العنوان وراء الأحداث
الكاتب مجلة المجتمع
تاريخ النشر الثلاثاء 28-مارس-1978
مشاهدات 13
نشر في العدد 392
نشر في الصفحة 39
الثلاثاء 28-مارس-1978
صفحات مشرقة من الجهاد طواها إعلامنا العربي...
وتحت هذا العنوان كتبت جريدة- النور:
كم بين المسلمين اليوم على الساحة العالمية كلها من لم يسمع أو يقرأ عن المطران- كابوتجي- وهو أولًا وأخيرًا صليبي ملتزم، ومسئول كنسي ألقيت إليه أعنة مقاليد تنفيذ السياسة الصليبية من خلال الكنيسة الشرقية؟ وكم بين هؤلاء المسلمين أنفسهم من يستطيع أن يعدد أسماء ثلاثة من المجاهدين الإسلاميين الملتزمين الذين دفعوا حياتهم وحريتهم وأموالهم، من أجل فلسطين؟
إن المقارنة بين الموقفين، لا تنكشف إلا عن الحقيقة المرة القاتلة التي تؤكد في كل حين أن الغرب بكل ما فيه من ركام الصليبية لا يزال يملك علينا مساحة عريضة من فكرنا وحياتنا وتصرفاتنا لم يستطع الكثيرون من المسئولين أن يخلعوا عنهم ربقة التبعية الموغلة وراء هذا السراب. ولم يستطيعوا أن يعيدوا إلى أنفسهم الثقة، وإلى شعوبهم الطمأنينة والاستقرار النفسي، والعزة التي كتبها الله على المؤمنين.
فإذا بأجهزة الإعلام في بلادنا- نحن المسلمين- تتوجه بكل ما لديها من مصورين ومذيعين وصليبيين ومهندسين لتجعل من الأمر الصغير، ومن الموقف العارض، ومن التصرف الذاتي يصدر عن إنسان دون أن تسنده خلفيات أصيلة ولا معتقدات ثابتة تجعل من كل ذلك أمرًا كبيرًا يملأ الأفق ويحجب الشمس، وبطولة نادرة لم يسبق إليها أحد من العالمين. وهذه الأجهزة الإعلامية ذاتها- متى شاءت أو شيء لها- تغضي عن الحق وتسكت عن البطولات النادرة التي لا يختلف عليها إنسان، وتقتل الحقائق في مهدها، وتجعل من العملاق قزمًا ومن الحق باطلًا، ومن الفضيلة والخير والتجرد، رذيلة وشرًّا وغرضًا ...
إنها تستطيع أن تجعل من المطران كابوتنجي أسطورة من أساطير القرن العشرين، وعنوانًا كبيرًا لقصة لم تكتمل فصولها بعد ومسرحية يشترك في وضعها وإخراجها وتمثيلها كل الصليبيين الذين يقيمون فوق الأرض المقدسة؛ نعم هكذا يريدوننا أن نفهم برغم عقولنا، وأن ندرك برغم ما تراه أعيننا وتسمعه آذاننا، ونلمسه من واقعهم المعاش.
يفعل الإعلام بكل فروعه، ما يفعل ويفتري على نفسه الكذب ويصدقها، ﴿وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ﴾ (البقرة:204)، ثم يغض في ذات الوقت عن كل منكرات الصليبيين وجرائمهم وتعاونهم غير المحدود مع اليهود، وما أمر لبنان ببعيد؛ فالصليبيون هناك يقاتلون بأسلحة يمدهم بها اليهود ويتعاونون فيما بينهم تعاونًا أزال بينهم كل الحدود، ويقاتل آلاف منهم بمثل هذا التعاون الوثيق- في مواجهة المسلمين- غدرًا ومكرًا وحقدًا، فلا تجرؤ أجهزة الإعلام على أن تذكر أن المعركة إنما يخوضها الإسلام أو العقيدة أو المسلمون الذين يلقون ربهم على يد الصليبية واليهودية خيانة ونكثًا للمواثق والعهود.
وحين يقف واحد من الصليبيين كالمطران كابوتجي مع الفلسطينيين موقفًا ذاتيًّا أملته ظروف خاصة ويدخل السجن من أجل أرض أقلته وسماء أظلته، تخلق أجهزة الإعلام العربية من ذلك شيئًا يستحق صاحبه في نظرها أن تعلم بأمره ملائكة السماء وشياطين الأرض.
وها هو كابوتجي يغادر الأرض المقدسة، لتحتضنه مقر الصليبية في روما بكل من فيها من مطارنة وكرادلة وبابوية. والله وحده هو الذي يعلم مدى ما يمكن أن يوجه إليه على ألسنتهم من عتاب على موقفه ذلك الذاتي الذي يناقض كل قوانين الكنيسة، ويتعارض مع الخط المرسوم تجاه قضايا المسلمين المصيرية في فلسطين. خرج كابوتجي لتحاك على لسانه ألوان من الأقوال والحكم المأثورة تطفح بها أوجه الصحف كلها في العالم العربي، وتتابع خطواته من مكان اعتقاله إلى روما، أضواء- الكاميرات- وأقلام الصحفيين وتتلقف الحكمة من فيه قبل أن تختلط بالتراب وتنقل عنه أنه قال: إني قد تزوجت القدس- و- إني أخرج جثة هامدة بعد أن خرجت من فلسطين، وإذا بهذا- الجثة الكابوتجية تقبل في ذات الوقت عرضًا سارعت به نحوه الولايات المتحدة الأب الشرعي لإسرائيل التي قيل إنه يحاربها، بأن يتقلد منصبًا دينيًّا كبيرًا في البرازيل بأمريكا الجنوبية ومن قبل فعلت مصر ما لم يسبقها إليه أحد، حين أصدرت طابعًا بريديًّا تذكاريًا تخليدًا لموقف المطران الصليبي من قضية فلسطين الإسلامية، ومصر إذ تفعل ذلك لا ننسى أن فيها ثلاثة ملايين صليبي على رأسهم رجل يقال له البابا شنودة ذو وشائج شتى مع الرئيس الأميركي؛ فأين من كل هذا الذي تقوم به أجهزة الإعلام في بلاد العرب أو تقوم به عاصمة الفاتيكان والولايات المتحدة، ومصر، نحو رجل صليبي اعتقله اليهود وعادوا فأطلقوا منه السراح؟ أين من كل هذا رجال مسلمون جاهدوا في الله حق جهاده وصدقوا ما عاهدوا الله عليه وقضوا نحبهم دون أن يشار إليهم بسطر واحد في صحيفة أو كلمة تصدر عن واحد من أجهزة الإعلام؟ أين من ذلك الرجل المجاهد الصابر المحتسب الشيخ محمد محمود أبو طير الذي بذل من أجل فلسطين أضعاف أضعاف ما فعل كابوتجي الذي غادر معتقله بعد فترة قصيرة ليبدأ حياته من جديد يدعو الناس إلى الإله المثلث.
ولم يكن بين موقف الرجلين سوى أشهر قليلة، زمانهما واحد، ومكانهما واحد، سوى أن المدة التي حكم بها على الشيخ أبي طير هي ثلاثة أمثال التي حكم بها على المطران الصليبي. وهي سبعة وثلاثون عامًا لا يزال يواصل السير في طريقها الطويل، شيخ مجاهد في سبيل الله، لم تقعد به السنون عن الجهاد من أجل فلسطين، أرض النبوات، ومحضن المسجد الأقصى، ومثوى الأنبياء، فكم من أجهزة الإعلام- العربي- وقفت تتحدث عن بطولة شيخ مسلم مجاهد حمل الإسلام عقيدة وإيمانًا وجهادًا؟ كم منها أشار إلى اسم هذا المجاهد أو وضع صورته في ركن قصي من صحيفة، أو أشار إليه في معرض أسماء الذين حملوا السلاح دفاعًا عن فلسطين المسلمة؟ كم منها أشار إلى محاكمته على يد زبانية اليهود وهم ينطقون بكل ما يملكون من خسة بالحكم عليه بما يقرب من أربعين سنة؟ هل احتجت صحيفة أو قيلت من مذياع كلمة؟ أو أرسلت من إحدى وسائل الإعلام رسالة تستنكر على المجرمين ما فعلوا في شيخ يترجم الإسلام إلى حقائق؟ هل أشادوا بإيمان الرجل وشجاعته وجرأته بين أعدائه داخل المحكمة؟ حين وجه إليها القول ساخرًا غير عابئ قويًّا في يقين وإيمان: «إنني لم أعبأ بوجودكم بكل ما فيه من إرهاب وعداء، فكيف بي أعبأ بكم وأنتم تجلسون هنا لتصدروا حكمًا أعلم به سلفًا لأنه حكم طغاة ظالمين؟ إنني لم أقم بأكثر مما يفرضه علي الواجب فأنا في طمأنينة وراحة من ضمير» ولم ينس الشيخ المجاهد أبو طير، وهو يلقي نظرة الثقة والعزة إلى الذين حضروا محاكمته أن يذكرهم بأن الجهاد ماض إلى يوم القيامة، وبأن الله في محكم تنزيله يقول: ﴿وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ﴾ (البقرة:190)، ثم غاب الشيخ المجاهد عنهم بعد لحظات لتحتويه إلى يومنا هذا زنزانة مظلمة في سجون إسرائيل.
وفي مصر، كم من وسائل إعلامنا العربي على كثرة ما ملأت الجو وأعمدة الصحف! كما منها تحدثت عن مجاهد مسلم اسمه الشيخ حافظ سلامة أيام معركة السويس التي دخل فيها اليهود إلى مصر وأوشكوا أن يحتلوا الضفة الغربية للقتال عام 1973م، لولا الإيمان الزاخر الذي كان يعمر قلب ذلك المجاهد الذي قاد المعركة داخل السويس ضد أولئك الغزاة ومن قلب مسجد بالمدينة؟ كم صحيفة في مصر، ناهيك على صحافة العالم العربي، روت قصة المدينة التي أنقذها المسلمون يقودهم شيخ ليس له من عدة غير الإيمان العميق بالله العظيم؟
إنها ملحمة تجل عن الوصف ولكنها حقيقة يعيشها الناس على أرض السويس التي أنقذها رجل موصول بالقلب بالله، ولولا فضل الله عليه وعلى إخوانه الذين ثبتوا للشهادة أمام أعداء الله، لكانت المعركة كلها نصرًا لليهود ولتغير وجه الانتصار الذي تحقق يومذاك ولانقلبت كل الموازين التي غيرت وجه المعركة.
فهل جعل الإعلام من هذه البطولات الفذة من رجال مؤمنين أنشودة دائمًا يعزفونها اعترافًا بالفضل، وأداء للأمانة وتسجيلًا للحقيقة الكبرى ودفعًا للشعب على مواصلة الجهاد مهما عزت التضحيات؟ هل فعل الإعلام شيئًا من هذا؟ أم أن في موازين الإعلام العربي- خيارًا وفقوسًا- في تقييم الرجال والمواقف؟
إننا ننعي إعلامنا للشعوب العربية، ننعيه حيًّا، ننعيه مسموعًا ومرئيًّا ومقروءًا، فالعبرة ليست بالوجود والتحرك، فكل ذلك يمكن أن يتم في فراغ، ولكن العبرة بالحق المضاع، وبالرجال المجاهدين الذين هضمت حقوقهم على يد الإعلام وبالحقيقة والصدق والشجاعة والتجرد التي لم يعد لديها مكان عند القابعين وراء تلك الأجهزة يديرونها بأيد مرتجفة، وقلوب واجفة، وألسنة لا تنطق إلا عن الهوى، إنهم أحياء ميتون أو هم ميتون بين الأحياء، ورحم الله القائل:
ليس من مات فاستراح بميت
إنما الميت ميت الأحياء
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل
بسرعة الصاروخ.. كيف سرَّعت دول عربية التغيير فـي المناهـج الدراسيــة لمصلحــة اليهــود؟
نشر في العدد 2180
30
الخميس 01-يونيو-2023