; همّ الرسول -صلى الله عليه وسلم | مجلة المجتمع

العنوان همّ الرسول -صلى الله عليه وسلم

الكاتب د. ناجي عبدالله الخرس

تاريخ النشر الثلاثاء 11-يناير-1994

مشاهدات 13

نشر في العدد 1083

نشر في الصفحة 49

الثلاثاء 11-يناير-1994

إذا أردت أخي الداعية أن تعرف حقيقة الدعوة فاعلم أنها تتمثل في حياة النبي -صلى الله عليه وسلم- حيث عاش للدعوة ولم يعش لنفسه فكانت الدعوة بالنسبة إليه هي أحب إليه من نفسه وأهله والناس أجمعين، فكان حاله أبلغ من مقاله عليه الصلاة والسلام ومثال على ذلك عندما أعرض الناس عنه في قبول الإسلام كاد عليه الصلاة والسلام يقتل نفسه حزنًا وألمًا ولذلك قال تعالى في كتابه مخاطبًا رسوله ﴿فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَىٰ آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَٰذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا (الكهف: ٦).

يقول الشيخ حسنين محمد مخلوف –رحمه الله– في تفسيره لهذه الآية: فلعلك أي النبي -صلى الله عليه وسلم- قاتل نفسك حزنًا وغضبًا لإعراضهم عن الإيمان وتكذيبهم بالقرآن والمراد: لا يكن منك ذلك. وأصل البخع: أن تبلغ بالذبح النخاع –بكسر أوله– وهو عرق في الصلب يجرى في عظم الرقبة. وذلك أقصى حد الذبح. «صفوة البيان لمعاني القرآن».

ويقول الشيخ محمد الأشقر –حفظه الله– في تفسيره لهذه الآية أي فهون عليك الأمر یا محمد، فإن مهمتك التي بعثت لها أن تبلغهم الرسالة حملك الله إياها، ولست مكلفًا بأن تدخل الإيمان في قلوبهم، فلا تتلف نفسك حسرة على كفرهم. «زبدة التفسير من فتح القدير».

أسباب هذا الهم

۱- شدة شفقته -صلى الله عليه وسلم-:

وهذه الآية تبين هم الرسول -صلى الله عليه وسلم- على من تولى وأدبر عن اتباع الحق وما ذلك إلا من شدة شفقته على الناس من أن يدخلوا نار جهنم التي لا تبقى ولا تذر كما جاء في البخاري:

عن أبي هريرة -رضي الله عنه-: أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «إنما مثلي ومثل الناس كمثل رجل استوقد نارًا، فلما أضاءت ما حوله جعل الفراش وهذه الدواب التي تقع في النار يقعن فيها. فجعل ينزعهن ويغلبنه فيقتحمن فيها، فأنا أخذ بحجزكم عن النار، وأنتم تقصمون

فيها».

عند التأمل في حديث النبي -صلى الله عليه وسلم- في قوله: فجعل ينزعهن ويغلبهن فيقتحمن فيها تشعر أن هناك معركة شرسة فيها نزاع وغلبة واقتحام كما جاء في ألفاظ الحديث التي تدل على شدة وقساوة المواجهة مع أعداء الله حيث تجد الإصرار والعناد والرفض لقبول دعوة الحق وفي المقابل تجد الاستعداد التام والسريع في قبول الباطل حيث إهلاك النفس وإحراقها في النار.

٢- معرفته -صلى الله عليه وسلم- بأهمية وجود الحق.

لأن الحق هو قوام الوجود لأنه لو زال اختل توازن الكون أرأيت لو زالت الشمس من هذا الكون. أو زالت الجاذبية، كم يكون الاضطراب؟ فكذلك وجود دعوة الحق، فإنها والشمس والقمر والجاذبية والماء والهواء من سنن الكون التي يتحتم وجودها، وإلا فتقوم ساعة القيامة، لكنها سنة لن يراها إلا صاحب قلب سليم وهذا هو مصدر إصرار المسلم على المضي في الطريق. لأن الساعة لا تقوم إلا على شرار الخلق عندما لا يقال في الأرض الله، إذن موت الصالحين من أشراط الساعة وإذا قامت الساعة اضطرب الكون وزال كما قال -صلى الله عليه وسلم-: «يذهب الصالحون الأول فالأول، ويبقى حثالة كحثالة الشعير – أو التمر لا يباليهم الله بالة»

 رواه البخاري.

إذن أية الحق وجود المسلم.

ووجود المسلم حتمية من حتميات التاريخ الماضي والحاضر وإنها لحتمية ماضية إلى يوم القيامة.

«والحق هو قوام هذا الوجود، فإذا حاد عنه فسد وهلك ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات والأرض ومن فيهن ومن ثم فلابد للحق أن يظهر ولابد للباطل أن يزهق. ومهما تكن الظواهر غير هذا فإن مصيرها الى تكشف صريح، بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق مقدمة الظلال».

«ولئن رأى الحاضر من البشرية إقصاء الإسلام عن الحياة فما ذاك إلا كما تكسف الشمس، والذي حصل من الاضطراب والظلم والفساد بإقصائه لدليل لأولى الأبصار يميزون به صواب ما نقول من كون الإسلام جزئية لابد منها في نظام الكون البديع يختل بدونه.

وكما تأوي الطيور إلى أعشاشها حين تكسف الشمس ظهرًا، وتعرف بفطرتها أن ثمة شذوذًا قد حصل، وأن الغروب لا يزال بعيدًا، ويكون لها الشعاع الضئيل الباقي مصدر أمل لعودة سريعة لنور الحياة، وتظل تنتظر لا تنام. فكذلك أولو القلوب الحية، يدركون بفطرتهم أن تنحية الإسلام عن الحكم كانت حدوًثا هائلًا غريبًا، لكنه ليس الغروب، وإنما هو حدث شاذ وما استمرار وجود عصبة الحق باقية –مهما كانت ضئيلة– إلا مصدر أمل لعودة الإسلام الى الحياة. «المنطلق».

الرابط المختصر :