; هل يعود الفلسطينيون للعمل تحت الأرض؟ | مجلة المجتمع

العنوان هل يعود الفلسطينيون للعمل تحت الأرض؟

الكاتب جمال الراشد

تاريخ النشر الثلاثاء 15-أكتوبر-1985

مشاهدات 22

نشر في العدد 737

نشر في الصفحة 32

الثلاثاء 15-أكتوبر-1985

• قرار اغتيال القيادة الفلسطينية جرى الإعداد له في دهاليز السياسة الدولية

 

• المطلوب هو التطرف اللفظي كالحال عند أدعياء الثورية أو الاستسلام التام

 

• كانت الغارة الإسرائيلية على تونس مفجرًا للطاقة الجهادية الحبيسة لدى المواطن العربي المسلم

 

رغم الخسائر البشرية والمادية الفادحة التي نتجت عن الغارة الإسرائيلية على تونس، والتي ذهب ضحيتها -بالإضافة إلى عدد من الإخوة التونسيين- أكثر من سبعين شهيدًا من خيرة شباب الثورة الفلسطينية وكوادرها المسلحة، رغم ذلك فإن هذه الغارة كشفت كثيرًا من خبايا السياسة الدولية والعربية، ووضعت الفلسطينيين ومعهم جماهير الشعوب العربية والأمة الإسلامية بل والأنظمة العربية اللاهثة وراء الصلح مع اليهود، سواء كانت ثورية أم غير ثورية، وضعتهم جميعًا أمام مجموعة حقائق لا لبس فيها ولا غموض، وهي:

 

• إن الصراع الحضاري في منطقة الشرق الأوسط لا توقفه مساعي السلام الخادعة.

 

• إن الفلسطيني الذي قبل مؤخرًا تحت ضغط عربي ودولي يفوق الاحتمال، قبل مبدأ الصلح مع اليهود، اكتشف أنه مستبعد من لعبة التسوية نهائيًّا.

 

• إن قرار تصفية القيادة الفلسطينية قرار دولي شاركت فيه بعض الأطراف العربية بالصمت أو التواطؤ.

 

• إن الجماهير الفلسطينية والعربية وخاصة إسلامية العقيدة والمنهج تختزن طاقة جهادية غير محدودة قابلة للتنفيذ حتى في أسوأ الظروف.

 

ونحن حين نقرر هذه الحقائق لا ننطلق من فراغ ولا نصل إليها بالخيال الصحفي، بل بناء على وقائع تحدث على الأرض المحتلة في فلسطين، وعلى أرض مصر العربية المسلمة التي يرفض شعبها التطبيع مع اليهود، وعلى أرض تونس الخضراء التي لم تسلم من قنابل اليهود شديدة الفتك والتدمير، بل إن هذه الحقائق يعرفها الكبار من ساسة العالم الذين يتهيؤون للاجتماع على أنقاض فلسطين شعبًا وقضية، ويعرفها الساسة الصغار الذين يتهيؤون للاجتماع باسم فلسطين ولكن بلا فلسطينيين.

 

لم تكن الغارة الإسرائيلية على تونس مجرد انتقام لمقتل ثلاثة من الجواسيس الإسرائيليين بالغي الخطورة الذين اتخذوا من لارنكا مقرًّا يرسلون منه الإشارات اللاسلكية كلما تحركت سفينة تحمل فلسطينيين أو أسلحة إلى لبنان، تمامًا مثلما لم يكن مقتل الدبلوماسي الإسرائيلي في لندن عام ۱۹۸۲ مبررًا لغزو لبنان.

 

إن قرار اغتيال القيادة الفلسطينية الموصوفة بالمعتدلة جرى الإعداد له في دهاليز السياسة الدولية وعبر القنوات العربية المتهافتة على الحل بالفلسطينيين أو بدونهم. ولم يكن الجناح الموصوف بالتطرف من القادة الفلسطينيين يشكل خطرًا ذا بال ما دامت قد تولت دمشق أمر تدجينه، وعند اللزوم تصفيته.

 

هناك خطر في وجود هذه القيادة الموصوفة بالاعتدال، والتي تطالب بنصيبها على مائدة التسوية، والتي تمد الفلسطينيين في الأرض المحتلة وفي لبنان بعناصر المقاومة والدفاع عن النفس. ولما كان الفلسطيني مهدورًا دمه ومحكومًا عليه بالاندثار والفناء فقد كان من الضروري تصفية هذه القيادة حتى وإن قبلت مبدأ «السلام» وسعت إليه؛ ذلك أن السلام الذي تسعى إليه الدول الكبرى هو سلام «إسرائيل» التي أوجدتها، وسلام الأنظمة التي سلطتها على شعوب المنطقة، ومحال أن يتحقق السلام في فلسطين في ظل كيان يهودي غاصب وكيان فلسطيني مسلوب الأرض والإرادة.

 

ثم من قال: إن الدول الكبرى تريد لهذه المنطقة سلامًا حقيقيًّا؛ وهي التي غرست فيها بؤرة التوتر المسماة إسرائيل؟ ومن قال: إن إسرائيل ذاتها تقبل بهذا الحجم من الأرض وبهذا القدر من الجبروت والتسلط؟

 

لهذا كان القرار في واشنطن وفي موسكو: فليكن اجتماعنا القادم في شهر تشرين أول «نوفمبر» المقبل بلا فلسطينيين. ولقد أشار إلى ذلك ياسر عرفات حين قال: إن الاجتماع الروسي الأمريكي القادم سيكون على حساب القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني.

 

وحين أصرت بعض الأطراف العربية على ضرورة إشراك الفلسطينيين في الحل كان قرار تصفية الفلسطينيين القابلين بالحل ليكون الحل قاصرًا على الدول العربية المعنية والإسرائيليين، ولا خوف -كما قلنا- من فلسطينيين رافضين باعتبار أن رفضهم محسوب بدقة ومطلوب في هذه المرحلة ما دام رفضهم لا يتعدى معاداة القابلين بالحل، ولا يصل إلى درجة إزعاج الكيان اليهودي في فلسطين ولو بقنبلة حارقة.

 

وبدأت بوادر الاجتماعات التمهيدية بين الأمريكان والروس وبين اليهود والروس، ثم تحركت تاتشر إلى المنطقة لتعقد صفقات الأسلحة والصفقات التجارية، ثم التقت باللاجئين الفلسطينيين في مخيم البقعة بالأردن، وأظهرت تعاطفًا مفتعلًا معهم وأعلنت استعدادها لاستقبال وفد أردني فلسطيني مشترك، مع إصرارها على عدم الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية، ولهذا مدلوله الذي اتضح فيما بعد، على اعتبار أن هذه المنظمة متمثلة في قيادتها قد صدر قرار بإعدامها.

 

والتقى الأردنيون والسوريون واتفقوا على أشياء.. ووافق السوريون على حضور مؤتمر قمة مصغر من أطراف عربية ستة يمهد لانعقاد مؤتمر قمة شامل للمصالحة العربية قبل اجتماع الروس والأمريكان. وقد وضعت سوريا بالطبع شرط عدم حضور منظمة التحرير الفلسطينية هذا الاجتماع.

 

«ولعب الفأر في عب القيادة الفلسطينية» كما يقول المثل الفلسطيني رغم كل التصريحات المغايرة وطار هايل عبد الحميد وهاني الحسن إلى مصر علنًا وبقرار من القيادة الفلسطينية كإشارة إلى البديل الجاهز في حالة اتفاق السوريين والأردنيين على استبعاد المنظمة من لعبة الحل. ومصر حسني مبارك على استعداد لاستقبال القيادة الفلسطينية حين يعز عليها البقاء في عمان تمامًا مثلما استقبلتهم عمان حين عز عليهم البقاء في لبنان بعد الهيمنة السورية، وكل طرف يمسك بالخيط الفلسطيني يربح كثيرًا، أو هكذا يتصور، سواء رفع شعارات التحرير، أو رفع شعارات السلام.

 

والفلسطينيون، الذين ضاقت بهم الأرض بما رحبت، على استعداد للقفز في حضن من يقبلهم ويسمعهم كلمة طيبة، ولكن حين يكتشفون أنه يريد أن يسلبهم «قرارهم المستقل» تبدأ مشاكلهم معه.

 

ولعل القيادة الفلسطينية تعلم أن قرارها المستقل إن كان في اتجاه تحرير فلسطين -كامل فلسطين من اليهود- يتعارض مع القرار الدولي بصيانة هذا الكيان اليهودي «وحقه في الوجود في فلسطين» كما يتعارض مع القرار العربي الرسمي التابع للقرار الدولي شرقًا أو غربًا، وليس هذا بالأمر المستجد، إنه موجود منذ وجدت المشكلة الفلسطينية، ومنذ وجدت الثورات الفلسطينية المتلاحقة لتحرير فلسطين من اليهود والتاريخ يشهد..

 

ولعل المستجد في الأمر أن الاستدراج الفلسطيني للتعايش مع اليهود كان خدعة، وأن المطلوب هو استبعاد الفلسطيني حتى عن مائدة المفاوضات.

 

ولا تزال كثير من الأنظمة العربية تتصور أن استبعاد الفلسطيني وشطبه يتيح لها الفرصة للاستئثار بنعمة السلام مع اليهود، ولعلها تكتشف مثلما اكتشفت القيادة الفلسطينية اليوم أن السلام على الطريقة الإسرائيلية لا يقوم إلا بزوال أو إزالة هذه الأنظمة حتى وإن كانت جانحة للسلام مثلما جنحت منظمة التحرير.

 

والتاريخ المعاصر يشهد.. أين هو السادات الذي قرر مبدأ السلام مع اليهود وقرره؟ وأين هو عصام سرطاوي من الجانب الفلسطيني الذي أقر مبدأ السلام مع اليهود؟ وسواء قتله اليهود، أم قتله أعداء اليهود فالنتيجة واحدة.

 

إن المطلوب فقط هو التطرف اللفظي كالحال عند أدعياء الثورية، أو الاستسلام التام؛ أما «السلام القائم على العدل»، وأما أن تحمل غصن الزيتون في يد، والبندقية في اليد الأخرى، فهذا مرفوض مرفوض.

 

إن الغارة الإسرائيلية على تونس أثبتت أصالة هذه الأمة، فالأهل في الأرض المحتلة الذين يصعدون من مقاومتهم للصهاينة لن ترهبهم غارة إسرائيلية على مكان مكشوف ومحدد شاركت فيه دول كبرى وصغری، واستخدمت فيه آخر ما توصلت إليه تكنولوجيا الدمار. إن عمليات المقاومة داخل الأرض المحتلة سواء بدعم من قيادة المنظمة أو بدون دعم سجلت خلال ٧٨ يومًا من 1/ 7/ 85 حتى 10/ 9/ 85 «116» عملية باعتراف العدو الإسرائيلي نفسه؛ منها ٤٤ عملية في قطاع غزة، و۳۱ عملية في الضفة الغربية، و٢٧ عملية في فلسطين المحتلة منذ عام ١٩٤٨، و١٤ عملية في مدينة القدس نفسها.

 

وقد تنوعت أشكال وأساليب تنفيذ هذه العمليات فتوزعت إلى ٦٥ هجومًا بالأسلحة الرشاشة والقنابل اليدوية والحارقة، و٣٠ عملية تفجير عبوات ناسفة وقنابل موقوتة، و٩ عمليات خطف وتصفية، و٧ عمليات طعن، إضافة إلى بعض العمليات الأخرى من نصب كمائن وإحراق سيارات وشنق بالحبال دون أن نحسب من ضمن ذلك الرجم بالحجارة.

 

ولقد كانت الغارة الإسرائيلية على تونس مفجرًا للطاقة الجهادية الحبيسة لدى المواطن العربي المسلم، فانطلق رشاش الجندي المصري يحصد اليهود الذين جاءوا للسياحة في أرض سيناء ثم قام يصلي.. وانطلق رشاش الضابط التونسي يقتل اليهود الذين يحتفلون بوصول دولتهم إلى أرض تونس، وانهال مقر المخابرات الإسرائيلية في القدس على من فيه نتيجة انفجار هائل، وأول الغيث قطر ثم ينهمر.

 

وإذا كانت هناك قرارات قد اتخذتها القيادة الفلسطينية ولم تعلن عنها، وإذا كان هناك تيار قوي داخل منظمة التحرير يطالب بالنزول تحت الأرض وتفجير الأرضية التي يقف عليها اليهود ومن والاهم، فإننا مع هذا التيار بدون شروط إلا شرط الجهاد في سبيل الله حتى يتم تحرير كامل فلسطين وإقامة شرع الله في الأرض المقدسة التي باركها الله.

الرابط المختصر :