; وسائل التغيير والبناء | مجلة المجتمع

العنوان وسائل التغيير والبناء

الكاتب محمد صلاح الدين

تاريخ النشر السبت 03-يونيو-2006

مشاهدات 52

نشر في العدد 1704

نشر في الصفحة 53

السبت 03-يونيو-2006

تأملات

من المهم جدًا ونحن نسعى إلى نشر دعوة الإسلام وإصلاح أوضاع الناس وبنائها على أسس شرعية قويمة أن نعرض وسائلنا وسبلنا التي تسلكها في ذلك على الإسلام: هل هي وسائل شرعية؟ وهل تؤدي في النهاية إلى الغاية المنشودة؟ وأخيرًا هل مشينا في كل ذلك على طريق النبي ﷺ منذ بداية الدعوة وحتى انتشار الإسلام وتمكنه؟

إن معادلة التغيير التي بينها القرآن الكريم في قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ﴾ «سورة الرعد: ۱۲»، تضعنا أمام تحد كبير، فليس من الممكن كما يقول الدكتور أحمد كمال أبو المجد: أن نصلح العالم ثم الدولة ثم نرجع إلى المجتمع ثم الأسرة ثم نصلح الفرد، هذا التدرج المقلوب ليس هو ما دعا إليه الإسلام فقد قال ﷺ: «أبدأ بنفسك ثم يمن تعول» «عون المعبود على سنن أبي داود».

البداية إذن هي من الفرد ثم الأسرة، وبعد ذلك المجتمع والعالم، وهكذا رسم النبي ﷺ طريق الدعوة منذ بداية الوحي قال تعالى: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾ (العلق: 1)، وبعد ذلك: ﴿وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ﴾ (سورة الشعراء: 214)، ثم قال تعالى: ﴿فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ﴾ «سورة الحجر: ٩٤».

لابد أن يشهد الإنسان ذلك التغيير في نفسه أولًا: فيمن حوله حتى يتسنى له إقناع الآخرين قال تعالى: ﴿أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ﴾ «سورة البقرة: ٤٤»، هذا التغيير الأولى والذي هو الأساس يجب أن يعتنى به أشد الاعتناء حتى لا يتعرف صاحبه، وذلك لا يكون إلا بالتزام منهج الوسطية حيث لا إفراط ولا تقريط، قال ﷺ: «إن هذا الدين متين فأوغل فيه برفق» «مسند الإمام أحمد»، وبالوصول إلى الفرد السليم والمثال الأول تتشكل معالم المجتمع المنشود. 

ثم إن الداعية إلى الله يجب أن يتحلى أول شيء بالعلم حتى لا يدعو الناس إلى الجهل فيضل ويضل قال تعالى: ﴿قُلْ هَٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ ۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي﴾ «سورة يوسف: ۱۰۸»، وينبغي كذلك استخدام الحكمة التي فسرت مراتبها الآية الكريمة: ﴿ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ «سورة النحل: 125».

ثم إننا في مسيرتنا الدعوية يجب أن ننهج سبيل النبي ﷺ فهو خير مثال وأعظم قدوة، وذلك بمعرفة الواقع ومجرياته والمستقبل وتطلعاته، ومعرفة ذلك تدعونا إلى إتباع المرحلية في البناء وترتيب الأولويات والاهتمام بالنتائج قدر ما نهتم بالوسائل.

إن صحة القصد وحدها لا تكفي، فلابد أن يصاحبها شرعية الوسيلة حتى تأتي النتائج كما هو مطلوب أو على الأقل لا تجلب من الضرر ما هو أعظم وأخطر، مراعاة للقاعدة الفقهية ارتكاب أخف الضررين.

وهنا تجدر الإشارة إلى ما يشاهد من عمل المنصّرين في بعض البلاد الإفريقية، حيث يعيش الواحد منهم عمره هناك متغربًا عن أهله ووطنه تاركًا رفاهية العيش في سبيل توصيل دينه وفكره.

إن شبابنا المتحمس يمكن أن يفجر نفسه ويضحي بروحه في طريق غير مأمون النتائج، لكن القليل جدًا هو من يستطيع تحمل مثل هذه المشقة والصبر وطول النفس التي أثبتت في الحقيقة جدواها وأهميتها.

إننا إذا فهمنا حقيقة دعوتنا ومتطلباتها عرفنا أنها دعوة عقيدة وفكر لا دعوة سيف وإكراه، انظر كيف مكث النبي ﷺ ثلاثة عشر عامًا يدعو إلى التوحيد في مكة المكرمة وأصنام قريش حوله يمنة ويسرة، فلم يدع إلى تحطيم تلك الحجارة وإنما دعا إلى تحطيم الوثنية والشرك في القلوب، وكانت النتيجة أن قام أصحاب الأصنام بإتلافها بأنفسهم عن قناعة وقصد.

وخلاصة القول: إن الدعوة الإسلامية والنهضة الحضارية التي ننشدها لابد لها من اقتداء صحيح بالمثال الأول محمد ﷺ وأصحابه، وذلك بالتزام الوسطية وانتهاج السماحة فحربنا حرب أفكار وقناعة لا حرب سيف وإكراه.

الرابط المختصر :