; (المجتمع) تحصل على ملف الاتهامات الإسرائيلية للدكتور موسى أبو مرزوق | مجلة المجتمع

العنوان (المجتمع) تحصل على ملف الاتهامات الإسرائيلية للدكتور موسى أبو مرزوق

الكاتب د. أحمد يوسف

تاريخ النشر الثلاثاء 17-أكتوبر-1995

مشاهدات 8

نشر في العدد 1171

نشر في الصفحة 38

الثلاثاء 17-أكتوبر-1995

المذكرة الإسرائيلية تخلو من الأدلة المادية وتخاطب عواطف القاضي الأمريكي بالصور!!

حكاية جثة الجندي اليهودي التي تبحث «إسرائيل» عنها وتحاول التفاوض مع «حماس» من أجلها

تمخض الجبل فولد فأرًا، فكما توقع الجميع بدءًا من رجال القانون، إلى المعلقين السياسيين، جاء قرار الاتهام الذي تبني إسرائيل عليه طلبها تسليم د. موسى أبو مرزوق إليها، خاليا من أي أدلة مادية تثبت اشتراكه بالتخطيط في الأعمال العسكرية التي قامت بها «حماس» على مدى السنين الماضية ضد أهداف إسرائيلية في الأراضي المحتلة.

فمنذ أيام قليلة تقدمت «إسرائيل» إلى المحكمة الأمريكية التي تنظر قضية د. موسى أبو مرزوق في مدينة نيويورك، بمذكرة مطولة تركز على دور د. موسى أبو مرزوق كرئيس للمكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية «حماس» في الأعمال التي قامت بها الحركة ضد أهداف إسرائيلية داخل وخارج الأراضي المحتلة، وذلك بعد أكثر من شهرين على اعتقال د. أبو مرزوق أثناء دخوله الولايات المتحدة قادمًا من دولة الإمارات العربية المتحدة.

ويستند الطلب الإسرائيلي إلى اتفاقية تسليم المتهمين الموقعة بين «إسرائيل» والولايات المتحدة في 10 ديسمبر 1962م، ولعل أول ما تكشف عنه هذه الأوراق من مفاجآت وغرائب، هو ما سبق أن أكدنا عليه في مقالات سابقة، من أن اعتقال د. موسى أبو مرزوق تم بموجب مؤامرة أمريكية إسرائيلية، وأن الدولة العظمى إنما كانت تنفذ الأمر الإسرائيلي باعتقال الرجل.

فالواضح من سير القضية حتى الآن أن أمريكا لم تجد في سجل د موسى أبو مرزوق ما يمكن أن يدينه بموجب القوانين الأمريكية، وكان من المنطقي أن يتم الإفراج عنه أو السماح له بمغادرة الولايات المتحدة فور انتهاء استجوابه، ولكن السلطات الأمريكية انتظرت طويلا حتى درست إسرائيل الموقف، وقدمت أول طلب لها بالتسليم في 7 أغسطس الماضي، أي بعد نحو أسبوعين من الاعتقال، ثم تمادت هذه السلطات في المؤامرة ووضعت الرجل رهن الاعتقال لحين تقديم «إسرائيل» المستندات اللازمة، وقائمة الاتهامات الموجهة لـ د. موسى أبو مرزوق.

والطريف أن الطلب الإسرائيلي تضمن على غير العادة عددا من الصور لقتلى إسرائيليين لقوا مصرعهم في هجمات «حماس» دون ربطها بشخص د. موسى أبو مرزوق، بالإضافة إلى بعض كتابات الحائط باللغة العربية، ومنها لافتة تقول بذكرى انطلاقة «حماس» الرابعة «حماس» تعلن مسؤوليتها عن قتل أبناء الخنازير فما علاقة هذه الصور والكتابات برجل كان وقتها خارج الأراضي المحتلة؟

ماذا يتضمن الملف الإسرائيلي؟

تتضمن المذكرة الإسرائيلية التي حصلت -عليها المجتمع- اتهامات بالقتل، ومحاولة القتل في الأعمال العسكرية التي قامت بها حماس، وهي كما تعددها المذكرة العمل العسكري الذي أودى بحياة سائح كندي على أحد شواطئ تل أبيب في 28 يوليو 1990م، ومقتل ثلاثة عمال إسرائيليين في تل أبيب في 14 ديسمبر 1990م، ومقتل إسرائيلي في غزة في أول يناير 1991م، ومقتل إسرائيلي آخر في بيت لحم في 17 مايو 1992م، ومقتل إسرائيليين في غزة في 25 يونيو 1992م، بالإضافة إلى أعمال مشابهة في عامي 1993 و1994م، والاتهام المحدد الموجه إلى أبو مرزوق في كل هذه القضايا هو أنه بوصفه كان زعيمًا سياسيًّا للحركة ساعد وشجع ودفع أعضاء من الحركة للقيام بهذه الأعمال.

ولعل ما يؤكد أن إقدام الحكومة الإسرائيلية على طلب تسلیم د.موسی أبو مرزوق إليها، إنما كان انتهازًا للفرصة وطمعا في بعض المكاسب الانتخابية هو أن أول طلب يصدر من محكمة إسرائيلية بالقبض عليه، صدر عقب اعتقاله، وتحديدا في 31 يوليو الماضي، بينما أن الأعمال العسكرية المنسوب إليه تشجيعها تعود إلى الأعوام من 1990 إلى 1994م.

وبالنظر في عريضة الدعوى الإسرائيلية التي تتضمن 22 بندًا، يتضح أنها تستند في كل اتهاماتها لـ د. موسى أبو مرزوق على أقوال عضو «حماس» المسجون حاليا في إسرائيل محمد صلاح، وهذه الاعترافات التي أدلى بها صلاح تحت وطأة التعذيب والتهديد به، لا تتضمن -في الحقيقة- ما يربط د. موسى أبو مرزوق بشكل مباشر بأي من الأعمال العسكرية لـــ«حماس» التي تشير إليها المذكرة الإسرائيلية، واقتصرت الإشارات المحدودة إليه في هذه الاعترافات على اهتمامه بتوفير الرعاية الإنسانية لأسر ضحايا سياسات الاحتلال الإسرائيلي من المبعدين الفلسطينيين في مخيم مرج الزهور، والإضافة الجديدة، وربما الوحيدة التي تضمنتها المذكرة تمثلت في خطاب غريب مكتوب باللغة العربية، وموجه من شخص يدعى أبو الوليد إلى شخص آخر يدعى أبو عمر يطلب منه توفير بعض الأموال لشراء أسلحة لمقاومة الاحتلال الإسرائيلي في الأراضي المحتلة، فمن هو أبو الوليد هذا، ومن هو أبو عمر؟ وما علاقتهما باسم د. موسى أبو مرزوق؟ هذا ما لم تكشف عنه المذكرة الإسرائيلية، رغم أن في فلسطين والعالم العربي عموما عشرات الملايين الذين يحملون هذه الكنيات المنتشرة بين الرجال العرب في المشرق والمغرب.

ولعل الموضوع الذي استحوذ على اهتمام أكبر من جانب الإسرائيليين، وحاولوا التركيز عليه في تحقيقاتهم مع المدعو محمد صلاح هو جثة الجندي الإسرائيلي إيلي سعدون التي تبحث عنها «إسرائيل» منذ ست سنوات وتحاول الوصول إلى مكانها بأي ثمن إلى حد تكهن البعض بأن يكون إصرار «إسرائيل» على تسليم د. موسى أبو مرزوق من قبيل جهودها في الضغط على قيادات «حماس» للعثور على هذه الجثة التي تنظر حكومة رابين إليها على أنها ورقة مهمة في حملتها الانتخابية القادمة.

وإذا كان من الصعب في الوقت الحاضر التكهن بما يمكن أن تنتهي إليه المحكمة الأمريكية التي تعاود انعقادها في السابع عشر من أكتوبر الحالي للنظر في الطلب الإسرائيلي، وعلى الرغم من الانسياق الأمريكي الرسمي والقضائي الكامل للرغبات الإسرائيلية في القضية حتى الآن، بدءًا من اعتقال د. موسى أبو مرزوق، وانتهاء بمنح السلطات القضائية الإسرائيلية مهلة شهرين لتقديم أدلة الاتهام، رغم كل ذلك فإن عدد المراقبين يتوقعون أن لا تأخذ المحكمة الأمريكية بما ورد في الطلب الإسرائيلي لانعدام الأدلة المادية من جانب، واستنادها إلى اعترافات شخص مسجون داخل «إسرائيل» في هذه الحالة ربما سيكون أمام «إسرائيل» فرصة أخرى للوصول إلى تسوية مرضية لها مع «حماس»، قد تتضمن وقف للعمليات العسكرية، وإلقاء الحركة للسلاح والانضمام لقافلة التسوية السلمية الهزيلة، ولعل ما يدعم هذا التصور التطورات الأخيرة على صعيد الاتفاق الإسرائيلي مع السلطة الفلسطينية في غزة والضفة، وعلى صعيد الحوار الدائر بين هذه السلطة وبين «حماس».

إن «إسرائيل» رغم تقدمها بطلب التسليم تدرك جيدًا ما يمكن أن يتعرض له أمنها الداخلي من مخاطر لحظة حصولها على حكم بتسليم د. موسى أبو مرزوق، كما أن أمريكا تدرك هي الأخرى ما يمكن أن يسببه مثل هذا العمل من أخطار على مصالحها المتشعبة في الشرق الأوسط، وبالتالي فإن من مصلحة الطرفين الوقوف عند هذا الحد أو على الأقل عدم تمرير قرار التسليم، وفي جميع الحالات تكون حكومة رابين قد حققت أهدافها الداخلية والخارجية من جر «حماس» إلى مسيرة السلام من خلال صفقة للإفراج عن د. موسى أبو مرزوق أو استنزاف طاقات الحركة المادية والبشرية في متابعة القضية، وتوجيه رسالة واضحة بأن اليد الإسرائيلية الطويلة قادرة على أن تطول كل من يرفع سلاح المقاومة في وجهها لاسترداد أرضه المغتصبة.

لقد سبق أن قلنا إن تشويه صورة الحركة الإسلامية هو الهدف الأكبر الذي يسعى الجميع في الغرب إلى تحقيقه، وجاءت هذه القضية لتكون فرصة جيدة لذلك من خلال الربط بين الحركات الإسلامية وظاهرة الإرهاب العالمي، وإظهار المعتدلين من قادة هذه الحركات بمظهر المتطرفين الإرهابيين وتأكيد أن السياسيين في هذه الحركات كالعسكريين تماما، وحتى السابع عشر من الشهر الحالي لن يكون أمامنا سوى انتظار ما ستسفر عنه هذه المسرحية الهزيلة التي تؤدي فيها أمريكا دور ثان، رغم أن أحداثها تجري على الأرض الأمريكية.

الرابط المختصر :