الغازات اللازمة للحياة، ويمتد حولها إلى ارتفاع كبيرة يزيد على ٥٠٠ ميل، ويبلغ هذا الغلاف الغازي من الكثافة درجة تحُول دون وصول ملايين الشهب القاتلة منقضة بسرعة ثلاثين ميلًا في الثانية، والغلاف الجوي الذي يحيط بالأرض يحفظ درجة حرارتها في الحدود المناسبة للحياة، ويحمل بخار الماء من المحيطات إلى مسافات بعيدة داخل القارات، حيث يمكن أن يتكاثف مطرًا ليحيي الأرض بعد موتها.
والمطر مصدر الماء العذب، ولولاه لأصبحت الأرض صحراء جرداء خالية من كل أثر للحياة، ومن هنا نرى أن الجو والمحيطات الموجودة على سطح الأرض تمثل عجلة التوازن في الطبيعة.
v الماء والحياة
ويمتاز الماء بأربع خواص هامة تعمل على صيانة الحياة في المحيطات والبحيرات والأنهار، وخاصة حينما يكون الشتاء قارسًا وطويلًا؛ فالماء يمتص كميات كبيرة من الأكسجين عندما تكون درجة حرارته منخفضة، وتبلغ كثافة الماء أقصاها في درجة أربعة مئوية، والثلج أقل كثافة من الماء، مما يجعل الجليد المتكون في البحيرات والأنهار يطفو على سطح الماء لخفته النسبية، فيهيّئ بذلك الفرصة لاستمرار حياة الكائنات الحية التي تعيش في الماء في المناطق الباردة، وعندما يتجمد الماء تنطلق منه كميات كبيرة من الحرارة تساعد على صيانة حياة الكائنات في البحار.
v والأرض أيضًا
أما الأرض اليابسة فهي بيئة ثابتة لحياة كثير من الكائنات الأرضية، فالتربة تحتوي العناصر التي يمتصها النبات ويمثلها ويحولها إلى أنواع مختلفة من الطعام يفتقر إليها الحيوان، ويوجد كثير من المعادن قريبًا من سطح الأرض، مما هيأ السبيل لقيام الحضارة الراهنة ونشأة كثير من الصناعات والفنون، وعلى ذلك فإن الأرض مهيأة على أحسن صورة للحياة، فمن الذي يسَّر هذا كله؟ أهي المصادفة أم الحكيم الخبير؟
v نظام للأرض ونظام للإنسان:
إن الله -سبحانه وتعالى- هو الذي أوجد هذا النظام المعجز الذي تسير فيه الأرض في مدارها دون أن تصطدم بسواها من الأفلاك المترامية في كون الله الفسيح.
وهو- سبحانه- الذي أوجد الأرض وأودعها الخصائص التي من شأنها مساعدة الكائنات الحية الموجودة على الأرض على قيد الحياة، وجعل الأرض وما فيها مسخرة للإنسان، ومع هذا أيضًا أوجد الله -سبحانه وتعالى- نظامًا لحياة الإنسان في فترة وجوده على وجه الأرض، ولا بد أن يكون هذا النظام دائمًا لا يقل في روعته عن تنظيم هذا الكون، إذ إن المُوجِد واحد وهو الله- سبحانه وتعالى-، وهذا النظام الذي وضعه الله لحياة الإنسان يستحيل على بشر أن يصنع نظامًا مثله؛ إذ إن هذا العمل من خاصيات الخالق العظيم، وليس من خاصيات المخلوقين.
كما أن هذا النظام مرتبط به -سبحانه وتعالى-، ولیس بأحد سواه، وبقدر ما يكون سير البشر على هذا النظام يكون صلاح حالهم، وبقدر ما يبتعدون عنه يكون شقاؤهم وبلاؤهم.
v لا بد من عبودية
وأول أسس هذا النظام هو تأليه البشر لله -سبحانه وتعالى- دون سواه، وهذا يعني عبوديتهم له دون سواه أيضًا، والعبودية في الطاعة المطلقة لله- سبحانه- في كل حال وآن.
ولكن الإنسان بطبعه ينسى «وهو أيضًا ينسى هذه الحقيقة أو يتجاهلها»، ومن هنا تبدأ مهمة الرسل بتذكيرهم للبشر بعبوديتهم لله، ومهمة الرسل- عليهم وعلى سيدنا محمد أفضل الصلاة والتسليم- كلها واحدة لا تتغير ولا تتبدل، ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ۖ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ ۚ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ﴾ (سورة النحل: آية ٣٦)، مهمة الرسل واحدة، كلها تريد رد البشر إلى عبادة إلههم والتحرر من عبودية ما سواه، والإنسان حين يتجرد من بعض جوانب عبودیته لله- سبحانه وتعالى- فهو واقع تحت عبودية سواه لا محالة؛ فالذي يتبع هوى نفسه مثلًا قد عطل بعض نواحي عبودية الله- سبحانه- إن لم يكن عطلها كلها، فهو أولًا كَفَّ عن تنفيذ ما أمر به الله، وثانيًا جعل نفسه طوع هواها، ولكنه لن يذهب من سنة الله بعيدًا؛ فإن هذا الانحراف عن خط السير الطبيعي سيجعله يتيه في ظلمات من فوقها ظلمات ومن تحتها ظلمات، وأول هذه الظلمات السأم الذي يلازم نفسه، والشعور الخفي بالكآبة والحزن، والتعسر في معالجة أمور الحياة ومشاكلها، والشعور بخيبة الأمل الممزوج بالحسرة والألم، ويصل هذا التائه نهاية المطاف بأن تتساوى لديه الحياة والموت.
يا له من عقاب شديد لم تدرك إلا بعض جوانبه، ومع أن عقاب الله بهذه الشدة أو أكثر، فإن رحمته أوسع وأشمل لمن أراد أن يتفلت من عبودية غير الله ويعود إلى هَدْي الله- سبحانه وتعالى-: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ (سورة الزمر: آية 53).
إن عبودية الإنسان لله وحده دون سواه تكفل له الحياة الكريمة على هذه الأرض، وهي كذلك تبعث في النفس الطمأنينة الدائمة وراحة نفسية عالية.
وعبودية الله -سبحانه- لا تكون موجودة إذا لم يصدق الإنسان باليوم الآخر، وأن هناك حياة أخرى يكون فيها الجزاء والمصير.
إن الحياة ليست هي كل شيء، والموت ليس هو النهاية، ولو أن إنسانًا ما اعتقد هذا الاعتقاد، فما الذي سيمنعه من التعدي على غيره واغتصاب حقوقهم؟ وما الذي سيمنع غيره من السطو عليه؟ إن القانون؛ مهما كان، لن يكون دائمًا مبصرًا ما يجري، ولكن الله- سبحانه- يبصر ویرى، فهو يجزي كل إنسان بما قدمت يداه.
إن القوم الذين صبروا على أشد العذاب؛ وهو الإحراق في الأخدود، كانوا يعلمون دون شك أن الموت في هذا الأخدود لن يكون هو نهاية المطاف، وأن الذين ارتكبوا ضدهم هذا الجرم -لأنهم أخلصوا لله- سينالهم العقاب المناسب لهذه الجريمة.
إن فلاح الإنسان والبشرية أجمع مرهون بعبوديتهم المطلقة لله -سبحانه وتعالى- إذ إنها بهذا تسلك الطريق الطبيعي الذي أوجده الله لها، فلا تصطدم مع بعضها البعض فيحدث ما يعكر صفو الحياة، وهذه العبودية المطلقة تكون بالاستسلام لله- سبحانه وتعالى-، واستسلام البشرية الحقيقي لله-سبحانه وتعالى- فيما يتعلق بتصرفهم؛ لا يكون إلا على النحو الذي أوصى به رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، وهو آخر رسل الله إلى البشرية، والكتاب الذي أنزل عليه آخر الكتب السماوية، وآیاته آخر ما نزل من الوحي، فمن أراد النجاة فقد عمل لصالح نفسه، ومن أعرض وتولى فلن يلوم إلا نفسه.
عبد العزيز الصالح الشريم
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل