العنوان يا سيد.. ما نسينا أنت قد علمتنا
الكاتب مجلة المجتمع
تاريخ النشر الثلاثاء 16-سبتمبر-1980
مشاهدات 14
نشر في العدد 497
نشر في الصفحة 38
الثلاثاء 16-سبتمبر-1980
● «لماذا أسترحم؟! إن كنت محكومًا بحق فأنا أرتضي حكم الحق، وإن كنت محكومًا بباطل، فأنا أكبر من أن أسترحم الباطل!!» سيد قطب
● «الحمد لله.. لقد جاهدت خمسة عشر عامًا حتى أنال هذه الشهادة» سيد فور صدور الحكم عليه بالإعدام.
●القوي التي قتلت سيد قطب كانت تقصد إلى استئصال الإسلام من أرض الكنانة!
● الجاهلية ليست حالة اجتماعية بمقدار ماهي اتجاه لضرب الإسلام ومطاردة دعاته!
●«ينظر المؤمن من عل إلى الباطل المنتفش، وإلى الجموع المخدوعة، فلا يهن ولا يحزن، ولا ينقص إصراره على الحق الذي معه، وثباته على المنهج الذي يتبعه...»
«من معالم في الطريق»
● على الطريق:
من لدن آدم عليه السلام وإلى أن تقوم الساعة، سيبقى طريق الدعاة واحدًا، أنه الطريق الذاهب صعدًا، والضارب في مفاوز الابتلاء والامتحان.. أنه درب الشهادة! ولذلك كان الشهداء في مراتب النبيين، لقول الله تعالى ﴿وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ فَأُوْلَٰٓئِكَ مَعَ ٱلَّذِينَ أَنۡعَمَ ٱللَّهُ عَلَيۡهِم مِّنَ ٱلنَّبِيِّۧنَ وَٱلصِّدِّيقِينَ وَٱلشُّهَدَآءِ وَٱلصَّٰلِحِينَۚ وَحَسُنَ أُوْلَٰٓئِكَ رَفِيقٗا﴾ (سورة النساء- 70)
وبالشهادة ختمت حياة الكاتب المفكر الأديب الشاعر سيد قطب رحمه الله، في التاسع والعشرين من شهر آب «أغسطس» لعام ١٩٦٦م، بقرار أهوج اتخذ في موسكو على قبر لينين!!
● زهرات... للذكرى:
وهذه المقالة لا تطمح إلى أكثر من التذكير بحياة الشهيد رحمه الله وجهاده الدؤوب في سبيل إقامة الحكم على أساس إسلامي متين، معتمد على أحكام القرآن الكريم والسنة الشريفة، ساعًيا إلى إيجاد الحلول المناسبة لما تعاني فيه الإنسانية المعاصرة من مشاكل اجتماعية ونفسية واقتصادية وأخلاقية.
هذا الجهاد الذي انتهى به إلى حبل المشنقة في عهد داس القيم واحتقر الفكر، لأنه قام أساسًا على أكتاف المستبدين وأتباعهم من منافقي الثقافة، ومهرجي الصحافة!!
● حياة عريضة:
منذ ولادته عام 1906 في قرية بمحافظة أسيوط لأسرة ميسورة الحال إلى وفاته بالإعدام شنقًا عام ١٩٦٦ قطع سيد قطب رحلة غنية بالصور والمواقف...والحياة... كانت رحلة ممتلئة بالعبرة، كانت نموذجًا مثاليًا للداعية الساعي في طريق الكمال إلى نشدان الحقيقة المطلقة في هذا الوجود الذي أبدعه الخالق الأزلي جل في علاه. ولقد ميز دارسو سيرته، أربع مراحل متباينة في حياته التي أخذت من عمر الزمان ستين سنة!!
● المرحلة الأولى: من ولادته إلى عام ١٩١٩ وكانت تمتاز عنده بصبغة إسلامية غير محددة.
● المرحلة الثانية: وتمتد من
١٩٢٠ إلى 1939 وفيها أتم دراسته وألم بأنواع مختلفة من المعرفة العربية والمترجمة وأصبح كاتبًا مشهورًا وشاعرًا وناقدًا يشارك في المعارك الأدبية، ولكن اتجاهه الإسلامي لم يكن قد تبلور تمامًا.
المرحلة الثالثة: من 1939 إلى 1951 وفيها يبدأ بالتحول إلى الفكر الإسلامي وقد تبنى فيهاالدفاع عن الفلاح المصري ضد الاستغلال، وفيها ظهرت بعض كتبه المشهورة مثل «مشاهد القيامة في القرآن، والتصوير الفني في القرآن والعدالة الاجتماعية في الإسلام».
المرحلة الرابعة: من 1951 حتى 1966 وهي مرحلة الاتجاه الإسلامي المحدد وفيها ينضم إلى جماعة الإخوان المسلمين ويصبح مفكر الجماعة الذي يعتد برأيه، وفي هذه المرحلة كتب «الإسلام والسلام العالمي، هذا الدين، المستقبل لهذا الدين، خصائص التصور الإسلامي، معالم في الطريق» وفيها يتعرف إلى شخصية الإمام حسن البنا رحمه الله فيعجبه فيه البناء النفسي المتوازن الذي أوجده في أعضاء الجماعة إلى جانب البناء التنظيمي.
المحنه...
قلنا في البداية: أن من طبيعة الالتزام بهذا الدين أن يتعرض أصحابه للمحنة والابتلاء. ولأن سيدًا -رحمه الله-كان قمة عالية في الفكر الإسلامي المعاصر فقد تعرض أكثر من غيره لهوج الرياح العاتيات، واصطحاب العواصف من حوله، تلك العواصف التي عصفت بالجماعة الإسلامية بعد أحداث ١٩٥٤ حيث افتعلت أجهزة الأمن يومها حادث اغتيال عبد الناصر!! لاتخاذه ذريعة لملاحقة الجماعة، والقضاء على الاتجاه الإسلامي المتعاظم في مصر، وكان من نصيب السيد أن حكم بخمسة عشر عامًا سجنًا قضى منها عشرة في ليمان طرة وتعرض فيها لصنوف من التعذيب لا يضاهيها إلا تعذيب محاكم التفتيش في إسبانيا ولكنه عاد إلى التأليف خلال الفترات التي خف فيها التعذيب عنه، فأصدر أهم كتبه على الإطلاق، ونقح ثلاثة عشر جزءًا من الظلال، وخطط لكتب أخرى. وفي عام ١٩٦٤ أفرج عنه بعد وساطة الرئيس العراقي الأسبق عبد السلام عارف الذي دعاه إلى العراق لتسلم منصب هام ولكنه رفض قائلًا «إنهاساحة ومعركة ولا أستطيع أن أخليها!!»
معالم في الطريق:
ما أن خرج سيد من السجن حتى أخرج كتابه «معالم في الطريق» عام ١٩٦٥ وهو الكتاب الذي أحدث ضجة كبرى وصار ذريعة لإعادة اعتقاله بحجة القيام بانقلاب مسلح ضد الحكومة، فما قصة هذا الكتاب؟!
لقد أخرج الكاتب الشهيد كتابه الرائع هذا بأسلوبه المتميز: القوة الواعية والحجة الساطعة والبيان الرائق والوضوح الصافي والجرأة المتناهية، فأثار الكتاب ردود فعل متناقضة:
● على مستوى أعداء الإسلام: كان هناك ذعر وذهول متناهيان من قدرة الكتاب على الإقناع وجلاء معاني الإسلام والنتيجة التي سيصل إليها كل قارئ له!
● وعلى مستوى الشباب المسلم الواعي المتطلع إلى الحق صافيًا والإسلام عقيدة ومنهجًا.
استجاب لدعوة الحق وأبدى، من الثبات ما أعاد سيرة الصدر الأول من الصحابة المجاهدين.
نماذج:
ولنقرأ الآن هذه المقاطع الصغيرة من الكتاب لنتعرف منها إلى القوة الكامنة في الأسلوب والمضمون عند سيد رحمه الله:
«يجب ألا ندع الناس حتى يدركوا أن الإسلام ليس هو أي مذهب من المذاهب الاجتماعية الوضعية كما أنه ليس أي نظام من أنظمة الحكم الوضعية.. بشتى أسمائها وشعاراتها وراياتها جميعًا.. وإنما هو الإسلام فقط».
.. وحين ندرك حقيقة الإسلام على هذا النحو، فإن هذا الإدراك بطبيعته سيجعلنا نخاطب الناس ونحن نقدم لهم الإسلام، في ثقة وقوة، وفي عطف كذلك ورحمة...
... لن نتدسس إليهم بالإسلام تدسيسًا، ولن نربتعلى شهواتهم وتصوراتهم المنحرفة... سنكون صرحاء معهم غاية الصراحة: هذهالجاهلية التي أنتم فيها نحس، والله يريد أن يطهركم.. هذه الأوضاع التي أنتم فيها خبث والله يريد أن يطيبكم... وإذا كنتم أنتم - لشقوتكم -لم تروا صورة واقعية للحياة الإسلامية، لأن أعداءكم أعداء هذا الدين- يتكتلون للحيلولة دون قيام هذه الحياة، ودون تجسد هذه الصورة، فنحن قد رأيناها- والحمد لله- ممثلة في ضمائرنا من خلال قرآننا وشريعتنا وتاريخنا وتصورنا المبدع للمستقبل الذي لا نشك في مجيئه!».
من فصل «نقلة بعيدة»
المحاكمة:
«إن هذا الدين إعلان عام لتحرير الإنسان في الأرض من العبودية للعباد ومن العبودية لهواه أيضًا- وهيمن العبودية للعباد وذلك بإعلان ألوهية الله وحده- سبحانه وربوبيته للعالمين...!».
مثل هذه المقولة لن تعجب الحاكم بأمره، ولا حاشيته المنتفعة، ولأن الحق أبلج كجبين الصباح ولا يستطيع الباطل أن يقف أمامه، ولأن الطاغوت لا يملك إلا منطق النمرود... «حرقوه وانصروا آلهتكم!!»
انقض الزبانية على سيد وبعض أصحابه. واعتقلوهم بتهمة التآمر لقلب نظام الحكم وقدموا لأعجب محكمة في العالم، محكمة «أمنالدولة العليا» وكان من عجائبها الفريق الدجوي وصلاح نصار، وقد سجل تقرير هيئة العفو الدولية عدة ملاحظات على هذه المحاكمة:
(١) إن المحاكمة فرض عليها قانون استثنائي صدر بعد وقوع الاعتقالات بأثر رجعي.
(٢) إن المحكمة أخذت صفة محاكم عسكرية ليس لسلطتها حدود.
(٣) إن المحكمة العسكرية رفضت سماع أقوال المتهمين عن التعذيب وشهادة الشهود
(4) حرم سيد قطب وإخوانه من حقهم الشرعي والطبيعي في اختيار محامين للدفاع عنهم.
(5) طردت السلطات المصرية المحامين السودانيين الذين تطوعوا للدفاع عن الإخوان المسلمين..
(6) خالفت السلطات قرارات مؤتمر المحامين العرب بإعطائهم الحق في المرافعة عن المتهمين السياسيين أمام القضاء المصري.
(7) منع الجمهور والصحافة من حضور الجلسات!
الحكم والشهادة:
في يوم الأحد العاشر من آب 1966 حكمت محكمة أمن الدولة العليا في القاهرة على سيد قطب بالإعدام، وبابتسامة راضية تلقى الكاتب المؤمن هذا الحكم قائلًا: « الحمد لله! لقد جاهدت خمسة عشر عامًا حتى أنال هذه الشهادة!!»
ولقد جرت محاولات كثيرة لجعل الشهيد يتراجع عن موقفه المتصلب و يسترحم الطاغية حتى يتخلص من حكم الإعدام، ولكنه أجاب هؤلاء الساعين بقوله «ماذا أسترحم؟! إن كنت محكومًا بحق فأنا ارتضي حكم الحق، وإن كنت محكومًا بباطل، فأنا أكبر من أن استرحم الباطل»،.. و بمجرد أن ذاع النبأ وانتشر قامت الاعتراضات الكثيرة على الحكم من أغلب المستويات الشعبية والرسمية، والمنظمات الإسلامية، ولكن الطاغوت أصر على تنفيذ الإعدام، فانتقل سيد قطب بعد جهاد طويل وصبر جميل إلى بارئه الكريم صباح التاسع والعشرين من آب 1966 رحمه الله رحمة واسعة وانزله منازل الشهداء.
لقد مضي ولكنه ترك خلفه تراثًا حيًّا يشهد له، يوم يأتي الناس بما قدموا بين أيديهم وكل منهم يقول: «هاؤم اقرؤوا .. كتابيه»!!! وما تزال تدوي في سمع الزمان وبعد مرور أربعة عشر عامًا على ذكري استشهاده كلماته الرائعة: «حين أفنى في سبيل الله ..تحيا كلماتي»
رحمك الله يا سيد:
يا شهيدًا رفع الله به *** جبهته الحق على طول المدى
سوف تبقى في الحنايا علمًا *** هاديًا للركب، رمزًا للفدا
ما نسينا، أنت قد علمتنا *** بسمة المؤمن في وجه الردى!!
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل