العنوان ١١ سبتمبر.... تداعيات وتناميات
الكاتب د. فتحي يكن
تاريخ النشر السبت 09-مارس-2002
مشاهدات 16
نشر في العدد 1491
نشر في الصفحة 44
السبت 09-مارس-2002
جل ما يكتب اليوم، ومن تاريخ الحادي عشر من سبتمبر الماضي، يتركز حول تداعيات الحدث الأمريكي على الساحة الإسلامية، والحقيقة أنه بقدر ما خلف الحدث من تداعيات على الساحة الإسلامية، فإنه خلف الكثير من التناميات كذلك، وكما تكون المحنة منحة أحيانًا يكون فيما نكره أحيانًا مدخلًا إلى ما نحب، وصدق الله – تعالى - حيث يقول: ﴿وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ (سورة البقرة: 216)
والمطلوب من أهل الفكر الإسلامي والعلماء والدعاة، فضلًا عن الحركات والجماعات الإسلامية، ألا تحجب عنهم ضخامة الحدث، وردود فعله السريعة والمربعة رؤية الأبعاد الأخرى ومن زوايا متعددة.
فالقراءة السريعة لأي حدث كبير، غالبًا ما تكون حالة من حالات ردة الفعل العفوية والسطحية، أو المحكومة بظروف مكانية وزمانية وشخصية محددة، وهي بالتالي ليست القراءة الهادئة العميقة المتأنية الشاملة المطلوبة؟
وسأحاول - بعون الله - قراءة الحدث واستكشاف سلبياته وإيجابياته، تداعياته وتنامياته كمبادرة «تحريضية» تهدف إلى إعمال الفكر والعقل، وبعينين اثنتين ترى محاسن الأمور كما ترى مساوئها، متمنيًا على أهل الخبرة والعلم والسابقة في العمل الإسلامي أن يحاولوا - منفردين ومجتمعين - استكشاف كل الأبعاد التي خلفتها وتخلفها وستخلفها أحداث 11 سبتمبر ٢٠٠١م، إضافة إلى توظيف ما حدث في خدمة الإسلام ومصلحة المسلمين، والله المستعان.
في التداعيات
من الطبيعي أن يؤدي «حدث القرن» إلى تداعيات قد يشهدها القرن كله، ليس أولاها الحملة على أفغانستان، ولن تكون آخرها تلك التي يمكن أن يشهدها الصومال أو العراق أو إيران أو سوريا أو لبنان، أو أي بلد عربي آخر، فالمعركة بين الإسلام وأعدائه فتحت أبوابها على مصاريعها وقد لا تغلق أبوابها أبدًا، وهي شكل من أشكال الصراع بين الحق والباطل إلى قيام الساعة، وهذه سنة من السنن الإلهية، ولن تجد لسنة الله تبديلًا، وهي ترجمة عملية لسنة التدافع التي أشارت إليها الآية الكريمة ﴿وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا ﴾ (سورة الحج: 40)
في ضوء ذلك لا يسعني إلا أن أسوق بعضًا من هذه التداعيات على سبيل المثال لا الحصر، وتحت عناوين عريضة منها:
التداعيات الأمنية: التي جندت لها الولايات المتحدة كل أجهزتها المركزية وشبكة مراكزها الدولية، فضلًا عن كل قواها العسكرية، كما سخرت لها مجمل علاقاتها السياسية والدبلوماسية مع دول العالم، تحت ذريعة محاربة الإرهاب، فظهرت قوائم الإرهاب والملاحقة والسجن على غرار حملات الاعتقال التي طالت عشرات من قياديي جماعة الإخوان المسلمين مؤخرًا في مصر، إضافة إلى إصدار قوانين من شأنها حظر الدعوة إلى اجتماعات عامة أو مظاهرات.
التداعيات الاقتصادية والمالية: من خلال حجز الأموال والممتلكات ومصادرتها. وتجفيف الموارد والتضييق على المؤسسات الخيرية، ورفع السرية المصرفية، ولا أدل على ذلك من حملات المداهمة والمصادرة التي قامت بها الإدارة الأمريكية في مطلع ديسمبر ۲۰۰۱م ضد جمعيات إسلامية أمريكية بحجة دعمها الإرهاب عمومًا، وحركات المقاومة الإسلامية بوجه الخصوص، إضافة إلى القيود الكبيرة والشديدة التي بدأت بعض الدول العربية والإسلامية بفرضها على الجمعيات الخيرية التي تمول أنشطة خيرية وإنسانية في دول وأقطار أخرى.
يضاف إلى ذلك وضع اليد الأمريكية على مناطق إستراتيجية في العالم الإسلامي.
التداعيات التربوية والتعليمية التي تستهدف المعاهد والجامعات الشرعية باعتبارها-في نظر الولايات المتحدة-من أهم محاضن صناعة الإرهاب والإرهابيين في العالم.
ولقد أدى ذلك-في اليمن مثلًا-إلى ترحيل عدد كبير من طلاب المعاهد الدينية والجامعات الإسلامية الأجانب إلى بلادهم، كما دفع الحكومة في ماليزيا إلى البدء بوضع قوانين وتشريعات من شأنها وضع اليد على المؤسسات التعليمية الدينية، إدارات ومعلمين ومناهج وطلابًا؟!
وعلى سبيل المثال - ففي مصر، وبحسب ما صرح به د. يحيى إسماعيل أمين عام جبهة علماء الأزهر -فإن الضغوط الأمريكية على الأزهر أدت إلى إجراء تعديلات على المناهج التعليمية، كان منها: حذف مادة الفقه المذهبي، إلغاء أبواب الجهاد من المرحلة الإعدادية، حذف ۱۲ جزءًا من القرآن الكريم في المرحلة الابتدائية، حذف تفسير النسفي في المرحلة الثانوية، وأشار د. إسماعيل إلى أن هذه النماذج هي قليل من كثير مما طاله الحذف والتعديل.
ولقد بدأ هذه الحملة رئيس الوزراء البريطاني، ثم تبعه وزير الخارجية الأمريكي كولين باول، الذي أشار -في محاضرة ألقاها في جامعة لويسفيل بولاية كنتاكي-إلى بلورة مشروع رؤية أمريكية للإسلام، وصفها بعض المفكرين الإسلاميين بـ «الإسلام المعدل»، والتي رصد لها في باكستان وحدها مائة مليون دولار!.
التداعيات الدعوية: من خلال إحكام القبضة الرسمية على المساجد، والنوادي، ودور النشر، والمكتبات، ووسائل الإعلام المسموعة والمقروءة والمرئية، وربما مواقع الإنترنت، وغيرها من أجل تدجينها وترويضها بحسب متطلبات ورغبات العولمة الأمريكية.
وبالفعل بدئ بوضع قوانين من شأنها إلغاء الإشراف الأهلي على المساجد والحاقها بالمؤسسات الدينية الرسمية، خطابة وخطابًا وإمامة وتدريسًا... إلخ.
كما بدئ بالتحريض على إغلاق بعض الفضائيات الحرة وغير المرتهنة لإدارة أو جهة.
التداعيات الاجتماعية والسياسية: من خلال خلق حالة عداء مستفحل ومتفجر بين بعض الحكومات والشعوب، وبينها وبين الحركات الإسلامية، مما يؤدي إلى حروب استنزاف داخلية تطال الاثنين معًا وتضعفهما وتصرفهما عن التفكير والتحسب والإعداد لمواجهة أي مخاطر خارجية داهمة، وهذا ما تشاهد نماذج عنه اليوم في عدد من الدول العربية والإسلامية، كاليمن وباكستان وأفغانستان وماليزيا وتركيا وغيرها.
في التناميات
أما التناميات والإيجابيات التي تحققت والتي يمكن أن تتحقق من خلال أحداث الحادي عشر من سبتمبر، فإنها كثيرة ومتنوعة، كما أن منها ما هو سريع التحقق والظهور وما هو بطيء ومتأخر.
وفي هذه العجالة سأتوقف عند عدد من النماذج على سبيل المثال لا الحصر، متمنيًا على أولي النهى والعقول النيرة استكشاف، وإضافة المزيد من ذلك؛ لاستنقاذ المحبطين، وأصحاب النظرات السوداء، والذين ظنوا أن أحداث «أيلول» هي نهاية الحياة والطامة الكبرى.
طرحت الأحداث الإسلام كنظام عالمي قادر على تحقيق التوازن العالمي، ووقف الهيمنة والتحكم، وعلى الأقل في المرحلة الأولى ملامسة مساوئ أحادية النظام الدولي، والاندفاع في اتجاه تحقيق تعددية هذا النظام، وبالتالي عدالته وإنسانيته.
طرحت الأحداث ضرورة قيام «مرجعية إسلامية شرعية عالمية» خارج إطار الهيمنة الرسمية والتجاذبات السياسية، تملك ناصية الاجتهاد والفتوى والقرار، وبالدليل الشرعي الراجح، تجاه ما يجري باسم الإسلام سواء من قبل القوى الرسمية أو الأهلية.
من تناميات الأحداث وإيجابياتها ما صدر عن «مجلس المجمع الفقهي الإسلامي» المنعقد في مكة المكرمة في الفترة من ٢١ -٢٦ شوال ١٤٢٢هـ الموافق ٥ -١٠ يناير «كانون الثاني» ۲۰۰۲ الذي أوصى وأكد «اعتماد وتأصيل منهاج الوسطية، ومعالجة الغلو الذي ذمه الإسلام والتقيد بوسطية هذا الدين في القول والعمل والسلوك» ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ﴾ (سورة البقرة: 143)، مما يعتبر انتصارًا للحركات الإسلامية التي اعتمدت هذا المنهج منذ مطلع هذا القرن، وبعيدًا عن التطرف والإفراط والتفريط الذي دعت إليه بعض الفئات، والذي تسبب ولا يزال يتسبب بالكثير من الفتن والمنسي على امتداد العالم الإسلامي.
ومن هذه التناميات حالة الإقبال على قراءة الكتاب الإسلامي من قبل شعوب الدول غير الإسلامية، والتي استوقفتها الأحداث، ومن ثم اتهام الإسلام والإسلاميين بها، وهذا بحد ذاته كسب كبير، حتى لا يكون الناس على الله حجة بعد الرسل.
يقول الأستاذ بسام إسطواني صاحب دار القرآن الكريم، وعدد من أصحاب دور النشر الأخرى إن مئات الكتب الإسلامية تعاد طباعتها اليوم؛ لتلبي حالة التزايد الكبيرة من الغربيين على قراءة هذه الكتب.
ويقول الدكتور وليد فتيحي - عضو هيئة التدريس في كلية الطب بجامعة هارفارد، وأحد قياديي الجمعية الإسلامية في بوسطن - بتاريخ ١٦سبتمبر قامت الجمعية بتوجيه دعوة مفتوحة للأمريكيين للاستماع إلى كلمات عن الإسلام؛ حيث لم تتوقع حضور أكثر من مائة شخص، وكانت المفاجأة حضور أكثر من ألف شخص من أساتذة الجامعات ورجال الدين وكبار القساوسة، وانهالت علينا أسئلة كثيرة تريد أن تتعرف إلى الإسلام؛ حيث إنهم لم يسمعوا به إلا من خلال وسائل الإعلام المغرضة.
نشطت وسائل الإعلام الإسلامي المقروء والمسموع والمرئي، ووسائل الاتصال المختلفة كالإنترنت عبر المواقع الإسلامية المتعددة كموقع «إسلام أون لاين» و«الشبكة الإسلامية» و«موقع الشيخ القرضاوي»، وغيرها، ونظمت الحوارات المباشرة حول الأحداث الأخيرة، والتي باتت تستقطب الكثيرين من كل أنحاء المعمورة.
البدء بمناقشة تجارب المنهجيات الإسلامية التغييرية التي كانت معتمدة خلال القرن الماضي عبر المؤتمرات الخاصة والندوات العامة والمحاضرات والنشرات والصحف والكتب وغيرها، وهذه ما كانت لتكون بالرغم من مسيس الحاجة إليها، وتكرار المطالبة بها، لولا الحدث الصدمة، الذي أيقظ النائمين ونبه التائهين ودفع بالحيارى إلى تلمس المنهجية الإسلامية الصحيحة في عملية التغيير.
ومن تناميات الحدث أنه أخرج خبايا النفوس الحاقدة - الصليبية والصهيونية - التي على لسان بعض المسؤولين الغربيين، وصدق الله – تعالى - حيث يقول: ﴿عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ ﴾ (سورة آل عمران: 118).
بروز متغيرات إيجابية على الخطاب الإسلامي الرسمي في عدد من الدول الإسلامية، وإن قابلها انكفاء في هذا الخطاب لدى آخرين، واحتسابنا للتغيير الإيجابي هذا كأحد أبرز التناميات، لكونه يشكل خطوة جريئة ولافتة على طريق «أسلمة الخطاب الرسمي»، وبالتالي «أسلمة الموقف الرسمي»، وأمنيات اليوم حقائق الغد.
بروز تنام ملحوظ وواسع في مواكبة الشارع العربي والإسلامي للأحداث، إضافة إلى الإجماع الشعبي والجماهيري على إدانة قتل المدنيين والأبرياء، مما أكد وحدة الشعوب الإسلامية في مواجهة التعديات والتحديات والمؤامرات.