; "حماس" صناعة صهيونية"! | مجلة المجتمع

العنوان "حماس" صناعة صهيونية"!

الكاتب شعبان عبد الرحمن

تاريخ النشر السبت 23-فبراير-2002

مشاهدات 11

نشر في العدد 1490

نشر في الصفحة 29

السبت 23-فبراير-2002

من الابتلاءات المفجعة التي تصاب بها القضية الفلسطينية على امتداد تاريخها تلك الطعنات الغائلة الغادرة المصوبة إليها من داخلها أو من خلف ظهرها. 

والمفزع أن تلك الطعنات جميعها تأتي دائماً في مراحل مفصلية حاسمة، تكون حركات الجهاد التحريرية فيها قاب قوسين أو أدنى من تحقيق الاستقلال- أو جزء مهم منه- أو على الأقل كسر جبروت العدو وصلفه.

 أقرب تلك الطعنات يتمثل في ذلك المشهد المفعم بالانهزامية، والانهيار واستمرار الهرولة نحو سراب السلام، والذي قام السيد ياسر عرفات بأدائه عن جدارة... أول فصول ذلك المشهد جاء على صفحات النيويورك تايمز الأمريكية (عدد ٣ فبراير الجاري) في مقال بقلمه وصف فيه حركات المقاومة الفلسطينية (حماس- الجهاد- كتائب الأقصى.. وغيرها) بأنها منظمات إرهابية، وأنها لا تمثل تطلعات الشعب الفلسطيني!! وأعلن تخليه عن حق عودة اللاجئين وربطه باحتياجات الكيان الصهيوني السكانية!

 ثم جاء الفصل الثاني في حواره مع صحيفة "لا ريبوبليكا" قائلاً: "علينا ألا ننسى أن حماس من صنع إسرائيل"! (وكالة الأنباء الفرنسية (13/2/2002م).

 والمتأمل لهذا الكلام الخطير الصادر عن رأس السلطة الفلسطينية وعن رمز القضية الفلسطينية- وفق ما يتم الترويج له إعلامياً على أوسع نطاق- يصاب بحالة من الدوار المختلط بالحزن. ولو سال المرء نفسه: في أي خانة يصب هذا الكلام.. في خانة تقوية الصف الفلسطيني والتفاف المجتمع بكل قواه حول راية المقاومة أم في خانة تمزيق هذا الصف وتنافر قواه لصالح 19 الطرف الصهيوني؟!. 

الإجابة على ذلك واضحة فماذا يعني القول بأن حماس من صنع إسرائيل، غير توصيل رسالة لملايين المسلمين والعرب بأن تلك الحركة التي تملأ الأرض الفلسطينية جهاداً واستشهاداً أساسها فيه دخن أو عطب "صهيوني"! وهي محاولة لتفريغ تاريخها الجهادي وخفض درجة احترامها لدى الجماهير العربية والمسلمة!.

لن تخرج الخطوة التالية بعد هذا الكلام عن مطالبة الصهاينة لـ سيادته بتصفية هذا الإرهاب، وقطع دابره بصفته "الرئيس"، ولأن "الإرهاب"، موجود على أرض سلطته.. وبهذا ينتقل عرفات من الخندق الفلسطيني إلى الخندق الصهيوني ليمارس حرب تصفية "الإرهاب" إرهاب حماس والجهاد!!. 

ما هذا الذي نراه ونسمعه لم نسمع في التاريخ أن زعيماً اعترف بخط يده لعدوه بأن أهله الذين يجاهدون "إرهابيون".

 حتى في حالات المنظمات المتمردة على حكوماتها!. والغريب أن هذه التصريحات- ونتمنى أن تتوقف عند حدود التصريح دون العمل- تنطلق في وقت أحدثت فيه الانتفاضة والمقاومة زلزالاً في كيان العدو يهدده بالتصدع ويضع المؤسسة الحاكمة هناك في مازق لا يقل عن مازق الهزائم العسكرية. فوفق بيان رسمي من قائد الشرطة الصهيونية (يوم ٢/١٠ الجاري) فإن سنة ٢٠٠١م كانت أقسى سنة مرت على إسرائيل منذ قيامها، وإن هذا العام شهد ١٧٩٤ عملية من الفلسطينيين سقط خلالها ۲۰۸ قتلی وجرح ١٥٢٣ يهودياً (اقرأ ص ۲۳).

 وإضافة إلى ذلك فقد خلفت العمليات الاستشهادية مجتمعاً صهيونياً ممزقاً من الداخل، ووضعته على أولى عتبات الانهيار كما يلي:

 نسبة الجريمة وصلت إلى ۳۰ % وضريت السياحة بنسبة ٥٠ %، إخلاء ٤٠ من المستوطنات خاصة مستوطنات قطاع غزة، ٣ مليارات دولار خسائر الاقتصاد (خلال الشهور الثمانية الأولى للانتفاضة) (خالد مشعل- المجتمع العدد ١٤٥٤). 

أضف إلى ذلك ما ذكرته صحيفة يديعوت أحرونوت الصهيونية من اندفاع الصهاينة نحو تعاطي الحبوب المهدئة بنسبة ٩٠ يفعل الرعب من العمليات الاستشهادية. 

وتأتي بعد ذلك الظاهرة الأخطر وهي تمرد العسكريين ورفضهم الخدمة في مناطق السلطة وتقديمهم عريضة احتجاج بهذا الشأن، بل إن ستة آلاف متظاهر أيدوا موقفهم.

 وهكذا نكتشف أكذوبة الدولة التي لا تقهر وأصبحنا أمام جيش متفلت ومجتمع اخذ في الانهيار.

 وصانعة هذه الانتصارات هي "حماس"، وأخواتها، وبدلاً من أن تلقى الدعم السياسي والعسكري والمعنوي- حتى تواصل طريقها في السعي لتبديد أسطورة الكيان الذي لا يقهر- إذا بها تتلقى طعنة.. ومِنْ مَنْ؟! من رأس "السلطة"، لتتبعها بعد ذلك حملة عسكرية غربية صهيونية وحشية لتصفيتها بزعم مكافحة "الإرهاب" الذي أقر به "الرئيس الفلسطيني"!!.

 هذا الموقف من عرفات حيال تيار الجهاد والاستشهاد من شعبه يكرر لنا نفس المشاهد التاريخية المخزية التي جرت للقضية الفلسطينية من بني جلدتنا في لحظات كاد تيار المقاومة فيها أن ينتصر على الكيان الصهيوني الناشئ لكن الطعنات كانت تبدد ذلك النصر.. 

وشاهدي على ذلك أمثلة سريعة وموثقة من داخل ملف القضية.

 أولاً: تفجرت ثورة العرب الكبرى في ٢ نوفمبر ۱۹۳5م بعد استشهاد عزالدين القسام بشهر واحد، واستمرت حتى ۱۹۳۹م، وشهدت أطول إضراب عام من شعب بأكمله استمر من 20/٤/1936م حتى 20/10/1936م، وخاض الشعب الفلسطيني حرباً على امتداد سنوات تلك الثورة أوجعت الإنجليز والمتهم، بما أرغم الإمبراطورية البريطانية على الاستغاثة بحكام عرب انخدعوا بوعودها ومارسوا ضغوطاً على الشعب الفلسطيني حتى أوقف ثورته إلى حين.

 ثانياً: خلال حرب ١٩٤٨م حاصر المجاهدون القدس حصاراً منيعاً وبداخلها مائة الف يهودي كادوا يموتون جوعاً وعطشاً لولا هرولة مجلس الأمن الإصدار قرار بوقف القتال بطلب من بريطانيا، وعقد اجتماع عربي لمناقشة القرار، وطال النقاش حوله لكنه انتهى بطعنة للمجاهدين، أي قبول الهدنة إنقاذاً لليهود المحاصرين!.

يقول وكيل القنصل الأمريكي في ذلك الوقت: "إن قرار مجلس الأمن وحده هو الذي خلص اليهود وحال دون سحقهم".

 ويقول مناحم بيجين: "طلب إلى بن جوريون الذهاب للقدس، فوصلتها والشعب اليهودي فيها ثائر يطالب بالخلاص.. وكانت الدوائر الصهيونية تعمل لإرسال رسول سلام إلى فلسطين وعقد هدنة لتتلاشى معها الفضيحة الكبرى.. وتمت الهدنة فجئنا إلى يهود القدس بالطعام وبعض الماء واستعددنا وجلبنا السلاح والعتاد والمتطوعين والمحاربين من الخارج".

 أليست فضيحة الأمس لليهود في القدس هي نفسها فضيحة اليوم في الكيان الصهيوني كله؟.. لكن المنقذ في الحالتين للصهاينة كان من بيننا!.

 ولم يكتف اليهود والنظام الدولي في ذلك بإنقاذ المائة ألف يهودي من الموت المحقق في القدس وإنما واصلوا ضغوطهم لسحق المجاهدين وتفريغ فلسطين منهم، فقامت حكومة النقراشي بتجميع مجاهدي الإخوان المسلمين بعد سحبهم من فلسطين إلى سيناء بزعم إعادة التدريب ثم العودة من جديد، لكن المجاهدين وجدوا أنفسهم بعد ذلك داخل السجون، بعد حل جماعتهم وتجريد حملة تصفية لمؤسساتها وأبنائها!.

 إلى متى يعيد التاريخ نفسه فيتكرر سيناريو الطعنات للقضية الفلسطينية من بني جلدتنا.. نيابة عن الصهاينة؟!

 كنت استمع إلى عرفات في حصاره وهو يردد عبر وسائل الإعلام.. "يا جبل ما يهدك ريح.. ياما الجمل كسر بطيخ، فتغمرني سعادة بصمود الرجل مجسداً صمود الشعب كله.. الشعب كله.. لكن سعادتي سرعان ما تبددت.. فقد تمخض الجبل فولد فأرا.

الرابط المختصر :