; هل تُحدث نتائج الانتخابات التشريعية تغييرًا في المشهد العراقي؟ | مجلة المجتمع

العنوان هل تُحدث نتائج الانتخابات التشريعية تغييرًا في المشهد العراقي؟

الكاتب محمد صادق أمين

تاريخ النشر السبت 27-مارس-2010

مشاهدات 11

نشر في العدد 1895

نشر في الصفحة 38

السبت 27-مارس-2010

الانتخابات البرلمانية العراقية التي أجريت في السابع من مارس تعد انتخابات مفصلية في عراق ما بعد الاحتلال الذي يدخل مرحلة شديدة الأهمية والتعقيد وهي مرحلة الانسحاب الأمريكي المعلن عنه، وتحول العراق من خط الطائفية السياسية إلى الخط الوطني، بعد مخاض عسير كاد يدفع البلاد إلى أتون حرب أهلية كانت نتائجها ستكون أقسى من نتائج الحرب الأهلية في لبنان على العراق ومجمل المنطقة العربية.

وتأتي الانتخابات أيضًا في ظل ظروف يرتبط فيها الحراك السياسي الداخلي بالصراع الإقليمي والدولي، حيث لاحظ المراقبون تدخل العديد من الأذرع الإقليمية والدولية في المشهد الانتخابي بشكل مباشر أو غير مباشر؛ ما يجعل العراق ساحة تصفية حسابات بين هذه القوى، وبالتالي فإن نتائج الانتخابات تحدد لمن ستكون الغلبة.

حكومات ما بعد الاحتلال وللتعرف على ما يمكن أن تفرزه صناديق الاقتراع لا بد من وقفة سريعة على مجمل المشهد السياسي وما تمخض عنه من حكومات، حيث تعاقبت أربع حكومات على الحكم، وستفرز الانتخابات الأخيرة الحكومة الخامسة.

الحكومة الأولى ترأسها الحاكم المدني الأمريكي بول بريمر، في عام 2003م، وقد وضعت أسس النظام السياسي والاقتصادي للعراق الجديد من خلال قوانين بريمر وعلى رأسها حل الجيش العراقي وإنشاء مجلس الحكم الانتقالي وفق معايير طائفية عرقية؛ الأمر الذي أسس لبداية المحاصصة ثم المواجهة الطائفية بين المكونات العراقية.

ثم شكل إياد علاوي، الحكومة الثانية عام 2004م، التي تسلمت السيادة الشكلية من الاحتلال، ثم اتهمت بأنها أعطت الضوء الأخضر للقوات الأمريكية لحرق مدينة الفلوجة بالفسفور الأبيض.

وفي عام 2005م، شكلت حكومة «إبراهيم الجعفري»، بعد أول انتخابات برلمانية قاطعها المكون العربي السني الذي دفع للمقاطعة غير المدروسة بدوافع عاطفية أدت إلى خسائر كبيرة ما زالت آثارها قائمة إلى اليوم حيث تم كتابة دستور للعراق أسس لتفعيل الطائفية السياسية التي تفجرت حممها بنسف مرقد «الحسن العسكري» في سامراء في فبراير 2006م، وتسبيت بتصفيات جسدية على الهوية أودت بأرواح مئات الآلاف من الأبرياء، ووضعت العراق على شفا الحرب الأهلية.

ثم جاءت حكومة «نوري المالكي» كامتداد طبيعي لمجمل هذه الأوضاع التي أدت إلى انهيار الخدمات وتردي وضع المواطن العراقي إلى أسوأ درجة يمكن تخيلها، وبات الأمن حلمًا بعيد المنال في نظر معظم العراقيين خصوصًا في العاصمة بغداد.

والحقيقة أن قيادة المالكي لحملات عسكرية كبرى لمواجهة الجماعات الطائفية المسلحة في بغداد ثم البصرة، واستتباب الأمن النسبي في وسط وجنوب العراق وكذلك معاونة شيوخ عشائر غرب وشمال العراق التي أسست «الصحوات» في طرد ومحاصرة جماعات العنف المسلحة التي تعمل بدفع خارجي على إذكاء الطائفية واستهداف الشعب العراقي بدل القوات المحتلة.. مجمل هذه الأحداث أدت إلى صعود نجم المالكي كبديل مرشح لإزالة شبخ الطائفية من المشهد السياسي العراقي، وانحسار دوره داخل مؤسسات الحكم التي غرقت في دوامة هائلة من الفساد جعلت العراق ثاني دولة في العالم في الفساد، حسب «منظمة الشفافية الدولية».

تغيير مزاج الناخب

انقشاع سحب الطائفية من سماء العراق وتكشف أوراق الجماعات المسلحة وولاءاتها الخارجية بعد الاستتباب النسبي للأمن في البلاد، دفع العراقيين لمراجعة حساباتهم وتغيير توجهاتهم التي كانت تعبئها تيارات سياسية معينة عبر الخطاب الطائفي التحريضي بهدف الحصول على مكاسب سياسية وخدمة لأجندة خارجية دفعت الشارع العراقي إلى تغيير توجهاته من التأييد للأحزاب الإسلامية (السنية والشيعية) إلى تأييد التوجهات العلمانية التي ترفع شعارات وطنية ويستدل على ذلك بمجموعة مؤشرات يمكن إجمالها على النحو التالي:

أولا: انتخابات مجالس المحافظات؛ فالمتابع لانتخابات المجالس المحلية التي جرت في 14 محافظة من أصل 18 محافظة عراقية، عدا محافظات إقليم كردستان العراق، التي جرت مطلع العام الماضي يجد فيها مؤشرًا على تبدل مزاج الناخب العراقي وقدرته على إحداث التغيير عبر صندوق الاقتراع.

المؤشر الأبرز هو تراجع الحس الطائفي لدى الناخب حيث ذهبت أغلبية الأصوات لقائمة دولة القانون التي يتزعمها المالكي، وهذا يعني إضعافًا لقائمة المجلس الإسلامي الأعلى، التي يتزعمها عمار الحكيم ذات العلاقة الوثيقة بإيران والتي حافظت على خطابها الديني الطائفي. بعكس قائمة المالكي، التي على الرغم من إسلاميتها -كونها تمثل حزب الدعوة بأصوله الإسلامية- إلا أنها أخذت اتجاها أكثر ليبرالية، إن صح التعبير.

وتجسد ذلك عبر محاربة الجماعات المسلحة الموالية لإيران وإفساح المجال أمام الممارسات العامة في الشارع، مثل السماح بفتح محلات بيع الخمور ودور السينما والمسارح وشركات تسجيل الأغاني... إلخ في بغداد والبصرة وباقي مدن العراق.

وفي هذه الانتخابات كذلك حصلت القائمة العراقية بزعامة «إياد علاوي» على المركز الثاني، متخطية قائمة «المجلس الإسلامي الأعلى»، وقد ضمت هذه القائمة مرشحين مستقلين وقوميين وليبراليين... 

كما حققت قائمة «الحوار الوطني»، بزعامة «صالح المطلك» نتائج غير متوقعة تجاوزت ما حصل عليه «الحزب الإسلامي» العراقي والقوى العشائرية في غرب وشمال العراق.. هذه النتائج أطاحت بقيادات الطبقة السياسية الذين فازوا في انتخابات عام 2005م، وأدت إلى صعود التيارات التي ترفع شعارات وطنية.

ثانيًا: بعد انتخابات مجالس المحافظات وما خلفته من مؤشرات أدركت الأحزاب الإسلامية السنية والشيعية هذا التغيير في مزاج الشارع العراقي، فعمدت إلى تغيير خطابها ليكون أكثر وطنية، بدءًا باسماء الكيانات والتحالفات، وانتهاء بالبرامج السياسية والخطاب الانتخابي.

وعلى الرغم من الإرادة الإقليمية - وفي مقدمتها النفوذ الإيراني الذي نجح في إعادة مختلف الفرقاء الشيعة من أحزاب وشخصيات ومرجعيات دينية، وخاصة التيار الصدري، وحزب الفضيلة.. ودفعتهم إلى الدخول في ائتلاف موحد على أساس ما تم في انتخابات عام 2005م، مع القيام بعمليات تجميل تضمنت إدخال شخصيات سنية في الائتلاف مثل: الشيخ حميد الهايس من منطقة الأنبار غربي العراق، والشيخ فواز الجرية من الموصل شمالاً، بالإضافة إلى الشعارات الوطنية البراقة - إلا أن الصيغة الطائفية والولاء لإيران ظلا ملازمين لهذا الائتلاف الذي نأى «المالكي» بنفسه عنه، مفضلا الاستمرار باسم وشعار دولة القانون، البعيد عن الدلالات الدينية والمذهبية، مؤكدًا قدرته على التحرر ولو بشكل نسبي من التأثير الإيراني الذي سيحرص على الإطاحة به عقوبة لهذا التوجه.

الأمر نفسه يصح على جبهة التوافق التي ابتعدت عن الخطاب الإسلامي المباشر ولجأت إلى الشخصيات العشائرية والشعارات الوطنية في حملتها الدعائية، علمًا بأن التوافق كانت الخاسر الأكبر في انتخابات المجالس المحلية، كما هي الحال في النتائج الأولية للانتخابات الحالية، ويرجع ذلك إلى توجه الناخب في مناطق نفوذ «التوافق» إلى قائمة «علاوي» كبديل عن «التوافق».

ثالثًا: هناك حدثان مهمان يُعدان من أهم دلائل تغيير مزاج الشارع العراقي:

أولهما: سبق الانتخابات؛ حيث عمدت الفصائل الإجرامية إلى محاولة إعادة المواجهات الطائفية من خلال سلسلة تفجيرات استهدفت مواكب الشيعة في «عاشوراء»، وأدت إلى مقتل العشرات منهم. وقد مرت الحادثة دون تسجيل أي رد فعل طائفي في أي مكان من العراق، وهو عكس ما حصل في حادثة تفجير مرقد «العسكري» في سامراء، حيث اندلعت أعتى موجة انتقام طائفي تسبيت بحرق عشرات المساجد وقتل مئات الأبرياء، وهو ما خطط له منفذو تلك التفجيرات.

أما الحدث الثاني فقد حدث خلال الحملات الانتخابية، حيث عمد النائب بهاء الأعرجي -المنتمي للتيار الصدري، والمرشح عن قائمة الائتلاف العراقي الموحد بزعامة عمار الحكيم- إلى توجيه إساءة خطيرة بحق الصحابي الجليل أبي بكر الصديق، من خلال شاشة فضائية عراقية واسعة الانتشار، وكان الهدف إشعال فتيل الاحتجاجات، ودفع بعض المتطرفين إلى عمليات انتقامية لتأجيح الروح الطائفية، وبالتالي حشد الجمهور الشيعي خلف قائمته، كما حصل عام 2005م، إلا أن الحادثة مرت بسلام وباستنكارات عاقلة أكدت وعي العراقيين لما يراد بهم ولهم.

نتائج أولية

أظهرت النتائج الأولية للانتخابات بعد فرز نحو 60% من صناديق الاقتراع، أن قائمة المالكي تحتل المرتبة الأولى في بغداد العاصمة وأكبر مدن العراق، والبصرة ثالث أكبر مدينة في العراق بعد نينوى.. فيما حل منافسه علاوي أولاً في الأنبار ونينوى وصلاح الدين، والمفاجأة كانت في كركوك (المتعددة القوميات) حيث تقدم على التحالف الكردستاني.

وأكدت الأرقام حصول قائمة ائتلاف دولة القانون على نحو 220 ألف صوت في البصرة، في حين حل الائتلاف الوطني العراقي - الذي يضم الأحزاب الشيعية على نحو 122 ألفًا، بينما حصل علاوي على 26 ألفًا فقط.. وتمثل هذه النتائج نسبة 63,5 من مراكز الاقتراع التي تم فرزها ويذكر أن البصرة ممثلة بـ 24 مقعدًا من أصل 225 في البرلمان.

وفي الأنبار: حصلت قائمة العراقية بزعامة علاوي على 122 ألف صوت يليها ائتلاف وحدة العراق، بزعامة وزير الداخلية جواد البولاني، على نحو 18 ألفًا، ومن ثم قائمة المالكي التي نالت أقل من ثلاثة آلاف صوت.. وهذه النتائج تعكس نسبة 58,5 من مراكز الاقتراع التي تم فرزها، ولمحافظة الأنبار 14 مقعدًا.

وفي محافظة كركوك: حصلت العراقية على نحو 124 ألف صوت بينما حل التحالف الكردستاني ثانيًا بنحو 120 ألفًا، في حين حصلت حركة التغيير الكردية على 20 ألفًا، والإسلاميون الأكراد على أكثر من 14 ألفًا، وحلت قائمة الائتلاف الوطني العراقي رابعًا، والتلاف دولة القانون بزعامة المالكي خامسًا.. وتعكس هذه النتائج نسبة 11% من مراكز الاقتراع، ولكركوك 13 مقعدًا في البرلمان.

وفي دهوك: حل التحالف الكردستاني أولا بحصوله على نحو 171 ألف صوت مقابل 31 ألفًا لـ الاتحاد الإسلامي الكردستاني، ونحو 12 ألفًا لحركة التغيير التي انشقت عن حزب الرئيس العراقي جلال الطالباني.. وتمثل النتائج نسبة 56٪ من مراكز الاقتراع، ولدهوك 11 مقعدًا في البرلمان.

وبهذه النتائج يكون ائتلاف دولة القانون في الطليعة في ست محافظات: بغداد، وخمس جنوبية.. بينما تتصدر العراقية أربع محافظات، والتحالف الكردستاني محافظتين، في ظل نتائج جزئية يبلغ متوسط نسبتها حوالي 63% في 12 محافظة من أصل 18 في العراق.

تحالفات جديدة

وبناء على مؤشرات النتائج السابقة فإن الحكومة القادمة (الخامسة في عهد الاحتلال) التي ستشكل ملامح المستقبل السياسي في العراق ستكون من نصيب أحد المعسكرين: ائتلاف دولة القانون (المالكي) أو القائمة العراقية (علاوي).. وبذلك ستخرج إيران للمرة الأولى من مضمار النفوذ والسيطرة المطلقة؛ حيث وضعت كل ثقلها خلف الائتلاف الذي يقوده المجلس الأعلى، وهذا الأمر ناتج عن عدم إدراك حقيقة التغيرات في مزاج وتوجهات الناخب العراقي.

وقد استبق علاوي إعلان النتائج النهائية بزيارة إلى إقليم كردستان العراق؛ حيث بحث مع قادتها آفاق تشكيل الحكومة الجديدة في توظيف واضح لخلاف القيادة الكردية مع المالكي خلال المرحلة السابقة، حيث اتهم بالانفراد بالسلطة من قِبل الأكراد الذين يدركون أنهم حجر الموازنة في «قبان» السياسة العراقية؛ لذلك سيتحالفون مع من يقدم أكبر قدر من التنازلات لصالح المكتسبات الكردية التي تحققت بعد احتلال العراق.

والأسئلة التي تطرح نفسها الآن: هل يمكن أن يتحالف الغريمان المتنافسان على رئاسة الحكومة (علاوي والمالكي)؟ وهل يتحد المتنافسان الكبيران على النفوذ في الوسط الشيعي (الائتلاف الوطني ودولة القانون) ليشكلا كتلة أغلبية كما تطمح إيران في ظل «فيتو» المجلس الأعلى على تجديد ولاية المالكي؟ وأي مصير ينتظر التوافق العراقي بعد تحوله إلى قائمة أقلية؟

هذه الأسئلة ستظهر إجاباتها بعد إعلان النتائج النهائية للانتخابات العراقية خلال الأيام القليلة المقبلة.

الرابط المختصر :