العنوان ولا حكم قراقوش
الكاتب مجلة المجتمع
تاريخ النشر الثلاثاء 28-أكتوبر-1980
مشاهدات 34
نشر في العدد 502
نشر في الصفحة 50
الثلاثاء 28-أكتوبر-1980
قراقوش اسم يستشهد به المصريون عند ذكرهم الحكم الاستبدادي.. أو الدكتاتورية.. فيقولون «ولا حكم قراقوش».. وقراقوش مظلوم.. فإن كان دكتاتورًا.. فهو أفضل دكتاتور في تاريخ مصر.. بل ليس من الإنصاف أن نطلق عليه لقب دكتاتور أو حاكم مستبد.
فبهاء الدين قراقوش مصري من أبناء الشعب الكادحين.. لم يكن من أبناء الفعاليات النافذة ولا من أبناء الأسر الحاكمة والموالية للحكام.. كما أنه ليس من أبناء المرابين الكبار.. فهو ابن أسرة فقيرة أشتغل خادمًا في قصر أسد الدين شيركوه عم البطل صلاح الدين الأيوبي.. فعندما أثبت كفاءته في العمل ونزاهته في الإنجاز وجدارته في الأداء تدرج في وظيفته حتى أصبح رئيسًا للديوان السلطاني في عهد صلاح الدين الأيوبي.. ولعلو همته وصل إلى رتبة رئيس وزراء صلاح الدين الأيوبي.. فأخذ يدير شؤون البلاد ويقوم بتدبير أحوال مصر.
وقراقوش ليس كبقية الحكام والوزراء.. إنه لم يمت حتى ترك آثاره وبصماته الخالدة في مصر.. فقد أنجز مشاريع ضخمة وأعمالًا عظيمة تساوي أكبر مشاريع مصر الحالية.. فقد عمر قلعة صلاح الدين الشهيرة.. وبنى سورًا ضخمًا يصل النهر بالقلعة ويحمي القاهرة من الداخل وينقل الماء إلى القلعة الشاهقة ويسمى اليوم مجرى العيون عند «فم الخليج».. كما بنى القناطر التي بالجيزة على طريق الأهرام.. وعمر رباطًا في مكان يقال له «المقس».. وبنى استراحات للمسافرين عند باب الفتوح بظاهر القاهرة وكان رؤوفًا بالشعب أوقف كثيرًا من أملاكه للصرف على المحتاجين والمستضعفين.. ولم يكن سياسيًا فحسب.. بل كان عسكريًا خاض معارك مع الصليبيين حتى أسروه.. وفك صلاح الدين أسره بعشرة آلاف دينار. يقول عنه ابن خلكان «كان حسن المقاصد جميل النية، وكان له حقوق كثيرة على السلطان وعلى الإسلام والمسلمين».. المصريون نسجوا روايات عجيبة ونسبوا إليه أفعالًا غريبة ليست من أفعاله والسبب أن قراقوش كان يجبر الشعب المصري على العمل ويحارب التسول والبطالة.. وجعل مصادر الرزق من منافذ السعي والعمل.. لذلك تأفف منه الكسالى والمتسولون والشحاذون.
أما مستبدو اليوم فشأنهم مختلف.. جاء عبد الناصر لمصر وجعل أمور البلاد بيد مجموعة من الأفاقين والمصفقين.. نهبوا خيرات البلاد ونشروا البطالة وسلبوا حريات الأمة وأذاقوها كل أنواع الحرمان وخاضوا بها حروبًا خاسرة وغامروا بمشاريع فاشلة.. ثم جاء السادات على منوال صاحبه السابق ليزداد الفقير فقرًا والغني غنى.. ويسود الأفاقون واللصوص ويحارب الشرفاء والأتقياء.
والمصريون شأنهم عجيب.. قراقوش الذي كان يهيئ فرص العمل لكل مصري ويحارب البطالة يضرب به المثل في الاستبداد وعبد الناصر وخليفته اللذان ضيقًا الأرزاق وصادرا الحريات ونشرا البطالة يتغنى باسمها وتخرج الصحف لتضفي عليها الهالة والهيمان.
رحمة الله على قراقوش دكتاتور الأمس!! إنه حاكم من صنع الإسلام.. وهؤلاء كلهم حكام من صنع الجاهلية!
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل