العنوان المجتمع الثقافي (1168)
الكاتب مبارك عبد الله
تاريخ النشر الثلاثاء 26-سبتمبر-1995
مشاهدات 40
نشر في العدد 1168
نشر في الصفحة 58
الثلاثاء 26-سبتمبر-1995
ومضة
كانت أكبرهن سنًا وأكثرهن ثقافة وأرجحهن عقلًا، وكنَّ يعاملنها باحترام ويصغين إلى حديثها باهتمام، وكان جو العمل بين الزميلات مفعمًا باللطف والود والبهجة وفي أحد الأيام دخلت إحداهن وهي مقطبة الجبين ساهمة شاردة بيدها صحيفة ملئت بالحديث عن المرأة وحقوقها ومؤتمر بكين وأهدافه، وعلى وجهها أكثر من إشارة استفهام، وفي لسانها أكثر من موضوع للحديث بادرتها زميلة قريبة منها بالسؤال عن سبب هذا الوجوم وذلك التفكير الطويل.. أجابتها بعصبية وتحرج.. صبرت الزميلة... وتابعت معها تحاول معرفة ما يدور في خلدها ويشغل بالها إلى هذا الحد.
انطلقت بعد تردد تحكي لهن عن الحقوق الضائعة، وعن الظلم الواقع على المرأة، وعن المعاناة التي تعيشها.. تبادلت الزميلات نظرات الاستغراب.. لكنهن سكتن ليسمعن بقية الكلام المعلب، والذي يعالج بعض مشاكل المرأة غير المسلمة، ويراد إسقاطه قسرًا على واقع المرأة المسلمة وإقحامه في حياتها.. تشعب الحديث وأخذ طابعًا عشوائيًا.
وهنا استلمت أكبرهن زمام المبادرة.. ولملمت أطراف الحديث، وركزت كلامها في نقطتين:
الأولى: إن المرأة الغربية التي طالبت بكل الحقوق لم تأخذ منها إلا ما يناسب فطرتها ويتلاءم مع طبيعتها ولا يتصادم مع أنوثتها.. ولا عبرة بالقلة القليلة التي سارت في طريق معاكس للفطرة.. انظر إلى البرلمانات والحكومات.. كم من النساء شاركن في المجالس النيابية؟ نسبة قليلة جدًا، وأقل منها نسبة المشاركات في المناصب الوزارية، ليس بموانع القوانين وتأثير المجتمع لأن القوانين تسمح، والمجتمع يشجع، ومع ذلك فالمرأة الغربية صوتت في استفتاء طبيعي لصالح فطرتها وطبيعتها الأنثوية.
الثانية: أن المرأة لا تأخذ شيئًا إلا إذا أعطت، فتعالين نتأمل قيمة ما أخذته المرأة أو وعدت بأخذه إن كان الثمن الذي ستدفعه هو أمومتها.. وحياتها الزوجية.. واستقرارها العائلي.
وفاة الشيخ يوسف بن راشد المبارك المؤرخ الرحالة
بعد حياة مديدة قضاها الشيخ يوسف ابن راشد المبارك مترحلًا في سبيل العلم والمعرفة طلبًا له وتزودًا من معينه العذب واستبصارًا بضوء سراجه ثم نشرًا له بين طلابه ومريديه من عشاق المعرفة ومحبيها انتقل الراحل الكريم إلى جوار ربه في ٢٠ من ربيع أول ١٤١٦هـ الموافق 17/ 8/ 1995م في مدينة الهفوف بالمملكة العربية السعودية.
وقد ولد الشيخ المؤرخ يوسف بن راشد المبارك عام ١٣١٥هـ في مدينة الزبير جنوب العراق، ثم انتقل إلى الأحساء لدراسة العلوم الدينية على يد عمه الشيخ إبراهيم ابن عبد اللطيف ووالده الشيخ راشد، واللغة العربية على يد الشيخ أحمد بن محمد ابن عبد اللطيف المبارك الذي كان يدرس في مدرسة الحبيشية.
بعد ذلك انتقل إلى الكويت ليدرس في مدرسة المباركية حيث تعرف على علمائها وأعيانها واجتمع مع رجالات الكويت الأفاضل أمثال الأديب الشيخ يوسف ابن عيسى القناعي، والشيخ عبد العزيز حماده، والأستاذ ياسين الغربللي، والشيخ شملان الرومي، ثم رجع إلى الأحساء واستقر فيها.
ثم بدأ بالتدريس في مدرسة «الحبيشية» التي بناها الشيخ إبراهيم بن كلبان أحد تجار دبي وكان يتنقل بين إمارات الخليج يعظ الناس ويرشدهم في المساجد كعادة طلبة العلم.. واستقر بعد ذلك في البحرين حيث أقام أربع سنوات وعمل هناك إمامًا لمسجد الحبال في المنامة «السوق» حاليًا وتعرف على كثير من علمائها ومنهم الشيخ عبد الرحمن الزباني، والشيخ محمد العلي البسام والشيخ قاسم بن مهزع أحد القضاة المشهورين وغيرهم.
ثم عاد إلى الأحساء وفي عام ١٣٥٦هـ افتتحت أول مدرسة ابتدائية وعُين فيها مدرسًا للتاريخ والسيرة النبوية بعد ذلك عُين مديرًا لمدرسة المبرز.
وقد سافر بعدها إلى مصر وزار الجامع الأزهر وتعرف على كثير من العلماء والمشايخ مثل الدكتور محمد ماضي والشيخ علي الإبراهيمي والد وزير الخارجية الجزائري الأسبق الأخضر الإبراهيمي، والشيخ محمد العقيل، والشيخ الباقوري، والشيخ محب الدين الخطيب، والحاج محمد أمين الحسيني والشيخ حسنين مخلوف مفتي مصر.
ثم سافر إلى بيروت وتعرف على علمائها وأدبائها أمثال الأديب عمر فروخ وكانت بينهما زيارات ومراسلات وعلاقات أدبية.
وفي عام ١٣٨٢هـ تسلم إدارة المكتبة القطرية بالأحساء والتي أنشأها الشيخ عبد الله بن علي آل ثاني أمير قطر الأسبق وكانت أول مكتبة عامة استفاد منها الجميع.
بالإضافة إلى ذلك كان الشيخ يوسف ابن راشد المبارك إمامًا لمسجد «ابن مطر» وكان يعقد فيه حلقة دينية بعد صلاة العصر يقرأ الحديث.
بعد ذلك عمل في مكتبة وزارة الإعلام في أبو ظبي بطلب من ابن الشيخ زايد بن سلطان رئيس دولة الإمارات العربية وهناك تعرف على الشيخ عبد الله بن موسى، والقاضي مبارك بن علي الشامي، والشيخ محمد بن دلموك، والشيخ ناصر بن لوتاه والشيخ إبراهيم بن كلبان والكثير من العلماء.
ولا يغيب عنا أن الشيخ يوسف أحد المؤرخين القلائل الذين كان لهم دور بارز وإسهام كبير في الكشف عن مسجد ومدينة جواتا الأثرية وهو مرجع مهم لتاريخ منطقة الهفوف، والذي يرجع إليه الكثير من الكُتاب والأدباء، وقد ورد ذكره في كتاب أدباء من الخليج للشيخ الأديب عبد الرحمن عبد الكريم العبيد رئيس النادي الأدبي بالمنطقة الشرقية، وكتاب واحة الأحساء وقد ذكره الكاتب ف ش ر فيرال وقام بترجمته د. عبد الله ناصر السبيلي، وتربطه صداقة بالعلامة الشيخ حمد الجاسر الذي كتب عنه في مقدمه كتابه «تحفة المستفيد».
المكتبة الإسلامية بجامعة ماك غيل في مونتريال
ثورة علمية هامة في حاجة إلى الاستثمار
مونتريال: جمال الطاهر
الذي يزور مدينة مونتريال من أهل العلم من المهتمين بالفكر والثقافة الإسلاميين ويسمع عن مكتبة معهد الدراسات الإسلامية بجامعة ماك غيل لا يملك إلا أن يعجب بهذا المَعْلم الهام الذي يعتبر ثاني أهم مكتبة إسلامية في شمال أمريكا بعد مكتبة الكونجرس الأمريكي.
مندوب «المجتمع» زار هذه المكتبة وتحدث مع القائمين عليها وأجرى حولها التحقيق التالي.
التأسيس: لا يرجع تاريخ تأسيس هذه المكتبة ومعها معهد الدراسات الإسلامية بجامعة ماك غيل بمونتريال إلى أكثر من سنة ١٩٥٢، وذلك بمبادرة من الدكتور الكندي «ولفراد كانتوال سميث» المختص في دراسة تاريخ الأديان بمنطقة شرق آسيا، والذي أنجز أطروحة دكتوراه حول «نقد مجلة الأزهر» وذلك بجامعة برنستن بالولايات المتحدة الأمريكية، وبعد أن بدأت المكتبة متواضعة في مادتها وموزعة في موقعها على بنايات مختلفة في الجامعة، وقع تجميعها منذ سنوات في بناية واحدة «موريس هول» تتكون من أربعة طوابق الأعلى منها مخصص لمعهد الدراسات الإسلامية والثلاثة طوابق الأخرى مخصصة للمكتبة.
المحتويات
تتوفر المكتبة على ما لا يقل عن مائة ألف عنوان ومؤلف مصنفة على نظام «سمیث» «نظام إعلامي ينسب إلى الدكتور سميث مؤسس هذه المكتبة» وقد وقع اعتماد نظام الإعلامية في تصنيف مواد المكتبة منذ سنة ۱۹۸۲م الشيء الذي سمح منذ ١٢ سنة بوصل المكتبة بمكتبة الكونجرس الأمريكي، وذكرت لنا السيدة سلوى فرحان مسئولة المكتبة منذ ٣٢ سنة بأنه يوجد لديهم أحسن المؤلفات الإسلامية بأمريكا الشمالية كالموسوعات والبيبليوجرافية والسجلات وذلك بلغات ولهجات إسلامية وغير إسلامية تصل إلى أكثر من ٧٥ لغة ولهجة.
أما من جهة الموضوعات فإن المصنفات الموجودة بالمكتبة تنقسم إلى قسمين رئيسيين هما: قسم الموضوعات الكلاسيكية التي تتدرج من تاريخ ما قبل الإسلام مرورًا ببعثة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم ثم الشريعة فالفلسفة فالتصوف فالفرق والنحل وانتهاءً بالتاريخ الإسلامي من الخلافة الأموية إلى العباسية إلى الأندلس إلى أفغانستان ثم إيران.. أما عن موضوعات القسم الثاني، فإنها تغطي في عمومها التاريخ الإسلامي المعاصر بداية من سنة ١٨٠٠.
وتقدم المكتبة خدماتها إلى جهات عديدة منها أساسًا أساتذة وطلاب معهد الدراسات الإسلامية بجامعة ماك غيل الذين ارتفع عددهم في هذه السنة إلى ۱۰۱ موزعين على مختلف المستويات الدراسية من البكالوريوس إلى الماجستير إلى الدكتوراه وإلى نظرائهم في مختلف الجامعات الأخرى بمدينة مونتريال وغيرها وإلى عموم المهتمين بالثقافة والفكر الإسلاميين من المسلمين وغيرهم.
وقد أدخلت بعض التطويرات على طريقة تصنيف الكتب والمراجع بالمكتبة بحيث أصبحت مبوبة كالآتي:
- المرجع وأمهات الكتب الإسلامية.
- الموضوعات الإسلامية المختلفة: الشريعة، الفلسفة، التصوف، الملل والنحل.
- التاريخ الإسلامي إلى سنة ١٨٠٠ أي إلى حملة نابليون بونابرت على مصر التي كان لها الأثر الكبير على الحياة الفكرية المصرية خاصة والإسلامية عامة من خلال ربطهما بالثقافة الأوربية.
- العالم الإسلامي المعاصر بداية من سنة ۱۸۰۰ إلى اليوم.
وتنقسم هذه الأبواب الأربعة الكبرى بدورها إلى أقسام فرعية مثل القسم (م) الذي يغطي كل دول العالم الإسلامي من المغرب إلى أندونيسيا. وكذلك الأقليات المسلمة في مختلف أرجاء العالم، وقد عززت المكتبة في السنوات الأخيرة بأقسام جديدة مثل الكتب التركية والديانات الأخرى غير الإسلام إضافة إلى علاقات التنسيق والتعاون التي تربط بينهما وبين أقسام الدراسات الدينية الأخرى، كل ذلك قد جعل هذه المكتبة ذات شأن كبير في مجال دراسات مقارنة الأديان.
والمقصد الرئيسي للقائمين على المكتبة من خلال حرصهم على تنويع المراجع والكتب وامتدادها الزمني الذي يغطي كامل التاريخ الإسلامي القديم منه والحديث وامتدادها الجغرافي الذي يغطى كامل الدول والأقليات الإسلامية في العالم هو التأكيد على أن الإسلام ديانة عالمية كبرى، وليست مجرد ديانة قومية خاصة بالعرب أو خاصة بمناطق محددة من جغرافية العالم دون غيرها من جهة، وإفادة الرأي العام الكندي المهتم بالإسلام بمعلومات حول الإسلام: التاريخ والثقافة والواقع... من جهة أخرى «كما صرحت لنا بذلك السيدة سلوى فرحان».
أخيرًا
رغم ضخامة هذه المكتبة، فإن الاستفادة منها لا تزال قليلة وضعيفة جدًا سواء من جهة الكنديين وأصحاب الديانات الأخرى أو من جهة المسلمين أيضًا، وإذا كان من الأحسن للقائمين على المكتبة الانفتاح أكثر على المحيط الديني بمختلف فصائله والتعريف بمؤسستهم ومحتوياتها من خلال إعلانها وإشهارها، ومن خلال تنظيم بعض المناشط كالندوات والمعارض وغيرها.. فإنه مطلوب أيضًا من المسلمين الكنديين العاملين في مجالات الدعوة أفرادًا ومؤسسات تحديد صيغ عملية واضحة لحسن استثمار الأرصدة العلمية المحترمة جدًا المتوفرة في هذه المكتبة، وذلك كأن يوقع إبرام اتفاقيات مع إدارة المكتبة تقضى بإعارة أعضاء هذه المؤسسات الإسلامية ما يستحقونه من الكتب والمراجع للاستفادة منها.
قصة قصيرة
ليلة الغضب!!
بقلم: عبد الناصر مغنم
جلس «يزداني مير» القرفصاء أمام منزله المتهالك، وهو يستند إلى عصاه الخشبية الطويلة وقد اشتعل الشيب برأسه ولحيته الكثة، وظهر على جبينه أثر جرح عميق عمق مأساة الشعب الكشميري المسلم.
تذكر يوم اقتحم الهندوس قريته «مادتانك» سنة ١٩٤٧م، وانهالوا برصاصهم على أهالي القرية دون رحمة أو تمييز بين صغير وكبير.. كانت حصيلة المجزرة يومها مفزعة.. لم ينجُ من أبناء القرية سوى أربعين رجلًا كان هو أحدهم.
تحسس بأصابعه الخشنة موضع الجرح البارز في جبينه... تذكر يوم نفحه أحد الجنود بسيفه فسقط على الأرض مضرجًا بدمه..
لقد نجا بأعجوبة.. لم يشك الجنود بموته.. وانسحبوا مخلفين وراءهم مشاهد الرعب والفزع والهلع.. وظلت القرية تحمل آثار الدمار والخراب الذي لحق بها نتيجة الهجمة الوحشية آمادًا طويلة.. ولم تكن القرية الوحيدة التي تتعرض لنكبة مروعة على أيدي تتار العصر.
لم ينسَ الشيخ الوقور ما حل بقرية «سانية» المجاورة لقريته.. تلك القرية التي شهدت مأساة لا تنسى.. فقد حاصرها الوحوش أيامًا ومنعوا عن أهلها الطعام والشراب، ثم اقتحموها ونكلوا بأهلها وقتلوهم جميعًا بعدما ارتكبوا كل القطاعات والأهوال.
تمتم باكتئاب وحسرة:
- بالرغم من مرور كل هذه الأعوام، فالأمر ما زال على ما هو عليه... وحشية الهندوس لا تتوقف.. مجازر ودمار.. حرائق وحصار... خوف وجوع وألم.. إلى متى يا ترى؟؟ إلى متى؟!
سمع ضجة بالقرب من بيته.. استجمع قواه ووقف على قدميه ليستطلع الخبر.. فزع لمشهد جماعة من الجنود المدججين قادمين نحوه.. تقدم أحدهم منه يسأله..
- أين أبناؤك؟
- من تعنون؟
- أبناؤك جميعًا .. أين هم؟
- ليس لي أبناء...
- أيها الشيخ الوقح.. دعك من الكذب وأخبرنا عن مكانهم؟
- لا أعرف عم تتحدثون؟!
- اغرب عن وجهي.. «يدفعه بقوة ويطرحه أرضًا.. يتقدم باتجاه البيت.... يأمر الجنود بتفتيشه.. يقلبون أثاثه ويخربون محتوياته..»
أحد الجنود: لا أحد في البيت..
«تعلو الغضبة وجه الضابط فيركل الشيخ بقدمه.. يصرخ الشيخ متألمًا ويتلوى على الأرض..»
- حسبي الله ونعم الوكيل.. حسبي الله ونعم الوكيل!!
أحد الجنود: أيها الضابط.. انظر إلى هناك...
- ما هذا؟
- إنهن فتيات مسلمات...
«.. هرع الجنود نحو مجموعة من الفتيات المسلمات اللاتي أتين يحملن قلال الماء لأهليهن... تصايحن وحاولن الهرب بعد رؤيتهن للجنود المعتدين.. وقعن أخيرًا في قبضة الفجرة.. علا صراخهن الأجواء بعد تعرضهن لأبشع اعتداء أثيم...نهض الشيخ «يزداني مير» بتثاقل.. كبر بصوته المتهدج، ثم أجهش بالبكاء.. تمنى لو أنه شاب في مقتبل العمر يستطيع الدفاع عن الأعراض التي انتهكت أمامه..
سمع جلبة خلفه.. التفت ليرى أحد أبنائه يهرع بعصا غليظة نحو الجنود..
- أوغاد.. مجرمون... دعوا الحرائر يا كفرة..
«أسرع الجنود لمواجهته.. أحاطوا به من كل جانب.. انهال الجميع عليه بالضرب.. سحبوه جانبًا، ثم حملوه داخل كيس ومضوا إلى جهة مجهولة تاركين الشيخ يصرخ ويستغيث ويحاول دون جدوى اللحاق بهم لتخليص ولده رفيق».
كان يومًا قاتمًا في حياة القرية البائسة.. وخيم الليل البهيم الذي لم يعرف الناس فيه طعم النوم.. كانت الوجوه الشاحبة توحي بالأسى.. وظلت القرية تلعق جراحها حتى الصباح...
فوجئ الشيخ بعودة أبنائه الثلاثة من أفغانستان.. فقد أتوا لزيارته ومعرفة أخباره قبل أن يتوجهوا لقتال عُباد العجل المفسدين...
علت وجوههم الدهشة وهم يستمعون لقصة قريتهم الحزينة.. لم يتمالكوا أنفسهم.. أغرورقت عيونهم بالدموع التي سالت على لحاهم الكثة...
مضوا بعدما تعاهدوا على الثأر من المعتدين.
وقفوا بعد أيام على تلة تطل على القرية يراقبون سيارة عسكرية تقل عددًا من الجنود توقفت أمام منزلهم لتترك أخاهم المثخن عند باب المنزل.. دخل بيته يئن من الجراح.. وقف الشيخ على قدميه وتهاوى على ولده يحتضنه ويقبله ويحمد الله على نجاته...
- ماذا فعلوا بك يا ولدي؟!.. هل أصابك سوء؟
- لا بأس يا أبي.. أنا بخير إن شاء الله.. آااه..
- اجلس يا بني.. اجلس ولا ترهق نفسك.
- إنني أشعر بآلام حادة في جسدي.. في الظهر.. وفي الذراعين والقدمين.. وفي الرأس.. وفي كل مكان...
- ويحهم.. ما الذي فعلوه بك؟
- عملية جراحية.. لست أدري لماذا؟!.
«.. ذهلت العائلة عندما علمت فيما بعد أن الهندوس استأصلوا إحدى الكليتين من جسد «رفيق» بعد اعتقاله!!».
مرت أيام والحزن يخيم على أبناء القرية.
تسلل الأخوة الثلاثة تحت ستار الليل نحو معسكر للجيش بالقرب من القرية.. حفروا الأرض الحمراء تحت الأسلاك الشائكة.. تسللوا إلى الداخل دون أن يشعر بهم أحد... احتال أحدهم على حارس مستودع الذخيرة واستدرجه لكمين وطعنه بسكين حادة...
انسحب ثلاثتهم بعد زرع الألغام في المعسكر...
استيقظت القرية على أصوات الانفجارات الهائلة التي أضاءت السماء وحولت الليل إلى نهار.. ظلت سحب الدخان تتصاعد حتى الصباح.. وتحول المعسكر إلى مقبرة لعباد العجل الآثمين. وشاهد أهالي القرية نقل الجثث المحترقة لدفنها بعيدًا عن أرض الغضب!!.
تنهد الشيخ بعمق وهو يتكئ على عصاه...
﴿قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ﴾ (التوبة: 14).