العنوان هل تحذو السنغال حذو بعض الأنظمة العربية في معاداة الإسلاميين؟
الكاتب مجلة المجتمع
تاريخ النشر الثلاثاء 20-أغسطس-1985
مشاهدات 19
نشر في العدد 730
نشر في الصفحة 32
الثلاثاء 20-أغسطس-1985
- صحيفة حكومية سنغالية تهاجم النشاط الإسلامي في السنغال وتطالب الحكومة بإنشاء وزارة للأوقاف لمراقبة نشاطات الهيئات الإسلامية السنغالية ومحاصرتها.
- السلطات السنغالية تمنع السفراء العرب المعتمدين في السنغال من قبول طلبات الهيئات الإسلامية السنغالية للمساعدة المادية إلا عن طريق الخارجية السنغالية.
السنغال هي احدى دول غرب إفريقيا التي تعيش فيها أغلبية مسلمة إذ تبلغ نسبة المسلمين فيها إلى 95% من عدد السكان. ولكن فقدان الوعي بحقيقة وشمولية الإسلام لدى هؤلاء المسلمين جعلهم يعيشون على هامش الحياة السياسية في بلد أغلبية سكانه من المسلمين ويتمتع فيه الزعماء الدينيون التقليديون باحترام فائق لدى كافة المسئولين في الدولة ولا يستثنى من ذلك رئيس الجمهورية نفسه من عهد الرئيس المسيحي ليوبولد سنغور إلى عهد النظام القائم حاليًا. وسبب هذا الاحترام الرسمي للزعماء الدينيين ليس حبًا في هؤلاء الزعماء ولا في الدين الإسلامي كما يتبادر إلى الذهن بل سببه يرجع إلى الشعبية الكبيرة التي يتمتع بها هؤلاء الزعماء الإسلاميون لدى الشعب السنغالي المسلم تلك الشعبية التي لو استغلوها بوعي وحكمة لأصبحت السنغال دولة محكومة بالشريعة الإسلامية. إن السلطات السياسية في السنغال أدركوا هذه الحقيقة ووعوها وعيًا كاملًا فقربوا إليهم مشايخ الطرق الصوفية المسيطرين على الشارع الشعبي حتى يضمنوا أصوات الشعب السنغالي المسلم في تأييد سياساتهم وأحزابهم.
- صحوة دينية:
لكن في السنوات الأخيرة هبت على السنغال رياح الصحوة الإسلامية المباركة التي شهدها ولا يزال يشهدها العالم الإسلامي أجمع. فانتشرت الجمعيات والمراكز الإسلامية ومعاهد اللغة العربية في جميع أنحاء البلاد وبدأت تلك الهيئات الإسلامية في نشر الدعوة الإسلامية بصورتها الشاملة وجعلت هدفها الأساسي توعية جماهير المسلمين، ونادى بعض الهيئات بضرورة قيام حزب إسلامي هدفه تطبيق الشريعة الإسلامية في السنغال وانتشرت المدارس الإسلامية والمساجد الحديثة في طول البلاد وعرضها منذ ظهور هذا النشاط الإسلامي المنتظم والملتزم. وكانت الحكومة السنغالية تراقب هذه التطورات عن كثب وتحاول احتواءها مثلما فعلت مع الزعماء الدينيين التقليديين في البلاد لكن وعي الشباب المسلم وإدراكه لمسئوليته أفسدا على الحكومة خطتها المرسومة.
- الخارجية السنغالية تطلب رفض طلبات الهيئات الإسلامية للتمويل:
ومن هنا لجأت السلطات السنغالية إلى إعلان الحرب على نشاطات الهيئات الإسلامية في السنغال ووقف التمويل الخارجي عن مشاريعها الإسلامية. وفي هذا المجال طلبت وزارة الخارجية السنغالية من جميع البعثات الدبلوماسية المعتمدة في السنغال إحالة كل طلبات التمويل والمساعدة المادية التي تتقدم بها الجمعيات والمراكز الإسلامية السنغالية إلى خارجية السنغال، بحجة إن تلك الطلبات التي تقدم إلى سفارات أجنبية بدون علم الحكومة السنغالية تشوه خطط الحكومة المتعلقة بترتيب المشاريع ذات الطابع الديني حسب عامل الأولوية. لكن الحقيقة التي لا تغيب عن العاملين في حقل الدعوة في السنغال وخارجها هي إن غرض الحكومة السنغالية من هذا الإجراء ليس إلا لعرقلة النشاط الإسلامي المتطور الواعي الذي بدأ يسير بخطى ثابتة لتحل محل الإسلام التقليدي الصوفي وهذا هو ما يقض مضاجع السلطات في السنغال ويقلقهم، كما إن الحكومة بطلبها تقديم المساعدات المادية للهيئات الإسلامية عن طريقها فإنها تعمل لتحويل تلك الأموال إلى خططها الاقتصادية المعلنة وغير المعلنة بدلًا من أن تذهب تلك الأموال إلى الهيئات الإسلامية لتتحول إلى مدارس ومعاهد ومساجد ومراكز إسلامية.
- غزو إعلامي ضد الإسلام:
في الوقت الذي تحاول الحكومة احتواء النشاط الإسلامي ومحاصرته داخليًا وخارجيًا نجد الصحافة المحلية السنغالية تهاجم انتشار الإسلام واللغة العربية في السنغال بحجة أن ذلك سوف يؤدي إلى طمس الهوية الوطنية الأفريقية. وفي هذا السياق كتبت جريدة «السولاي» الحكومية السنغالية مقالًا مطولًا بقلم بعض المحسوبين على الإسلام كله هجوم وافتراء على ما يقوم به الجانب العربي من عطاء في مجال التعاون الثقافي بين العالمين العربي والأفريقي. وقد ورد في هذا المقال أن دول البترول تسعى من جانبها لنشر الإسلام واللغة العربية بهدف الإحلال محل الاستعمار الغربي واستبداله باستعمار عربي. هكذا بكل وقاحة يقارن هذا الكاتب العميل بين ما تقوم به الدول العربية من نشر للثقافة الإسلامية والعربية في بلد أغلب سكانه مسلمون وبين ما ارتكبه المستعمر الغربي من استرقاق وتعذيب وتشريد في حق الشعب السنغالي خاصة والشعوب الأفريقية عامة. ويستطرد مقال «السولاي» قائلًا: إن العلاقات الثقافية العربية الأفريقية اتسمت منذ استقلال الدول الأفريقية بخلط بين الثقافة والدين والسياسة، وخير دليل على ذلك هو نشاطات مصر في عهد جمال عبد الناصر في الخمسينات والستينات حيث كانت مصر في ذلك الوقت - حسب زعم الصحيفة - تحاول تصدير أفكار سياسية ودينية إلى أفريقيا. ومنذ السبعينات حلت ليبيا القذافي محل مصر عبد الناصر في تصدير الدين والسياسة. ولعله غاب عن كاتب المقال - أو تناسى مستغلًا جهل قرائه في مجال أحداث العالم العربي - إن جمال عبد الناصر هو الذي ضرب الحركة الإسلامية في مصر وملأ سجون ومعتقلات مصر بالدعاة المخلصين وأودى بحياة الكثيرين منهم. وإن معمر القذافي هو من ألد أعداء الإسلام فهو الذي أنكر الأحاديث النبوية الشريفة وشوه التقويم الهجري وحرم على الدعاة المخلصين مخالفة أفكاره الواردة فيما يسمى بالكتاب الأخضر. ثم تابع الكاتب قائلًا: وأما الدول العربية الأخرى كالسعودية ودول الخليج والمغرب العربي فقد سارت على طريق أكثر دبلوماسيًا لإشباع رغباتها السياسية والدينية بالطرق السرية في أفريقيا. إن الأهداف المكشوفة وغير المكشوفة لغالبية الدول العربية في أفريقيا هي نشر الإسلام واللغة العربية بأوسع ما يكون، وقد كرست أهم مساعيها على الجمعيات التي وصفت بأنها ثقافية والتي تستفيد من مساعدات مالية ومادية من ممولين عرب. وهكذا ينكر هذا الكاتب المدسوس على المجتمع السنغالي المسلم تلك الجهود الخيرة الطيبة التي تبذلها المملكة السعودية ودول الخليج لدعم العمل الاسلامي في السنغال ذات الأغلبية الإسلامية وفي جميع أنحاء أفريقيا ويبوح كاتب المقال بسر حقده على العاملين في حقل الدعوة في بلاده عندما يقول في مقاله إن المثقفين باللغة العربية - المجددين منهم والمحافظين - قد لبوا هذه الدعوة إلى نشر الإسلام وثقافته في السنغال بوصفهم أوائل من استفادوا من الأموال العربية، ولذا لا يترددون عن المطالبة باعتبار اللغة العربية كثانية لغة رسمية في الدولة بعد الفرنسية أو بديلًا لهذه الأخيرة على حساب اللغات المحلية ويطالب كاتب المقال السلطات السنغالية بالنظر في إمكانية إنشاء وزارة للأوقاف في السنغال لا لتطوير العمل الإسلامي كما يتبادر الى الذهن بل بالحرف الواحد حسب ما ورد في المقال نفسه لتمكين الحكومة من مراقبة الاعمال الثقافية - الدينية التي تقوم بها الدول العربية في السنغال.
ومن شأن هذه المبادرة أن تقلل من حجم - الخطورة التي تنجم من دعاة الإسلام الذين يأتون من كل مكان للقيام بنشاطات إسلامية متطرفة - حسب زعمه - وهذه دعوة صريحة
من هذا الكاتب الخبيث للسلطات السنغالية لحثها على ضرب الإسلاميين. كما يدعو في فقرة أخرى من مقاله إلى ضرورة الفصل بين السياسة والدين في السنغال كما هو الحال اليوم في دول العالم العربي حيث لا دين في السياسة فلماذا تحاول تلك الدول الخلط بين السياسة والدين في تبادلها الثقافي مع السنغال؟ وإن دراسة اللغة العربية يجب أن تكون فقط وسيلة لمعرفة التراث الفكري العربي لا وسيلة لتصدير قانون سياسي ديني.
ولا شك إن المغالطة المقصودة واضحة تمام الوضوح في هذه الفقرة كغيرها من فقرات المقال، فكل مسلم واع يدرك أن ما هو معمول به الآن في العالم العربي من فصل بين الدين والسياسة ليس سوى مخلفات استعمارية، بل هو بعيد كل البعد عن حقيقة الدين الإسلامي الذي هو دين ودنيا وعبادة وأسلوب حياة، وهذا ما يطالب الدعاة المخلصون بعودته إلى العالم الإسلامي بأسره وليس في السنغال فحسب كما يزعم المقال.
- تفرقة ضد العرب:
إن أول ما يلفت نظر قارئ مقال جريدة «السولاي» السنغالية سالف الذكر هو أنه مليء بالتفرقة العنصرية ضد العرب والثقافة العربية تحت ستار الإسلام أحيانًا وعلى المكشوف أحيانًا أخرى فقد أشار كاتب المقال إلى الجهود العربية فقط لنشر الثقافة العربية والإسلامية في السنغال متجاهلًا بكل خبث حقيقة النشاط الإيراني المكثف خلال السنوات الأخيرة في كل أنحاء أفريقيا وخاصة في السنغال حيث يوجد الآن مركز ثقافي إسلامي شيعي في قلب دكار العاصمة يقوم بنشاط كثيف في صفوف المسلمين السنغاليين الذين هم جميعًا سنة ولا علاقة لهم بالمذهب الشيعي لكن كاتب المقال لم يتطرق من قريب أو بعيد إلى نشاطات ذلك المركز المشبوه بل كل هجومه كان منصبًا على النشاط العربي في نشر الثقافة العربية على حساب الثقافة الأفريقية المحلية وهذا محض افتراء و يذكرنا هذا الموقف من كاتب المقال بدعوة الجنرال موبوتو رئيس زائير لطرد العرب من منظمة الوحدة الأفريقية أو إنشاء منظمة أفريقية مماثلة للجامعة العربية لا تقبل في عضويتها دولة عربية، وهذه دعوة خطيرة الغرض منها هو ضرب منظمة الوحدة الأفريقية والقضاء على التعاون العربي الأفريقي الذي تشتد قوائمه يومًا بعد يوم، والذي ترى فيه الدول الغربية خطرًا على اقتصادها حيث إن الكتلة العربية الأفريقية إذا وثقت تضامنها فلابد أن تكون ذات وزن اقتصادي هام، فهذه الدول تعتبر أغنى دول العالم في المعادن والمواد الأولية التي يعتمد عليها الاقتصاد الغربي بشكل كلي.
أما الحقيقة التي يجب أن نسجلها بأمانة هي أن الشعب السنغالي المسلم بريء كل البراءة مما يكتبه أمثال هؤلاء الكتاب العلمانيين الذين ينتسبون إلى الإسلام بحمل الهوية فقط. وإن هذا الشعب المسلم الغيور على دينه سيظل متمسكًا بتطوير عمله الإسلامي وبث الوعي الإسلامي في المجتمع السنغالي رغم محاولات السلطات الرامية إلى عرقلة هذا النشاط الذي أصبح تعم ثمراته جميع أنحاء البلاد.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل