العنوان واختَلفت المَوازين
الكاتب فتح الله الهاشم
تاريخ النشر الثلاثاء 12-أكتوبر-1976
مشاهدات 20
نشر في العدد 320
نشر في الصفحة 25
الثلاثاء 12-أكتوبر-1976
خلق الله- سبحانه- الحياة، وجعل من خلقها غاية وقصد.. فصار للحياة ميزانها، وصار لها مفهومها، وهكذا وبحسب هذه السنة وهذه الفطرة، صار للأشياء مفاهيمها وموازينها، حيث هي مشتقة من الأصل، ألا وهو الحياة.
نعم.. لقد خلق الله الأرض كبقية الأجرام السماوية والكواكب الأخرى وعليها أوجد الإنسان فدبت بها الحياة، وانتشت وربت لتبدأ رحلتها إلى ما لا يدركه أي إدراك، ما خلا إدراك الخالق.
ولكن قصة الخلق هذه لها مقاصد وغايات، لهذا لم يتركها الله وشأنها، بل راح يقنن لها سننها ونواميسها والله الذي يطلع على خلقه ويعلم الذي هم بأمس الحاجة إليه، أوحى إليهم بالنور والهدى، وبعث برسله ليكونوا دعاته بين خلقه، ليكونوا دعاته إلى طريق العدل والحق، إلى الطريق الذي يحفظ لهم توازنهم ويوصلهم إلى استحقاقية الخلافة التي أورثهم إياها خالقهم، حيث يقول تعالى: ﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأرض خَلِيفَةً﴾ (البقرة: 30) وجاءت الرسل تترى، وذلك كلما دعت الحاجة وافتقر الناس- إلى دليل يصحبهم في مسيرة الحياة كان كل نبي وكل رسول يأتي بعدل السماء ليستظل به الناس، وهكذا مضت الحياة إلى أن شاء- تبارك وتعالى- أن يختتم برسوله محمد- صلی الله عليه وسلم- جميع أنبيائه، وليجعله داعيًا إلى الله ومبشرًا ونذيرًا، وذلك لكل أمم المعمورة وليبقى صدى صوته مسموعًا على مر السنين ولأجل كل زمان ومكان.
جاء محمد بن عبد الله- صلوات الله وسلامه عليه-، فحل بنعمة من ربه، بنور الحق يصعق كل باطل، وجاءت عدالة السماء لتضع البشرية أمام أعدل الحاكمين، وتنقلهم من عبودية الأفراد، إلى عبودية رب العباد. تنقلهم إلى حياة لا تظالم فيها ولا جور ولا استبداد، ونداء الحق يخلد في أسماع العباد عبر الحديث القدسي «يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا». نداء يحد من هفوات النفس البشرية، ويجعلها واقفة باستحياء أمام من خضعت له السموات والأرض، فتسمو بهذا وترقى.
جاء محمد- صلى الله عليه وسلم- فحلت المساواة، وانعدم التفاضل إلا بالتقوى، قال تعالى: ﴿وجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾ (الحجرات: 13) وتنصاع النفوس التي كانت تحلم بالاستعلاء، والتي كانت تميل إلى البطش والغطرسة وتتخرج النفوس كريمة من مدرسة الإسلام، ونرى عمر بن الخطاب رضوان الله تعالى عليه يقول قولته المشهورة: متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا؟ وسؤال لا بد من إجابته.. لقد تساوى الناس، تساوى غنيهم مع فقيرهم وأسودهم مع أبيضهم، ونزلت أحكام الله في عباده لتشمل جميع جوانب الحياة وتتحقق بالتالي السعادة الحقيقية، ويتم توازن الحياة وتصل غايتها المنشودة.
فقد شملت أحكام الخالق جوانب السياسة والاقتصاد، جوانب الاجتماع والتربية، فشملت الروح والمادة، وكانت دينًا ودنيا، وجاء أمر الله تعالى: ﴿وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ﴾ (المائدة: 49)
إلا أن للبشرية نزواتها وهفواتها التي عرفت بها منذ القرون الأولى وخرج بعض السفهاء على الناس بخيبة الآمال والخسران المبين، زعموا لهم أنهم أتوا لهم بما يصلح حالهم بالذي هو في الواقع زيادة في الفاجعة ودفع للظلام والظلم أن يسودا من جديد، وكان أن استجاب لهؤلاء بعض ضعاف العقول، وممن ارتضوا لأنفسهم الضلالة والخسران المبين، ومع عنادهم وإسرافهم على أنفسهم ضاعوا في غياهب الظلم والفساد، واختلت معهم نظم الحياة واضطربت، ففقدوا بالتالي الكثير من السعادة الحقيقية، وكان حظهم من الحياة القليل القليل الذي لا يرضي الطامحين الساعين إلى الكثير من خير الدنيا.
فتح الله الهاشم
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل