; وكالات الأنباء العَالميّة..عين مفتوحة..وعَين عَوراء!! | مجلة المجتمع

العنوان وكالات الأنباء العَالميّة..عين مفتوحة..وعَين عَوراء!!

الكاتب مجلة المجتمع

تاريخ النشر الثلاثاء 20-يوليو-1971

مشاهدات 19

نشر في العدد 69

نشر في الصفحة 22

الثلاثاء 20-يوليو-1971

وكالات الأنباء العَالميّة... عين مفتوحة... وعَين عَوراء!!

رأت إجراءات جيش باكستان... ولَم ترَ وحشية الانفصاليين!!

 

رسالة من باكستان

بعث أحد الشباب من باكستان الشرقية برسالة هامة إلى الأستاذ أبو الأعلى المودودي أمير الجماعة الإسلامية في باکستان تكشف عما حدث في باكستان الشرقية من مجازر، وتنفرد المجتمع، بنشر هذه الرسالة البالغة الخطورة والأهمية.

· قبل كل شيء: نحمد الله ونشكره الذي أنقذنا من الموت المحقق، ولولا رحمة

الله بنا لكنا اليوم في عداد من استشهدوا في باكستان الشرقية على أيدي القوميين البنغاليين.

وصدقوا أن نجاتنا ليست إلا أمرًا خارقًا للعادة!

 

شعار العنصرية

لم يعد خافيًا ما حدث في باكستان الشرقية بعد يوم ٢٥ من شهر مارس الماضي لما أعلن كل فرد من الشعب البنغالي تمرده وأصبح عدوًا لدودًا لكل من ينطق اللغـة الأردية. وبعد هذا التاريخ المذكور مباشرة شرعت قوات الحدود الشرقية وفرق بنغال ورجال حزب عوامي ورابطة الطلبة البنغالية بتعاون من الهندوس المتسللين المسلحين في التنكيل بالمهاجرين وسفك دمائهم ونهب أموالهم. وأول من تعرض لغضبتهم إخواننا البنجابيون والأفغان الذين كانوا يقيمون في هذا القطـر لكسب المعاش أو لأداء واجباتهم الحكومية. فقتلتهم الجماعات الإرهابية المذكورة آنفًا إربًا إربًا وألقت نساءهم في الأنهار بعد أن بقرت بطونهن ثم استهدفت المهاجرين الذين كانوا لجأوا إلى باكستان الشرقية إلى ما قبل ٢٣ سنة بعد أن تركوا وراءهم أموالهم الطائلة وعقاراتهم الواسعة وقدموا تضحيات جسامًا في أنفسهم وأموالهم لجأوا بعد كل ذلك إلى باكستان الشرقية معتبرين إياها «دارًا للأمن» ومقتنعين بأنهم إذا لم يحالفهم الحظ في هذا القطر الإسلامي بالعيش الرغيد فلا بأس بذلك لأنهم سوف ينالون فيه الأمن والدعة في جوار إخوانهم المسلمين. إلا أن الذي شنه عليهم القوميون البنغاليون من ضروب التنكيل وألوان التعذيب في منتهى الهمجية وبغايـة القساوة والغلظة يخجل أمامها أحفاد «سيواجي» الزعيم الهندوسي الشهير الذي كان ضرب الرقم القياسي في اضطهاد المسلمين في القارة الهندية - إلى ما قبل قرون.

فقامت عليهم القيامة بأهوالها أو ذبح الشباب أمام أمهاتهم!

 

الأطفال الرضع في نصال الرماح!

وثقبت جثث الرضعاء الصغار في نصال الرماح وعلقت في الهواء. وأما الطريقة التي اختارها هؤلاء القوم لانتهاك حرمات النساء فاهتزت من بشاعتها السموات والأرض.

تقتم وجه الشمس كمدًا وتغبر نور القمر حزنًا. ومات الرضعاء جوعًا وعطشًا في أحضان أمهاتهم أو في الخلاء لأنهم لم يجدوا قطرة من الماء فضلًا عن أن يجدوا قطرة من الحليب. مدينة «سانتا هار» مدينة الأدباء والكتاب المتلألئة، مدينة الأنوار، محضن الشعراء ملجأ المهاجرين البؤساء... اصبحت هذه المدينة مقبرة يسودها الصمت الرهيب.

فمنذ 26 من شهر مارس يتحكم ظلام الموت الدامس في المدينة.

ومن نفس التاريخ حتى24 من إبريل ظلت أيدي القوميين البنغاليين تتلطخ بدماء المهاجرين وجر كل فرد من المدينة صغيرًا أو كبيرًا إلى المشانق. ودمرت المدينة أخيرًا بمجامعها الأدبية والشعرية فلا تجد بلبلًا يتغرد ولا وردة تهتز ولا مسامرًا يسامر، ولم يبقَ من سكان المدينة البالغ عددهم اثنان وعشرون ألف نسمة من المهاجرين إلا خمسمائة فقط وهم كذلك مثقلون بجروح دامية ينتظرون الموت. كما أن مدينة «دیناج بور» التي كانت تضم خمسة وثلاثين ألف نسمة دمرت بأسرها.  ومن الفظائع التي ارتكبها البنغاليون في هذه المدينة ترتعد لسماعها الأوصال وتهتز بها المشاعر. إنهم بقروا بطون النساء الحوامل ونزعوا أجنتها وداسوها تحت أقدامهم قائلين. «كذا نستأصل جذور المهاجرين» كما أنهم خطفوا من هذه المدينة أربعمائة فتاة من الفتيات المسلمات وعبروا بهن الحدود وسلموهن الهندوس في الهند. ولم يكن من جريمتهن التي ما اغتفرت إلا أنهن انحدرن من الآباء المسلمين الذين أحبوا الإسلام وبذلوا كل غالٍ ورخيص في إنشاء باکستان لا في إنشاء وطن يخص البنغاليين فقط.

 

ذبح أثناء الصلاة وتلميذ يقتل أستاذه

ولا تكاد توقن، إذا قلت لكم، بأن القوميين قتلوا خمسة وستين نفرًا من المسلمين بينما كانوا يصلون في أحد الجوامع في حي «جاي باكان» في مدينة «سانتا هار». أليس هذا الحادث يعيد التاريخ ويكرر نفس الحادث الذي حصل في الكربلاء. وهناك مثال تجده في منتهى الغرابة وهو أن الحافظ مقتدا حسن إمام ذلك الجامع ذبحه تلميذه نفسه. ولم يتوان هؤلاء القوم في قتل من لم يبلغ بعد شهر كامل من عمره من الرضعاء ومن جاوز من الفانين. وخذ كذلك مثال مدينة «میمن سنغ» حيث أبيدت جماعة المهاجرين الذين كانوا يتجاوزون خمسة وعشرين ألف نسمة أبيدت هذه الجماعة بأسرها ولم ينجُ منها إلا خمسة أو ستة آلاف من الأرامل والايتام. نقلوهم إلى مدينة «داكه» في مراكز الإسعاف وتراهم الآن يسكبون الدموع على الأمة الإسلامية البائسة.

 

هذه المدن أبادها الانفصاليون

وإليكم أسماء المدن التي قضي فيها على معظم السكان من المهاجرين المسلمين:

دیناجور، ميمن سنغ، سانتاهار، سراج جنج، كينائي باكسي، ورشنا، بروید جنج، بهول باري، جور كاتي، مبارك جنج، جمالبور، نوغاؤن، آتهلي، خالص بور، کمرشل أیریا، بهيرامارا، أحسن جنج، جوادنغا، جهیندا، نوا باره، شم شم بور، رام کره، جند رغونا، بنج بيبي...

وهناك عدد لا يحصى من المهاجرين الذين كانوا تفرقوا في القرى والأرياف واستوطنوها.

وأخيرًا وبعد ٢٣ سنة ذهبوا ضحية الاشتراكية والعصبية العنصرية. وأكبر مجزرة من هذه المجازر ما حصل في مدينة «سراج جنج» و« جور كاتي» حيث زج القوميون والاشتراكيون بجميع ما في هاتين المدينتين من الرجال والنساء بالسجون ثم رشوا عليهم البنزين وألهبوا فيهم النار فأصبحوا أكوامًا من الرماد ابتلعهم لهيب النار في لمح البصر. كما أفرغوا في أفواه بعضهم البترول وألهبوا فيهم النار. هذه الصورة الرهيبة من الظلم والقساوة والهمجية لا يقدر القلم أن ينقلها على صفحات هذه المجلة.. إن الهندوس في الهند لم يقترفوا من الظلم ما اقترفه الانفصاليون وإنك تستطيع أن ترى قطعانًا من آلاف مؤلفة من اليتامى يتيهون في الطرق والأزقة حيارى مشردين يبحثون في قلق وحسرة عن آبائهم الذين يعطفون عليهم ويمسحون دموعهم. ويشاهدون بيوتهم المحروقة في غمرة من الأسى والحزن ولا يجدون فيها من يواسيهم ويعطف عليهم.

لا يعلمون أن آباءهم وأمهاتهم وأخواتهم وإخوانهم أصبحوا جثثًا هامدة ملقاة على شواطئ أنهار «کنجن» و«بدما» و«غنفا» و«برهم بترا» لم يكفنها أحد ولم يدفنها أحد.

المقاصل الوحشية

وفي أحد أنهار «خلنا» بقيت تسيل آلاف مؤلفة من جثث المقتولين لمدة أسبوع كامل.

وفي مدينة خالص بور بني البنغاليون من القوميين والاشتراكيين ثماني دور نصبوا فيها مقاصل ذات أحجام كبيرة كانوا يسوقون المهاجرين إليها ويضعون رؤوسهم خلالها تم يقطعونها ثم يشحنون الجثث في سيارات نقل ويلقونها في الأنهار ونحن حافظنا على هذه الدور التاريخية ليشاهدها الحاكم العسكري الحالي في باكستان الشرقية الجنرال تكاخان ومحمد يحيي خان بأم أعينهما.

 

وكالات الأنباء فقدت بصرها

وفي هذه الدور غرفة مشحونة بألبسة الشهداء وأحذية الأطفال الصغار. الأمر الذي يدل على أنهم نالوا الشهادة بعد أن جردوا من الألبسة تمامًا. ولما دخلت سيارة الجيش الباكستاني مدينة «سانتاهار» كانت الرائحة العفنة من الجثث تنتشر من بعيد كما أن قضبان السكة الحديدية كانت مغطاة بالجثث المنتفخة. وكذلك غرف محطة القطار وأرصفتها وميادين المدينة ومطاعمها وفنادقها كانت تغص بالجثث النتنة. وشوهدت في هذه المدينة بركة مملوءة من القعر إلى القمة بالجثث. وكان جليد من الدم بحجم ذراع كامل متجمدًا على هذه الكومة من الجثث، وصار جامع «جائي باكان» يغرق في حمامات الدم وكانت جثث خمسة وستين نفرًا من المصلين ملقاة على الأرض وهم في حالة السجود.

قتل المسلمون إربًا إربًا في بيت من بيوت الله. كما انتهكت حرمات الفتيات المسلمات في فنائه هل تستطيع أن تتصور ذلك؟ ولما اتجهت سيارة الجيش إلى شارع «نوكاؤن» لم تذهب بعيدًا حتى اصطدمت بمئات من جثث الفتيات العارية كأنها أكوام من قضبان السكة الحديدية. تعال إلى أية مدينة من المدن في باكستان الشرقية تجد مئات من الجرحى من مدينة «سراج جنج» فقط يشبهون العرب الذين أصيبوا بقنابل النابالم الإسرائيلية. إلا أنهم مثل حي من همجية الانفصاليين.

وشاهدنا في مدينة «سراج جنج» بئرًا كانت مشحونة بجثث الأطفال الصغار فقط. إن القلم يعجز عن بيان هذه الحكايات الأليمة والأحداث المفجعة ويتجمد اللسان عند ذكرها ويطير القلب هواء وكفاك غيض من فيض. والله هو المعين.

الرابط المختصر :