العنوان «منظمة شنغهاي للتعاون» في مواجهة أمريكا وحقوق مسلمي آسيا الوسطى.. «الأمن قبل الاقتصاد».. شعارها
الكاتب فاطمة إبراهيم المنوفي
تاريخ النشر السبت 25-أغسطس-2007
مشاهدات 11
نشر في العدد 1766
نشر في الصفحة 30
السبت 25-أغسطس-2007
■ روسيا والصين استغلتا المنظمة لإفشال محاولات الشيشان والإيغور لنيل حقوقهما التاريخية في الاستقلال
■المنظمة ضد أحادية الولايات المتحدة في قيادة العالم.. وضد الإسلاميين في وسط آسيا
■جهود إيرانية حثيثة لتفعيل تواجدها في المنظمة لمواجهة الضغوط الدولية والأمريكية
■رئيس هيئة الأركان الروسية: لا يمكن أن تنجح «منظمة شنغهاي» على الصعيد الاقتصادي.. إلّا بعد تحقيق الأمن الإقليمي
استضافتْ العاصمة القيرغيزية بشكيك أعمال القمة السابعة لرؤساء «منظمة شنغهاي للتعاون» يوم الخميس 16/8/2007م..
وبعد مداولات سياسية، توافق المشاركون على توقيع اتفاقية صداقة وحسن جوار وتعاون مشترك طويلة المدى بين الدول الأعضاء، كما تمتْ متابعة تنفيذ قرارات اجتماع المنظمة الذي عُقد بشنغهاي في العام الماضي..
وتمتْ الموافقة على التقرير السنوي الذي أعدَّه سكرتير عام المنظمة «بولات نورجالاييف»، والذي أكَّد أنَّ الإصلاحات التي تم تفعيلها في المنظمة أثَّرتْ إيجابًا على كفاءتها.
وأعرب المشاركون عن أملهم في تدعيم العلاقات مع الدول التي تتمتع بصفة مراقب، وكذلك مع أفغانستان.
تاريخ المنظَّمة
أُنشِئت منظمة شنغهاي للتعاون «SCO» في 15/6/2001م، إلّا أنَّ بدايتها الفعلية تعود إلى عام ١٩٩٦م، حين بادرتْ الصين بتشكيل «منظمة شنغهاي٥» مع دول الجوار، من أجل القضاء على «الحركة التحررية الإيغورية» وتصفية الحركات الأصولية الإسلامية في المنطقة بأسرها، بما يضمن أمنها ومصالحها، فعملتْ على منع الدعم السياسي الذي كان يحظى به اللّاجئون الإيغور في الاتحاد السوفييتي إبان الحكم الشيوعي.
وضمَّتْ منظمة «شنغهاي ٥ »كلًا من الصين وروسيا وطاجيكستان وقيرغيزستان وكازاخستان، إلا أنَّه بعد انضمام أوزبكستان إلى المنظمة في عام ۲۰۰۱م، تغيَّر اسمها، وأصبحتْ «منظمة شنغهاي للتعاون» في 15/6/2001م، وأصبحتْ طشقند -عاصمة أوزبكستان- المقر الدائم للهيئة الإقليمية «لمكافحة الإرهاب» المنبثقة من منظمة شنغهاي.
وبالإضافة إلى الدول الستّ الأعضاء في المنظمة، تتمتّع أربع دول أخرى بصفة المراقب، هي الهند وباكستان ومنغوليا وإيران، وتعتمد المنظمة اللغتين الروسية والصينية لغتين رسميتين.
ومن أهدافها، مكافحة ما يسمى ب«الإرهاب»، ومواجهة ما يعرف بخطر- الأصولية الإسلامية، والجماعات الإسلامية المتطرفة- في الدول الأعضاء، وكذلك محاربة طموحات الإيغور والشيشان الاستقلالية، وتعزيز الأمن والتعاون الاقتصادي في آسيا الوسطى.
وفي هذا الإطار سعتْ الصين- بكل ثقلها- إلى التنسيق مع حكومات روسيا ودول آسيا الوسطى- خصوصًا كازاخستان- حتى تحرِم أعضاء «جبهة تحرير إيغورستان» من أي ملاذٍ يحميهم من البطش، فأوقفتْ حكومات آسيا الوسطى في إطار «منظمة شنغهاي» نشاطَ الإيغور في دولها، وقامتْ بترحيل العديد منهم إلى الصين، حيث يواجهون أبشع أنواع التعذيب.
قمع الإسلاميين:
عقب إنشائها بفترةٍ وجيزةٍ، وجهتْ «منظمة شنغهاي للتعاون» اتهاماتٍ إلى كازاخستان تتعلق بوجود تحويلاتٍ مصرفيّةٍ خارجية في مصارفها تعود لمنظماتٍ إرهابيةٍ، إضافةً إلى وجود منشآت على أراضيها تعود ملكيتها لابن لادن، فسارعتْ کازاخستان باتخاذ إجراءات متشددة حيال المؤسسات الإسلامية كافة.
وعلى الفور صادق البرلمان الكازاخي على قانون «مكافحة الإرهاب»، ثم أُغلقتْ الجامعة الكويتية- الكازاخية، بتهمة أنَّها تحضُّ على الإرهاب، علمًا بأنَّ هذه الجامعة كانتْ تعمل وفق قوانين وزارة التعليم العالي الكازاخي لعدة سنوات.
وأُدرِجتْ- جمعية الإصلاح الاجتماعي- الكويتية أيضًا على قائمة المنظمات المحظورة في كازاخستان، إضافةً إلى تنظيماتٍ عدّة أخرى «حركة طالبان الأفغانية، وجماعة مجاهدي آسيا الوسطى، وجماعة الإخوان المسلمين، وعسكر طيبة، وعصبة الأنصار، والقاعدة، وحزب تركستان الشرقية الإسلامي، وحزب العمال الكردستاني، وحركة أوزبكستان الإسلامية»..
ولم تكن أوزبكستان أفضل حالًا، فقد اتّخذت إجراءات أكثر تشددًا حيال الهيئات الإسلامية الخيرية ومؤسساتها التعليمية ذات التمويل العربي «مثل جمعية الوقف ومؤسسة الحرمين والمؤسسة الإبراهيمية، ولجنة مسلمي آسيا، وجمعية قطر الخيرية».
واللّافت أنَّ كل ما قامتْ به دول آسيا الوسطى من تعطيلٍ للأعمال الإسلامية التعليمية والخيرية ينسجم مع أهداف «منظمة شنغهاي»..
«منظمة شنغهاي» في مواجهة واشنطن
في البداية اعتبرتْ حركة طالبان التي سيطرتْ على أفغانستان خطرًا على بلدان آسيا الوُسطى -السوفيتية سابقًا- والصين، لكن بعد أحداث 11 سبتمبر ۲۰۰۱م، واحتلال أفغانستان، وسقوط طالبان، وتحوّل الجوار الأفغاني إلى دائرة الاهتمام الأمريكي، اكتسبتْ آسيا الوُسطى بُعدًا استراتيجيًا جديدًا..
وكشفتْ الحرب الأمريكية على أفغانستان أبعاد الاستراتيجية الأمريكية للهيمنة على آسيا الوسطى ومواردها النِّفطية، وظهرتْ الولايات المتحدة الأمريكية ودول الناتو التي مدَّتْ نفوذها إلى هذه المنطقة كمنافس ل «منظمة شنغهاي» خاصّةً بعد بناء قواعدَ عسكريةٍ أمريكية بها.
وبالرغم من أنَّ إعلان تأسيس «منظمة شنغهاي» ينصُّ على أنَّ المنظمة ليستْ تحالفًا موجهًا ضدَّ دولٍ أو مناطقَ أخرى، وأنَّها تلتزم بالانفتاح السياسي، إلّا أنَّ معظم المراقبين يعتقدون أنَّ أحد أهم أهداف هذا التجمع، هو العمل على قيام تعددية قُطبية، كتعبير عن رفض أحادية الولايات المتحدة في قيادة العالم.
وقد صرَّح مؤخرًا رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الروسية الجنرال «يوري بالويفسكي» في كلمة ألقاها في اجتماع رؤساء أركان جيوش الدول الأعضاء في المنظمة في 9/8/2007م قائلًا: «ولا يمكن أن تنجح منظمة شنغهاي للتعاون في المجال الاقتصادي، إلّا عندما يتمّ تدعيم الأمن الإقليمي، فالقيادة العسكرية الروسية ترى أنَّ تطورات الوضع السياسي الدولي تستوجب إقامة تعاونٍ عسكريٍّ أيضًا...».
وقد رفضتْ منظمة شنغهاي الموافقة على مطلبٍ أمريكي بحضور مراقبين عسكريين أمريكيين لمتابعة تدريبات «مهمة السَّلام – ٢٠٠٧» التي أجرتها المنظمة في إطار ما يسمى «مكافحة الإرهاب»، واختُتمتْ فعالياتها في ١٧ أغسطس الجاري.
مصالح متضاربة
وبالرغم من أنّ الأهداف المعلنة لمنظمة شنغهاي تتفق مع أهداف الولايات المتحدة الأمريكية بشأن ما يسمى «الحرب على الإرهاب»، إلا أنَّ هناك أهدافًا غير معلنة لكافّة الأطراف، وهو ما يثير قلق الولايات المتحدة، التي ترغب في الإستحواذ- منفردة- على الثروات الطبيعية الضخمة لآسيا الوسطى وبحر قزوين وخاصّةً الثروات الهائلة من النِّفط والغاز، وخطوط نقلهما للأسواق العالمية..
في حين تريد الصين تعزيز وجودها في المنطقة، وهو ما تشجِّعه دول آسيا الوسطى، بهدف الموازنة بين هذا الدور وبين دور كل من روسيا والولايات المتحدة اللاعبين العملاقين الآخرين.
فمنذ أربع سنواتٍ، أقرَّتْ المنظمة برنامجًا للتعاون التجاري والاقتصادي طويل المدى بين الدول الأعضاء حتى عام ٢٠٢٠م، وهو ما يضرُّ بالمصالح الأمريكية في المنطقة.
وتعرقل المنظمة المحاولات الأمريكية السَّاعية لتقليص الدور الروسي في المنطقة، وحصارها وإضعافها بصورةٍ تمنعها من استعادة دورها كقوةٍ عظمى في المستقبل المنظور على الأقل، وعزلها عن مجالها الحيوي في آسيا الوسطى والقوقاز.
وتقف «شنغهاي» عقبةً أمام محاولات تطويق إيران «التي تحظى بصفة مراقب في المنظمة» وفرض عزلة دولية عليها، إذ إنَّ رغبة إيران في تفعيل دورها في المنظمة يُقلق الولايات المتحدة، وقد سبق أن انتقد وزير الدفاع الأمريكي السابق «دونالد رامسفيلد» مشاركة طهران كمراقبٍ في أعمال قمة شنغهاي السادسة في الصين، قائلًا: «من الغريب السعي لضم دولة مثل إيران- التي تعتبر من أكبر الدول الداعمة للإرهاب- إلى منظمة تدَّعي أنَّها ضد الإرهاب»، كما أعلنتْ وزارة الخارجية الأمريكية من قبل أنَّ منظمة شنغهاي «تُعرقِل انتشار الديمقراطية في المنطقة».
وتخشى واشنطن من تسرُّب التكنولوجيا والمواد النووية الموروثة عن العهد السوفييتي إلى بعض الدول التي تصنِّفها واشنطن كدول مارقة..
القواعد العسكرية الأمريكية: وفي ضوء الاستراتيجيات المتباينة بين «منظمة شنغهاي» وواشنطن، طالبتْ المنظمة- خلال قمتها قبل عامين في أستانا بكازاخستان- أمريكا بتحديد موعدٍ لإخلاء قواعدها العسكرية من آسيا الوسطى، كما صرَّح أعضاؤها بأنَّ مهمة القوات الأمريكية في أفغانستان قد أنتهتْ بتسليم السلطة إلى الأفغان، وهو ما أثار حفيظة واشنطن التي أرسلتْ وزيرة خارجيتها «كوندوليزا رايس» ووزير دفاعها الأسبق «دونالد رامسفيلد» للقاء قادة جمهوريات آسيا الوسطى.
المصالح الإيرانية: على صعيدٍ آخر، يأتي الاهتمام الإيراني بمنظمة شنغهاي في إطار مَسَاعيها للقضاء على الحركات الإسلامية السُّنية التي تصفها ب «المتشددة» في آسيا الوُسطى، كذلك تسعى إيران إلى توثيق علاقاتها مع العملاقين الإقليميين الصين وروسيا، والدول الإسلامية في آسيا الوسطى، إذ تمتلك طهران ثاني أكبر احتياطي من الغاز في العالم بعد روسيا.
لكن نتيجة العقوبات الأمريكية لم تستطع تطوير صادرات الغاز، كذلك فإنَّ تعزيز علاقاتها الأمنية والاقتصادية مع روسيا يجعلها أكثر قوَّةً في مواجهة الضغوط الغربية، وقد بلغ حجم التبادل التجاري مع روسيا ٢,٥ بليون دولار سنويًا، من خلال إبرام اتفاقات تتعلق باستيراد التكنولوجيا النووية، واستكمال بناء مفاعل بوشهر.
كما سبق لروسيا والصين أن قدّمتا دعمًا قويًا لإيران في المفاوضات النووية.
من جانب آخر تدعم طاجيكستان انضمام إيران للمنظمة، لجهودها في إنهاء الحرب الأهلية التي شهدتها طاجيكستان مؤخرًا، وكذا العلاقات التاريخية التي تربط بين الشعبين الإيراني والطاجيكي، اللذين تجمع بينهما اللغة الفارسية.. وكذلك الرئيس القيرغيزي كورمانبيك باكييف، أعلن تأييده للعضوية الإيرانية.
غياب عربي وإسلامي
وهنا نتساءل: لماذا لم يهتم العرب والمسلمون بآسيا الوسطى وجمهورياتها الإسلامية، ويعملوا على بناء قاعدةٍ من المصالح المشتركة معها من شأنها أن تعزِّز نسيج العلاقات السياسية، في إطار استراتيجية مستقبلية تقطع الطريق على محاولات الالتفاف حول العرب والمسلمين كشعوبٍ وحضارةٍ وكيان؟!
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل