; «الإصلاح» والآخر: تجريد اللقاء والافتراق | مجلة المجتمع

العنوان «الإصلاح» والآخر: تجريد اللقاء والافتراق

الكاتب مجلة المجتمع

تاريخ النشر الثلاثاء 22-ديسمبر-1998

مشاهدات 13

نشر في العدد 1331

نشر في الصفحة 42

الثلاثاء 22-ديسمبر-1998

الإسلاميون في السلطة والمعارضة في اليمن (2 من 2)

صنعاء: المجتمع

تطرق الحديث في الأسبوع الماضي إلى بعض أوراق ندوة «الإسلاميون في السلطة والمعارضة» حول تجربة التجمع اليمني للإصلاح، ونواصل هذا الأسبوع استعراض ما تبقى من الأوراق لاستكمال الصورة العامة عن الندوة.

الإصلاح والأحزاب السياسية: قدم هذه الورقة نقيب الصحفيين اليمنيين عبد الباري طاهر، وهو- أيضًا- عضو المكتب السياسي للحزب الاشتراكي اليمني، وقد قسمت الورقة علاقة الإصلاح بالأحزاب- غير الإسلامية - على ثلاث مراحل منذ توحيد اليمن عام ۱۹۹۰م، على اعتبار أنه لا يمكن الحديث عن علاقات ما بين الأحزاب السياسية اليمنية في فترة ما قبل ۱۹۹۰م؛ حيث كان النظامان السياسيان الحاكمان في صنعاء وعدن، يجرمان النشاط الحزبي تمامًا.

ويلاحظ قبل استعراض هذه المراحل، أن الورقة لم تخل من العيوب التي شابت «الندوة»، وأهمها افتقاد الأسلوب العلمي المرتكز على المراجع والأدبيات السياسية الخاصة بالتجمع اليمني للإصلاح التي يمكن لها أن توضح حقيقة الافتراضات التي تضمنتها أوراق العمل، بل يلاحظ أن هذه الورقة – بالذات - خلت من الإحالات إلى مصادر المعلومات والافتراضات التي امتلأت بها الورقة.

أما عن المراحل، فقد وصفت المرحلة الأولى في علاقة «الإصلاح» بالأحزاب السياسية - غير الإسلامية- بأنها كانت علاقة مواجهة وانتقادات حادة، ابتداء من قيام دولة الوحدة الجديدة، التي احتل فيها الحزب الاشتراكي- الخصم التاريخي اللدود للإسلاميين - مكانًا رئيسًا في قيادة الدولة المناصفة مع حزب المؤتمر الشعبي العام!، وفي تلك المرحلة - التي حددتها الورقة بالفترة من ١٩٩٠م- ١٩٩٤ م- شهدت اليمن حالة من الصخب السياسي والفكري، لا مثيل له، وبرزت قضية الخلاف حول هوية دولة الوحدة اليمنية كإحدى المعارك السياسية الصاخبة بين الاشتراكيين وحلفائهم من جهة، وبين الإسلاميين؛ إذ تركز الخلاف حول بعض مواد دستور دولة الوحدة الذي تم إعداده عام ١٩٨٠م، وجاء حينها يحمل مواصفات حالة توازن القوى بين النظامين: الماركسي والرأسمالي، لكن الحالة الجديدة التي وجدت التيارات السياسية اليمنية نفسها فيها بعد الوحدة، كانت من الأسباب التي هيجت الصراع السياسي والفكري استنادًا إلى موروث طويل من العنف والشك والكراهية المتبادلة.

وبالإضافة إلى قضية الدستور، فقد كان هناك عدد آخر من القضايا التي أثارت خلافات حادة بين الاشتراكيين وحلفائهم من جهة، وبين الإسلاميين، مثل قانون «التعليم» وحتى بعض القضايا الخارجية مثل: أفغانستان، والسودان، التي استخدمت كمادة لتبادل الاتهامات والتشكيكات من قبل الاشتراكيين، فيما ركز الإسلاميون على مساوئ النظام الشيوعي في الجنوب وتجربته البشعة في كل المجالات.

والحقيقة أن هذه الخلافات كان الطرفان الأساسيان فيها هما: الحزب الاشتراكي والتجمع اليمني للإصلاح، أما حلفاء كل طرف، فقد كان دور كل منهم ضئيلًا للغاية فيما كان حزب المؤتمر الشعبي ينأى بنفسه عن هذه الخلافات باعتبار الاشتراكي شريكًا له في السلطة من جهة، وباعتبار أن الإصلاح أقرب إليه من الاشتراكي في واقع الحال!، ولذلك فليس صحيحًا ما سعت «الورقة» إلى تأكيده من أن جبهة الاشتراكي كانت تضم «البعث» و«الناصريين»، فعلاقة الإسلاميين مع هؤلاء الآخرين كانت عادية تمامًا، باعتبار أن الجميع كانوا في صفوف المعارضة.

ومما يؤكد خطأ هذا الطرح أن الإسلاميين سعوا- خلال المرحلة الانتقالية- إلى عقد عدة تحالفات تنسيقية مع أحزاب المعارضة دون استثناء؛ لمواجهة تحالفات تنسيقية مع أحزاب المعارضة دون استثناء لمواجهة تحالف الحزب الاشتراكي والمؤتمر الشعبي وخروقاتهما للدستور والقانون، وكان في مقدمة الأحزاب التي تم التنسيق معها: الناصريون والبعثيون، كما حرص الإسلاميون على أن يضعوا الأحزاب الصغيرة، التي ظهرت بعد الوحدة، إلى مواقفهم العامة ضد تحرير الدستور والاستفتاء عليه بطريقة غير سليمة أو ضد تحديد الفترة الانتقالية أو أي ممارسات عامة ولا سيما أثناء إعداد القوانين الإستراتيجية: مثل قانون الأحزاب، وقوانين الانتخابات العامة والصحافة.. إلخ!.

وفي مقابل توجيه اللوم للإسلاميين تجنبت الورقة استعراض مواقف الاشتراكي ضد الإسلاميين؛ حيث شن الاشتراكيون عبر التهم الإعلامية الضخمة والثرية ماديًّا- حملات شعواء ضد الإسلاميين طوال سنوات المرحلة.. ومن المفارقات أن كاتب الورقة- عبد الباري طاهر- هو نفسه الذي كان يقود صحيفة «الثوري» لسان حال الحزب الاشتراكي.

مرحلة المواجهة هذه شهدت فترة هدوء بعد تشكيل حكومة الائتلاف الثلاثي بعد انتخابات ۱۹۹۳م، وفيها شارك الإسلاميون والاشتراكيون في حكومة واحدة ومجلس الرئاسة ورئاسة مجلس النواب، جنبًا إلى جنب مع المؤتمر الشعبي العام.

أما مرحلة ما بعد فتبدأ عند الناخب من انتهاء الحرب الأهلية عام ۱۹۹٤م، وفيها ظل الإسلاميون متشددين في إدانة قيادة الحزب الاشتراكي التي فجرت الأزمة، وأعلنت الانفصال وبصفة عامة، فقد كانت العلاقة بين «الإصلاح» من جهة والاشتراكيين وحلفائهم علاقة خصام وهجوم إعلامي متبادل، وفي هذه المرحلة ظهرت خلافات بين الإسلاميين من جهة والناصريين والبعثيين العراقيين من جهة أخرى، ولا سيما أن هؤلاء الأخيرين وقفوا إلى جانب الحزب الاشتراكي أثناء الأزمة والحرب، وشنوا- خاصة الناصريين - حملات شرسة ضد الإصلاح على خلاف خطابهم المتهاون ضد المؤتمر الشعبي العام!، فقد كان واضحًا أن الاشتراكيين وحلفاءهم يشعرون بالخوف المبالغ فيه من حركة الإصلاح في تحالف حكومي مع المؤتمر، لظنهم أن الإصلاح حزب عقائدي منظم، يستطيع أن يحقق مكاسب حقيقية لمشروعه السياسي، في مقابل هلامية المؤتمر الشعبي، الذي يعتمد كلية على دعم الدولة له في كل مواقفه وتحركاته.

يؤرخ صاحب هذه الورقة المرحلة الثالثة من علاقة الإصلاح بالأحزاب السياسية المعارضة، بفترة قيد وتسجيل الناخبين استعدادًا للانتخابات النيابية في صيف ١٩٩٦م، وهي الفترة التي شهدت ظهور أقوى خلاف علني بين الإصلاح والمؤتمر الشعبي العام حول التجاوزات القانونية التي شابت مرحلة القيد والتسجيل، وفي هذه المرحلة فتح الإسلاميون حوارات مع أحزاب المعارضة؛ لتكوين رأي عام مشترك ضد الخروقات الانتخابية، وهو ما عرف بالبرنامج المشترك الذي جمع الإسلاميين والاشتراكيين والناصريين والبعثيين أساسًا.

ومع أن تفاهم أحزاب البرنامج المشترك لم يستمر طويلًا، إلا أن حالة الخصام والتراشق الإعلامي توقفت بين الإصلاح وبين الاشتراكي وحلفائه الأساسيين، وبعد عودة الإسلاميين إلى صفوف المعارضة استعرت حالة اللاخصام بين الطرفين بعد أن صار واضحًا أن خصم الجميع هو الحزب الحاكم، الذي استأثر بالسلطة جميعها يوضع المعارضة كلها في صف واحد في مواجهته.

وعلى الرغم من أن أحزاب المعارضة اليسارية ما تزال تتخوف من الإصلاح، إلا أن الجميع اقتنعوا بأن المهم هو التعاون في المسائل التي يمكن التعاون فيها، وتوفير أجواء الثقة والتفاهم تدريجيًّا.

الإصلاح والأحزاب الإسلامية:

تتناول الورقة الخامسة من الندوة، علاقة الإصلاح بالتنظيمات الإسلامية، وبخاصة الحركة السلفية ونقيضتها الحركة الهادوية الشيعية، وهي تشكل مع بقية الجماعات الإسلامية خارطة الأحزاب والتنظيمات والتجمعات الإسلامية التي ظهرت في مرحلة ما قبل الوحدة، وتشكلت قسماتها بعد إعلان التعددية السياسية عام ١٩٩٠م.

هذه الخارطة تضم إلى جانب «الإصلاح»- أكبر هذه الحركات وأقدمها- الحركة السلفية وفصائلها المعروفة حتى الآن هي: مجموعة الشيخ «مقبل الوداعي»، التي ترفض أي تجمع على أساس حركي منظم.

و من عباءتها خرجت جمعية «الحكمة اليمانية»، التي رفضت نهج الشيخ الوداعي الرافض للعمل المنظم أو للتعاون مع الحركات الإسلامية مثل الإصلاح والتبليغ، ثم هناك فصيل سلفي أقل انتشارًا، لكنه أقوى تنظيمًا، وهو ما يعرف باسم «السروريون»!، وفي الجانب الآخر من الخارطة الإسلامية، تقف الأحزاب ذات النهج المذهبي الهادوي، وفي مقدمتها حزب «الحق» الذي يتركز نفوذه في بعض البيئات المذهبية تاريخيًّا وهو موال الفقهاء المذهب الهادوي، لكن هذا الحزب انشق منه تيار تخلى عن المذهب الهادوي، واعتنق الاثنى عشرية تأثرًا بالأوضاع في إيران!، وفي الإطار نفسه، هناك حزب اتحاد القوى الشعبية، وهو حزب قديم تأسس منتصف الخمسينيات باسم «الشورى»، وهو يمثلو في الأساس أسرة آل الوزير المعروفة في اليمن.

وعميد الأسرة تولى الإمامة لمدة ثلاثة أسابيع في أعقاب ثورة الدستور اليمنية عام ١٩٤٨م، وأعدم - بعد فشلها- مع كوكبة من العلماء والمثقفين.

اعترفت الورقة أن «الإصلاح» اعتمد- في علاقته مع الأحزاب الإسلامية- إستراتيجية عدم إثارة قضايا الخلافات، وبخاصة التيار السلفي الذي أصدر بعض رموزه نشرات وكتب وفتاوى ضد «الإصلاح»؛ بسبب قبوله الانخراط في العملية السياسية بعد الوحدة، واقتصرت ردود «الإصلاح» على الضروري، وفي فترات نادرة وبطريقة غير مباشرة، لتوضيح موقف ما.

وتركزت أبرز قضايا الخلاف بين «الإصلاح» والحركة السلفية حول القبول بتأسيس الأحزاب والرضا بالانتخابات والعملية الديمقراطية باعتبارها بدعة مستوردة من الغرب، بالإضافة إلى اعتراض السلفيين على إقدام التجمع اليمني للإصلاح على إقامة تنسيق سياسي مع الناصريين والبعثيين، ثم قبوله المشاركة في ائتلاف حكومي مع الحزب الاشتراكي اليمني، بينما كان الإصلاح يرى أن الوسائل السلمية طريقًا سليمًا لإصلاح الأخطاء، سواء أكانت في الدستور أم في الأوضاع العامة. 

أما الحركة المذهبية الهادوية- المتمثلة في حزب الحق- فقد حملت في أحشائها بذور الاختلاف الحاد مع «الإصلاح»، فمؤسسوها جاؤوا من محيط فقهاء المذهب المتشددين الذين يرون في الحركة الإخوانية خصمًا تاريخيًّا موصومة في أدبياتهم بأنها حركة «وهابية».

وتركزت قضايا الخلاف بين «الإصلاح» والتيار الشيعي حول قضايا الدستور والإمامة وقانون التعليم، لكن البداية كانت حول موضوع الدستور الذي قاد «الإصلاح» معارضة عدد من الأحزاب- من بينها الحق- ضد بعض مواده، لكن الائتلاف الحاكم-  آنذاك- نجح في اجتذاب زعماء حزب الحق، في اللحظة الأخيرة قبيل الاستفتاء على الدستور، وأقنع فقهاء الحزب، بأن يكتفوا ببيان يصدره مجلس الرئاسة يؤكد على عدم مخالفة الشريعة الإسلامية عند إصدار القوانين، بينما أصر الإصلاح على ضرورة الاستفتاء على البيان مع الدستور في وقت واحد؛ ليكتسب قوته القانونية، ثم تلا ذلك الخلاف الكبير حول فكرة الإمامة الشيعية بين التيارين، ثم الخلاف حول قانون التعليم، وفي كل ذلك كان «الإصلاح» يواجه هذا التيار مصطفًا بجانب الحزب الاشتراكي، حتى إبان الأزمة السياسية الشهيرة التي انتهت بالحرب الأهلية!.

ويبدو أن الاشتراكيين وجدوا- حينها- في حزب «الحق الإسلامي- وفقهائه حليفًا دينيًّا يمكنهم من مواجهة خصمهم الإسلامي العتيد، الذي ألصق بالاشتراكيين صفة «العلمانية» وحتى شاعت بقوة في الشارع اليمني!!.

الورقة الأخيرة تناولت الخطاب الإعلامي للتجمع اليمني للإصلاح بعد ثماني سنوات من العلنية، وقد قدم هذه الورقة أحد قيادات الحزب الناصري، واتهم فيها الخطاب الإعلامي للإصلاح بأنه صورة للشمولية، والاستنثار الفكري، والغرق في الخطاب الماضوي، والاهتمام بالرموز غير الواقعية، وهي كلها- كما هو واقع- اتهامات تتردد دائمًا الخطاب اليساري: الماركسي والقومي ضد الإسلاميين دون تمييز وفي معظم البلاد العربية.

واعتبرت الورقة أن إصرار الخطاب الإعلامي للتجمع اليمني للإصلاح على ترديد المقولات والأفكار الإسلامية يثير شكوكًا لدى الآخرين، بشأن إيمان الإسلاميين بالتداول السلبي للسلطة وحرية الرأي، والتنافس الديمقراطي.

وغرابة هذا الطرح - الذي لا يعتمد على مراجع دقيقة - أن الإسلاميين ظلوا طوال عامين ونصف تقريبًا في حالة هدنة مع جميع أحزاب المعارضة، فيما شهدت علاقتهم مع الحزب الحاكم فترات خصام وتراشقات إعلامية شرسة.

وأخيرًا، ومهما تكن غرابة بعض الآراء، فإن الدلالة المهمة لمثل هذه الندوات، وهي الاعتراف بأن «الإصلاح» اليمني، حزب يتمتع بشجاعة الاستماع لانتقادات الآخرين، ويفتح لهم مقراته ليسمع منهم، وهي فضيلة لم يقدر عليها إلا هو وفق اعتراف زعيم أحد الأحزاب الناصرية، الذي شارك في الندوة.

الرابط المختصر :