; نساء مجاهدات في العصر الحديث.. والدة الداعية محمد عبد المنعم.. «فايقة إسماعيل» مدرسة الصبر والثبات | مجلة المجتمع

العنوان نساء مجاهدات في العصر الحديث.. والدة الداعية محمد عبد المنعم.. «فايقة إسماعيل» مدرسة الصبر والثبات

الكاتب مريم السيد هنداوي

تاريخ النشر السبت 25-أغسطس-2007

مشاهدات 16

نشر في العدد 1766

نشر في الصفحة 42

السبت 25-أغسطس-2007

 لم يقتصر دورها على مساعدة ابنها وحده في المعتقل.. بل كانتْ تشمل زياراتها ودعواتها جميع الإخوان بسجون عبد الناصر.

 دعت لابنها أن يكون آخر من يفرج عنه في محنة 1965م.. قائلة: لست عندي بأعز من إخوانك.. فاستجاب الله دعائها.

 ركزت في نشاطها الدعوي على مساعدة أسر المعتقلين وتبصيرهن بطريق الدعوة الإسلامية وضرورة الثبات.

معظم الرموز النسائية الإسلامية لا يحظين بالشهرة والانتشار الذي لمثيلاتهن من التيارات الأخرى، ويكاد ينحصر دورهن وتأثيرهن على ذوات الانتماء الإسلامي فقط، بعكس الرموز النسائية العلمانية؛ حيث استطاعتْ الدوائر الإعلامية العربية والغربية إظهارهن كرموز عامة، ونماذج للمرأة العربية على اختلاف انتماءاتها.

ورغم أنَّ العصر الحديث قد حفل بنماذج كثيرة من المجاهدات اللائي أصبحن نبراسًا ونورًا يضيء للحيارى الطريق ويهديهم إلى أعظم الغايات، ومنهن «فايقة إسماعيل» التي حجزتْ لنفسها مكانًا بين الصالحات المجاهدات في العصر الحديث.

وُلدت «فايقة أمين إسماعيل» بمحافظة الإسكندرية عام ١٩٠٩م في بيت عرف بحب الالتزام والعمل لله، فقد كان والدها رجلًا تقيًا كريمًا، عمل على تربية أبنائه تربية إسلامية.

شبّتْ الفتاة وهي حريصة منذ صغرها على أداء الصلوات في أوقاتها، خاصة صلاة الفجر، وكانتْ كثيرة القيام والصيام كثيرة التصدُّق على من تعرف من

ذوى الحاجة، كما أنَّها كانتْ بارة بوالديها وتصل رحمها.

تقدَّم لخطبتها «محمد حسين إبراهيم»، وكان شابًا حسن الخلق، فوافقتْ الأسرة على هذا الزواج فبنى بها عام ۱۹۲۳م، ورزقهما الله بأربع من البنات وأربعة من الأولاد (1).

بين الصفوف المؤمنة

كان لنشأتها الطيبة أثر طيّب في حياتها؛ فقد التحقتْ بدروس العلم التي كانت تقام في المساجد منذ عام ١٩٣٨م. حتى تعرَّفتْ على الأخوات المسلمات فنشطتْ وسطهن، وكانتْ مثالًا يُحتذى به في العمل لدين الله، فما كلَّتْ ولا وهنَتْ يومًا ما، وظلَّت تجوب بدعوتها لتوصيلها للناس.

التحق ابنها الأكبر محمد عبد المنعم- أحد قيادات محافظة الإسكندرية «شمال مصر»- بركب الإخوان، فلم تعترض طريقه ولم تثبط همته، بل كانتْ مشجعة ومحفزة له على السير قُدمًا في طريق الدعوة رغم الصعاب.

وفي هذا الصدد يقول: «نشأنا في بيت، الأم والأب متدينان، ودربنا على الصلاة منذ الخامسة من عمرنا، وكان بيتنا قريبًا من أحد المساجد بالإسكندرية، وكنا نصلي جميع الصلوات بالمسجد، وتدربنا على الصوم في الثانية عشرة من عمرنا، وكان هذا مدخلًا طيبًا لأنْ انخرط في دعوة الإخوان، والعجيب أني لم أجد إطلاقًا أي معارضة من البيت أو المحيطين بي، حينما شاء الله أن أنضم إلى هذه الدعوة، بل كان الوالدان يسانداني كل المساندة»(۲).

أم الداعية ومواقف تربوية

لم يكد الابن محمد عبد المنعم يلتحق بركب الإخوان عام ١٩٥٠م، حتى كانتْ محنة حادث المنشية عام ١٩٥٤م، التي اعتُقِل فيها وظل حتى عام ١٩٥٦م فما جزعتْ الأم وما أصابها هلع، بل كانتْ نعم المؤمنة الصابرة المحتسبة الثابتة، بل المُدافعة عن الحقّ وأهله، ونشطت في جمع التبرعات لأسر الإسكندرية، وكانتْ مُعينة لهم على محنتهم، ولم يقتصر دورها على ذلك، بل كانتْ تساعدهم تارة بالمال، وتارة أخرى تصبرهم وتخبرهم بأنَّ فرج الله قريب، وظلَّتْ كذلك حتى خرج ابنها عام ١٩٥٦م.

لكن لم تمر الأيام عليَّ على خير، حتى تواصلت المضايقات الأمنية لهم في كل مكان، وظلوا صابرين طيلة تسعة أعوام، حتى كانتْ الفاجعة الكبرى عندما أعلن عبد الناصر اعتقال كل من سبق اعتقاله، بعدما شعر زبانيته بروحٍ إسلامية تسري وسط المجتمع، كيف هذا وهم الذين يخططون ويدبرون للقضاء على كل مظهر إسلامي! فنسجوا خيوط مؤامرة تحبط هذه الروح، وفُتحتْ أبواب الجحيم والسجون عام ١٩٦٥م ليحشر فيها آلاف الشباب المسلم، بل وكثير من النساء المسلمات، وكان محمد عبد المنعم أحد هؤلاء الشباب..

تلقتْ الأم الخبر والصدمة بقلب مؤمن محتسبه ما أصابها وابنها عند الله، مبصرة بطريق أصحاب الدعوات، وردّدتْ ما قالته السيدة أسماء بنت أبى بكر في ولدها عبد الله بن الزبير وهو يواجه القتل: «اللهم قد سلَّمته لأمرك فيه، ورضيت بما قضيت، فأثابني فيه ثواب الصابرين الشاكرين» (۳).

مذبحة السجون

ولقد ظلَّت ثلاثة أعوام لا تراه ولا تسمع إلا أخبار المذبحة الكبرى التي يخوضها زبانية عبد الناصر مع خيرة أبناء هذه الأمة، حتى ظهرتْ بادرة أملٍ عندما سمحوا بالزيارات بعد نكسة ١٩٦٧م، فذهبتْ إليه مع الزائرين.. لا لتقول له: إنَّ قلبي ملهوفٌ عليك، لكن لتشد على يديه وتدعو له بالثبات، وتوصيه بألا يهن أو يضعف، وكانتْ تفتخر به أمام جيرانها بأنّه يعمل ذلك من أجل الله، ولا تنتهي الزيارة إلا مع قولها له: «إنّي لأدعو الله- سبحانه وتعالى- أن تكون يا بني آخر إخوانك خروجًا من السجن، حين يأذن الله لكم بالخروج، فإنّك عندي لست بأفضل منهم، واستجاب الله لها، وكان ولدها من أواخر من خرجوا من معتقلهم»(٤).

ولم يقتصر شدّها لأزر ولدها فحسب، بل كانتْ تشدُّ من أزر إخوانه الذين كانوا معه، والذين كانوا يحرصون على رؤيتها وقت الزيارة، كما كانتْ تشدُّ من أزرهم خلال الرسائل التي كانتْ ترسلها لولدها، والتي كانتْ بمثابة رسائل إلى كل الإخوان؛ إذ كانت تبدؤها بقولها: «أبنائي». ولم تكتفِ بذلك، بل كانتْ تحدث جيرانها وصديقاتها عن دعوة الإخوان وجهادهم وصبرهم وثباتهم، كما كانتْ تذهب إلى من تعرف من أمهات وزوجات المعتقَلين لتصبرهنّ وتبشرهنّ بالأجر العظيم(٥).

ثبات عند البلوى

وعندما توفي زوجها كان ولدها ما يزال خلف قضبان السجون، فلم تُشعر الجيران بأنَّ زوجها مات، وظلَّت تقرأ عليه القرآن طيلة الليل، وتكثر من الدعاء له بالرحمة والمغفرة، وكانتْ نعم الزوجة الصابرة الثابتة وقت تلقيها العزاء وكتبت لولدها تواسيه في وفاة والده واعدة إياه بالزيارة، وحينما حلَّ وقت الزيارة خلعتْ الأسوَد حتى لا تزيد الهمّ على ولدها ،وإخوانه وكانتْ تقص عليه وفاة والده، وكيف أنعم الله عليها من فضله بالرضا والطمأنينة، ولم يصدر منها إلا الرضا بقضاء الله.

وظلَّتْ على هذا تزوره وتكتب إليه وتحيي إخوانه وقت زيارتها له، وتبث فيهم الأمل والعزيمة حتى أفرج عنهم في عهد السادات، كما أفرج عن ولدها (٦).

رحيلها

ظلَّتْ الأم المجاهدة «فايقة إسماعيل» بعد خروج المعتقلين على صلة بكل بيوت الإخوان، تعمل على تعريفهم طبيعة المرحلة التي تمر بها الدعوة، حتى ألمَّ بها المرض، ومع ذلك لم يقعدها ولم يجعلها تترك صلاتها وصيامها ودعاءها بأن يلحقها الله بالنبيين والصديقين والشهداء والصالحين، حتى فاضتْ روحها إلى بارئها في ١٥ ديسمبر ۱۹۷۸م(۷)، بعد أن سطَّرتْ اسمها وسط أسماء برزن في العمل الإسلامي أمثال: زينب الغزالي الجبيلي، والأديبة أمينة قطب، وأمينة الجوهري، ونعيمة خطاب، وآمال العشماوي، وفاطمة توفيق، وزهرة السنانيري، وفاطمة عبد الهادي(۸).

-----------------------------------

الهوامش

(۱) مجلة لواء الإسلام، العدد العاشر، السنة ٤٣، غرة جمادى الآخرة ١٤٠٩ ه،  9/1/1989م .

(۲) حوار أجرته شركة البصائر للبحوث والدراسات.

(۳) محمد عبد الحکیم خیال، محمود محمد الجوهري: الأخوات المسلمات وبناء الأسرة القرآنية، الطبعة الثانية، دار الدعوة للطبع والنشر والتوزيع، ۱۹۹۳م.

(٤) المرجع السابق. 

(۵) مجلة لواء الإسلام، مرجع سابق.

(6) محمد عبد الحكيم خيال، مرجع سابق. 

(۷) مجلة لواء الإسلام، مرجع سابق.

(۸) مجلة المنار، رجب ١٤٢١هـ، أكتوبر ۲۰۰۰م

الرابط المختصر :