العنوان "دينيس روس".. وخيارات ثلاثة للتعامل مع ايران
الكاتب علي حسين باكير
تاريخ النشر السبت 14-مارس-2009
مشاهدات 18
نشر في العدد 1843
نشر في الصفحة 36
السبت 14-مارس-2009
في ٢٤ فبراير الماضي، تم تعيين الدبلوماسي الأمريكي دينيس روس ، مستشاراً خاصاً لوزيرة الخارجية هيلاري كلينتون لشؤون منطقة الخليج العربي بما في ذلك إيران وجنوب غرب آسيا، رغم أن كثيرين كانوا يفضلون تعيينه مبعوثاً خاصاً أو فوق العادة لإيران فقط، شأنه شأن «جورج ميتشل»، و«ريتشارد هولبروك».... فلماذا تم اختيار روس؟ ولماذا كان الرد الإيراني على تعيينه في هذا المنصب قاسيا، رغم أن بيان تكليفه كان عاما ولم يذكر حتى إيران بالاسم؟
«روس»: يجب الانخراط في مفاوضات مباشرة مع المرشد الأعلى.. وليس مع من لا يمتلكون القرار في إيران
الأمر يتعلق بشخصية «روس»، وبخبرته الدبلوماسية والتفاوضية السابقة، كما يرتبط بخبرته في وضع استراتيجيات بعيدة المدى للتعامل مع الدول التي تواجه الولايات المتحدة مشكلات معها، وقد اعتاد أن يضع استراتيجياته بناءً على سياسة دبلوماسية الخيارات المتعددة..
ففي هذا الإطار، قام «روس» - قبل أشهر قليلة - بنشر دراسة له في مركز الأمن الأمريكي الجديد بعنوان «الاستراتيجيات الدبلوماسية للتعامل مع إيران، كما تبين أنه كان - قبل نشر دراسته هذه. قد أدلى بشهادة رسمية أمام لجنة العلاقات الخارجية والأمن بالكونجرس الأمريكي، حملت عنوان الخيارات والاستراتيجيات المتاحة للتعامل مع إيران تتضمن نظرة شاملة ذات مسارات متعددة، وتغطي جميع الجوانب المطلوبة في العلاقة مع إيران، وهذا يعني إمكانية وضع هذه الشهادة موضع التنفيذ بعد أن تسلم منصبه الجديد.
يری «روس» أن السياسات المتبعة حاليا لم تؤد إلى إيقاف البرنامج النووي الإيراني، كما لم تدفع الإيرانيين إلى التخلي عن هذه الفكرة، لأنهم يشعرون بأن الثمن الذي سيدفعونه سيكون باهظا إضافة إلى السياسات الخاطئة للإدارة الأمريكية السابقة بقيادة «جورج بوش الابن والتي عززت هذا الاعتقاد لدى الإيرانيين... وبناءً على هذا، يجب اعتماد أسلوب جديد وخيارات أخرى، كما يجب استغلال نقاط الضعف الإيرانية، والانخراط في مفاوضات مباشرة مع المرشد الأعلى علي خامنئي» وليس مع من لا يمتلكون القرار في إيران.
ويعتقد «روس» أن لدى إيران نقاط ضعف كثيرة لم يتم التركيز عليها، وفي طليعتها الوضع النفطي للبلاد والاقتصاد الكلي؛ حيث يتصاعد الاستهلاك المحلي بشكل كبير جدا مقابل انخفاض حاد في معدلات إنتاج النفط سنويا: بسبب انعدام القدرة الذاتية والاستثمارات اللازمة والتكنولوجيا الغربية والأمريكية تحديداً لرفع معدلات الإنتاج ويشكل النفط أكثر من ٨٥% من مجموع الصادرات الإيرانية، وتمثل العائدات الناجمة عن تصديره أكثر من نصف العوائد الحكومية، وهذا يعني أن النفط يوازي في أهميته الملف النووي الإيراني، إن لم يكن أكثر منه. وحسب شهادة «روس»، هناك ثلاثة خيارات متاحة للتعامل مع إيران، هي:
أولاً : الخناق الاقتصادي
ويتضمن متابعة مسار العقوبات الصادرة من مجلس الأمن لتطال الاقتصاد الإيراني في الصميم، علما بأن هذه العقوبات قد تكون غير مؤثرة في حد ذاتها، لكن التأثير يأتي عبر التزام الشركات والمؤسسات الغربية والعالمية بتطبيق هذه العقوبات وبالتالي الامتناع عن التعامل مع إيران اقتصاديا ويبدو من الصعب دفع الصين باتجاه سلبي إزاء إيران، نظرا لأن ۱۳٪ من نفطها المستورد يأتي من إيران، ولأن الصين تندفع بعقلية تجارية بحتة، ورغم هذا فمن الممكن إقناع الصين وروسيا بالاشتراك في تطبيق العقوبات على إيران، فإذا خيرت الصين بين إيران ودول الخليج النفطية، فإنها ستختار دول الخليج بالتأكيد مدفوعة بوضعها النفطي والاستثمارات الضخمة بين الطرفين في مجالات البتروكيماويات والمشاريع المالية المشتركة، لاسيما في مجال بناء مصاف جديدة إضافة إلى الدور الخليجي في تعبئة المخزون الاستراتيجي النفطي الصيني وقد تخشى دولة الإمارات العربية المتحدة، في حال عمدت إلى تقليل التبادل التجاري بينها وبين إيران من أن تقع تحت ضغط إيراني شديد، جراء ارتفاع حجم صادراتها إلى إيران ليصل إلى ١٢ مليار دولار عام ٢٠٠٦م، لكن يمكن تأمين غطاء للإمارات عبر المجتمع الدولي، كان تقرر الأمم المتحدة . على سبيل المثال . تشكيل فريق مهمته مراقبة تطبيق القرارات الصادرة بحق إيران على أن يكون مقره دولة الإمارات فيمكنه أن يؤدي دورا في التحقق من أن إيران لا تستغل الإمارات للالتفاف على العقوبات الصادرة بحقها.
هذا الخيار الدبلوماسي يجب تطبيقه عبر مجلس الأمن وعبر قراراته، ولا شك أن استعمال الطرق الرسمية وغير الرسمية وتطبيق هذه التكتيكات من الممكن أن تزيد الضغط المطلوب على إيران.
لكن هل باستطاعة الضغط وحده حل الموضوع المشكلة في خيار شد الخناق أن القيادة الإيرانية قد تحتار المواجهة على اعتبار أنه ليس هناك شيء تخسره بعد ذلك .. كما أن تطبيق هذا الخيار قد يحتاج إلى وقت طويل نسبيا، وقد لا يكون سريعا بشكل يمنع الإيرانيين من التحول إلى قوة نووية.
ثانياً: مفاوضات بدون شروط
ويأخذ هذا الخيار بعين الاعتبار وجهة النظر الإيرانية، فإيران ترى أنها لم تحظ بأي وجه إيجابي من انخراطها وتعاونها مع الأمريكيين، بعد 11 سبتمبر ٢٠٠١م في أفغانستان والعراق، وبدلاً من أن تكافأ تم تصنيفها في محور الشر، وكذلك تم رفض دعوات الحوار والتفاوض الذي كانت تلح عليه في ذلك الوقت.. أما الآن فقد تغير الوضع، وإذا أردنا أن يكون هناك مناخ ايجابي للحوار، فإن الإصرار على الشروط قد لا تؤمن هذا المناخ المطلوب المفاوضات تشمل عددا من القضايا المتداخلة والمهمة للطرفين.
فإيران تريد الاعتراف الشرعي بها كقوة إقليمية، وتريد التزاما أمريكيا بقبول نظامها، والتخلي عن خطط الإطاحة به وتريد استعادة أصولها المجمدة في الولايات المتحدة، وإنهاء الحصار الاقتصادي المفروض عليها، والإقرار بحقها في تطوير برنامج نووي سلمي.
أما الولايات المتحدة، فإنها تريد من إیران أن تتوقف عن السعي للحصول على أسلحة نووية، وأن تتوقف أيضاً عن دعم الجماعات المسلحة الإرهابية، والتوقف عن عرقلة عملية السلام العربية الصهيونية.
ويرى عدد من المحللين السياسيين أنه يمكن دخول أمريكا في حوار مع إيران من دون شروط، ويجادل هؤلاء بأن امتلاك إيران العديد من الأوراق في محيطها الإقليمي. وفي مقدمتها برنامجها النووي يجعلها تشعر بالتفوق على جيرانها، ويدفعها إلى محاولة ممارسة الهيمنة عليهم.. وكل هذه المعطيات تجعلهم يتأخرون في الرد. أو يترددون بشأن سياسة «العصا والجزرة» التي يقدمها الأمريكيون ولا يعني هذا أنه يجب رفض الدخول مع إيران في مفاوضات بدون شروط، لأن من فوائد مثل هذه المفاوضات حفظ ماء الوجه للإيرانيين، فقد أدركت من خلال خبرتي في المفاوضات التي جرت في منطقة الشرق الأوسط» المشرق العربي) . لاسيما بين العرب و«إسرائيل» أنه عندما يكون أحد الأطراف في موقف قوي فإنه يرفض إجراء تسويات بذريعة أنه ليس بحاجة إليها، وعندما يكون في موقف ضعيف أو دفاعي فإنه يصر أيضاً على عدم إجراء تسويات، ويفضل الذهاب للنهاية على أساس أنه ليس لديه ما يخسره أكثر!
ثالثاً: مفاوضات بضغوط قوية
ويعني الاشتراك في مفاوضات مع إيران بدون شروط، على أن تكون المفاوضات مقرونة بضغوط قوية جدا حتى لا تصل الرسالة مغلوطة إلى إيران، فتعتقد أن الانخراط معها في مفاوضات من غير شروط يُعد ضعفاً أو خضوعاً لسياستها وعلى سبيل المثال، ليس مفروضاً على إيران إيقاف تخصيب اليورانيوم، لأن هذا الخيار قد يفتح بابا أمام إيران للخروج منه بشكل مشرف على اعتبار أن البرنامج النووي سيكون له تكاليف حقيقية موجعة لإيران وبالتالي فالتسوية ستكون أفضل لأنها قد تأتي بنتائج إيجابية ويهدف هذا الخيار إلى الوصول إلى عقول القادة الإيرانيين، وينهي الصورة القائمة من أن هناك ثمنا للحديث مع الولايات المتحدة الأمريكية بدون اللجوء إلى الضغط على الإيرانيين - ويمكن لأمريكا اللجوء إلى هذا الخيار بشكل غير مباشر عبر إعلانها الانضمام إلى المفاوضات الأوروبية - الإيرانية، وبالتالي وحتى لا يعتقد الإيرانيون أنهم حققوا نصرا - على الولايات المتحدة أن تحصل على الثمن من الأوروبيين وليس الإيرانيين، بمعنى أن يلتزموا بتشديد العقوبات بشكل كبير وصارم على إيران ماليا و اقتصاديا وتكنولوجيا واستثماريا، أو على العقوبات الجماعية من قبل الأوروبيين، وقد يتم مكافأة الروس والصينيين أيضا على الأقل فيما يخص قطاع الطاقة الإيراني وعندها يتم الإعلان عن اشتراك أمريكا في المفاوضات بين أوروبا وإيران، لكن بعد تبني نهجهم.