; هوية الحرب اللبنانية: أسبابها: واقعها: أهدافها. | مجلة المجتمع

العنوان هوية الحرب اللبنانية: أسبابها: واقعها: أهدافها.

الكاتب مجلة المجتمع

تاريخ النشر الثلاثاء 18-يوليو-1978

مشاهدات 20

نشر في العدد 404

نشر في الصفحة 12

الثلاثاء 18-يوليو-1978

يخطئ الإنسان، إذا ظن أن الحرب في لبنان وليدة بعض الخلافات بين اللبنانيين أو بينهم وبين الفلسطينيين كما قد يتضح لأول وهلة، فالحرب المشتعلة في لبنان لها جذور تمتد إلى زمن الاحتلال الفرنسي حيث كان ما يسمى لبنان اليوم، قطعة من دولة سورية الكبرى، ذلك أن المراقب للأوضاع اللبنانية منذ تأسيسه، يعرف تمامًا أن الحرب اللبنانية دائمة الاشتعال بين محورين الأول ثابت لا يتغير وهو المحور النصراني الماروني، والثاني متغير ومرتبط بمعادلات التغير الدولية، فمرة يتمثل بالدروز، وأخرى باليساريين ومرة بالمسلمين ومرة بالفلسطينيين إذا فالمارونيون النصارى طرف دائم في كل حرب تقوم في لبنان، ولهذا دلالته البعيدة، فإذا كان المارونيون يفسرون مواقفهم في حربهم مع الفلسطينيين بالحرص على استقرار لبنان وإبعاده عن ميدان الحرب مع "إسرائيل" فما هو تفسيرهم الآن لصداماتهم السابقة مع أطراف لبنانية لم يكن الفلسطينيون أحد عناصرها؟

جذور المشكلة تفسر دواعي الحرب:

حرصت فرنسا زمن الانتداب على التعاون مع نصارى الشام، فساعدتهم في تنظيم أمورهم وعملت على تجميعهم ليشكلوا كثافة سكانية في مناطق معينة، وكان لهذا التنظيم أثر في تواجد نسبة كبيرة من نصارى الشام في لبنان، وتصدر المارونيون زعامة النصارى، وتحت دواعي التنظيم عملت فرنسا على إنشاء أحزاب نصرانية قبل انسحابها ليتم لهؤلاء تأسيس الدولة الصليبية المستقلة عن سوريا وبالفعل فقد نشأت أحزاب صليبية كحزب الكتائب الذي لم يخف أهدافه الطائفية منذ تأسيسه، ونشأت أحزاب أخرى تحت اسم القومية بقيادة رجالات نصرانية هدفها تجميع الشباب المسلمين وتوجيههم تحت قيادتها، وبعد الحرب العالمية كانت جهود فرنسا قد أثمرت حين تمكن النصارى من فصل كيان مستقل عن سوريا وسمي دولة لبنان، وقد أعلن آنذاك لأول مرة أن دين الدولة نصراني، وفي هذا الكيان حصلت الطائفية الصليبية على حصة الأسد في حكمه، وقد ضمنت الدول الكبرى «فرنسا- بريطانيا- أمريكا» استقلال هذا البلد الذي صار باكورة الحرب الصليبية الحديثة، ولكي يبعد النصارى عنهم خطر المسلمين داخل لبنان وخارجه عزفوا على أوتار القومية العربية التي تمهد الطريق لنزعتهم الطائفية وحربهم الصليبية غير المعلنة. من هذه اللمحة يتضح أن موقف النصارى من غيرهم هو موقف قديم وأن شهوتهم للاستقلال بلبنان شهوة قديمة أيضًا، وأن صراعهم من أجل السيطرة على لبنان ليس وليد الأمس القريب، وأن حربهم ليست حرب يسار أو يمين وإنما هي حرب من أجل إعلان الدولة الطائفية النصرانية وإذا كان المارونيون يعرفون صعوبة السيطرة الكاملة على لبنان بسبب تغير المناخ الدولي فإنهم على ما يبدو مصممون على إعلان دولتهم الصليبية ولو كان ذلك في المناطق التي يسيطرون عليها فحسب.

المارونية الصليبية والدروز:

على الرغم من عدم الخلاف بين بريطانيا وفرنسا على تأسيس الدولة النصرانية في لبنان، إلا أن هناك خلافًا بينهما على تبعية هذه الدولة، ولما كانت بريطانيا طامعة بحصة فرنسا فقد بدأت تصطنع لهــا المشاكل، وقد وجدت في الطائفة الدرزية المتواجدة في لبنان وشمال سورية خير وسيلة للتدخل وإثارة المشاكل في وجه فرنسا، وبالفعل فقد اتصلت بريطانيا بزعيم الدروز سلطان باشا الأطرش ودفعته لتفجير ثورته ضد الفرنسيين، وأرسلت تشد أزره ببعض المتطوعين المرتزقة في الجيش البريطاني، كما دفعت بمتطوعين آخرين إلى لبنان لمساعدة رياض الصلح ضد الفرنسيين، وكان مخطط بريطانيا أن تربط كافة أجزاء بلاد الشام بها مع الحفاظ على الكيان الماروني الصليبي في لبنان. إلا أن ظهور الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي غير مجريات الأمور، وكان أن تأسس لبنان كدولة مسيحية أما الدروز فقد تمكن عبد الناصر من انتشالهم حيث قذف بهم- في أحضان الاتحاد السوفياتي، وصار الاتحاد السوفياتي يتدخل في شؤون لبنان بواسطة هؤلاء، حيث اندرجوا في الأحزاب الشيوعية والاشتراكية والمنظمات اليسارية، وهذا يفسر لنا جانبًا من الصدامات التي تجري بين المارونيين كأداة في يد الغرب وبين الدروز كوسيلة يحركها الاتحاد السوفياتي، لكن ما الثمن الذي وعد به الدروز من قبل السوفييت؟ أهو السيطرة على لبنان؟ أم هو الوعد بالمساعدة الدولية على تأسيس كيان درزي في شمال لبنان وجنوب سوريا شبيه بالكيان النصراني الطائفي، وللعلم فإن للدروز في المنطقة ميليشيات مسلحة تتلقى أوامرها من زعماء الطائفة فقط. 

الأطراف المتصارعة في الحرب اللبنانية ودوافعها:

 إن أطراف النزاع في لبنان متعددة فعلى المستوى المحلي يلاحظ أن النصارى هم الطرف الأساسي في كل نزاع واشتباك وحرب، حيث يقف الجانب الثاني الفلسطينيون مع غيرهم أحيانًا وبمفردهم أحيانًا أخرى ويعتبر اليسار اللبناني أحد أطراف النزاع الأساسية كما يقف الدروز على جانب آخر من الحرب المشتعلة وقد تخوض غمار الحرب المستقلة أطراف أخرى كالتجمعات الإسلامية التي شاركت في الحرب دفاعًا عن ديارها انطلاقًا من مبدأ الجهـاد الإسلامي، وقد تجتمع جميع هذه الجهات في حرب النصارى، إلا أن هذا لا يعني وحدة الهدف في المعركة مع الطائفية النصرانية، ويعتقد أن لكل هدفه ومرماه وذلك انطلاقًا من الأيديولوجية الخاصة به.

أما على المستوى العربي فتعتبر سوريا من أبرز الجهات المشاركة في الحرب اللبنانية، ويعتقد المراقبون أن العراق وليبيا دخلتا الحرب اللبنانية بشكل أو بآخر، وذلك من خلال دفع المتطوعين وإمداد جهات معينة بالعتاد والذخيرة ولا سيما أجنحة اليسار الفلسطيني، والأحزاب الناصرية اليسارية، كما يذهب البعض إلى مشاركة جهات عربية أخرى حيث أبدت موقف التحفظ الشديد من تحركات الفلسطينيين وكان لها دور إعلامي منذ بداية حربهم مع الكتائب، ولا يستبعد أن تكون مصر هي أم هذا الموقف، ذلك أن لموقف الحكومة المصرية من "إسرائيل" ارتباطًا كبيرًا بموقفها من الفلسطينيين وتجمعهم المسلح في جنوب لبنان على الحدود المتاخمة "لإسرائيل".

بيد أن الموقف الدولي من الحرب اللبنانية له الدور الأكبر في هوية هذه الحرب ونوعها وأسبابها وأهدافها ولا يخفى دور السفير الأميركي في كل مرحلة من مراحل القتال، كما أن أمريكا التي تعتبر نفسها وريثة «بريطانيا وفرنسا» في العالم ما زالت تحضن الحركة العسكرية وتوجهها سواء كان ذلك بشكل مباشر أم غير مباشر، أما الاتحاد السوفياتي فهو أحد الأطراف المشاركة عبر التجمعات اليسارية وبعض الفصائل الفلسطينية، ولا يخفى استقبال أحد قادة المقاومة في الاتحاد السوفيتي استقبال الزعماء ورؤساء الدول في مطار موسكو بشكل متتال منذ عام ١٩٧٤- بل إن السلاح الوحيد الذي كان يفد إلى المنطقة ويسلم لبعض الجهات المتحاربة هو سلاح روسي، ومن المشاركين الدوليين في حرب لبنان جهات غربية أخرى كفرنسا التي صار لها تواجد عسكري في لبنان عبر قوات الأمن، وإنني لأذكر العبارة التي طمأن فيهـا جورج غورس الرئيس اللبناني السابق شارل الحلو حيث قال له:- الإنقاذ الذي طلبتموه من فرنسا جاءت الظروف الدولية لتحقيقه الآن-. وقد علقت مجلة الحوادث اللبنانية على هذه المقولة بما يشير بشكل ساخر إلى أن فرنسا هي إحدى الجهات الفعالة في الحرب اللبنانية، وقد أخذت دور النائب عن أميركا في بعض ظروف الحرب، بحيث لا نشك في أن مشاركتها تكريس للطائفية الصليبية في لبنان.

ولا شك في أن فرنسا كانت تخطط بالتنسيق مع واشنطن لتوسيع دورها بحيث يشمل كافة المناطق اللبنانية ولا سيما في حالة تعثر تشكيل الجيش اللبناني، وقد ورد على لسان الرئيس الفرنسي ديستان ما يشير إلى ذلك حيث اقترح في أيار مايو ١٩٧٦ أن ترسل فرنسا قواتها إلى لبنان بمهمة لفك الارتباط بين الأطراف المتحاربة، ولا يمكن للمرء وهو خارج المعركة أن يحدد هوية جميع القناصة الذين برزوا فجأة في الحرب المشتعلة في لبنان، لكن الذي لا شك فيه أن كثيرين منهم يحملون جنسيات أوروبية.

لبنان والدور السوري:

 ظهرت الحكومة السورية منذ بداية الحرب اللبنانية بمظهر المعاضد للقوات الفلسطينية، إلا أنها قلبت لهم ظهر المجن حيث فوجئ الناس بآلاف الجنود السوريين يدخلون معركة حامية الوطيس مع الفلسطينيين، وكثرت الأقوال حينئذ، إلا أن الذي لا شك فيه هو رغبة الحكومة السورية إيقاف الفلسطينيين الذين أوشكوا أن ينهوا حربهم مع الكتائب ويخرجوا منها رابحين، وقيل بأن قوات غربية كادت أن تدخل الحرب لنصرة الكتائب بشكل مباشر علني، وقد يكون الموقف السوري هو موقف الضابط الذي أراد أن يعيد الأمور بحيث يستقر التوازن العسكري بين الكتائب والفلسطينيين، ويبرز في ذهني ما قيل عن الرأي العام الأمريكي الذي عانت منه الحكومة الأميركية زمن حرب فيتنام، والذي يثور لمقتل أي جندي أمريكي خارج الولايات المتحدة، إذًا فهل تصدق المقولة التي ذكرت بأن السوريين أخذوا الإشارة الخضراء من البيت الأبيض فنابت قواتهم مناب الردع الأمريكي الذي دأب على تحجيم الدور الفلسطيني في لبنان؟ أم هناك تعليل آخر لموقف سوريا. والسوريون الذين عادوا الآن إلى احتواء القوات الفلسطينية المسلحة، بعد إجلائها من جنوب لبنان على يد اليهود، ماذا يريدون من هذا الاحتواء؟. وكيف نفسر موقف القوات السورية العاملة في قوات الردع من الكتائب والجبهة النصرانية؟ قد تبدو الإجابة على هذه الأسئلة صعبة بعض الشيء، إلا أن المؤكد أن النزاع بين القوات السورية والجبهة اللبنانية بدأ أولًا بين جماعة الرئيس اللبناني السابق سليمان فرنجية وحزبي الكتائب والأحرار، ذلك أنه باتت رغبة فرنجية واضحة بوضع حد نهائي للوجود الكتائبي في شمال لبنان، وقد لقي فرنجية وصحبه تأييدًا سوريًا مطلقًا، ويعزز اللقاء السوري مع فرنجية انسحابه من الجبهة اللبنانية ومصالحته مع رئيس الوزراء السابق رشيد كرامي ولكن، لماذا اتخذت سوريا هذا الموقف المؤيد لفرنجية بحيث تعادي في الوقت نفسه سياسة الكتائب والأحرار؟ وهل نستطيع تفسير ذلك بحيث نشير إلى عملية تقسيم لبنان، فإذا كانت القوات الكتائبية هي المسيطرة الآن على جنوب لبنان، فماذا يريد فرنجية من الشمال بل ماذا تريد سوريا من فرنجية الذي بات يطهر الشمال اللبناني من أتباع الكتائب والأحرار؟ أنستطيع اعتبار ذلك خطوة من خطوات تقسيم لبنان، وإذا سيطر أركان الجبهة المارونية- الجميل وشمعون- على الجنوب فمن الذي سيحكم الشمال، أترى سيبقى الشمال في يد السوريين بحيث يبقى هو المستقر النهائي للفلسطينيين بعد عزلهم عن التحرك العسكري نهائيًا وتحويل معركتهم إلى حرب إعلامية فحسب؟ أم أن مشروع الدويلات الصغيرة سوف ينفذ في الشمال والجنوب على حد سواء، إننا لا نستطيع تحديد هوية حكومة الشمال في مرحلة ما بعد التقسيم، ففضلًا عن جماعة فرنجية هناك اليسار اللبناني وهناك التجمع الدرزي الذي ينتظر لحظته المواتية لتحقيق حلمه بتشكيل دولته المستقلة.

وماذا بعد الانسحاب "الإسرائيلي" من الجنوب؟

 تشير الأحداث إلى أن الميليشيات المارونية هي التي احتلت الأماكن التي انسحبت منها "إسرائيل" بدلًا من قوات الطوارئ الدولية، فقد تسلمت قوات الصليبي سعد حداد المواقع "الإسرائيلية" وباشرت فورًا بتنظيم نفسها تنظيمًا يشير إلى استقرارها النهائي في هذه المنطقة، لماذا قوات سعد حداد وليست قوات الطوارئ الدولية، وللإجابة على هذا السؤال لابد من ذكر الأهداف الحقيقية لدخول "إسرائيل" إلى المنطقة، ولعل أول الأهداف هو تحقيق الإبادة البشرية للتجمعات الفلسطينية المسلمة المتمركزة في الجنوب اللبناني، وإجبار الفلسطينيين على التخلي نهائيًا عن التحرك العسكري في المنطقة بحيث تأمن "إسرائيل" أي هجوم عسكري للفدائيين في المستقبل، ولم تكتف "إسرائيل" بضربتها للمقاتلين الفلسطينيين بل قامت بعملية تهجير واسعة شملت معظم الفئات المسلمة المتواجدة في الجنوب حيث أجبرتها على النزوح إلى الشمال لتصير تحت المظلة السورية نهائيًا بحيث تعدم إمكانية التحرك في المستقبل، وحلول قوات النصارى في الجنوب يسوقنا إلى الهدف الثاني من الاحتلال "الإسرائيلي"، فحلول قوات سعد حداد في المنطقة يعني تسليمهم قطاعًا واسعًاً بحيث يتسنى لهم إقامة منشآت إدارية وأجهزة شبيهة بالأجهزة الحكومية في المنطقة وهذا يعني استقلال الطائفة النصرانية في الجنوب وتهيؤها لإعلان دولتهـا المنقسمة عن لبنان. إن التقسيم الذي لم تستطع بعض أطراف النزاع من تحقيقه قامت به "إسرائيل" بشكل يرضي الجهات التي خططت له وشاركت في تكريسه منذ بداية الحرب اللبنانية، على أن حكومة بيغن التي تواجه معارضة حادة داخل فلسطين المحتلة وجدت بيدها المفتاح الذي فتح لها باب التفاهم مع أجنحة المعارضة هناك، فإبعاد الفلسطينيين عن الحدود مع اليهود، وتسليم الجنوب اللبناني للفئات المتعاونة مع "إسرائيل" أمران لهما أهمية كبرى داخل "إسرائيل".

لعبة الأمم والنفوذ الدولي في لبنان:

إن الهويات الدولية المتعددة التي لها علاقة بالحرب في لبنان، لم تدخل في اللعبة إلا وفق رغبة في تحقيق بعض الأهداف. وإذا كانت جميع القوى الدولية متفقة على إيجاد الدولة النصرانية الطائفية المستقلة في بعض الأقسام اللبنانية بحيث تكون دولة شبيهة بدولة "إسرائيل" من حيث شكلها ومكانتها ودورها في المنطقة الإسلامية، فإن لكل فريق دورا وهدفا في هذه اللعبة الدموية، كيف ذلك:

أمريكا: إن أمريكا لم تخف رغبتها بحصر الدور الفلسطيني وامتصاص قوته العسكرية التي تؤثر على مخططاتها في التسوية السلمية بين العرب و"إسرائيل"، ذلك أن الفلسطينيين هم العقبة الكؤود أمام مفاوضات التسوية السلمية، وترى أمريكا أن نزع السلاح من أيدي الفلسطينيين ووضعهم تحت مظلة إحدى الدول في المنطقة هو خير عمل لترويض فصائلهم المقاتلة وتحويلهم من المعركة العسكرية بحيث يقتصر دورهم على العمل الإعلامي، وبهذه الطريقة يمكن لأمريكا أن تعترف بالفلسطينيين كمحور من محاور التسوية السلمية.

السوفيات: يعمل السوفيات دائمًا بخبث ومكر وسرية، وهم يتطلعون دائمًا إلى المناطق الضعيفة في العالم منتظرين اللحظة السانحة لإلقاء قبضتهم الحديدية عليها، ولا يستبعد أن تكون روسيا تطمع بإيجاد حكومة موالية في شمال لبنان، بحيث تخلق جوًا من التوازن الأممي بينها وبين أمريكا والغرب الذي سوف يتبنى مشاكل الدولة النصرانية الناشئة في الجنوب، ويتضح العمل السوفياتي بتغذية الجهات الشيوعية أثناء الحرب بالسلاح والدعم الإعلامي، وقد تستخدم روسيا لتحقيق أهدافها بعض الفئات الموالية والمتواجدة في الشمال وإذا كان الفلسطينيون القابعون تحت المظلة السورية هناك لا يملكون حرية التحرك وحق العمل المنفرد، فإن الدروز الذين يطمحون بإيجاد کیان مستقل لهم لا يمانعون التعاون مع الروس ولا سيما أن قادتهم تبنوا تحركات اليسار اللبناني منذ فترة بعيدة، على أن الاتحاد السوفييتي يبقى مستفيدًا من أي حرب تشتعل في لبنان وغيرها من مناطق الصراع في العالم، فحكومة الكرملين تقبض ثمن الأسلحة التي استخدمها الفلسطينيون في مرحلة الحرب اللبنانية في وقت كان رصيدهم المالي أخذ بالتقلص والانحدار وقد أتاحت لهم الحرب اللبنانية فرصة تسويق السلاح المنسق بحيث عادت عليهم تجارتهم بنقد طائل.

 فرنسا: إن فرنسا التي دخلت الحرب اللبنانية بالشكل المذكور آنفا إنما دخلتها بدوافع أخرى فضلًا عن دعمها للانفصالية الطائفية.

فالفرنسيون المنطلقون في سباق مع الروس والأمريكان على كسب الأولوية في مناطق الثروات الاقتصادية، إنما يعتقدون أن وجودهم في لبنان يجعل صوتهم مسموعًا بشكل أوضح في حوار النفط وصفقات السلاح الذي تستورده جهات عربية مختلفة، خاصة وأن فرنسا أصبحت الآن تحتل المركز الثالث في قائمة مصدري السلاح إلى المنطقة العربية.

"إسرائيل": وهي التي شاركت في الحرب بشكل عسكري فعال. وقد هدفت إلى: 

- خلق منطقة منزوعة من السلاح الموجه إليها من جنوب لبنان والتخلص من الفلسطينيين الجاثمين بثقل عسكري على حدودها.

- ضمان وجود دولة حليفة مجاورة لها بتسليم الجنوب اللبناني لقوات الرائد المسيحي سعد حداد بعد تشريد آلاف الفلسطينيين من المنطقة.

- تهيئة خطوط عسكرية عبر الجنوب اللبناني تمكنها من ضرب الجيش السوري من ناحية الغرب ووضع الجبهة السورية بين فكي كماشة- الغرب والجنوب- بالتعاون مع قوات الدولة الطائفية التي احتلت مكان الفلسطينيين في الجنوب.

- ربط مشكلة الدولة الطائفية بعمليات التسوية السلمية مع العرب بحيث تضمن "إسرائيل" اعتراف الدول العربية بالكيان الصليبي في المستقبل.

- إيجاد حليف مخلص يختلف مع العرب المسلمين بالعقيدة والتاريـخ والأهداف حيث ضمنت "إسرائيل" منذ الآن التعاون الكامل مع القوات النصرانية التي احتلت جنوب لبنان.

- كسبت "إسرائيل" عطف العالم النصراني في الغرب وفي دول أمريكا بموقفها من الحرب في لبنان وهذا موقف يقدره أعمدة السياسة "الإسرائيلية" والرجالات اليهودية أيما تقدير.

 بعد هذا الاستعراض لحقيقة ما يجري في لبنان أود أن أضع بعض المؤشرات البارزة:

- إن الخاسر الوحيد في هذه المعركة هم الفلسطينيون.

- الحرب في لبنان مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بلعبة الأمم ورغبات الدول العظمى في العالم. 

- الحرب في لبنان حرب طائفية الشكل والمضمون، طائفية الصياغة والمحتوى طائفية الأسباب والوسائل والأهداف.

- الحرب في لبنان تهدف فيما تهدف إلى تقسيم لبنان إلى دويلات صغيرة يكون أساس الحكم فيها طائفيًا.

- الحرب في لبنان أعطت "إسرائيل" قوة إضافية في العالم المسيحي.

- الحرب في لبنان كشفت تبعية بعض الدول العربية التي شاركت فيها بجيوشها إلى أمريكا وخضوعها تحت نفوذها بشكل كلي.

- الحرب في لبنان هي بداية الحرب الصليبية العالمية الحديثة التي يقودها الغرب ضد المجتمعات الإسلامية.

- الحرب في لبنان ستلد في جسم الأمة العربية والإسلامية دولة "إسرائيل" الثانية ممثلة بدويلة المارون الطائفية.

إن الحرب الصليبية قائمة في العالم على قدم وساق، بينما المجتمعات الإسلامية ما زالت تغط في نومها العميق وهي ما زالت تدور في فلك القومية والاشتراكية والتبعية للشرق والغرب، بينما النصارى واليهود يقاتلون أمتنا بدافع ديني محض حيث لم يخفوا إعلانهم عن حربهم بأنها حرب دينية تاريخية مقدسة، إن المسلمين أولى الناس بالدفاع عن عقيدتهم، وهم أحق الناس برفع راية الدين والعقيدة والإعلان عن حرب إسلامية مقدسة شاملة، إلى متى أيها المسلمون إلى متى ﴿إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾ (محمد:7) إن الحرب الإسلامية يجب أن تعلن على أنها حرب عقائدية مقدسة بل على أنها واجب وفرض عين على كل مسلم، ومن هنا يمكن للعرب والمسلمين أن يضمنوا نصر الله لهم 

﴿إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ﴾ (آل عمران: 160) والحمد لله رب العالمين.

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل