; «الشرعية الشعبية». استراتيجية جديدة للحركة الإسلامية في اليمن | مجلة المجتمع

العنوان «الشرعية الشعبية». استراتيجية جديدة للحركة الإسلامية في اليمن

الكاتب نجيب اليافعي

تاريخ النشر السبت 03-مايو-2008

مشاهدات 11

نشر في العدد 1800

نشر في الصفحة 26

السبت 03-مايو-2008

  • «الإصلاح» يسعى إلى الاستناد على القوى الوطنية والقاعدة الشعبية باعتبار أنها البديل عن تحالفه مع النظام
  • اليمن يشهد مرحلة جديدة بعد فك ارتباط الإسلاميين مع الرئيس وحزبه وتغيير الإستراتيجية جزء من هذه المرحلة

الحركة الإسلامية في اليمن «حزب الإصلاح» تعيش حاليًا مرحلة مفصلية في ظل خيارات معقدة فرضتها الأحداث المتسارعة، خصوصًا ما يتعلق بالحراك الشعبي في المناطق الجنوبية الذي يزيد اشتعالًا كل يوم منذ بدأ قبل عام، والذي سيفرض خيارات قد تكون مرة وقاسية ربما لم تتعود عليها الحركة طيلة الفترة الماضية.

فمع زيادة الاحتقانات، وتحول الغضب الشعبي تجاه ارتفاع الأسعار وسوء الأوضاع المعيشية والوضع السياسي الذي تعيشه البلاد فإن الشارع وخصوصًا الجنوبي بدأ بإلقاء اللوم على «الوحدة» على اعتبار أنها المشكلة الرئيسة المرافقة لتصرفات النظام، وبدأت قناعات الانفصال الشعوري والحسي تتزايد لدى المواطنين. 

وفي المقابل لم يقدم النظام حلولًا، وإنما بدأ يطرح خيارًا هو الأسوأ للناس عندما أعلن عن شعار «النظام الحالي وإلا الصوملة أو العراق». عندما وجد أن شعاراته ووعوده الانتخابية الرئاسية لم تتحقق، وأهمها إعلان الرئيس في أحد مهرجاناته بمنطقة «رداع» بالبيضاء أن «ما يقال حول ارتفاع الأسعار هو مكائد حزبية». وإزاء ذلك بدأت الاتجاهات السياسية في أحزاب اللقاء المشترك «تجمع المعارضة اليمنية» -وبينها حزب التجمع اليمني للإصلاح- في تدارس الخيارات القادمة للخروج من الأزمة الحالية التي وصل إليها النظام اليمني، بعدما اشتعلت حرائق الأوضاع في معظم المحافظات، وأهم الخيارات هي أن يتم المحافظة على الوحدة وما حققته من مكتسبات، ويتم توجيه الغضب الشعبي العارم تجاه النظام باعتبار أنه سبب المشكلات والأزمات التي حصلت حتى الوقت الراهن. 

هذه الخيارات طرحتها أحزاب اللقاء المشترك -وبينها حزبا الإصلاح والاشتراكي- على اعتبار أنهما صاحبا التأثير في أية حلول لمشكلة المحافظات الجنوبية والشرقية، مع استمرار النظام الحالي للحزب الحاكم ذي الأغلبية في إدارة الأزمات بافتعال أزمات جديدة، وانفراده باتخاذ إجراءات وقرارات ساهمت في تعقيد المشكلات الاقتصادية والسياسية بشكل أصبحت الحلول فيها تعجيزية ومقلقة للتوجهات الوطنية. 

إذ يعتبر د. ياسين سعيد نعمان الأمين العام للحزب الاشتراكي -وهو شخصية تحظى بإجماع وطني- أن الوضع أصبح أمام خيارين: «أن تستمر السلطة في تقديم نفسها على أنها طرف في المعادلة الوطنية في السلوك والممارسة، وهو ما يسمح لهذا المزاج أن يتكون إلى ما لا نهاية، أو أن تسمح السلطة بإنتاج شراكة وطنية تسمح ببناء دولة تمثل المعادلة الوطنية بأطرافها كلها، وعندها سيشعر الجميع أنهم مستوعبون في هذه الدولة».

محطات مفصلية

بدأت خطوط «حزب التجمع اليمني للإصلاح» تتضح جليًا بخصوص علاقته بالنظام الذي تعايش وتحالف معه منذ صعود الرئيس الحالي إلى الحكم عام ۱۹۷۹م، وقد مثلت منافسة «الإصلاح» -مع أحزاب المعارضة- للرئيس علي عبد الله صالح في الانتخابات الرئاسية التي أجريت في ٢٠ سبتمبر ٢٠٠٦م علاقة مفصلية بانتهاء التحالف معه والبدء بالترتيب لما بعده.

وارتبط الإصلاح بعلاقة مع الرئيس صالح في مصالح وطنية كبيرة، كان أهمها وقوف «الحركة» في الثمانينيات من القرن الماضي مع النظام ضد جبهة التخريب في المناطق الوسطى، بعد أن كان صالح مستسلمًا لمطالب المخربين وإعطائهم أهم خمس وزارات سيادية في حينها، وكان بالإمكان ذهاب النظام بأكمله .

وفي حرب صيف ١٩٩٤م، وقف الإصلاح إلى جانب النظام على اعتبار أن الوحدة اليمنية كانت مكسبًا تاريخيًا على كل المستويات ضد من دعا إلى الانفصال، لكن الحسابات الإستراتيجية كانت غائبة عن الإصلاح بغياب الحزب الاشتراكي الذي كان يمثل توازنًا مهمًا في الحياة السياسية.

وقد أدرك الإصلاح أن النظام أنهى جميع التوازنات، وبدت الساحة السياسية خالية من أية توازنات سوى الإصلاح ليتم تصنيفه على أنه القوة القادمة التي تحتاج إلى تفكيك وتوجيه العمل نحو تفكيكه، ودخل الإصلاح في انتخابات ۱۹۹۷م بمقاطعة الحزب الاشتراكي، وفيها حصل حزب المؤتمر «الحاكم» على الأغلبية، وعندها أدرك الإصلاح أن الوقت حان لتغيير إستراتيجية الحركة للحفاظ على المكتسبات التي تحققت.

وجاءت انتخابات الرئاسة عام ٢٠٠١م ومعها الانتخابات المحلية وتعديل الدستور، فأعلن الإصلاح قبل الانتخابات بستة أشهر أن مرشحه للرئاسة صالح، لكن تزوير الانتخابات المحلية ودخول الدولة بجميع أدواتها وتوجيه رسائل قوية ضد الإصلاح منها حادثة «الرضمة والحيمة الخارجية» التي استخدمت فيها الدولة الدبابات والسلاح، أدى لانتهاء تحالف الإصلاح وحزب السلطة.

خطة جديدة

ففي 7/3/2001م، خرج الأمين العام لحزب التجمع اليمني للإصلاح محمد اليدومي ليعلن في مقابلة مع قناة «الجزيرة» انتهاء التحالف مع حزب المؤتمر الشعبي العام الحاكم وطرح رؤية جديدة تمثل سياسة الحزب للتحالفات المستقبلية، والإبقاء على العلاقة مع الرئيس باعتبار أنه يمثل اليمنيين جميعًا وليس حزبًا بعينه. 

وبدأ الإصلاح حينها بتفعيل موقفه من خلال انضمامه للمعارضة بشكل رئيس ليصبح أحد أهم قوى المعارضة، ويدخل انتخابات البرلمان في عام ٢٠٠٣م ليحصل فيها الحزب الحاكم على الأغلبية الكاسحة، ويتم مصادرة الدوائر على حزب الإصلاح بعد إعلان نتائجها.

وبلغت الذروة بإنهاء التحالف مع الرئيس والحزب الحاكم عقب إعلان أحزاب «اللقاء المشترك» عن منافس للرئيس صالح في الانتخابات الرئاسية ٢٠٠٦م هو المهندس فيصل بن شملان، وخروج جميع قيادات الإصلاح بالإعلان عن تأييدها لابن شملان في مواجهة صالح.

ثقافة مقاومة الظلم

في 5/11/2007م، أعلن محمد اليدومي نائب رئيس الهيئة العليا للإصلاح عن بدء مرحلة جديدة للنضال الوطني بتقدم قيادات الإصلاح لقيادة الشارع، حيث «سيواجهون الطغيان وسيكونون في مقدمة الصفوف جهادًا في سبيل الله ونضالًا سلميًا من أجل نيل الحقوق والحريات» حسبما قال.

وأكد أن «عجلة مقاومة الظلم قد دارت وأنه لا عودة إلى الوراء» وأن «للصبر حدودًا» وأن الشعب -وفي مقدمته قواه السياسية- سيواصلون عملية الضغط السلمي لانتزاع حقوقهم». وقال: «إن الأمر في أيدينا، ولكنه يحتاج إلى صبر، وإن عجلة مقاومة الظلم لن تتوقف إلا بإصلاح الأوضاع».

واتخذت هذه المرحلة «ثقافة مقاومة الظلم» عنوانًا لها «ضد من يتربعون على سدة الحكم ولا يعرفون أبسط قواعد الحكم السياسي». وتحذير اليدومي الصارخ للمظلومين جميعًا من «أن يتمكن الظالم من تحويل مواجهتكم له إلى مواجهة فيما بينكم».

واستطاع الإصلاح التهيئة الشعبية والقاعدية لما سيتم في المرحلة القادمة بإقناعه المواطنين وأفراده في الانتخابات الرئاسية، التي كان شعارها الانتخابي «رئيس من أجل اليمن لا يمن من أجل الرئيس». أن يؤسس لمرحلة جديدة بعيدة عن التحالف مع النظام باستناده إلى القوى الوطنية والقاعدة الشعبية باعتبار أنها البديل عن تحالفه مع النظام.

استراتيجية انتقالية

وجاء التطور الأخير باعتماد الإسلاميين خيار «الشرعية الشعبية بدل التنظيمية» كيف؟

يقول المحلل السياسي عبده محمد سالم عضو الدائرة السياسية للإصلاح: «إن الخروج التدريجي للإصلاح من الاختزال في إطار المؤتمر ليس استقواء بالمعارضة، ولكنه نتيجة للاختلال في الميزان السياسي الذي أنهى العلاقة بين المؤتمر والإصلاح منذ تسلم الرئيس مقاليد السلطة عام ۱۹۷۹م.

ويضيف: «إن أحداث الحادي عشر من سبتمبر أجهضت المناهضة التي كان يقودها النظام ضد الإصلاح، وهو ما جعل الإصلاح يعلن بعد ۱۱ سبتمبر ٢٠٠١م عن استراتيجية جديدة هي: الانتقال من الشرعية التنظيمية والحزبية إلى استراتيجية الشرعية الشعبية».

وهذا الانتقال كان ضمن خطة استراتيجية، إلى جانب أن يتم التعامل مع الغرب والدول الإقليمية بمفهوم الشرعية الشعبية باعتبار أن الإصلاح نسيج اجتماعي في هذا الوطن، وهو ما ألزم الإصلاح بشكل جاد باستيعاب المفردات الشعبية التي تمثل كل الشعب، ومنها أحزاب اللقاء المشترك باعتبارها ضمن نسيج الوطن، وتم الأخذ بعين الاعتبار أن التحالف مع «المشترك» هو ضمن «استراتيجية الانتقال».

وتعد مرحلة الانتقال من استراتيجية وتغييرها إلى أخرى من أخطر مراحل أي تنظيم يتخذ مثل هذا القرار على اعتبار أن تبعاته تستدعي النهوض والمحافظة على جميع المكتسبات التي حصدها الإصلاح، أو التراجع للخلف بضع خطوات كنتيجة حتمية في ظل واقع متناقض لا يستطيع أحد التنبؤ بما سيحدث فيه.

اليمن مقبل بالتالي على مرحلة جديدة في ظل فك ارتباط الإسلاميين «حزب الإصلاح» مع الرئيس وحزبه، وتغيير استراتيجيته جزء من هذه المرحلة.

الرابط المختصر :