; هيئة الأمم ومصالح المسلمين | مجلة المجتمع

العنوان هيئة الأمم ومصالح المسلمين

الكاتب أحمد الجوارنة

تاريخ النشر الثلاثاء 08-ديسمبر-1987

مشاهدات 28

نشر في العدد 846

نشر في الصفحة 35

الثلاثاء 08-ديسمبر-1987

جاء في كتاب «فاكهة الخلفاء ومفاكهة الظرفاء» للأديب المؤرخ «أحمد بن عربشاه» المتوفى سنة ٨٥٤هـ من النكت والأخبار والحكم والأمثال في فنون الملك والسياسة والرياسة ووقائع شؤون الحياة البشرية، ما ينم عن عمق إدراك وفهم الجمهور العربي ومستوى ذوقه الرفيع في ماهيات الحياة وإصدار أحكامه عليها، وذلك- بالطبع- في عصر المؤلف- رحمه الله- ومما جاء في مقدمة كتاب السالف الذكر:

قالوا: إن الأرنب التقطت تمرة فاختلسها الثعلب، فأكلها، فانطلقا إلى الضب، فقالت الأرنب: يا أبا الحصين، قال: سميعًا دعوت، قالت: أتيناك لنختصم إليك، قال: عادلًا حكيمًا، قالت: اخرج إلينا، قال: في بيته يؤتى الحكم، قالت: إني وجدت تمرة، قال: حلوة فكليها، قالت: فاختلسها مني الثعلب، قال: لنفسه بغى الخير، قالت: فلطمته، قال: لحقك أخذت، قالت: فلطمني، قال: حرًا انتصر لنفسه، قالت فاقض بيننا، قال: قد قضيت.

انتهى ما أورده مؤرخنا وأديبنا ابن عربشاه، وكأنه كان يستقرئ- في زمانه- في فنجان الشؤون السياسية، خيوط ومنحنيات ولف ودوران السياسة الدولية في القرن العشرين، والكلام الذي أورده شيخنا، ربما يأخذه البعض من جانب الفكاهة والدعابة، فليكن، بيد أن لهذه الحكاية ظلالًا ومعاني، إذا ما قارناها بمؤسسة أو هيئة دولية فلا تنطبق إلا على تلك المؤسسة التي تعرف باسم «هيئة الأمم المتحدة» فهذا هو شأن وحال هيئة الأمم المتحدة حيال القضايا الإسلامية جميعها، وذلك منذ أن تأسست على يد التكتل الصليبي اليهودي في الغرب، وهي المؤسسة التي ما فتئت وتعلن عن عدالة سياستها، وعن انضباط قراراتها وأحكامها تجاه مصالح الشعوب في الأرض- بما في ذلك مصلحة الشعوب الإسلامية بطبيعة الحال- وصرح القيمون على أمر الهيئة الدولية، بأن «ضب» الأمم المتحدة إنما هو الحارس الأمين على مصالح الشعوب الضامن لتقرير مصائرها، في حين عندما تدخل إلى أروقة «الهيئة» مسألة أو قضية إسلامية تطالب بحقها الواضح وضوح الشمس في رابعة النهار، لم يعد حينها «للهيئة» تمثيلها الدولي المتعارف عليه، فتغلق الأبواب في وجه القضايا الإسلامية، ويأخذ التسويف والمماطلة واللامبالاة طريقه في الاستخفاف بمظالم المسلمين، وكأن قضايا الإسلام وأهله ليست قضايا دولية، أو كأن المسلمين ليسوا من أمم الأسرة الدولية، وذلك بعدما رأوا «أرنب» المسلمين وديعًا مسالمًا هينًا لينًا، وليس من القوة بمكان أن يفرض رأيه على هيئة الثعابين «والثعالب» فأدركوا أنه لماذا نتمسك بإقرار أحكام العدالة تجاهه؟ ولماذا لا نسحق هذه الأمة مادامت تتمثل بتلك الصفات، والفرصة مواتية لنا، فلنعطِ الأقوى «غير المسلمين» حقوقهم، ولنمنح أعداء المسلمين نصيب الأسد من استصدار القرارات العادلة لصالحهم «الدولي»، على أن تنفذ بسرعة ودون توان، والعجيب أن الدول الإسلامية أول الكرماء في تلبية الدعوة وتنفيذ القرارات.. للحفاظ على مصداقيتها بين الأمم والتمسك بمبادئها الدولية، وتقدير عضويتها في هذه الهيئة العالمية، ولسان حال الأمة الإسلامية يلهج بمقالة الشاعر:

كعصفور في يد طفل يهينها

تقاسي حياض الموت والطفل يلعب

 فلا الطفل ذو عقل يرق لحالها

ولا الطير مطلوق الجناح فيهرب

إذن فهيئة الأمم ليس للأمم «الإسلامية» فيها حظ ولا نصيب، فقد تمكن الغرب الخبيث من «طبخ» هذه الهيئة الدولية في أفرانه ودهاليزه، لإضعاف وقتل الصوت الإسلامي المظلوم، ولكبح جماح الرأي الإسلامي الذي يطالب بحقوقه المهدورة، فإن هذه «الطبخة» «هيئة الأمم» جاءت كمحصلة نتاج العقل الغربي المدبر صاحب الاستقلالية والإرادة الحرة، وهذا بالطبع نجاح ما بعده نجاح لأمم الغرب، وهذا بالطبع يغيظ قلوب المسلمين ويشفي صدور قوم كافرين، فمتى تصحو الأمة الإسلامية وتتنبه لمكائد الأعداء ومخططاتهم المدمرة، ومتى تستطيع الأمة الإسلامية من «طبخ» سياستها بإرادتها الحرة المستقلة، لتصل إلى واقع ترضي فيه الفرد والمجتمع والدولة المسلمة، لتغيض بذلك أفئدة الكفار والمثبطين، وللأسف الشديد إنه إذا ما قامت اليد الإسلامية بمحاولات، سواء على مستوى الشعوب أو الهيئات أو حتى على مستوى النقابات والأندية الطلابية أو الثقافية بعمل نابع من صميم ذاتها وإرادتها لضمان حقوقها وصلاحها وفلاحها، وللحفاظ على بنيتها من خطط الأعداء أو لتنقية الصف من هواة التثبيط وهواة جمع المواقف الشخصية وهواة حب الظهور وهواة العناد والمكابرة، إذا كان ثمة محاولة من المسلمين لإزالة هذه الظواهر السلبية، يكون ذلك في نظر الكثير من المسلمين من كبريات المصائب، ويكون من «الطبخات» المشبوهة، وهذا هو المضحك المبكي.

أحمد الجوارنة

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل

نشر في العدد 2

51

الثلاثاء 24-مارس-1970

نشر في العدد 8

149

الثلاثاء 05-مايو-1970