العنوان إسلاميو إندونسيا بين قيادة التغيير وقطف الثمار
الكاتب مصطفى الطحان
تاريخ النشر الثلاثاء 22-ديسمبر-1998
مشاهدات 9
نشر في العدد 1331
نشر في الصفحة 44
الثلاثاء 22-ديسمبر-1998
شهدت إندونيسيا في الأشهر الأخيرة هزات عنيفة أسفرت عن تردي الاقتصاد، وسقوط أسطورة نمور آسيا، وسقوط سوهارتو الذي قاد البلاد خلال ثلث قرن من الزمان نمت خلالها ثروته وثروات أبنائه وأصهاره وأزلامه بحيث زادت على ٤٠ مليار دولار حسب تقديرات الصحف المحلية والخارجية، وهو المبلغ الذي تحتاجه إندونيسيا للخروج من أزمتها.
وإندونيسيا بلاد شاسعة تزيد مساحتها على مليوني كيلو متر مربع، ويزيد عدد سكانها على ۲۰۰ مليون نسمة أغلبهم مسلمون.
والشعب الإندونيسي مثل جزره في وداعة الطبيعة الجميلة، وفي قوة بحره الكبير، لم تتوقف ثوراته منذ احتل الهولنديون البلاد عام ١٩٠٤ م وحتى اليوم، طردوا الاستعمار باسم الإسلام، وعندما تحول سوكارنو عن الإسلام إلى الشيوعية أسقطوه، وأخيرًا أسقطوا سوهارتو الذي استغل واستهتر بهم، وخرب مصالحهم باسم التنمية والاقتصاد.
مع الانهيار الاقتصادي انتفض الطلبة يطالبون بإسقاط رأس الفساد سوهارتو، ولم يكن الأمر يسيرًا، فقد أحاط الرئيس نفسه بقيادات عسكرية وأمنية من أقاربه ومن المنتفعين بعهده، وقرب إليه بعض القوى الإسلامية التقليدية، الشريحة الوحيدة التي لم يستطع استيعابها هم الطلبة.
لقد تحرك الطلبة بطريقة منظمة ومتدرجة، ففي ٢٩ من مارس ۱۹۹۸م شكلوا اتحاد الطلبة
«كامي»، ومعناه: اتحاد الطلبة المسلمين في إندونيسيا برئاسة فخري حمزة، وبتأييد KAMMI
من64 جامعة في أنحاء البلاد، وهذا الاتحاد هو الذي أخذ على عاتقه إجراءات التغيير.
- في ١٢ من مارس بدأ الطلبة يخرجون من داخل الأسوار الجامعية إلى خارجها، وعندما تصدت لهم قوات الجيش المتداخلة مع قوات البوليس، سقط أربعة طلاب منهم، وكان سقوطهم إيذانًا بتصعيد الموقف..
- أعلنت الحركة الطلابية «كامي» يوم ١٩/ ٥/ ۱۹۹۸م أنها ستعلن موقفها في ساحة الاستقلال، وسيشارك في هذا الإعلان مليون طالب يمثلون الحركة الطلابية في أنحاء البلاد، واستعد الجيش واستجمع قواته في العاصمة وسحبها من جميع المراكز ليضع ١٥٠ ألف عسكري مع دباباتهم وأسلحتهم في مواجهة الطلبة في ساحة الاستقلال، وكانت اتصالات ومعلومات أفادت بأن القيادة السياسية تريدها مذبحة ترهب بها كل القوى؛ لتستعيد سلطانها الذي زعزعته المظاهرات والاتهامات.
- وأعاد الطلبة وقياداتهم تدارس الموقف، وغيروا الخطة، فتوجهوا إلى مجلس الشعب واستقر أكثر من ۲۰۰ ألف طالب داخله وخارجه، وحاصر الطلبة النواب في الداخل؛ حتى تكون قراراتهم كما يريدها الطلبة، الأمر الذي اضطر رئيس البرلمان، وهو أقرب العناصر للقيادة السياسية أن يطالب باستقالة سوهارتو.
وفي الليلة التي سبقت استقالته عقد سوهارتو اجتماعا مع قادة الجيش وممثلي بعض الهيئات الإسلامية المتعاونة معه، وخرج المجتمعون بخطة كشفها الجنرال صهر الرئيس؛ حيث أعلن أن الشيوعيين والنصارى هم الذين يحتلون مجلس الأمة.
استخدموا الخداع والمال؛ لتضليل الناس وتحريكهم باسم الإسلام، ومرة ثانية غير الطلبة خطتهم لتلافي المذبحة، فانسحبوا من مجلس الأمة في جنح الظلام؛ ليحتلوا مسجد مجلس الأمة، ومسجدًا قريبًا يسمى الجامع الأزهر.
وأحبط الطلبة خطة خداع الناس، وظهر جليًّا أن وراء الأحداث الطلبة المسلمين، وأنهم من أصحاب الأيدي المتوضئة وليسوا من أعداء الإسلام أو الشيوعيين.
- يوم ٢١/ ٥/ ١٩٩٨م وبعد لقاء مع قيادة الجيش وكبار الجنرالات أعلن سوهارتو استقالته، فلم يعد أمامه طريق آخر، وجاء بنائبه حبيبي ونصبه رئيسًا جديدًا.
وهكذا تغيرت الموازين في البلاد، حبيبي يحرس مكتسبات سوهارتو وهو يفتقر إلى الشرعية، وشعب ثائر يبحث عن شرعيته من خلال الانتخابات القادمة.
وبعد مشاورات مكثفة مع جميع العاملين للإسلام في البلاد، ورغبة في قيادة الأمة فلا تنتكس الراية كما حصل في السابق، ورغبة في حقن الدماء، وبعد أن توزعت مشارب المسلمين وتعددت اتجاهاتهم.. تم الاتفاق يوم9/8/ ۱۹۹۸م على إنشاء حزب العدالة بزعامة الدكتور نوري محمود إسماعيل، كان الإعلان حاشدًا حضره أكثر من ١٠٠ ألف إنسان في ساحة الجامع الأزهر بجاكرتا.
حتى نهاية أكتوبر كان الحزب قد شكل فروعه في ۲۲ محافظة من أصل ٢٧ في أنحاء البلاد.
- وفي يوم ٢٧/ ٩/ ١٩٩٨م تجمع أكثر من خمسين ألف مشارك في أكبر ناد رياضي في جاكرتا، تحدث فيه رئيس حزب العدالة د. نوري محمود إسماعيل عن أهداف الحزب، وعن الأسباب التي دعت لتشكيله، وقدم مسؤولي الحزب للناس، وكلهم من الشباب النظيف الذين آثروا الكفاح السلمي على الانتفاع، وهم الرموز التي قامت بعملية الإصلاح وأسقطت رموز الفساد، وما زالت أمامها مهام كثيرة تريد إنجازها.
سلطة شعبية ناقصة
الانتفاضة الشعبية التي قادها الطلبة تشعر أنها لم تصل إلى الكثير من أهدافها، فـ«حبيبي» رجل سوهارتو ما زال يحمي مكتسبات العهد البائد، والسلطة العسكرية التي اعتمد عليها النظام طيلة ٣٢ عامًا ما زالت قائمة بأسلوبها ورجالها، وأولاد سوهارتو وبناته وأصهاره وأزلامه ما زالوا يتمتعون بكل المكتسبات المالية التي حصلوا عليها أيام الفساد، وبعضهم يشير إلى أن حبيبي وأبناءه لهم مصالح في ٥٩ شركة، وأن ثروته الشخصية تقدر بـ ٦٠ مليون دولار.
تربص الفرقاء قائم، ولكل حساباته ومخططاته، والأمور ما زالت أقرب إلى التقاط الأنفاس منها إلى الاستقرار والبناء.
بعض الفرقاء يطالبون بإسقاط حبيبي، وأن يحل مكانه مجلس شعبي يعمل على إجراء انتخابات.
وفريق يرى إبقاء حبيبي للإشراف على التعديلات الدستورية وإجراء انتخابات.
وفريق يعمل على إبقاء حبيبي في السلطة لما بعد المرحلة الانتقالية.
الفرقاء اليوم في هدنة، وفي ظلها يعمل كل فريق على تحقيق مصالحه.
الحركة الإسلامية المتمثلة في حزب العدالة، والحركة الإسلامية الطلابية الممثلة «كامي»، تحذر من أن يعيد التاريخ نفسه، فيكون الإسلاميون وقود التغيير ثم يأتي غيرهم ليقطف الثمار.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل
عبدالعالـي حسانـي: «مجتمع السلم» تتبنى مشروع الوحدة بين أبناء الحركة الإسلامية كافة بالجزائر
نشر في العدد 2182
32
الثلاثاء 01-أغسطس-2023