العنوان واقع الإسلام في الإعلام العربي!
الكاتب أ.د. حلمي محمد القاعود
تاريخ النشر السبت 27-نوفمبر-2004
مشاهدات 12
نشر في العدد 1628
نشر في الصفحة 33
السبت 27-نوفمبر-2004
يكفي أن تقدم إذاعة القرآن الكريم تلاوة وتجويدًا بأصوات مشاهير القراء، فتحفظ دستور المسلمين من الضياع، وتنبه الناس إلى حفظه وفهمه، ولو كان ذلك على المدى الطويل. بيد أن ما يحدث في الإذاعات وقنوات التلفزة والصحافة يحول الإسلام إلى شيء جامد بارز لا يقبل عليه الصغار أو الكبار، فالمساحة الزمنية والوقتية المتاحة للمادة الإسلامية ضئيلة لا تتجاوز نصف ساعة يوميًا في التلفزة، وساعة وعشر دقائق في الإذاعة، على أحسن الفروض، وربع صفحة في بعض الجرائد اليومية، أما المادة نفسها فهي محصورة في إطار إنشائي بعيد عن تناول قضايا الواقع والأمة من خلال منظور إسلامي، وهناك محاور عديدة تنسحب على الإذاعات والتلفزة والصحافة ويجب عدم الاقتراب منها، لأن ذلك يوقع المتحدث أو الكاتب مع المسؤول تحت طائلة المساءلة والحساب.
لا مجال للحديث عن السياسة، أو الاقتصاد، أو التعليم، أو التجارة، أو المصارف، أو الزراعة، أو الثقافة، أو غيرها من منظور إسلامي الدخول إلى هذا السياق، خاصة بعد ما ظهرت تقليعة تجديد الخطاب الديني، صار أمرًا صعبًا، بل مستحيلًا؛ لأن الإسلام بمعناه الإلهي محظور والمطلوب في هذه الآونة أن يكون الإسلام على النمط الأجنبي الغربي والغرب لا يوافق على سياسة إسلامية ولا اقتصاد إسلامي ولا تعليم إسلامي ولا تجارة إسلامية ولا زراعة إسلامية ولا ثقافة إسلامية.. إنه يريد إسلامًا يوافق على التبعية والتغريب وينبذ الجهاد ويفرط في الأوطان والثروات ويقبل بضياع القدس وفلسطين، ويستسلم الإرادة الأعداء والغزاة، ويتناسى جرائمهم وتاريخهم الدموي وحاضرهم الإرهابي الاستئصالي.
حرارة الاعتذار
وسائط الدعاية لا تمتلك حرارة الاعتزاز بالإسلام هوية وماضيًا وحاضرًا ومستقبلًا، فضلًا عن كونه عقيدة، لأنها وقعت تحت تأثير سلطة ثقافية تشعبت بالتغريب وتصوراته، لذا فالإسلام عبر هذه الوسائط يبدو كيانًا هلاميًا غريبًا بعيدًا عن الواقع، بل يبدو أحيانًا مثيرًا للخجل والسخرية بوصفه إطارًا جامدًا معاديًا للبهجة والفرح ويستوي في ذلك ما يلقيه العلماء والمتحدثون المسموح لهم، أو ما تتضمنه الأعمال الدرامية من إشارات أو ملامح إسلامية.
وعلينا في هذا السياق أن نشير إلى أن القنوات التلفازية الفضائية أخذت مؤخرًا تخرج على النمط السائد إلى حد ما من القنوات الأرضية، فيما يتعلق بعرض الإسلام وعلاقته بالواقع، فقد استضافت عددًا من الكتاب والمفكرين الذين يخضعون لمنهج الإسلام، ولا يخضعون لمنطق المكونات، ويتناول هؤلاء الكتاب والمفكرون ما يعرض عليهم من قضايا بحرية ملحوظة وجرأة ملموسة، بيد أن القنوات الفضائية لا نتاح مشاهدتها إلا لفئات محدودة من جمهرة الناس على العكس من القنوات الأرضية التي تتمتع بنسبة مشاهدة عالية، نظرًا لأن الأغلبية الساحقة من الناس لا تملك أطباقًا لاقطة.
تساؤلات عديدة
ومع هذا فإن واقع الإسلام في وسائط الدعاية يظل موضع تساؤلات عديدة بسبب محدوديته، وإنشائيته، ودورانه في دائرة ما يعرف بالقيم الفردية بعيدًا عن دائرة القيم الاجتماعية. فيتصور من يتعاملون مع هذا الواقع الإعلامي أن الإسلام مجرد مسألة شخصية تتعلق بصاحبها ولا تتجاوزه إلى جموع المجتمع وما تعانيه من مشكلات وما تحلم به من أمال وما يرتبط بها من تنظيم حضاري عام. إن واقع الإسلام في المجال الإعلامي يطالع الناس على استحياء، في أوقات النوم أو الأوقات الميتة كما سبقت الإشارة، مما يعني أن المشاهدين والمستمعين والقراء، لا يتعاملون أساسًا مع الإسلام في المجال الإعلامي إلا في نطاق ضيق للغاية، لا يسمن ولا يغني من جوع.
إن معظم الكوادر الإعلامية والصحفية على امتداد الوطن العربي في معظمها، نشأت على تراث ثقافي غربي معاد للإسلام، وجاهل به، وبعيد عن روحه، وبعض هذه الكوادر يخدم الثقافة الغربية الاستعمارية خدمة صريحة لا يخافت بها، وكثير من هذه الكوادر، بل كل هذه الكوادر تخضع شاءت أم أبت لأنظمة مستبدة في معظم أرجاء بلاد العرب، تجعل الإسلام عدوها الأول، وتراه الخطر الحقيقي على ممارساتها القمعية الإرهابية ضد المواطنين العزل، لذا فإن هذه الكوادر إجمالًا لا تتعاطف مع الإسلام في عطائه الإلهي، ولا تحبذ التعامل معه بوصفه تصورًا وتطبيقًا لحياة الناس ومصير المجتمع، وتلك مأساة كبرى.
الأعمال الدرامية
من ناحية أخرى، فإن الأعمال الدرامية التي تقدم للناس، يميل معظمها إلى تقديم صورة مهمة للإسلام، في الماضي والحاضر صورة يغلب عليها الصراخ والجهامة والتوحش في السينما مثلًا يظهر المتدين بصورة مزرية ومثيرة للسخرية أو الرثاء، فالمأذون ومدرس اللغة العربية وقارئ القرآن الكريم ومحفظة وغيرهم، يظهرون في صورة البله، أو المجانين، أو الدراويش، أو الجشعين الذين يرتدون ملابس غير لائقة، أو يمارسون الفصام النكد بين أقوالهم وسلوكهم أو غير ذلك.
ما يحدث في السينما على امتداد تاريخها الطويل، فاقمته موجة جديدة على مدى السنوات الماضية بظهور المتدين في صورة إرهابي دموي متوحش يقتل من أجل القتل، ويسرق وينهب ويستحل أموال الغير، ويسعى لإشباع شهواته وملذاته، ويتخذ من الإسلام لافتة يتخفى وراءها.
وفي المقابل فإن السينما لم تقدم الشخصية المتدينة التي تمثل النمط الإيجابي في الفكر والسلوك إنها تقدم إلى جانب صورة المتدين الشاذ صورة الإنسان المتحلل المقلد للغرب الذي لا يعبأ بدينه ولا بأخلاق الإسلام، بوصفه الصورة الجيدة والمثالية التي يجب الترويج لها.
وما يحدث في السينما يحدث نظير له على المسرح، وفي المجالات الثقافية الأخرى: الأدب والشعر والرواية وتحتفي مؤسسات النشر والتثقيف الجماهيري والأجهزة الثقافية المختلفة بالنموذج الغربي الذي تعد أوروبا منتجًا له، وللأسف فالنموذج الغربي الذي تحتفي به الثقافة الرسمية لا يمثل هذا النموذج في صورته الفاعلة والمؤثرة والقوية، ولكنه يمثل النموذج الغربي في أحط تجلياته وأسوئها.
الإسلام لا وجود له بالمعنى الحقيقي في المجال الثقافي، وإذا وجد فهو يأتي في صورة مشوهة ومشوشة!
إن موقف الإعلام العربي من الإسلام سلبي في مجموعه، فضلًا عن تقصيره في مجال الدعوة إليه، والتعريف به وربطه بالواقع والحياة، وهو ما يستدعي إعادة النظر في هذا الموقف جملة وتفصيلًا.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل
الفرنكوفونية والسينما العربية.. أقنعة استعمارية ورسائل سلبية
نشر في العدد 2148
21
الخميس 01-أكتوبر-2020