العنوان وثيقة الوفاق الوطني هل تخرج الجزائر من المستنقع الدموي؟
الكاتب يونس سليماني
تاريخ النشر الثلاثاء 24-سبتمبر-1996
مشاهدات 54
نشر في العدد 1218
نشر في الصفحة 33
الثلاثاء 24-سبتمبر-1996
كما كان متوقعًا لدى الكثير من المعنيين بالشأن الجزائري، فإن معظم الفعاليات السياسية والاجتماعية وكذا الثقافية وأرباب العمل قد استجابت لدعوة الرئيس زروال للمشاركة في أعمال ندوة الوفاق الوطني التي جرت أعمالها يومي ١٤ و ١٥ سبتمبر ١٩٩٦م وتعتبرها السلطة الجزائرية التي دعت إليها ونظمتها مع الشركاء السياسيين الآخرين تكملة لندوة الوفاق المنعقدة قبل عامين (يناير ١٩٩٤م) و جولات الحوار السابقة، بينما قاطعتها من الأحزاب الفاعلة كل من جبهة القوى الاشتراكية مع التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية وكذا الحركة من أجل الديمقراطية في الجزائر.
كما أن قبول كل من جبهة التحرير الوطني وكذا حركة النهضة الإسلامية القريبة منها المشاركة في أعمال هذه الندوة، يعتبر في حد ذاته إقرارًا ضمنيًا من الحركتين بانفراط ما كان يعرف بعقد روما، وبالتالي تخليهم عن المطالبة بإعادة جبهة الإنقاذ المحظورة إلى الحياة السياسية.
معظم الأحزاب السياسية لم تعد تتبنى فكرة المقاطعة، ذلك لأن الجميع أدرك من تجربة الرئاسيات السابقة أن المقاطعة في الظروف والواقع الذي تعيشه الجزائر اليوم سلوك سلبي يفضي بصاحبه إلى التهميش، في حين أن بعض الأحزاب الصغيرة والمجهرية قد استفادت إيجابًا من مشاركتها في بعض الأنشطة السياسية سابقًا.
جبهة الإنقاذ التي استبعدت من جولات الحوار السابقة وما نتج عن ذلك من تشكيل لجان مشتركة ثم الحضور للتوقيع على وثيقة الوفاق الوطني، قد صار في حكم المؤكد عدم السماح لها بالمشاركة في أي نشاط سياسي مستقبلي.
وكان الرئيس «زروال» قد رد على اقتراح «الشيخ محفوظ النحناح» بإشراك عقلاء الإنقاذ في الحوار بأن ملف هؤلاء قد أقفل، وقد كانت إشارة منه إلى تفويت الفرص المعطاة لهم سابقًا.
لم تكن معالجة الأزمة الجزائرية الهدف العام من عقد هذه الندوة، وإن أشارت تدخلات المشاركين لذلك، بقدر ما كان الغرض منها هو الاتفاق على جملة مبادئ أساسية لتنظيم الحياة السياسية في المجتمع، حيث أشارت وثيقة الوفاق الوطني إلى نبذ العنف كوسيلة للعمل السياسي وكذا إبعاد عناصر الهوية المتمثلة في الإسلام والعروبة والأمازيغية من الصراع السياسي ثم ضرورة تبني الجميع للتعددية السياسية والتداول السلمي على السلطة، إلا أن المواطن الجزائري سئم من الندوات والمؤتمرات الكثيرة، وهو في الحقيقة يعاني من وضع أمني مترد رغم أنه لم يعد يشكل أكبر الاهتمام له أمام تفاقم الأزمة الاجتماعية الخانقة.
إن هذا المواطن البسيط لا يأمل ولا يتطلع في الحقيقة لشرعية برلمان أو وفاق أحزاب أو عقد مؤتمرات بقدر ما يتطلع إلى انفراج أمني ورخاء اقتصادي صحيحين، وبناء عليه فإن هذه الندوة وما قد يترتب عليها لا تشكل اهتمامًا كبيرًا لدى الرأي العام الداخلي ما دامت لم تضع في جدول أعمالها الأولويات السليمة والمنطقية لتحقيق تطلعات المواطن الجزائري، والندوة لم تخل طبعًا من تحفظات بعض الأحزاب المشاركة وهي تحفظات تتعلق إجمالًا بضرورة التعجيل بالانتخابات التشريعية، وعدم استغلال الوضع المتردي لتمرير مشروع الدستور وقانون الأحزاب وإعطاء ذلك الأولوية، وهو المشروع المزمع عقده قبل نهاية العام الجاري.
وما ميز الندوة الحالية أيضًا هو التهميش الواضح لموقع بعض الأحزاب الفاعلة ودورها في الإسهام نحو حل الأزمة المستفحلة، لأن السلطة صارت تخشاها وتتوقع اكتسابها للنسبة الأكبر في الانتخابات النيابية المزمع عقدها في النصف الأول من العام المقبل ۱۹۹۷م.
وعلى عكس الندوات السابقة، وخاصة ندوة العقد الوطني التي عقدتها المعارضة في روما في مطلع عام ۱۹۹٥م، فإن ندوة الوفاق الوطني الحالية قوبلت بفتور إعلامي ملحوظ خاصة على المستوى الخارجي، رغم استجابة ثمانية أحزاب سياسية وعشرات المنظمات الأخرى للمشاركة فيها والسبب الرئيسي في ذلك يرجع إلى اعتبارات عدة يمكن الإشارة إلى بعضها في البنود التالية:
١ - كثرة الندوات التي عقدتها السلطة أحيانًا والمعارضة أحيانًا أخرى، وبالتالي فإن المواطن في الداخل أو المراقب في الخارج لم يعد يهتم أو يعول كثيرًا على مثل هذه الندوات، في حين كان ولا يزال العنف هو سيد الموقف في هذا البلد الجريح.
۲ - مقاطعة بعض الأحزاب الفاعلة للندوة واستبعاد جبهة الإنقاذ منها، وهو ما يعطي الانطباع بأن الندوة بهذه الغيابات الواضحة لا يمكنها أن ترقى إلى مستوى الوفاق والإجماع المرجو.
تزامن هذا الحدث الجزائري مع أحداث عالمية أخرى ذات أهمية أكبر، كالصراع الدائر بين العراق والولايات المتحدة في منطقة الخليج، وكذا انتخابات البوسنة ولبنان إضافة إلى طبيعة المرحلة التي يعيشها الصراع العربي الإسرائيلي.
إن ندوة الوفاق التي اختتمت أعمالها بتوقيع ممثلي أكثر من ۳۸ منظمة جزائرية على وثيقة سياسية حددت بعض معالم ومبادئ الممارسة السياسية لم ترق طبعًا إلى مستوى الإجماع المرجو، ولا يمكن القول بأنها ستحل أزمة البلد ولكنها يمكن أن تمثل خطوة جزئية نحو المسعى العام لتحقيق الاستقرار في هذا البلد، رغم مقاطعة بعض الأحزاب لها والتحفظات التي أبدتها بعض الأحزاب المشاركة فيها، فمن البنود الإيجابية مثلًا في هذه الندوة تأكيد الرئيس زروال على عفو الدولة عن المتورطين في العمل المسلح، وهي خطوة إيجابية نحو المستقبل الأحسن، خاصة بعد تأكدت الجماعات المسلحة من استحالة إسقاط النظام القائم ورغبة الكثير من الملتحقين بهذه الجماعات في نجاح المحاولات السلمية الرامية إلى إيقاف النزيف، كما أعلن عن تنظيم استفتاء حول تعديل الدستور قبل نهاية العام الجاري، وسيشهد السداسي الأول من العام المقبل تنظيم الانتخابات التشريعية والسداسي الثاني تنظيم الانتخابات البلدية «المحلية» وهي انتخابات لن تقاطعها معظم الأحزاب المعتمدة حاليًا في الدولة الجزائرية والتي قد يشمل بعضها قانون التعديل المرتقب، وهذا يعني أن الشعب الجزائري سيكون مقبلًا على ثلاث عمليات اقتراع في أقل من ١٥ شهرًا، أي أن تنوع هذه الأنشطة السياسية وتسارعها سيعمل لا محالة على إعطاء الانطباع بالتغيير في الحياة السياسية في هذا البلد ومن ثم طي مرحلة كانت حقًا من أصعب وأحلك المراحل في تاريخ الشعب الجزائري، فهل يتحقق ذلك ويتم إنقاذ الجزائر من المستنقع الدموي الذي تعيش فيه؟
(*) كاتب جزائري.