; وقْفَة مَعَ ايَّة | مجلة المجتمع

العنوان وقْفَة مَعَ ايَّة

الكاتب أبو محمد

تاريخ النشر الثلاثاء 12-أكتوبر-1976

مشاهدات 25

نشر في العدد 320

نشر في الصفحة 38

الثلاثاء 12-أكتوبر-1976

وقْفَة مَعَ اية

بِسْمِ اللَّهِ اَلرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾ (غافر: 60)  صدق الله العظيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الأمين، وردت آيات كثيرة في القرآن الكريم، وأحاديث عديدة على لسان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- تبين أن الدعاء عبادة وله أهمية كبرى بالنسبة للمسلم، والدعاء هو الرغبة إلى الله- تبارك وتعالى- فيما عنده من الخير والابتهال إليه بالسؤال، والدعاء نوعان: دعاء عبادة- ودعاء طلب مسألة أو استغاثة.

يقول الرسول الكريم- صلى الله عليه وسلم- «الدعاء هو العبادة» وهذا صحيح فالمتأمل في لب الآية التي ورد فيها الدعاء يتضح له أن الدعاء عبادة، ففي هذه الآية نجد أن الله- سبحانه وتعالى- يقول: ﴿ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ(غافر: 60) ومباشرة يتبعها بقوله: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ (غافر: 60) فالله- جل وعلا- يأمرنا بالتوجه إليه بالدعاء وطلب الخير منه وطلب الاستغاثة منه أيضًا ويجعل هذا الدعاء عبادة فيقول: إن الذين يستكبرون ويستنكفون عن الدعاء- الذي هو عبادة لي- سأدخلهم نار جهنم صاغرين حقيرين، ودليل آخر على أن الدعاء عبادة هو أن الانسان عندما يدعو الله- تبارك وتعالى- يدعوه بأسمائه الحسنى وفي هذا اعتراف منه على أن الله هو الغفور، الرحيم، السميع، البصير القادر على كل شيء، ولذلك أنكر الله- تبارك وتعالى- على الكافرين توجههم إلى الأصنام والأوثان في الدعاء مع العلم أنهم لا يملكون شيئًا ولا يملكون ضرًا ولا نفعًا حتى لأنفسهم فيقول- تبارك وتعالى-: ﴿وَاتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً لَّا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنفُسِهِمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَلَا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُورًا(الفرقان: 3)

وفي آية أخرى يقول الباري- عز وجل-: ﴿وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنفَعُهُمْ (يونس:18) وكما يقولون «فاقد الشيء لا يعطيه»

وفي الحديث الصحيح جاء رجل إلى النبي- صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله أقريب ربنا فنناجيه أم بعيد فنناديه؟ فسكت النبي- صلى الله عليه وسلم- فنزلت الآية الكريمة ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (البقرة: 186). وفي حديث أبي موسى الأشعري يقول كنا مع النبي- صلى الله عليه وسلم- في غزوه فجعلنا لا نصعد شرفًا ولا نعلو شرفًا ولا نهبط واديًا إلا رفعنا أصواتنا بالتكبير. قال فدنا منا- الرسول- فقال «يا أيها الناس أربعوا- أرفقوا- على أنفسكم إنكم لا تدعون أصمًا ولا غائبًا إنما تدعون سميعًا بصيرًا، إن الذي تدعون أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته»، هذه الآية والأحاديث الشريفة وغيرها تدل على أن الله- سبحانه وتعالى- قريب من عباده الصالحين، يسمعهم ويستجيب لهم، ولا أهمية لرفع الصوت في الدعاء فالله- سبحانه وتعالى- سميع بصير، يسمع دبيب النملة السوداء على الصخرة الملساء في الليلة الظلماء. وجواب الله- سبحانه وتعالى- على سؤال الصحابي للرسول الكريم- صلى الله عليه وسلم- تدل على قرب الله من عباده الصالحين، وعادة ما ترد الآيات التي فيها جواب على أسئلة الصحابة «بقل» للرسول- صلى الله عليه وسلم- ولكن في هذه الآية جاء الجواب مباشرًا ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ (البقرة:186) والدعاء كما قلنا هو عبادة فقد يكون معنى قوله تعالى ﴿أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ (البقرة:186) بمعنى قبول الدعاء كعبادة وليس كاستجابة وتلبية طلب الداعي. فمن المعروف أنه لكي يقبل الدعاء من العبد يجب أولًا على العبد أن يستجيب لله- سبحانه وتعالى- بتنفيذ أوامره والانتهاء عن نواهيه والإيمان به إيمانًا صحيحًا. قال تعالى: ﴿فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾ (البقرة:186) فعندما يستجيب الناس لنداء الله الخالق المشرع، يستجيب الله تعالى لدعاء العابدون الصالحين الراشدين، وعلى المسلم الإلحاح في الدعاء وألا يستعجل الاستجابة فالرسول العظيم- صلى الله عليه وسلم- يقول في الحديث الصحيح الذي يرويه أبو هريرة «يستجاب لأحدكم ما لم يعجل، يقول: دعوت فلم يستجب لي» ودعاء الأخ المسلم لأخيه عن ظهر الغيب مستجاب كما أخبر الرسول- صلى الله عليه وسلم- وينزل ملك ويقول للداعي ولك مثله.

يقول: ابن القيم في كتابة بدائع الفوائد هناك فرق بين الدعاء والمناجاة ويبين أن هناك تسعة فروق بين الدعاء والمناجاة أولها أن الله- سبحانه وتعالى- يقول: ﴿ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً (الأعراف:55) ورفع الصوت في الدعاء ليس فيه تضرع ولا إخفاء وكثير من الصحابة كانوا يدعون ولا تسمع لهم إلا همسًا وثانيها: أنه أعظم إيمانًا وهو دليل إيمانك بأن الله سميع بصير وليس كالذي قال: إن الله يسمعنا إن جهرنا ولا يسمعنا إن أخفينا. 

ثالثها: أنه أكثر تأدبًا مع الله لأنه عادة في مجالس الملوك والعظماء لا يرفع الصوت فيها ولله المثل الأعلى. ورابعها: أنه أبلغ في التضرع والخشوع وهو لب الدعاء فإن طالب المسالة يسألها بذل وخشوع قد انكسر قلبه وذلت جوارحه لدرجة أن لسانه يعجز عن النطق. خامسها: أبلغ في الإخلاص لأنه عادة الجهر في الشيء ينقص من إخلاص هذا الفعل. سادسها: شعوره بقرب الله- سبحانه وتعالى- منه فهي مناداة القريب من القريب.

ولذلك مدح الله- تبارك وتعالى- نبيه زكريا حيث يقول: ﴿ذْ نَادَىٰ رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا (سورة مريم: 3) وسابعها: حتى يبعد تشويش الشياطين عليه وحسد الحاسدين ولا يرهق نفسه وجوارحه برفع الصوت والتكلف فيه واعلم يا أخي أن أفضل الدعاء 

  • أن يكون مأثورًا عن النبي- صلى الله عليه وسلم-.
  • ما كان فيه طلب الجنة ورحمة الله يوم القيامة المغفرة.
  • أن يكون في الثلث الأخير من الليل حيث نزول الله- سبحانه- إلى السماء الدنيا.
  • الإلحاح في الدعاء وعدم الاستعجال في الاستجابة.
  • دعاء السجود فإنك تكون أقرب إلى الله- سبحانه وتعالى-.

وفي الختام إليك هذا الحديث من الرسول الكريم- صلى الله عليه وسلم- ففي الصحيح من حديث أبي سعيد- رضي الله عنه- أن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: «ما من مسلم يدعو الله بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث خصال إما أن يعجل له دعوته، وإما أن يدخر له في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها» 

والحمد لله رب العالمين.

أبو محمد

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل

نشر في العدد 268

25

الثلاثاء 23-سبتمبر-1975

نشر في العدد 1802

11

السبت 17-مايو-2008

نشر في العدد 353

16

الثلاثاء 07-يونيو-1977