; معالم على الطريق.. يسقط الاستعمار .. يسقط الاستعمار ! | مجلة المجتمع

العنوان معالم على الطريق.. يسقط الاستعمار .. يسقط الاستعمار !

الكاتب د. توفيق الواعي

تاريخ النشر الثلاثاء 06-يونيو-1995

مشاهدات 18

نشر في العدد 1152

نشر في الصفحة 37

الثلاثاء 06-يونيو-1995

قطعًا وبكل تأكيد خرج الاستعمار العسكري من  بلاد المسلمين، فهل حقيقة استقلت هذه البلاد وأصبحت تملك إرادتها؟

 وقطعًا وبكل تأكيد تخلى الأجنبي عن سُدة الحكم في تلك البلاد، فهل حقيقة حكمها بنوها والمخلصون فيها؟.

وقطعًا وبكل تأكيد انتهى القهر الاستعماري لتلك الشعوب، فهل حقيقة تنفس الناس الصعداء ونعموا بالحرية؟.

وقطعًا وبكل تأكيد انتهى الكفاح ضد الاستعمار في البلاد، فهل حقيقة نعم الناس بالأمن واستراحوا من الظلم؟.

وقطعًا وبكل تأكيد ذهبت الصحف والأقلام الاستعمارية التي كانت تحارب المخلصين والعاملين والأحرار، و وتقرب العملاء، وتمدح المنافقين والمفسدين والملوثين والمصفقين والدجالين، فهل حقيقة ظهرت الصحف الوطنية التي تمجد العاملين والمخلصين، وتكشف العملاء والمفسدين والمنافقين، وتطارد المفسدين والملوثين والدجالين.

قطعًا وبكل تأكيد أُغلقت السجون والمعتقلات الاستعمارية، وانفض جلادوها وسجانوها، وآلات التعذيب فيها، فهل حقيقة جاء الحكم الوطني الذي لا يعرف المعتقلات أو السجون السياسية ، ويُجرم التعذيب وامتهان الإنسان، ويعمل على . صيانة دمائه وحرماته؟

وقطعًا وبكل تأكيد ترك المستعمر خيرات البلاد، وتخلى عن نهب ثرواتها، فهل حقيقة ارتدت هذه الثروات على الناس، واستُغِلت في صالحهم، وحفظتها ونمتها الأيدي الأمينة المخلصة؟.

وقطعًا وبكل تأكيد كان الاستعمار يعمل  على تأخر البلاد صناعيًا وتكنولوجيًا وقد رحل، فهل تقدمت البلاد صناعيًا وتكنولوجيًا وعلميًا وعمليًا؟.

وقطعًا وبكل تأكيد كان الاستعمار يُسرِّح الجيوش الوطنية، ويهدم الصناعات الحربية، ويطارد القيادات التاريخية، وقد اندحر، فهل بُنيت الجيوش القومية أو الإسلامية التي ترد المعتدي، وأقيمت الصناعات الحربية التي تعز الأمة، وتحمي بيضتها وشرفها؟ وهل احترمت القيادات المبدعة وقويت الأمة وعزت وانتصرت؟

وقطعًا وبكل تأكيد حارب المستعمر الإسلام والتوجه الإسلامي بكل قوة وضراوة، وحارب الوطنيين الأحرار، وكبت التوجه الفاعل في الأمة، وقد ولى ورحل، فهل رُفِعت للإسلام راية، وأُحتُرم توجه الأمة، وأُحتُرم الرأي الحر، وسُمح للتوجه الفاعل أن يعمل على خدمة بلده وأمته بغير جراح؟.

وقطعًا وبكل تأكيد كان الاستعمار يحرص على ربط الأمة به ثقافيًا وفكريًا ونفسيًا، وكان يُعد لذلك البرامج التعليمية والإعلامية والثقافية، وقد ترك ذلك، فهل رجعت الأمة إلى أصالتها، واستقلت فكريًا وثقافيًا ونفسيًا، وأعدت لذلك البرامج والخطط والدراسات التي تعمق هويتها. وتؤكد شخصيتها واستقلاليتها وتميزها.

وقطعًا وبكل تأكيد كان الاستعمار يعمل جاهدًا على إشاعة التحلل والفسق والفجور، وعلى تشجيع الفساد، وفضح الأعراض، وهتك الحرمات، فهل نحن اليوم وبعد رحيله نحارب التحلل، ونقضي على الفسق والفجور والفساد، ونحافظ على الأعراض والحرمات، ونغار على بيوتنا وأولادنا، حتى لا نقضي على قوتنا وكرامتنا وعزتنا؟

وقطعًا وبكل تأكيد كان الاستعمار يسير على سياسة فرَّق تسد، فكان يزرع العداوات والبغضاء بين الناس والأحزاب والجماعات والأمم بعضها مع بعض، وكان يتسبب لذلك بشتى الطرق، من تقطيع للأمة، واختلاق لحدود مصطنعة، وقضايا وهمية، ورواسب إقليمية، فهل نحن اليوم تركنا هذه السياسة، وتخطينا هذه الخطيئة، وأزيلت الشعارات التي كانت تنادي بها الأمم بالوحدة والاتحاد والأخوة والعمل كأمة واحدة، وشعب واحد ومصير مشترك؟.

وقطعًا وبكل تأكيد كان الاستعمار يُذيق الناس مرارة الحرمان، ويجهد نفسه في تعاستهم وحرمانهم وفقرهم، وكان هذا مثله الشهير «جوع كلبك يتْبَعك»، ليشغل الأمة بنفسها وفقرها ومعاناتها عن حكمه وظلمه وفجوره، والآن وقد تحررنا، فهل ذهب الحرمان، وجاء الرخاء، وولى الفقر والعَوَز، ورحل الغلاء وارتفعت أحوال الناس الاقتصادية، والتفتوا إلى حقوقهم الضائعة، وكرامتهم المسلوبة، ومصائرهم المجهولة.

وحقًا وبكل تأكيد كان الاستعمار يستعمل الجند في غير ما أُعِدوا له من دفع الأعداء ومحاربة المغيرين على الأمة، كان يستعملهم في تركيع الشعوب، وإقرار المظالم، وترويع الآمنين، وقتل المخلصين والمعارضين للسياسات الخاطئة، والآن وبعد ذهاب موجة الاستعمار، وارتفعت أعلام التحرر، هل وجهت الجنود بنادقها ورشاشاتها إلى العدو؟ وهل أُستُعِمل الجند فيما أعدوا له ؟وهل تخلى العسكر عن تركيع الشعوب وتحرير المظالم بقوة الجند، وسَلِم الناس من البغي، ورفعت الأيدي عن المخلصين والمعارضين، وحكم العقل والمنطق، و خولفت خطط الأعداء أم مازال الأمر هو هو ؟ 

يحكي لنا «روبرت فيسك»، عن مشاهداته في الجزائر في مقالة صحفية الإندبندنت البريطانية، فيقول: «إن الأمور في الجزائر اليوم بعد الاستقلال تتطابق تمامًا مع عهدها قبل الاستقلال، والأغرب من ذلك هو التشابه التاريخي، فقبل أربعة عقود كانت نفس هذه الطرقات مسرحًا لكمائن كهذه الكمائن التي نراها اليوم بين الشرطة والإسلاميين، فبلدة بليدة كانت معقلا لجبهة التحرير الجزائرية «الجيش الذي انتزع الاستقلال للجزائر من الفرنسيين»، ووقتها كانت جبهة التحرير هي التي تزرع القنابل والفرنسيون هم الذين يقعون في الكمائن، أما اليوم فإن رجال البوليس الجزائري هم الذين يمثلون الفرنسيين ويهاجمون بشراسة، كما كان أجدادهم يهاجمون القوى الاستعمارية، ويبدو أن هناك ثقافة جديدة حتمت على أطفال الثورة الجزائرية أن يعيدوا تمثيل مأساة آبائهم، فقل لي بربك على أي طريق نسير؟ وبأي شِرعة نُساس؟، وبأي قانون تُسير أمورنا؟.

من أي غاب قد أتيت بِشِرعة  *** ما إن يُساس بها سوى الحيوانِ

 وبأي قانون حكمت فلم تَدَعْ *** شيئًا لطاغية مدى الأزمان

 والجيش مشغول بإذلال الحمى ***  هل خوض معركة من الإمكان؟

يستعمل الأشرار في تعذيبنا *** ما فاق كل وسائل الشيطان

 الرفق بالحيوان أصبح واجبًا ***   أفلا ننال الرفق بالإنسان

وبعد أيها الحبيب.. هذا حالنا بين يديك، وأمرنا بين ناظريك، فهل تُرانا تحررنا حقيقة أم ماذا؟

 أما أنا فلا يسعني إلا أن أقول: يسقط الاستعمار.. يسقط الاستعمار...

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل

نهايَة دَولَة الشعَراء

نشر في العدد 3

34

الثلاثاء 31-مارس-1970

لعقلك وقلبك

نشر في العدد 52

14

الثلاثاء 23-مارس-1971

هل تعلم أن..؟

نشر في العدد 2106

0

السبت 01-أبريل-2017