العنوان هموم الأمة: هل هي «إسرائيل» أم عليها مزيد؟
الكاتب د. توفيق الواعي
تاريخ النشر الثلاثاء 25-يونيو-1996
مشاهدات 748
نشر في العدد 1205
نشر في الصفحة 47

الثلاثاء 25-يونيو-1996
القاصي والداني مشفق على أمتنا العربية التي تعيش في أزماننا تلك لأنها مظلومة هذه الشعوب العربية التي تصاحب واقعنا المعاصر، تعاني من هموم عدة، وتتألم من أمراض كثيرة، أضعفها تنهد منه الرواسي، وأقلها تذهل منه العقول، فقر في الريادات وفساد في الإدارات وتشرذم في السلطات، وعفن في التوجهات وتهميش للهويات وهدر للطاقات وتبديد للخامات وضياع للموارد الأساسية، ووهن في القوة الحربية، وبعد عن النهضة التكنولوجية وكل ذلك يحتاج إلى تكاتف الجهود واجتماع القوى وجودة المناخ، وقوة الروح وسلامة الهدف، ووضوح الغاية وقوة الإيمان للتغلب عليه.
أما أن تبتلى الشعوب بالمحن والكوارث، وتبتلى السلطات بالشعوب، تلك الشعوب التي لا يسهل عليها التخلي عن المبادئ الإسلامية، ولا عن ثروتها الإيمانية وتراثها الغني ولا الانقطاع عن منابع الحياة الروحية والقوة التي تكمن في مصادرها الدينية، وأدبها الإسلامي، وعقيدتها القوية إذا كان ذلك فأي زاعم يدعي أن الإصلاح قريب فهو واهم ويذكرنا بقول جرير في الفرزدق:
زعم الفرزدق أن سيقتل مربعا *** أبشر بطول سلامة يا مربع
لأن هناك صراعات ستنشب بين الشعوب والسلطات وعمليات قهر وهدم واسعة الأكناف طويلة المدى ستبدأ واحتراب واقتتال لا يعلم مداه إلا الله سيكون لأن من يحارب طبيعة الأمم وتوجهاتها يُغلب. خاصة إذا كان يحارب مقدساتها وطبيعتها. بهتافات وشعارات جوفاء، لا تسيغها هذه الشعوب، ولا تنشط لها، ولا تستطيع أن تحبب إليها البذل والفداء، أو العطاء والموت في سبيل الدفاع عن أوطان أو رفعة توجهات ومبادئ، كما لا تتمكن من التغلب على الشهوات والأنانية الفردية، هذا وقد ظهرت قوة الإيمان وعطاءات العقيدة في مواقف كثيرة أثبتت كفاءتها، لأن الإنسان في الحياة يقوده اعتقاده واقتناعه، فالإنسان كما هو معروف يقاد من داخله، فإذا نبض هذا الداخل واستضاء بالعقيدة الحقة داخلت نفسه بشاشة الإيمان وسرت فيه روح الحياة، وتحركت طاقته، وانطلقت محملة بوقود إلهي رباني ((يَكَادُ زَيتُهَا يُضِيءُ وَلَو لَم تَمسَسهُ نَار نُّورٌ عَلَىٰ نُور يَهدِي ٱللَّهُ لِنُورِهِۦ مَن يَشَاءُ)
عرف هذا سماسرة التحرر في العصر الحديث، ودجاجلة الوطنية في زماننا هذا. عرفوا ضعف الشعارات الوهمية والهتافات الهلامية في إثارة حمية الشعوب وإشعال الحماس في نفوس الجماهير، فلجئوا أيام الجد والمعارك الحاسمة إلى الشعارات الدينية، والهتافات الإيمانية، وإلى صيحات الجهاد المقدس ونداءات الاستشهاد في سبيل الله والفوز بالجنة، ونادوا في الناس بمعارك الإسلام الحاسمة، ورجالاته العظام، فمنهم من استدعى خالد بن الوليد، ومنهم من استحيا أبا عبيدة، أو صلاح الدين أو عقبة بن نافع حتى إذا وضعت الحرب أوزارها وتسلموا مفاتيح البلاد، عادوا إلى هتافاتهم الشيطانية وشعاراتهم القومية، وأراجيزهم الشهوانية ونادوا أبالستهم وقرناءهم من الجن والإنس فمن ينادي بالشيوعية، ومن يصيح بالاشتراكية، ومن يقول بالعلمانية وأداروا أظهرهم لكل شيء، ونطقوا هجرا ودعوا كفرا ولما قيل لهم كيف وقد وعدتم وعاهدتم وأقسمتم وأكدتم وأعطيتم المواثيق على الإيمان والبر والوفاء للأمة، رفعوا عقيرتهم وقالوا قولة شيطانهم من قبل (وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيكُم مِّن سُلطَٰنٍ إِلَّا أَن دَعَوتُكُم فَٱستَجَبتُم لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُواْ أَنفُسَكُم) (ابراهيم : 22)
وهكذا تفتقد الشعوب المصداقية في ريادتها، والثقة في موجهيها، وتتضارب الأفكار والمبادئ والمذاهب مع التوجهات العميقة للأمة ومع مقدساتها، وهكذا تضيع طاقات هذه الشعوب ومواهبها وإمكاناتها التي لو استمرت بقوة الدفع الإيمانية وسرعة الانطلاقة العقيدية وقدرت حق التقدير، وقرئت قراءة صحيحة، وقيست قياسًا ناجحًا من قادة نابهين ورواد واقعيين، لفعلت الأعاجيب، وكانت قوة يحسب لها في العالم الحساب الكبير في موازين القوى، وفي موازين المعسكرات فضلًا عن تقدمنا العلمي والفكري والمادي الذي يقوده الإسلام، وفضلًا عن عطائنا الروحي لشعوبنا وللإنسانية التي كلفنا بتبليغها هذا الإسلام وهي في حاجة إليه.
يقول العلامة، "أرنولد توينبي" إن مستقبل الإنسانية يتوقف على اخوة روحية لا يمنحها غير الدين، وهو الشيء الذي يحتاج إليه النوع الإنساني في هذا الوقت. فالشيوعية تزعم أنها تستطيع أن توحد النوع البشري، وهذا هراء، أما الإسلام فإنه يثبت صلاحيته كقوة موحدة للإنسان في إفريقيا وفي كل أرض ذهب إليها.. ولكن القومية لا تستطيع أبدًا أن توحد الإنسانية بل إنها توزعها وتشتت شملها، ومن أجل ذلك ليس لها مستقبل، وأنها لا تستطيع إلا أن تدفن الإنسانية في ركامها وأنه يجب علينا أن نختار إحدى النتيجتين في عصر الذرة، وأننا إذا أردنا أن ننقذ أنفسنا من الهلاك والدمار، فينبغي لنا أن نحتضن الإنسانية كلها من غير استثناء، ونتعلم كيف نعيش كأسرة واحدة.
وبعد، فإن همومنا ليست في إسرائيل وحدها، إسرائيل التي حددت لها هوية جمعت حولها اليهود، وأنشأت لها ديمقراطية كشفت الفساد وأخرجت لها روادا قادت أمتها إلى أهدافها وأخرجت طاقاتها وحضرت شعبها، وأسست قوتها التي قهرت بها الجميع، ولهذا فقد انتقلت من إسرائيل المزعومة إلى إسرائيل الكبرى التي تفرض مكانتها عالميًّا، فإذا اجتمعنا اليوم، على الرغم من صحة هذا التوجه، فماذا نفعل ونحن على هذه الحالة التي يعرفها القاصي والداني يجب أن لا يكون همنا الأول والأخير هو إسرائيل فقط ولكن يكون همنا هو انطلاقة الأمة ورفع الأحد والأغلال عنها، وفك قيودها، وتعديل مسارها وتوجهها، ومعالجة أمراضها وعللها وتنقية أجوائها وبعث هويتها رحمة بنا وبالإنسانية وبكم وبالمدنية والحضارة، فهل نحن فاعلون نسأل الله ذلك .
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكلالقصيدة الفائزة بالجائزة الأولى في مسابقة العدد التاسع: هزيمة وأمل
نشر في العدد 29
32
الثلاثاء 29-سبتمبر-1970


