العنوان وقفة تربوية
الكاتب مجلة المجتمع
تاريخ النشر الثلاثاء 01-ديسمبر-1992
مشاهدات 39
نشر في العدد 1027
نشر في الصفحة 44
الثلاثاء 01-ديسمبر-1992
التألم على الساقطين
الراكب في قطار الدعوة إلى الله لابد
أن يلاحظ أثناء هذه الرحلة المباركة ظاهرة سقوط بعض الركاب، فيتألم لمنظر السقوط
خاصة إذا كان السقوط من راكب قديم أو كان السقوط بحد ذاته سقوطًا عنيفًا أدى إلى
تشوه جزئي أو كامل للساقط أو لم يعد يقوى على المشي لكثرة ما كسر من عظامه وما
تهتك من عضلاته، ولا شك أن الحزن والتألم أمر طبيعي يصيب الذين أصروا على البقاء
في القطار بالرغم من جوانب الارتماء على جانبي القطار، بسبب طول العشرة مع الذين
سقطوا وبسبب ما يقيسونه بالحساب البشري أنه خسارة للدعوة، ونقص لراكبي القطار
الدعوي، وانخفاض في عدد الخبرات والطاقات خاصة إذا كانت قديمة، وفوق كل هذا هو
تحسر على أخ من إخوانهم ترك الارتقاء، وقبل بأن يكون مع القاعدين اللاهثين وراء
أهوائهم الذين ليس له هدف في حياتهم إلا ذلك.
وقد يسبب هذا الحزن للبعض نتائج
سلبية في عمله وعطائه الدعوي، أو قد يصيب البعض شيء من الإحباط واليأس وغيرها من
النتائج السلبية، ولكن الداعية الفطن يجب أن يدرك عند سقوط البعض بعض الأمور:
1. أن
في ذلك تصفية للصف من الشوائب.
2. حتى
يكون التعلق بالحق وحده لا بالأفراد.
3. حتى
يتأكد مفهوم الولاء والبراء.
4. ليكون
حافزا للمزيد من التحرك لتعويض النقص.
5. التسليم
الكامل لحكمة الله وقدره.
6. لعل
ذلك يكون محركًا للبحث عن أسباب السقوط وتداركها في الثابتين.
وتذكر هذه الأمور يخفف كثيرا من
الألم والهم الذي يحدث عند سقوط البعض والذي قد يترتب عليه بعض النتائج السلبية،
لذلك أشار القرآن الكريم لهذا المعنى عندما كان النبي صلى الله عليه وسلم
يتألم عندما يعرض على قومه الإسلام ويرفضونه يقول تعالى: ﴿فَلَعَلَّكَ
بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ
أَسَفًا﴾ (الكهف: 6).
أبو بلال
ورد أيضا في صفحة «المجتمع
التربوي» من هذا العدد:
·
من يأخذ هذا العلم
بحقه؟!
· كتب تربوية جديدة.. «الزمن القادم»
· أقوال تربوية
* متى تربي نفسك؟
من يأخذ هذا العلم بحقه؟!
نعم.. هذه كلمة قالها القائد
المربي صلى الله عليه وسلم في معمعة الحرب وغبار العاديات: «من يأخذ هذا
السيف بحقه». تقدم أبو دجانه عاصبًا رأسه يمشي وعليه عزة الإسلام وأخذ السيف بحقه.
واليوم ننادي من يأخذ ميراث النبوة
بحقه.
إن العلماء هم ورثة الأنبياء،
ورثوا العلم من أخذه أخذ بحظ وافر.
ومسؤولية الداعية تجاه العلم
مسؤولية تثقل صم الجبال ولا يقواها إلا أهل التقوى وذلك من وجوه:
الوجه الأول
إن العلم كما يقول العلماء: «عبادة
القلب وصلاة السر»، إذن فالمؤمن يقف يراجع قلبه، بعدما أخذ نصيبه من العلم: هل
للقلب فيه حظ؟ ذلك لأنه لابد من وجود الخشية.. تلك النعمة التي يقذفها الله في
قلوب العلماء الأتقياء.
﴿إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي
الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ﴾
(الأنبياء: 90).
الوجه الثاني
وجه آخر يجب على الداعية استحضاره إذا
أخذ العلم، يلزمه أن يكون عالمًا عاملًا معلمًا، وعندها يصل إلى درجة الربانية،
كما يقال: «الرباني الذي يربى الناس بصغار العلم قبل كباره».
ولنا وقفة هنا وهي أن من البلاء
الذي نزل على هذه الأمة وجود أدعياء للعلم ونسخًا للكتب وأقماعًا للقول.
هذه صفات في مجموعها تنطبق على
أناس زادوا الأمة مصابًا، وعلموها الترف وداسوا على ما بقي لنا من ميراث.
ولا يظن القارئ الكريم أنني مبالغة
في حكمي على هذه الفئة، بل يعلم الله أنني رأيت منهم وسمعت عن بعضهم ما يذوب معه
القلب حسرة يوم أن يوسد الأمر إلى غير أهله.
وهذا لا يعني أن الحكم عام بل
نستثني أولئك العلماء المخلصين الذين نسأل الله أن يجازيهم عن الإسلام خير الجزاء،
وأن يرفع قدرهم في الدنيا والآخرة فهو القائل سبحانه: ﴿يَرْفَعِ اللَّهُ
الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ﴾ (المجادلة:
11)، فقد قيل في تفسيرها يرفع الله المؤمن العالم على المؤمن غير العالم.
ورفعة الدرجات تدل على الفضل إذ
المراد به كثرة الثواب وبه ترتفع الدرجات،
فنحن أمة تعرف للعلماء الفضل، بل
وترجو أن تنال الشرف والأجر بدعوة صادقة.
إذن المقصود من الوجه الثاني أن
الداعية إذا سهل الله له حفظ العلم فعليه التبليغ كمسؤولية والتطبيق كأمانة.
وحديثي عن الداعية لأنه صاحب رسالة
وهو المعني قبل أي شخص آخر.
وإلا فالعلم ضرورة شرعية، وفريضة
على كل مسلم، لكن شغل المسلمون عنه بدنيا فانية، ونريد من الداعية المؤمن أن يخرج
من بين ركام الجهل وظلمة الباطل، بيده الكتاب، ونوره يضيء له ظلمات الدرب ويخفف
عنه عناء المسير، ويزيح عن قلبه هموم المصائب.. نريد أن يخرج ويصرخ بأعلى
صوته «أنا أخذ هذا العلم بحقه».. فهل يفعل ذلك؟
أختكم: نوارة بنت احمد
العثمان- السعودية- الدمام
كتب تربوية جديدة
«الزمن القادم»
تشرفت بتسلم المجموعة الثانية من
كتاب «الزمن القادم»، لمؤلفه الأخ الفاضل عبدالملك القاسم، عضو رابطة الأدب
الإسلامي العالمية، وعلى الرغم من صغر الكتاب وصغر القصص التي فيه، فإن الميزة
الكبرى في هذا الكتاب والتي تجعله يختلف عن باقي كتب القصص هي صغر القصص التي فيه،
وتنوعها واتصالها بالواقع الذي نعيش فيه بكل تفاصيله، لقد عشت مع المجموعة الأولى
وها أنا أعيش مع المجموعة الثانية، وكأني طفل بين يدي الأخ الكريم يروي لي تفاصيل
قصصه الواقعية، فأبتسم تارة وتنسكب دمعة تارة أخرى، وأفرح تارة، وأحزن تارة أخرى،
وتتفجر المعاني الإيمانية في نفسي بعد الانتهاء من كل قصة، ليس هذا تقديمًا للكتاب،
بل هو إعلان عن عمل جديد، وأسلوب جديد في المكتبة الإسلامية، وإعطاء لزاد جديد
للدعاة، لكي يستخدموه في دعوتهم للآخرين.. يشهد الله بأن ما قرأت في «الزمن القادم»،
سواء المجموعة الأولى أو الثانية، هو أجمل ما قرأت في الفترة الأخيرة من عمري،
فبارك الله بالكتاب وبمؤلفه، ونسأل الله أن يزيد من قدرته في هذا المجال خدمة لدين
الله تعالى وزيادة في حكمة التبليغ.
أقوال تربوية
· المغمورون
يقول كعب الأحبار: «طوبى لهم.
وطوبى لهم. قيل: ومن هم يا أبا إسحاق؟ قال: طوبي لهم، قوم إن شهدوا لم يدخلوا، وإن
خطبوا لم يُنكحوا، وإن قاموا لم يُفقدوا» (التواضع ١/ ٤).
· فطنة الدعاة
لما عزل عمر بن الخطاب رضي الله
عنه المغيرة بن شعبة عن كتابة أبي موسى، قال له: «أعن عجز أم خيانة يا أمير
المؤمنين؟ قال: لا عن واحدة منهما، ولكني أكره أن أحمل فضل عقلك على العامة» (العقد
۱/۸۲).
· انتهاز الفرص
قال عليّ رضي الله عنه: «انتهزوا
الفرصة، فإنها تمر مر السحاب ولا تطلبوا أثرًا بعد عين».
وقال بعض الحكماء: انتهز الفرصة،
فإنها خلسة، وثب عند رأس الأمر، ولا تثب عند ذنَبه، وإياك والعجز فإنه أذل مركب
والسفيع المهين فإنه والله أضعف وسيلة. (العقد/ ۹۸۱).
· بر الوالدين
كان ابن سيرين إذا كان عند أمه خفض
من صوته وتكلم رويدًا. وكان ابن المنكدر يضع خده بالأرض ثم يقول لأمه: «ضعي
قدمك عليه» (مكارم الأخلاق: 77).
متى تربي نفسك؟
إن النفس تتربى في كل لحظة إن شاء
مربيها أن يربيها.
ولكن هناك لحظات عزيزة يقتنصها
المربي ليربي نفسه فتنصقل له كمثل حدادين: أحدهما استطاع أن يلوي الحديدة بصعوبة.
والثاني: وضعها على النار ثم شكلها
كما يشاء.
ومثل المربي في خلوته مع الله
تعالى كمثل ذلك الحداد الذي وضع حديدته على النار ليشكلها، فبالمحاسبة والمعاتبة
ترتدع النفس عن غيها وتقصيرها وتتشكل كما يريد مربيها.
لذا قال محمد التيمي: قلت لداود
الطائي: «يا أبا سليمان: بم أقوى على نفسي»؟ قال: بقذعها عما تحب وإخراجها عما لا
يعنيها، وبفعلها ما لابد منه.
قلت: فكيف السبيل إلى ذلك؟
قال: بقطعها عن رؤية العالم، فهو
أول باب تقوى به على ذلك.
ونحن نفهم من كلام «الطائي» أن
هناك أبوابا أخرى لتشكيل النفس وتربيتها، ولكن أول هذه الأبواب هو «الخلوة».
جاسم المطوع