; وسائل اكتمال الصحة | مجلة المجتمع

العنوان وسائل اكتمال الصحة

الكاتب محمد حجازي

تاريخ النشر الثلاثاء 30-ديسمبر-1997

مشاهدات 11

نشر في العدد 1282

نشر في الصفحة 62

الثلاثاء 30-ديسمبر-1997

صحة الأسرة

أرسى الدين الإسلامي للإنسان مبادئ معاملاته لينتظم ويتقدم في حياته، وكان مما عنی به الإسلام أيضًا الناحية الصحية، وله في ذلك وصايا ونصائح تحمل على الامتثال وتشجع على التنفيذ ولنقم بجولة سريعة في روضة هذا الدين الحنيف لنرى كيف يدعو على بصيرة إلى هذه الناحية الصحية الإيجابية في حياة الإنسان الذي كرمه الله سبحانه وتعالى وفضله على الكثير من خلقه؛ حيث قال: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا (الإسراء:٧٠). 

اكتمال الصحة: من المتفق عليه أنه إذا تمتع الإنسان بصحة كاملة زادت قدرته على العمل والإنتاج، ولقد أجمع العلماء ومنهم خبراء منظمة الصحة العالمية على أن اكتمال صحة الإنسان لا يعني مجرد خلوه من المرض أو العاهة لكن معناه الاكتمال الجسمي البدني والفكري العقلي والنفسي العاطفي والاجتماعي المعيشي، وهذا كله لا يتعدى المفهوم الضمني الذي قصده الإسلام بالعناية والاهتمام، فالإسلام يهدف ضمن ما يهدف هذا المفهوم الشامل للصحة، ولتوجيه المسلمين إلى إحدى الإمكانات المهمة والأساسية التي يستعين بها الإنسان في معيشته، بل وفي عباداته، ففي مجال الاكتمال البدني، قال تعالى: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ (الأنفال: ٦٠) وقال أيضًا: ﴿إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (القصص: ٢٦)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير» «صحيح مسلم، سنن ابن ماجه»  وأشاد القرآن الكريم بالاكتمال الفكري العقلي في الإنسان بقوله تعالى: ﴿إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (الرعد: ٤) والاكتمال النفسي العاطفي تصوره لنا الآية الكريمة: ﴿وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ (الأعراف: ٤٣).

الوسائل إلى اكتمال الصحة:

هناك ثلاث وسائل مترابطة يتحقق عن طريقها مجتمعة الوصول إلى حالة اكتمال الصحة وهذه الوسائل هي:

الوسيلة الأولى: وهي تهدف إلى المحافظة على الصحة والعمل على تحسينها باستمرار ويكون ذلك بالاهتمام والعناية بما يلي:

أولًا: الغذاء الكامل: لا شك أن قيمة الغذاء ليست في كميته ولا غلو ثمنه ولكن في حسن اختياره، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (البقرة: ١٧٢)، فليس الغرض من الطعام أن يسد الإنسان رمقه أو يشعر بالشبع والامتلاء بل يجب أن يتعلم الإنسان كيف يختار الأغذية التي تناسب سنه وعمله ونشاطه وحالته الصحية وطاقته المالية. هذا ويمكن تجميع الأطعمة المعروفة في مجموعات أساسية ثلاث وهي:

١- أطعمة النمو والبناء: 

- اللبن والجبن. 

- اللحوم والطيور والأسماك والبيض.

- البقول.

٢- أطعمة الطاقة والمجهود:

- الحبوب ومنتجاتها. 

- السكريات.

- الدهون والزيوت.

٣- أطعمة الوقاية الطبيعية للجسم:

- الخضراوات الطازجة.

- الفواكه.

- الخضراوات المطبوخة. 

ويجب على الإنسان أن يتناول يوميًا صنفًا واحدًا على الأقل من كل مجموعة، مع تنويع الأصناف على مدار الأيام، إلى جانب تناول الكميات المناسبة من الماء. وبذلك يضمن الإنسان حصوله على الغذاء الكامل.

ثانياً: الرياضة المناسبة والراحة الكافية:

وهي مطلوبة بالضرورة لكل إنسان في كل موقع سواء للسليم أو للمريض:

أ - فالرياضة البدنية المناسبة: تساعد كثيرًا على تنشيط الدورة الدموية بما يترتب عليه تنشيط سائر أعضاء أجهزة الجسم. 

- تجعل عضلة القلب على استعداد دائم لمواجهة أي مجهود مفاجئ. 

- تحول دون الترهل أو تراكم الشحوم بالجسم.

- قد تكون في حد ذاتها علاجًا لبعض الحالات المرضية مثل الداء السكري. 

لهذا قال عمر بن الخطاب- رضي الله عنه - «علموا أولادكم السباحة والرماية وركوب الخيل» كما كان النبي صلى الله عيه وسلم وأصحابه يشجعون الناس على المشي والجري والسباق كأمثلة للرياضة المفيدة.

ب- وإذا كانت الراحة الكافية سواء بالاسترخاء العضلي أو بالنوم العميق ضرورة حتمية حتى تواجه بالتعادل نواتج المجهودات العضلية وبعض المجهودات الذهنية... فإن الترفيه البريء ضرورة حتمية أيضًا لاستكمال مواجهة ومعادلة نواتج المجهودات الذهنية والتوترات النفسية والعصبية.

ولقد تعرض القرآن الكريم لكل ذلك فهو يعلمنا كيف نخلد إلى الراحة بعد المجهود البدني إذ قال تعالى عن موسى عليه السلام: ﴿فَسَقَىٰ لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّىٰ إِلَى الظِّلِّ (القصص: ٢٤)، وفي سورة الكهف ﴿قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِن سَفَرِنَا هَٰذَا نَصَبًا (الكهف: ٦٢) وقال في سورة الأعراف ﴿قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (الأعراف: ٣٣) فمن هذه الآيات الكريمة نستشف أن كل ترفيه بريء بَعُدَ عن تلك المحرمات فهو ليس حلالًا فقط بل ومستحب للمؤمنين. وما دمنا في معرض الراحة البدنية والذهنية فلا يفوتنا أن نشير إلى بعض أحكام الصلاة المفروضة على المسلمين ومدى اتصالها بهذا الأمر: إن الصلاة بشكلها الصحيح ما هي في واقع الأمر إلا فترة زمنية للتأمل والسكون النفسي وهي في العرف العلمي تداعٍ حر بين ظاهر العقل وباطنه، يؤدي إلى نوع من الاستقرار الذي لا يشوبه قلق، وقد قسم الله تعالى الصلاة على خمسة مواقيت تتفق مع النشاط الجسمي للإنسان متناسقة مع قدرة العقل والجسم على العمل، إذ إنه من المسلم به فسيولوجيا أن أطول مدة يعمل فيها الإنسان باستمرار هي ثماني ساعات متصلة، وهي تقريبًا المدة بين صلاة الفجر وصلاة الظهر، وتلك حكمة إلهية لم نستطع معشر الأطباء أن نعيها إلا بعد أن أتانا الله من العلم قليله.

الوسيلة الثانية: وهي الأخذ بأسباب الوقاية والمقصود بها الوقاية من الأمراض ومن الأخطار التي تهدد الصحة، والوقاية تغني عن العلاج قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ (النساء: ۷۱) ومن أسباب الوقاية ما يلي:

۱- فحص راغبي الزواج: اضمان الخلو من الأمراض التناسلية والصدرية والنفسية والعلل الوراثية، وحتى يضمن الإنسان لنفسه ولأسرته- بعون الله- مستقبلًا سعيدًا هنيئًا، خاليًا مما يعكر صفو حياتهم من الأمراض. عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال صلى الله عيه وسلم: «تخيروا لنطفكم وانكحوا الأكفاء وأنكحوا إليهم» (سنن ابن ماجه وسنن أبي داود).

 ٢- الوقاية من الأمراض المعدية وذلك باتباع الآتي:

أ- التطعيم والتحصين ضد الأمراض المعدية الخطيرة ومنها الدرن وشلل الأطفال والدفتيريا والتيتانوس والسعال الديكي والحصبة والتيفود والباراتيفود والكوليرا، وإذا اقتضى الأمر التيفوس والطاعون والحمى الصفراء إذا كنا سنتواجد في مواطن هذه الأمراض.

 ب- عدم مخالطة المرضى بأمراض معدية، عن أبي هريرة قال: قال صلى الله عيه وسلم: «لا يوردن مُمْرض على مُصح» (صحيح البخاري) تجنبًا من نشر العدوى خاصة عن طريق الرذاذ، وإذا اضطررنا إلى التحدث مع مريض بمرض معد فليكن بيننا وبينه مسافة معقولة، قال صلى الله عيه وسلم في هذا الشأن: «عن عثمان بن عفان عن النبي صلى الله عيه وسلم قال لا تديموا النظر إلى المجذومين وإذا كلمتموهم فليكن بينكم وبينهم قيد رمح» (مسند أحمد). هذا وقد حرم الله الزنى بقوله تعالى: ﴿وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا ۖ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا (الإسراء: ٣٢)، فعلاوة على كونه جريمة خلقية في حق النفس فهو عامل أساسي في انتشار الأمراض التناسلية الخبيثة الخطيرة والتي من أهمها الإيدز والسيلان والزهري والهربس التناسلي. ولم تقف حكمة الأحاديث النبوية عند هذا الحد من الوقاية بل تعدته إلى الرعاية الصحية الكاملة «مفهوم الحجر الصحي»، في أدق صورها وأكمل مظاهرها قال صلى الله عيه وسلم: «إذا سمعتم الطاعون بأرض فلا تدخلوها وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا منها» (صحيح البخاري) وذلك لدرء خطر الأوبئة بمنع دخولها أو بحصر المرض في مكان وقوعه وفي أضيق نطاق فتسهل مكافحته.

 ج - ضرورة القضاء على الحشرات الناقلة لمسببات الأمراض كالذباب والبعوض والقمل والبراغيث والصراصير وغيرها، وقد ذكرت معظم هذه الحشرات في القرآن الكريم دون تهوين من شأنها ولما لها من دور مهم وخطير في تحدّي الإنسان ومن ذلك قوله تعالى: ﴿وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ (الحج: ۷۳) وقد يكون هذا الشيء المسلوب هو صحة الإنسان.

٣ - الوقاية من الأمراض الطفيلية وذلك باتباع ما يلي:

أ- عدم التبول أو التبرز في الماء أو في الطريق قال صلى الله عيه وسلم «اتقوا الملاعن الثلاث: البراز في الموارد وقارعة الطريق والظل» (سنن أبي داود وسنن ابن ماجة)، وقد نهى عليه الصلاة والسلام أن يبال في الماء الجاري أو في الماء الراكد، واتباع هذه الوصايا النبوية فضلًا عن أنها تحفظ على الإنسان آدميته وكرامته، فإن اتباعها يقضي على أمراض كثيرة مثل مرض البلهاريسيا الذي يصيب الفلاحين على ضفاف النيل، كما يقي من مرض الإنكلستوما والإسكارس وغيرها من الأمراض الطفيلية التي يعاني منها مجتمعات كثيرة وتسبب نقصًا شديدًا في طاقاتنا البشرية وإمكاناتنا الاقتصادية. ويكفي أن نعلم أن مرض البلهارسيا يصيب نسبة كبيرة من أهل الريف ويسبب لهم فقر الدم والضعف والهزال والتهاب المثانة وضيق الحالب وحصوات المجاري البولية واحتباس البول والضعف الجنسي وتضخم الطحال والاستسقاء وأخيرًا مرض السرطان، كما لا يفوتنا أن نعلم أن بعض الناس وبعض المرضى بعد شفائهم يظلون يحملون جراثيم بعض الأمراض مثل التيفود ويعرفون بحاملي مسببات المرض، ويفرزون هذه الجراثيم في البول والبراز هؤلاء إذا ما قضوا حاجتهم في المياه أفسدوها وجعلوها غير صالحة للاستعمال الآدمي وأصبحت هذه المياه مجلبة لتلك الأمراض. كما أن التخلص الصحي من الفضلات الآدمية يقلل من توالد وانتشار الذباب وبعض أنواع البعوض، وهذه الحشرات كما هو ثابت ومعروف عنها عدو لدود للإنسان، تنقل إليه الكثير من الأمراض الخطيرة.

ب- دوام استعمال المياه النقية في تنظيف الجسم والملابس والأواني وعند الوضوء والاستحمام وفي غسل الخضراوات والحبوب ولسقي البهائم وتنظيفها. وبهذه المناسبة نذكر أن صنبور الماء سمي حنفية وصنابير المياه سميت بالحنفيات نسبة إلى الإمام أبي حنيفة، وفي الأصل معنى الحنف الميل عن الباطل إلى الحق، وعلى ذلك فالمعنى المقصود من التسمية هو تفضيل مياه الحنفيات على مياه الترع من حيث الطهارة، ومن هذا المنطق يتضح أن علماء الدين يستطيعون أن يحدثوا معجزة في تطوير سلوك الناس في هذه الأمة بما يحقق نجاح القضاء على الأمراض الطفيلية التي نجح الأطباء في الحد من ضراوتها ولم يستطيعوا بعد القضاء عليها كلية.

[*] أخصائي الأمراض الباطنية.

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل

الرياضة كما نفهمها

نشر في العدد 2

35

الثلاثاء 24-مارس-1970

الشباب(114)

نشر في العدد 114

12

الثلاثاء 22-أغسطس-1972