العنوان آلام وآمال.. كيف يتحقق الأمن في مجتمع المسلمين؟
الكاتب د. جاسم المهلهل آل ياسين
تاريخ النشر الثلاثاء 06-يونيو-1995
مشاهدات 15
نشر في العدد 1152
نشر في الصفحة 53
الثلاثاء 06-يونيو-1995
الأمن والأمان للناس الذين يظلهم المجتمع الإسلامي على اختلاف توجهاتهم ضرورة لازمة، حث عليها الدين، واستمسك بها السلف الصالح، فلم يُفزِع إنسان بسبب دينه، أو لونه، أو غناه، أو فقره، لأن التفزيع والردع لا يكون إلا للمعتدين الظالمين ﴿فَمَنِ اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ﴾ (البقرة: 194)، ويلاحظ حرص المسلمين على رد العدوان بمثله دون زيادة إن كانوا متقين حريصين على عون الله لهم.
وبهذا الأمن العام في جنبات المجتمع المسلم، يتجه الناس إلى العمل الجاد دون خوف من أحد، لأنهم آمنون على أنفسهم « والَّذي نفسي بيدِهِ لقَتلُ مؤمنٍ أعظمُ عندَ اللَّهِ من زوالِ الدُّنيا »(النسائي:3997)، ولأنهم آمنون على أموالهم ﴿لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ﴾ (سورة النساء: 29)،آمنون على أعراضهم وأشخاصهم «سِبَابُ المُسْلِمِ فُسُوقٌ، وقِتَالُهُ كُفْرٌ »(البخاري:48)،آمنون على أعمالهم، مكفولة لهم الحرية بحيث يؤدون شرع الله كما أمر ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ﴾ (التوبة: 71)، كل هذه النصوص القرآنية والنبوية تفرض الأمن فرضًا على الجماعة المسلمة، بحيث تحافظ على أوطان المسلمين، من أن يعمها الفساد، ويستشري فيها الجور.
ولكي يتحقق ذلك لابد من إزالة أركان العدوان، ثم بناء دعائم الأمان، وتتمثل أركان العدوان في محاور عدة من أهمها:
- الظلم: وقد حرّمه الله -سبحانه- في كل ملة، جاء في الحديث القدسي: «يا عِبَادِي، إنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ علَى نَفْسِي، وَجَعَلْتُهُ بيْنَكُمْ مُحَرَّمًا، فلا تَظَالَمُوا »(مسلم:2577)، وجاء في الحديث النبوي « اتَّقُوا الظُّلْمَ، فإنَّ الظُّلْمَ ظُلُماتٌ يَومَ القِيامَةِ...»(مسلم:2578)، وقد جاء في كتاب الله: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَٰكِنَّ النَّاسَ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾ (سورة يونس: 44)، وغير ذلك من النصوص التي نهت أعظم النهي عن الظلم، وجعلته مهلكة للأمم وللأفراد على السواء، والظلم محرم بجميع صوره، فظلم الفرد نفسه، وظلم الفرد غيره، وظلم الفرد للجماعة، وظلم جماعة لأخرى، وظلم جماعة لفرد، كل هذه صور من الظلم حرمها الإسلام وأباها، ودعا إلى ردها ليتحقق العدل حسب منهج الله، فيسعد الناس ويأمنون، قال سبحانه: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُولَٰئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ﴾ (سورة الأنعام: 82).
- كفر النعمة: وأنْعُم الله على عباده لا حصر لها، وواجبهم نحوها الشكران لا النكران، فإن شكروا زادهم الله من نعمه ﴿لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ﴾ (سورة إبراهيم: 7)، وإن كفروا مسهم العذاب وتبدلت نعمتهم وضربوا بسياط الخوف والجوع ﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ﴾ (النحل: 112) ومن شُكْر النعمة أن نشكر من أجراها الله على يديه، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يَشْكُرُ اللهَ مَن لا يَشْكُرُ الناسَ »(أبو داود:4811).
- البطر: وهو الاستخفاف بنعمة الله، ومعاندة الحق، ورفض الخضوع له، فهو يجمع بين الاستهزاء والعناد والتحدي لنعم الله وفي مقدمتها النعمة الكبرى، نعمة الإيمان، ومصير هؤلاء الذين أصابهم البطر محدد في القرآن الكريم، قال تعالى: ﴿وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا ۖ فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَن مِّن بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا ۖ وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ﴾ (سورة القصص: 58)، تلك هي أهم أركان العدوان في المجتمع، فإذا ما تخلى عنها المجتمع أمكن إقامة دعائم الأمن على أسس راسخة من تقوى الله ورضوانه ﴿أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىٰ تَقْوَىٰ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىٰ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ (التوبة: 109).
ومن أهم أسس بناء الأمن في المجتمعات :
- العمل الصالح: بمعناه العام الذي لا يقتصر على الصلاة والزكاة والصيام والحج، وإنما يمتد ليشمل إماطة الأذى عن الطريق « ويُمِيطُ الأذَى عَنِ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ»(البخاري:2989)، ويمتد لإصلاح ما لابد منه «لو عثرت دابة بشط الفرات خشيت أن يُسأل عنها عمر أمام الله»
وبين إصلاح الطريق للدواب، وإماطة الأذى عنه، وبين التقرب إلى الله بالصلاة أشواط من العمل الصالح، تتفاوت في أهميتها وأولوياتها، ولكنها كلها لازمة ينبغي أن تؤدى ليحقق الله لنا وعده الذي أخبر به في قوله سبحانه: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا﴾ (النور: 55).
- الإيمان والتقوى: وبداهة لا يكون العمل الصالح إلا إن بُني على إيمان وتقوى، وحين تتحقق التقوى والإيمان تتنزل البركات على الناس ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ﴾ (سورة الأعراف: 96).
- الإنفاق في سبيل الله: والإنفاق في سبيل الله مدعاة إلى النجاة، قال سبحانه: ﴿وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾ (البقرة: 195)، ولا غرابة في أن ينفق المسلمون في سبيل الله بعض ما أعطاهم الله وجعلهم مستخلفين فيه، فغيرهم ينفق المليارات في سبيل الشيطان، إن حجم الأموال المخصصة للشئون الدينية من التبرعات والعائدات في أمريكا وحدها بلغ مائة مليار دولار، ومعروف أين تنفق هذه المليارات، فلماذا يُقصر المسلمون في الإنفاق في سبيل الله.
ونكتفي بذكر هذه الدعائم الأمنية اللازمة لبناء مجتمع المسلمين إثر هدم أركان العدوان، مع البعد التام عن الرغبات والأهواء والعصبيات وحينئذ يتحقق الأمن، وينعم الجميع بعيدًا عن الخوف والقلق والاضطراب والفساد .
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل
هل بدأ الصراع بين البرهان والإسلاميين مع تراجع حميدتي.. أم تسعى قوى غربية للوقيعة بينهما؟
نشر في العدد 2181
32
السبت 01-يوليو-2023