; هل يمكن إنقاذ الديمقراطية الهندية؟ | مجلة المجتمع

العنوان هل يمكن إنقاذ الديمقراطية الهندية؟

الكاتب جمال خطاب

تاريخ النشر الجمعة 01-أبريل-2022

مشاهدات 9

نشر في العدد 2166

نشر في الصفحة 50

الجمعة 01-أبريل-2022

لا يمكن استبعاد سيناريوهات خطيرة لأن الهند تنزلق إلى شبكة التطرف والعنف

هناك تحيز مؤسسي وميل لصالح العناصر التي تنشر القومية الهندوسية واضطهاد الأقليات

فشل الأحزاب السياسية في كبح جماح التطرف الهندوسي يعكس انحطاط العلمانية والديمقراطية

هناك 250 مليون مسلم يفتقرون إلى الوحدة لمكافحة المد المتصاعد للفاشية الهندوسية

د. مؤنس أحمر (*)

عميد سابق لكلية العلوم الاجتماعية بجامعة كراتشي

ترجمة: جمال خطاب 

تقول الكاتبة والمؤلفة الحائزة على جائزة «بوكر» «أرونداتي روي»: على مدى السنوات الخمس الماضية، ميزت الهند نفسها كدولة الإعدام خارج نطاق القانون؛ حيث تعرض المسلمون والداليت للجلد علناً والضرب حتى الموت على أيدي حشود هندوسية محروسة في وضح النهار، وبعد ذلك يتم تحميل مقاطع فيديو الإعدام خارج نطاق القانون على «يوتيوب» ببهجة!

في مقابلة مع موقع «ذي واير»، حذرت «روي» من أنه إذا استمرت الهند بالسير في هذا الطريق إلى الفاشية من خلال فرض أيديولوجيتها الخاصة بالدولة ذات الأغلبية الهندوسية، فلن تصل إلا إلى تفكك بلادها، ولكن شعب الهند لن يسمح لها بحدوث ذلك، وأعربت «روي» كذلك عن أسفها قائلة: في خضم الفوضى والارتباك والنشاز في السياسة الهندية، ما هو نوع البلد الذي نتجه إليه؟ هذه الرؤية لأمة هندوسية -لغة واحدة، ودين واحد، وبلد واحد- تشبه محاولة استخلاص محيط وتثبيته في زجاجة مياه بيسليري، هذه عملية عنف غاشمة، يمكن أن تؤدي القومية الهندوسية إلى تفكك الهند على غرار ما حدث في يوغوسلافيا وروسيا. 

لقد أدت الأحداث الأخيرة في ولاية كارناتاكا بجنوب الهند (حيث تعرضت طالبة مسلمة ترتدي الحجاب لمضايقات من قبل الهندوس القوميين الحمقى، والقتل الدوري للمسلمين من قبل عصابات هندوسية متطرفة) إلى تحويل الهند إلى دولة فاشية، ومع ذلك ما تزال «روي» متفائلة وتؤمن بقدرة الشعب الهندي على الصمود في وجه مد الفاشية في بلاده.

إبادة المسلمين

في 23 ديسمبر 2021م، عقد المتعصبون الدينيون الهندوس اجتماعاً في هاريدوار، شمال أوتاراخاند، للمطالبة بالإبادة الجماعية للأقلية المسلمة في الهند، وخلال الاجتماع قال متحدث منهم: «حتى لو أصبح مائة منا جنوداً وقتلنا مليونين منهم، فسننتصر، إذا وقفنا بهذا الموقف فقط عندها سنتمكن من حماية ساناتانا دارما (مشيراً إلى شكل مطلق من الهندوسية)»! ولم تتخذ الشرطة أي إجراء ضد أولئك الذين ألقوا خطابات كراهية استفزازية ضد المسلمين في ذلك البلد. 

ووفقاً لتقرير حديث، حذر «جريجوري ستانتون»، الذي أسس مجموعة مراقبة الإبادة الجماعية، من احتمال حدوث إبادة جماعية للمسلمين في الهند، وقال: إن أيديولوجية «هندوتفا» مخالفة لتاريخ ودستور الهند، وأضاف أن متطرفاً استولى على الحكومة الهندية، ولتعزيز حجته بشأن إبادة جماعية محتملة في الهند ضد المسلمين، حذر من أن الإبادة الجماعية ليست حدثاً بل عملية، وقارن بين السياسات التي اتبعها رئيس الوزراء الهندي «ناريندرا مودي» والسياسات التمييزية لحكومة ميانمار ضد مسلمي الروهنجيا في عام 2017م.

لا يمكن استبعاد السيناريوهات المقلقة والخطيرة التي صورتها «روي»، و«ستانتون»، واعتبارها مجرد تكهنات؛ لأن الهند تنجرف اليوم إلى شبكة التطرف والعنف والفاشية الدينية، جعلت ما يسمى بأكبر ديمقراطية في العالم تتبع التسامح الديني والعلمانية مساراً لسخرية العالم من خلال منح السلطة لحزب «بهاراتيا جاناتا»، والمنظمات الفاشية الهندوسية الأخرى، مثل «آر إس إس»، و«شيفا سينا»، و«باجرانج دال»، وسمحت لهم باضطهاد الأقليات من المسلمين والمسيحيين والداليت. 

وعندما تكون أجهزة الدولة -القضاء والبيروقراطية والشرطة والأجهزة الأمنية- غير محايدة وتعمل كوكلاء للقوميين الهندوس مثل حزب «بهاراتيا جاناتا»، وأجندة «مودي» الفاشية، يمكن للمرء أن يخشى الإبادة الجماعية في الهند، ولكن كما تقول «روي»، في بلد مثل الهند، التي تضم العديد من الأديان والثقافات المتنوعة، وحيث يتم التحدث بأكثر من 700 لغة، لا يمكن تأسيس حكم للأغلبية الهندوسية، وإذا لم يتم عكس هذا الاتجاه، فسوف تتفكك الهند مثلما تفكك الاتحاد السوفييتي السابق ويوغوسلافيا.

3 زوايا

يجب تحليل تصاعد القومية الهندوسية تحت رعاية الدولة وإمكانية تفكك الهند من 3 زوايا، هي:

أولاً: هناك تحيز مؤسسي واضح وميل لصالح تلك العناصر التي تنشر القومية الهندوسية واضطهاد الأقليات الدينية. 

لو لم يكن الأمر كذلك، لكانت المحكمة الهندية العليا قد لاحظت الإبادة الجماعية للمسلمين في كشمير المحتلة وشمال شرق الهند، فضلاً عن التهديد الصريح من قبل الفاشيين الهندوس في اجتماعهم الذي عقد في شمال أوتاراخاند العام الماضي، وبالمثل وافقت المحكمة العليا في ولاية كارناتاكا، وأيدت أولئك الذين فرضوا حظراً على الحجاب في المؤسسات التعليمية للدولة، وتقاعست المحاكم الهندية عن التنبه لقتل المسلمين على يد حشود هندوسية تحت مزاعم ذبح أبقار، وأولئك الذين كانوا يحتجون على قانون تعديل المواطنة. 

وإلى جانب القضاء الهندي، فقدت البيروقراطية والشرطة وقوات الأمن حيادها، واتُهمت بالامتثال للقوميين الهندوس الذين يستهدفون المسلمين والأقليات الدينية الأخرى، وعندما تكون أجهزة الدولة حزبية ومنحازة، يكون وجود الدولة الهندية في خطر.

ثانياً: قد تكون «روي» متفائلة بأن الشعب الهندي سيقاوم مد الفاشية، لكن فشل الأحزاب السياسية الهندية وجماعات المجتمع المدني يعكس انحطاط العلمانية والديمقراطية. 

إن تصاعد القومية الهندوسية أصبح حقيقة واقعة؛ لأنه في الانتخابات العامة، في ديسمبر 1984م، في الهند -التي أجريت بعد اغتيال رئيسة الوزراء «إنديرا غاندي»- فاز فيها حزب «بهاراتيا جاناتا» بأربعة مقاعد فقط، ومع ذلك ففي عام 2019م حصل على 303 مقاعد. 

وقد تغلغل حزب «بهاراتيا جاناتا» وحلفاؤه «آر إس إس»، و«شيفا سينا»، و«باجرانج دال» بشكل منهجي، في أعماق أجهزة الدولة والمجتمع الهندي، ونتيجة لذلك، كلما وقع عنف ضد المسلمين، تنحرف الشرطة في الاتجاه الآخر، وتتصرف المحاكم بطريقة حزبية، كما يفشل عامة الناس في منع أولئك الذين يفتخرون بالدعوة العلنية إلى الإبادة الجماعية للمسلمين والمتورطين في القتل الوحشي للمسلمين ونهب ممتلكاتهم. 

ثالثاً: هناك حقيقة صارخة مفادها أن 250 مليون مسلم هندي يفتقرون إلى الوحدة والتماسك لمكافحة المد المتصاعد للفاشية الهندوسية؛ فلا يوجد حزب سياسي يمكنه تمثيل المسلمين الهنود بشكل فعال؛ لأنهم منتشرون في جميع أنحاء الهند، على عكس السيخ الذين يتركزون في البنجاب الهندية ويشكلون أغلبية في تلك الولاية.

ويفتقر المسلمون في الهند إلى الميزة التي يتمتع بها مجتمع السيخ، وحتى مع ذلك، في بعض المناطق في ولاية أوتار براديش والولايات الهندية الأخرى، يعتبر بنك التصويت للمسلمين كبيراً، ويمكن استخدامه لحماية حقوقهم، ما زال بإمكاننا إنقاذ الهند من التفكك بسبب الاضطرابات الداخلية؛ فالاقتصاد الهندي قوي، وإذا لعبت المعارضة أوراقها جيداً في الانتخابات العامة لعام 2024م، يمكن طرد حزب «بهاراتيا جاناتا» من السلطة. 

وعلى الرغم من تآكل العلمانية وتحيز أجهزة الدولة لصالح القوميين الهندوس، لا تزال الهند ديمقراطية، والفرصة الأخيرة لإنقاذ وحدة الهند هي هزيمة حزب «بهاراتيا جاناتا» في الانتخابات العامة، في عام 2024م.

__________________________

(*) المصدر: «ذي إكسبريس تريبيون».

الرابط المختصر :