; إرتريا بعد المعركة.. | مجلة المجتمع

العنوان إرتريا بعد المعركة..

الكاتب مجلة المجتمع

تاريخ النشر الثلاثاء 15-فبراير-1977

مشاهدات 11

نشر في العدد 337

نشر في الصفحة 38

الثلاثاء 15-فبراير-1977

برغم ضراوة المعركة القائمة اليوم على ساحة إرتريا، وبرغم المعاناة التي ظل الشعب الإريتري تحت السلاح لأكثر من خمسة عشر عامًا، سعيًا وراء الحرية والاستقلال، وقد أوشك فجرهما أن يطلع في هذا العام، إلا أن جانبًا من التعقل والتفكير والاهتمام يجب أن ينصرف إلى ما بعد المعركة حيث يبدأ القادة في التخطيط المستقبل دولتهم الجديدة، وتحديد معالمها ورسم هيكلها السياسي والاقتصادي والدولي. فتلك مرحلة بالغة الأهمية والخطورة معًا. فالثورة في ذاتها لم تكن إلا وسيلة، ولئن أنفق فيها شعب إرتريا ما أنفق من جهد بالنفس والمال فإن مرحلة البناء الجديدة، لن تكون بأقل من ذلك في شيء. وهو أمر يتطلب كثيرًا من الحذر، فكل الثورات الوطنية التي قامت على الساحة الأفريقية لم تكن بعيدة عن التأثير الدولي خاصة من الدول الكبرى التي ترمي دائمًا إلى خلق جو من العلاقات التي تربطها بهذه الثورات الوطنية، وبقدر ما يكون لهذه الدول الكبرى من مصلحة تفرض عليها التدخل في استمرار المعركة، أو في عرقلة مسارها، بقدر ما تكون قوة التأثير الموجه إلى ميدان المعركة وإلى فصائل الثورة..

ومن هنا كان لا بد من النظر إلى مستقبل الثورة الإريترية، وإلى مستقبل إرتريا المستقلة بالذات في كثير من الاهتمام الذي يفرض على الدول العربية منذ الآن واجب اليقظة والدراسة ووضع كافة الاحتمالات التي يمكن أن تبرز في هذه المنطقة.

وحتى تكون الحقيقة أكثر وضوحًا، يمكن القول في يقين بأن الانقسام الذي وقع منذ وقت غير بعيد بين الفصائل العسكرية الإريترية لم يكن إلا واحدًا من عوامل التأثير الخارجية الخفية.. فهناك بين قيادات النوار وحتى اليوم اتجاهات ثلاثة هي المسلمون، والمسيحيون، واليساريون، وبين الاتجاهين الأخيرين، يمكن أن تبرز النقطة التي تحدد مجال التأثير والنفوذ الدولي.. ولا يمكن القول الآن، بأن هذا الانقسام ليس له أثر مباشر في مسار الثورة، وقد تتسع دائرته كلما اقتربت الثورة من تحقيق هدفها المباشر في الاستقلال التام عن أثيوبيا.. وهنا فقط يكون مفرق الطريق.

وهنا أيضًا يجب أن نلفت النظر إلى الحقيقة القائمة في أفريقيا بسبب التغلغل وبسط النفوذ الشيوعي في مسار مخطط ومحدد فيها، يجعل من «إرتريا المستقبل» لقمة سائغة بين فكي الكماشة الشيوعية.. فأثيوبيا والصومال، ولا نظاميهما شيوعي، تحيطان بهذه الدولة الإريترية الوليدة، فإذا أضفنا إليهما اليمن الجنوبي، الذي يقبع على الجانب الآخر من البحر الأحمر، برزت في وضوح الخطورة التي تهدد هذه الدولة الناشئة..

وحقيقة أخرى، هي وجود اليساريين في قيادة الثورة، الأمر الذي يسهل كثيرًا مهمة الدول الشيوعية من تنفيذ مخططها في إرتريا وقد لا يكون الشيوعيون من القوة العددية بحيث يقودون الثورة الآن نحو اليسار ولكن استقراء التاريخ المعاصر كله يؤكد لنا حقيقة واقعة ملموسة، هي أن الشيوعيين قد تمرسوا بسرقة الثورات فأصبحوا أبرع من يقوم بعمليات السطو هذه، واستلاب ثمار المعارك والثورات الوطنية.

وكل هذه الحقائق وغيرها تضع على كاهل الدول العربية، وعلى كاهل القيادات الإريترية الوطنية نفسها، أكثر من واجب: فالدول العربية مطالبة منذ الآن بالنظر إلى هذه الحقيقة كأمر واقع، يهدد سلامتها وسيادتها، وأنظمتها المختلفة فيها والمخطط الشيوعي الصهيوني الذي لا يزال يضع السودان ومصر في حسابه، لتكونا حلقات في الحزام الشيوعي الذي ينتظم زائيري وأنجولا. ويقفز إلى بعض الأطماع في موريتانيا والمغرب، لتنضم إلى مثيلاتها في أثيوبيا والصومال، هذا المخطط الذي ما تزال آثاره في الطريق، يفرض على الدول العربية الوقوف أمامه، وتفويت الفرص عليه.. وأولى واجباتها تقع عليها في مساعدة إرتريا المستقلة.. مساعدتها بالمال بغير حدود، وبالخبرات في شتى المجالات الاقتصادية، والسياسية، والثقافية، والعسكرية. والمبادرة في هذا واجب يفرضه أن إرتريا دولة عربية غالبية سكانها من العرب المسلمين.. 

ولعل مئات الآلاف من اللاجئين الإريتريين في السودان وغيره، هم الآن بحاجة إلى المساعدات المادية تأتيهم من إخوانهم العرب.. فهم بحاجة إلى المدرسين والمرشدين الإسلاميين، وإلى أن تستوعب أبناءهم المدارس والمعاهد العربية الإسلامية، وإلى أن تفتح أمامهم كل أبواب العلم، بعد أن أوصدها في وجههم الاستعمار الأثيوبي طوال فترة وجوده بينهم. وبمثل هذا المدخل يمكن للدول العربية مجتمعة أو متفرقة أن تثبت وجودها في الساحة الإريترية، مما يعين على تخليص إرتريا من المطامع الدولية الشرسة.

أما واجبات القيادة الوطنية، فأولها أن يفتحوا أعينهم جيدا لمخططات اليسار الذي يعمل دائمًا على أسس مرحلية تجعل من تعاونه الآن مرحلة مؤقتة لا يلبث أن ينقلب بعدها، وينفض عهدها، حلة حتى يحقق أطماعه.

ثم إن عليهم أن يحددوا معالم دولتهم الجديدة، وأساس بنيانها الذي يجب أن يقوم واضحًا على الإسلام، وعلى الصلة المباشرة بالعالم العربي، وعلى رفض كل فكر أو اتجاه ينحرف به عن هذا الطريق- الفكر الشيوعي أو العلماني أو الصليبي- فعملية البناء في دولة مثل إرتريا بحاجة إلى سند عقائدي ومادي، وما لم يجئ ذلك السند من العالم العربي في مبادرة جادة، جاء إليها من الاتحاد السوفيتي أو من الغرب، تحت شروط مذلة تفرض على إرتريا أن تكون تابعًا جديدًا في الفلك الدولي الشيوعي أو الرأسمالي.

إن إرتريا المستقبل، إرتريا الجديدة، أمانة عربية إسلامية وطنية، والتفريط فيها تهديد مباشر لأمن وسيادة ومستقبل المنطقة العربية بأسرها، ما لم نفتح أعيننا على هذه الحقيقة منذ الآن.

الرابط المختصر :