العنوان يا ثوار فلسطين: التحموا بالحركة الإسلامية
الكاتب مجلة المجتمع
تاريخ النشر الثلاثاء 24-أغسطس-1982
مشاهدات 30
نشر في العدد 584
نشر في الصفحة 14
الثلاثاء 24-أغسطس-1982
حينما ألقى الأخ أبو الأديب معتمد «فتح» في الكويت ودول الخليج كلمته في المهرجان الذي أقامته جمعية الإصلاح الاجتماعي لنصرة الشعبين الفلسطيني واللبناني استشهد بكثير من الآيات القرآنية، وكذلك فعل عندما تحدث في عدد من مساجد الكويت بهذه المناسبة، وحينما سئل الأخ خالد الحسن «أبو السعيد» عضو اللجنة المركزية لحركة فتح في الندوة التي أقيمت بمنظمة التحرير الفلسطينية بالكويت قبل حوالي عام: ما مدى انتشار الصحوة الإسلامية بين صفوف الثورة الفلسطينية؟ كان جوابه: بالنسبة للقيادات عمومًا ليست هنالك صحوة إسلامية والوضع لم يتغير، أما بالنسبة للقواعد فحالهم حال الشعوب العربية والإسلامية، وقال: إن الإسلام موجود في ضمير هذه الأمة، ودلل على ذلك ببعض الروايات قائلًا: إن مجموعة من الجبهة الشعبية -وهي طبعًا ماركسية العقيدة- استحمت في نهر الأردن قبل دخولها في عملية ضد الصهاينة في فلسطين، وحين سألهم قائدهم: لماذا تفعلون ذلك؟ كان جوابهم: حتى إذا قتلنا نكون شهداء أطهارًا!
وقد شوهد الأخ أبو جهاد نائب القائد العام لقوات الثورة الفلسطينية يغضب غضبًا شديدًا أثناء تواجد الفدائيين في الأردن؛ لأنه شاهد عددًا منهم في شهر رمضان المبارك مفطرين.
والأخ أبو عمار يشهد البعض أنه يصلي وحتى الأخ أبو إياد «صلاح خلف» في مذكراته «فلسطين بلا هوية» رغم أنه يتباهى بأنه صاحب فكرة العلمانية؛ إلا أنه يذكر أنه متدين «ولكن ليس متعصبًا!» وأنه من أسرة متدينة.
وحينما طاف أحد كوادر فتح بقواعد المقاتلين في الأردن قبل مجازر أيلول، واستقر به المقام في إحدى القواعد التابعة لحركة «فتح» في جنوب الأردن منطقة «أبو موسى»، وبات بالقاعدة ثلاث ليال متظاهرًا أنه عنصر جديد انضم إليهم، لاحظ أنهم يتلفظون بألفاظ نابية وبذيئة، وأنهم يتطاولون على الذات الإلهية وعلى الدين لمجرد أن يغضب أحدهم من الآخر لأتفه الأسباب، ولكنهم في نفس الوقت يتمتعون بروح قتالية عالية وشجاعة خارقة، فحين صدر الأمر لعدد منهم باختراق الحدود إلى فلسطين المحتلة وتدمير مصنع البوتاس الإسرائيلي جنوب البحر الميت أخذ الجميع يتنافسون، وكل منهم يريد أن يكون السباق إلى هذا الشرف، وعندما حسم قائدهم الأمر بتعيين أصحاب المهمة أخذ الباقون يودعونهم قائلين: «الله معكم»، وهنا تدخل الكادر المتستر، وسأل: من معهم؟ قالوا: الله، فقال: كيف يكون الله معهم وأنتم تتطاولون على ذاته العلية بألفاظ غير لائقة؟ فقالوا: هذا مجرد لغو، فقال: تتخلصون من هذا اللغو؛ ليكون الله معكم وينصركم؟ قالوا: نعم قال: وهل تصلون لله طاعة وشكرًا؟ قال بعضهم: لا نعرف، قال: أعلمكم وهكذا كان.. وصار الفدائيون يصلون وتهذبت ألفاظهم، ثم اعترفوا أنهم في مدة سابقة استولوا على ماعز تخص أحد مضارب البدو وذبحوها وأكلوها، وأنهم يريدون أن يكفروا عن ذنبهم، فأشار عليهم «الكادر المسلم» بأن يجمعوا ثمنها من مخصصاتهم، ويحملوا معهم هدية بعض المواد الغذائية، ويذهبون إلى صاحب الماعز، فيعطوه ثمنها مع الهدية والاعتذار، والاستعداد لمساعدته في أفراحه وأتراحه ومشاكله.. وهكذا كان؛ بل أن البدوي أتاهم بهدية من لبن «مخيض» في اليوم التالي؛ بل أن هؤلاء البدو ساقوا إلى الفدائيين بعد أيام رجلًا غريبًا، كان يتجول في المنطقة بملابس الرعيان، وعند تسليمه لرصد فتح تبين أنه ضابط مخابرات إسرائيلي، جاء يستطلع المنطقة تمهيدًا لهجوم إسرائيلي على الفدائيين، ما وددت أن أقوله من سرد هذه الوقائع «الواقعية» ما يلي:
- إن الإسلام الذي أكرمنا الله به يمثل ضمير وتراث ومستقبل هذه الأمة، فقال تعالى: ﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ۗ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم ۚ مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ (آل عمران: 110)، به سادت في الماضي، وبتركه انحطت في الحاضر، وبه تسود في المستقبل.
- إنه وإن كان بعض الناس وخاصة الشباب منهم بعيدين عن الإسلام في المظهر والمسلك نتيجة ظروف عامة وخاصة خارجة عن إرادتهم في مجملها، جعلت منهم الضحايا وليس المجرمين، فإن هؤلاء الأفراد سرعان ما يعودون إلى الفطرة، وهي الإسلام بقليل من الكلام الطيب والأسوة الحسنة والتربية الإسلامية الربانية المحمدية.
- إن حركة «فتح» كبرى المنظمات الفلسطينية ومحورها وأكثرها تعبيرًا عن جماهير الشعب الفلسطيني، نشأت في مجملها قيادة وعناصر أقرب إلى الإسلام منها إلى الماركسية، وألصق بالمستضعفين من الجماهير المظلومة الطموحة إلى الحرية والكرامة منها إلى القوى الكبرى أو الأنظمة الموسومة بالتقدمية أو الرجعية.
- إن المنظمات الأخرى من غير «فتح» إما أنها أداة لهذا النظام العربي أو ذاك وبالتالي، فإن صلاحها مرتبط بصلاح هذا النظام في هذا القطر العربي أو ذاك، وإما أنها منظمات متطورة عن أحزاب علمانية أسسها نصارى وهي في حقيقتها فكرًا ووجدانًا؛ بل لحمًا ودمًا -أقصد القيادة- مرتبطة بالصليبية العالمية، وتخضع لها تخطيطًا وهدفًا في خبث ودهاء، وإما أنها شيوعية أسسها في البلاد العربية وفي الأصل يهود، وهي بالتالي ترتبط بالصهيونية العالمية بشكل أو بآخر باعتبار الصهيونية والماركسية والحركات الماسونية إفرازًا من إفرازات المجمع اليهودي الديني الأعلى «السنهدرين» Sanhedrin وحينما نتناول هذه التنظيمات والمنظمات كمنشأ وقيادة عليا لا نتجنى على الشباب المتحمس والكوادر الخلاقة، ولا نتهمهم في وطنيتهم أو تطلعهم إلى الانعتاق والتحرر والكرامة الإنسانية، ولا ننكر دورهم البطولي في مقارعة اليهود في لبنان وفلسطين، وسخطهم على الدول الكبرى والأنظمة العربية التي تناصر اليهود، وتتآمر على الشعب الفلسطيني بشكل مباشر أو غير مباشر، ولكنني أقول: إن هذه الطاقات الخلاقة في هؤلاء الشباب استغلت فيهم، فوجهوا للابتعاد عن جوهرهم وأصالتهم وعقيدتهم، التي أرادها الله لهم ليسعدوا ويسعدوا البشرية في الدنيا والآخرة.
- إن الإسلام قادم بإذن الله، وهو يتقدم حثيثًا في قلوب المؤمنين أولًا، ثم في الواقع العملي ثانيًا، فقال تعالى: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ۚ وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ (النور: 55)، وما هذا الكرب الذي يحيق بالمسلمين عامة وبالفلسطينيين خاصة هذه الأيام إلا الابتلاء لنصير، وإلا البلاء لنصحو، فكفانا تخبطًا وتيهًا وتنطعًا على موائد «الساسة الكرام» فقد جربنا الكل: الشرق والغرب والتقدميين والرجعيين، فلم نحصد إلا الذلة والمهانة والتصفية والمزيد من التشرد.
تصالحنا مع الجميع، عانقناهم، قبلناهم ابتسمنا لهم، شكرناهم، فطعنونا الواحد تلو الآخر، قال تعالى: ﴿الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا﴾ (الكهف: 104)، صالحوا اليهود باسم فلسطين، وقتلونا باسم فلسطين، وارتبطوا بالشرق والغرب باسم فلسطين، وفلسطين البريئة منهم أجمعين تشكو رب العالمين.
أما إن لثوارنا الفلسطينيين- المؤمنين من قادتهم والجماهير العريضة من مقاتليهم وأنصارهم أن يلتحموا بالحركة الإسلامية العالمية المتنامية، المخلصة الوحيدة لفلسطين وتحرير فلسطين كل فلسطين من دنس اليهود؟ لقد بات جليًا لكل ذي عينين ولسان وشفتين، لقد اتضح لكل عاقل؛ بل لنصف العاقل أن الحلول الأمريكية المطروحة حلول صهيونية، وكل من يدقق في موقف الكتلة الشرقية يدرك أنها لا يمكن أن تقبل بتحرير فلسطين وزوال إسرائيل.
إذن ماذا يعني شعار «ثورة حتى النصر» ما هو النصر إن لم يكن تحرير فلسطين، وكيف يتحقق النصر عن طريق أنظمة تسعى للصلح مع «إسرائيل» أو لمن سبقهم إلى الصلح مع «إسرائيل»؟ هل نأمل عن طريق إحدى الكتلتين الشرقية أو الغربية أو كلتيهما أن تحقق النصر الذي تريد؟ وهذه اتفاقية «سايكس بيكو» المكبرة تظهر للعيان في صورة «الوفاق الدولي» لتقسيم العالم، وليس الوطن العربي فقط إلى مناطق نفوذ بين الدولتين الكبريين.
أم أن اليأس قد ران على قلوبنا، فاكتفينا بالقليل على أمل الحصول في المستقبل على الكثير؟ أم أن هذا جهدنا في هذا الجيل لنترك للأجيال القادمة استكمال المسيرة؟
يقول مصطفى كامل: «إن من يفرط في حقوق وطنه مرة واحدة يعيش أبد الدهر سقيم الوجدان مزعزع الضمير» ونحن نقول: «إن المسلم الذي يبتعد عن منهج الله لا يحصد إلا الضياع»، وفي حديث قدسي «إذا عصاني من عرفني سلطت عليه من لا يعرفني» فعودوا إلى الله يا أخوتنا المقاتلين الفلسطينيين، فأنتم الأمل وأنتم الرجاء، هنالك مد إسلامي فادخلوا فيه آمنين مطمئنين، وكونوا طليعته إلى الحرية والانعتاق، ففلسطين للمسلمين جميعًا ولن يحررها غير المسلمين بإذن الله أحفاد خالد وصلاح الدين وقطز.