العنوان هل نحن مقتدون...؟(٣): حب النفع للآخرين
الكاتب د. جاسم المهلهل آل ياسين
تاريخ النشر الثلاثاء 30-ديسمبر-1997
مشاهدات 9
نشر في العدد 1282
نشر في الصفحة 66
الثلاثاء 30-ديسمبر-1997
نقوش على جدار الدعوة
«الإنسان القدوة» هو النموذج الواقعي المتجسد الذي يحمل من القيم والفضائل والمكارم ما يعلو به على نوازع الأرض وثقلة الطين، لأن له بالله صلة قوية تمنعه من التردي والسقوط، فهو مشدود إلى العلاء بعيد عن الهوى، أسلم قياده لله فحماه وآواه وأمده بنصره ورعاه: ﴿إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾ (محمد: ٧) والذين يقتدي بهم لهم في الفضائل والمكارم درجات بحسب استمساكهم بمنهج الله ولذا كان خير قدوة مأمور باتباعها النبي صلى الله عليه وسلم﴿ لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا﴾ (الأحزاب: ١٢).
ويظل الناس يحاولون الارتقاء نحو هذا المرتقى الصاعد لعلهم يقتربون من هذه القمة السامقة التي يقف عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهم في ذلك متفاوتون أشد التفاوت بحسب القدرة والإخلاص والاستمرار والعلم والمعرفة والاشتغال بالعمل الإسلاميّ العام الذي يقوم به بعض الدعاة سواء على المستوى الرسمي أم على المستوى الشعبي المتمثل في أصحاب المشروع الإسلاميّ، هؤلاء الذين ينبغي أن يتجردوا من كل ما يمس ذواتهم، ويجعلوا أنفسهم مذللة للدين، تمثله سلوكًا وعملًا والتزامًا قبل أن تتحدث به أو تعلن للناس عنه ليكونوا قدوة لغيرهم، وسراجًا منيرًا ينير الدرب، ويزيل الغبش أو الظلام، فهل نحن – الدعاة- كذلك؟ هل نحب للآخرين ما نحبه لأنفسنا ونكره لهم ما نكره لها؟ هل نعتبر صالح المسلمين صالحنا؟ هل نبذل ما نستطيع من نصح أو جهد أو مال في سبيل الآخرين نعلم جاهلهم، ونعالج مريضهم، ونحاول إغناء فقيرهم بإعطائه حقه ومنع الظلم عنه ما استطعنا إلى ذلك سبيلًا؟ هل نصرناه كما أخبرنا بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم: «انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً؟» وهل حققنا في المسلمين قول الله: ﴿وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ﴾ (الأنفال: ٧٢)؟ هل أقمنا بيننا حقوق الأخوة التي قررها الله سبحانه بين المؤمنين:﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَة﴾؟ (الحجرات:١٠) وقول الرسول صلى الله عليه وسلم الذي ربط فيه تحقق الإسلام بحب النفع للآخرين «وأحب للناس ما تحب لنفسك تكن مسلماً»؟ هل نحن على قلب رجل واحد نتعاون على البر والتقوى، ونتباعد عن الإثم والعدوان؟ هل تآلفت منا القلوب، وتماسكت منا الأيدي، وتدابرت عنا الأحقاد؟
وفيم يكيد بعضكم لبعض *** وتبدون العداوة والخصاما؟
كم من مرة تناصح فيها الإخوة في المشروع الإسلامي؟ وكم من مرة تصافح فيها ذوو الاتجاهات المختلفة في هذا المشروع الإسلاميّ؟ هل عفا أحد عن مخطئ أساء، أو جاهل بغى، أو عالم تأول بعد اجتهاد؟ أم أن هؤلاء المخطئين سلقوا بألسنة حداد وجلدوا بكلمات أقسى من السياط وأشد من وقع النبال عند النزال؟ هل فعل فيهم أحد ما فعله ابن عباس رضي الله عنهما حين سبه أحد المسلمين؟ ماذا كان رد فعله، وهو حبر الأمة وترجمان القرآن؟ قال له: إنك لتسبني وإن في ثلاث خصال:
أني أقرأ الآية من كتاب الله فأود لو أن كل المسلمين يعلمون منها ما أعلم، وأني أسمع بالغيث نزل في أرض المسلمين فأفرح وليس لي في مكان نزوله سائمة، وأني أسمع بالحاكم من حكام المسلمين يعدل فأفرح وربما لا أقاضي إليه أبدًا. لقد اكتفى ابن عباس في رده على من سبه بأن قلبه يحب للمسلمين ما يحبه لنفسه، وأنه يفرح لكل خير أصابهم، ويحزنه كل شر نزل بهم.
وتلك هي النفس التي تحمل الدين وتعمق له مكانًا في قلوب المسلمين، وتنشره بين الناس أجمعين، فهل نحن كذلك؟ وهل قمنا بحقوق الآخرين؟
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل
قياس الرأي العام باستخدامها.. وسائل التواصل الاجتماعي في خدمة الدعوة الإسلامية
نشر في العدد 2114
30
الجمعة 01-ديسمبر-2017