العنوان إصلاح الأمم المتحدة ومستقبل القضايا الإسلامية
الكاتب نبيل شبيب
تاريخ النشر الثلاثاء 29-يوليو-1997
مشاهدات 16
نشر في العدد 1260
نشر في الصفحة 25
الثلاثاء 29-يوليو-1997
خطة الإصلاح المطروحة في الأمم المتحدة تضمن للولايات المتحدة الزعامة العالمية على أسس جديدة
لماذا تم استبعاد مصر ولماذا تغاضى الغرب حين رشح نيجيريا للعضوية الدائمة عن انتقاداته لها بشأن حقوق الإنسان؟
أثيرت في الآونة الأخيرة قضية إصلاح هيكل الأمم المتحدة بما في ذلك توسيع العضوية في مجلس الأمة لقد تطلع عدد من الدول النامية إلى أن ينال شرف الجلوس الدائم إلى مائدة الكبار وأن يملك أن يقول يومًا «لا» مستخدمًا حق النقد(الفيتو) فترضخ الدول الكبرى ويتوقف تنفيذ القرار.
ما حقيقة خطة الإصلاح المطروحة في الأمم المتحدة، ولمن سيعطى حق الفيتو وهل سيكون للعرب والمسلمين نصيب؟ هذا ما يجيب عنه المقال التالي:
حول خطة الإصلاحات المالية للأمم المتحدة، أكد أمينها العام كوفي عنان أن موافقة الدول الأعضاء عليها تفتح الأبواب أمام الشروع في ثورة هادئة وبعد يوم واحد واجهته ثورة عارمة من الاعتراضات من أعضاء الكونجرس الأمريكي، مع إنه يلبي باقتراحاته الشروط الأمريكية المعلنة من أجل تسديد أكثر من مليار دولار من الأقساط المستحقة، بل والتي تردد أنها كانت سبب الحيلولة دون دورة ثانية لبطرس غالي في منصب الأمانة العامة، وتأتي الاعتراضات رغم أن الخطة بحد ذاتها لا تتناول الجانب الأهم المتعلق بتطوير المنظمة الدولية، وعلى وجه التحديد توسعة مجلس الأمن الدولي.
الأمم المتحدة والهيمنة الأمريكية
ومنذ وجهت واشنطن حملتها ضد بطرس غالي في منتصف العام الماضي، تحول الحديث عن إصلاح المنظمة الدولية، إلى حديث عن توفير نفقاتها المالية، وهو أمر مطلوب بحد ذاته، ويعتبر شرطًا أساسيًا لتزداد فعالية الأجهزة الضخمة التي نشأت وتنامت خلال 52 مضت على تأسيس الأمم المتحدة، ولكن الأهم منه ولا ريب هو ألا تبقى المنظمة الدولية صورة طبق الأصل عن موازين القوى التي أسفرت عنها الحرب العالمية الثانية فموازين القوى هذه قد تبدلت، ثم إن هذا المنطلق الواقعي يتناقض مع جوهر الفكرة التي من المفروض أن تجسدها الأمم المتحدة كساحة دولية مشتركة لترسيخ السلام والأمن والعدالة على مختلف المستويات الاقتصادية، والاجتماعية، وسواء بين شعوب الأرض وفق مبادئ القانون الدولي، وقيمه والمثل التي استقرت في« الضمير العالمي» مع مرور الزمن وليس وفق إرادة الأطراف الأقوى وما تمليه مصالحها المشروعة وغير المشروعة.
لقد كانت المنظمة الدولية وليدة تطورات تاريخية جرت خلال مائتي سنة مضت على ساحة شريط الشمال الأرضي الضيق الممتد من شمال آسيا عبر القارة الأوروبية إلى شمال القارة الأمريكية، وبينما جاء الميثاق ليثبت نصًا ما سبق أن ثبت على صعيد المعاملات والخبرات السياسية بين الدول والمجموعات الدولية من قيم ومبادئ جاءت الأنظمة التفصيلية بما فيها أنظمة الأجهزة والمنظمات الفرعية، لتعكس الواقع العسكري السياسي المحض في لحظة آنية من تاريخ البشرية، هي لحظه انتصار دول الحلفاء على دول المحور وغياب بقية دول العالم عن ساحة صناعة القرار السياسي عالميًا.
الخلل الأكبر بدا آنذاك في مؤتمر سان فرانسيسكو التأسيسي، وكان لابد أن يستفحل ويتحول إلى سبب رئيسي لشلل المنظمة الدولية، عندما تبدلت خارطة القوى السياسية والعسكرية مع زوال تلك اللحظة الآنية ونشوب الحروب الباردة بين الشرق والغرب.
لم يكن المعيار في تحديد ما عرف بحق النقد أو الفيتو على سبيل المثال، قائمًا على حفظ توازن بين سائر المناطق والأقاليم في الكرة الأرضية، أو حتى القوى الرئيسية القادرة على التصرف إقليميًا، بل كان المعيار أمريكيًا من اللحظة الأولى، وانطلاقا من الزعامة الأمريكية لدول الحلفاء في تلك الفترة وهدف الاحتفاظ بتلك الزعامة ونشرها عالميًا وهو ما يفسر مثلًا التمسك الأحمق لمدة 25 سنه تقريبًا بمقعد دائم لصالح تايوان بدلًا من الصين الشعبية، وهو أيضًا ما أدى الى شلل المنظمة الدولية لمده تزيد على أربعين عامًا عندما تمرد الاتحاد السوفيتي بشيوعيته على الزعامة الأمريكية برأسماليتها.
ومن هنا كان الحماس الأكبر في الغرب لتطوير الأمم المتحدة عقب سقوط العسكر الشيوعي، وهنا يكمن أيضًا تفسير الاتجاه نحو ترسيخ الخطأ التاريخي من وجهة النظر القانونية الدولية ووجهة نظر العلوم السياسية المنهجية بدلًا من إصلاحه فالمطلوب في سائر ما يصدر عن الدول الغربية ولا سيما الولايات المتحدة بهذا الصدد، هو إيجاد معطيات جديدة في الميثاق وفي التشكيلة التنظيمية للأمم المتحدة بصورة لا تراعي نمو عدد دولها من 50 الى 185دولة، أو تراعي استقلال دول الجنوب ولو شكليًا، وإنما يراعى أمرًا واحدًا، تستهدفه الجهود الأمريكية الحثيثة منذ زوال الحرب الباردة، وهو ضمان الزعامة الأمريكية عالميًا على أسس جديدة.
ولا تمثل قضيه إصلاح مالية الأمم المتحدة في هذا الإطار إلى موقع الذريعة المناسبة، لحاجتها إلى الإصلاح فعلًا ولكن لتحقيق أغراض أخرى، لقد استطاع عنان بالفعل إكمال ما بدأ بطرس غالي من قبل، وعرض خطة إصلاح في 90 صفحة، تشمل فيما تشمل اختصار النفقات الإدارية بمعدل الثلث، والهبوط بنصيبها من الميزانية من 38 إلى 25% وتخفيض عدد حوالي 53 ألف شخص يعملون في المنظمة وفروعها حاليًا بمعدل الربع بل وإلغاء وجود 26 نائبًا للأمين العام ليقتصر ذلك على نائب واحد كما تتضمن الخطة دمج الاجهزة والمنظمات الفرعية في أربعة أقسام رئيسية لشؤون الأمم والسلام والشؤون الاقتصادية والاجتماعية وشؤون التنمية والتطوير والقضايا الإنسانية وفي سائر هذه الاقتراحات ما يتوافق بصوره كاملة مع المطالب الأمريكية التي كانت تطرح كتعليل للتأخير في تسديد المستحقات المالية ولكن عنان ومعاونيه يدركون أن المشكلة الأكبر مع واشنطن لا تكمن في هذا المجال وإنما تكمن في عدم تمرير خطة إصلاح أو مشروع توسعة لمجلس الأمن الدولي أو تعيين أمين عام جديد أو تعديل في سياسة إحدى المنظمات الفرعية، أو حتى الوصول بإحدى توصيات الجمعية العامة للأمم المتحدة، إلى مستوى التنفيذ إلا إذا كانت تتفق مع الإرادة الأمريكية والمصالح الأمريكية المحضة، وإلى درجه تستهدف أحيانًا استعراض هذه الهيمنة وليس ممارستها على أرض الواقع فقط، وتكفي الإشارة بهذا الصدد إلى مدى انزعاج الرأي العام الأمريكي نفسه من سياسة حكومته والكونجرس تجاه الأمم المتحدة إلى درجة أن العام الميلادي الماضي شهد حملة واسعة النطاق تضمنت قيام أعداد كبيرة من الأفراد الأمريكيين بتحويلات مالية تعادل 40, 40 دولار شهريًا لكل فرد إلى المنظمة الدولية على سبيل التبرع، وهو المبلغ الذي يعادل حصة الفرد الأمريكي من تغطية الأقساط الشهرية الأمريكية المحجوزة كوسيله من وسائل الضغط السياسي.
مجلس الأمن ومهزلة الفيتو
ومنذ انعقاد مؤتمر لندن لتطوير الأمم المتحدة قبل سنوات، لم تنقطع المشاورات المباشرة والجانبية بصدد توسعة مجلس الأمن الدولي مجددًا، وما وصلت إليه الآن لا يختلف كثيرًا عن الأفكار المطروحة في البداية، ولكن لا يحسم الخلافات القائمة أيضًا.
المشكلة الرئيسية كانت آنذاك وما زالت إلى الآن تكمن في عدم رغبة القوة الدولية، المسيطرة في الشمال وعلى وجه التخصيص، الولايات المتحدة بفتح المجال أمام أي صورة فعالة من صور مشاركة دول الجنوب في صناعة القرار الدولي، وبتعبير آخر يراد أن يكون التطوير بحيث يتجاوب مع المتغيرات في الشمال، ويبقى على الخلل القائم منذ قيام المنظمة الدولية، فيما يتعلق بالوجود الهامشي الدولي لحوالي ثلثي البشرية، رغم أن الصين تزال تحسب نفسها من الجنوب أحيانًا وحوالي أربعة أخماس دول العالم.
لم يكن الخلاف قائمًا بالنسبة إلى ألمانيا واليابان، وهما تشاركان في صناعة القرار الدولي، منذ فترة عبر أجهزة، تضع نفسها وقراراتها فوق قرارات المنظمة الدولية، وتعتبر نفسها هي المجتمع الدولي، والأسرة الدولية مثل مجموعه من الدول الصناعية السبع، أو حلف شمال الأطلسي، وعندما طرحت الأمانة العامة، مشروع توسعة المجلس في مارس الماضي وتضمن عدم حصول الأعضاء الدائمين الجدد على حق النقد، عارضت ألمانيا ذلك بشدة، ولكن الدبلوماسيين الألمان صرحوا:- بأنهم في أحاديثهم الجانبية مع الأمريكيين تلقوا التأكيد، أن واشنطن لا تعارض حصول ألمانيا واليابان على حق النقد ولكن تعارضه بشدة بالنسبة إلى أي دولة من الدول النامية.
ويعطي الاقتراح الأخير الصادر عن الأمم المتحدة، حلًا وسطًا لا يقبل به أحد إذ يرى ألا يكون للدول الأعضاء الدائمين الجدد حق النقد، إلا في نطاق المادة السابعة للميثاق، أي إجراءات فرض السلام عالميًا وأن تتخطى الدول الدائمة العضوية الآن طواعية عن حق النقد في الميادين الأخرى، وذلك كمقدمه لإلغاء حق النقد نهائيًا وهو كما يقول واضع الاقتراح ما تريده غالبية الدول الأعضاء، ولكن ترفض الدول المرشحة ألا يكون لها حق النقد، بصورة كاملة كما ترفض الدول المسيطرة، أن تتراجع ولو جزئيًا عن هذه الميزة المصنوعة على مقاسها منذ أكثر من خمسين عامًا.
وتمضي اللعبة الأمريكية مع الاقتراح الجديد شوطًا آخر فالاقتراح المطروح يرى أن يزيد الأعضاء الدائمين من خمسة إلى عشرة، وأن يكون عدد الأعضاء بالمجموع 26 بدلًا من 15 حاليًا، وتطالب الولايات المتحدة أن يكون المجموع في حدود 20 أو 21 دولة عضوًا، والسبب هو نظام التصويت المقرر لمجلس الأمن ففي حالات معينة يراد أن تكون غالبية الأصوات في حالة استخدام النقد والاكتفاء بالامتناع عن التصويت كافيه لإصدار القرارات أو منع صدورها.
ولعل من أبرز ما تؤكده هذه الممارسات هو التناقض الصارخ بين الهيمنة، على صناعه القرار العالمي بكل وسيله ممكنة، وبين تلك الدعوات المكثفة لنشر قيم الغرب الديمقراطية عالميًا، لاسيما بعد سقوط الشيوعية، ويزداد ظهور هذا التناقض للعيان عند الإشارة إلى أن آخر الاقتراحات المتداولة في الأمم المتحدة بصدد الأسماء المطروحة للدول النامية، المرشحة لعضوية دائمة ناقصة الحقوق يشمل نيجيريا من المجموعة الإفريقية، بعد إسقاط ذكر مصر كبديل بصورة نهائية، ويتغافل أنصار اقتراح نيجيريا من الغربيين فجأة، حملتهم المعروفة تحت عناوين الدفاع على الديمقراطية وحقوق الانسان ضد الحكم العسكري في نيجيريا.
القضايا الإسلامية الضائعة
على ان واقع الهيمنة، بدلًا من القيم الديمقراطية، ومبدأ الحق للأقوى بدلًا من مبادئ ميثاق الأمم المتحدة، يتجلى بصورة أشد مفعولًا عند النظر، في التعامل مع القضايا المختلفة خارج إطار شريط الشمال من الكرة الأرضية وهذا ما يسري على القضايا الإسلامية أكثر من سواها.
وليس مثال التصويت على إدانة الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي المحتلة عام 1967، ببعيد فمع أنه يعتبر يعبر عن الإرادة السياسية للغالبية الساحقة، من دول العالم يبقى دون مستوى التوصية، مثله في ذلك مثل زهاء 30 قرارًا، بالإدانة صدرت من الجمعية العامة للأمم المتحدة، في السبعينيات والثمانيات كان أشهرها وأشدها ازعاجًا للكيان الصهيوني، القرار الذي دمغ الصهيونية عام 75 بالعنصرية، ثم تراجعت عنه الجمعية العامة عام ،1991 وفي حماة المساومات على مسيرة مؤتمر مدريد.
غالبية الدول في الجمعية العامة عند ميلاد الأمم المتحدة، وفي غياب النسبة الأعظم من البشرية عام 1945 ميلاديا، هي التي أصدرت توصية تقسيم فلسطين التي اعتمد عليها الكيان الإسرائيلي، والغالبية نفسها، فقد أصبحت تمثل النسبة الأعظم من دول العالم وسكانها باتت مجرد ساحة للهراء على حد تعبير بن غوريون بالعبرية «اوم شوم »وكان يدرك أنه يستند في ذلك كما يستند الساسة الإسرائيليون الآن، إلى مهزلة الفيتو الأمريكي وليس إلى إرادة مجتمع دولي أو شرعية دولية بمعنى الكلمة.
وبالمقابل يمكن التأكيد أن استبعاد مصر عن قائمة الدول المرشحة للعضوية الدائمة، لم يكن اعتباطًا فرغم السياسة المصرية الملتزمة التزامًا بعيد المدى بالحفاظ على المصالح الأمريكية في المنطقة منذ مسيرة كامب ديفيد تخشى واشنطن من حدوث تغيير ما أجلًا أو عاجلًا، يفسح المجال أمام الاستفادة من العضوية الدائمة، ولو بصورة ناقصة داخل مجلس الأمن، وعند التأمل في تاريخ المنظمة الدولية منذ نشأتها إلى الآن يستحيل أن نجد قضية إسلامية واحدة وجدت الإنصاف عن طريق قراراتها إلا في حدود توصيات غير ملزمة وحتى في بعض الحالات الاستثنائية، كإقرار الاستفتاء على تقرير المصير في كشمير وفق قرار المنظمة الدولية تبقى القرارات دون تنفيذ، بينما كانت قضايا إسلامية أخرى مغيبة غيابًا كاملًا، كقضايا الأقليات الإسلامية المضطهدة مما لا يحتاج إلى الإطالة بذكر أمثلة وشواهد.
وبالمقابل لا نكاد نجد أمثلة أشد في استغلال المنظمة الدولية لممارسة السياسات، الحصار والمقاطعة لأغراض تتجاوز المعلن عنه رسميًا، ضد دول عربية وإسلامية بينما نجد أن قرارات المقاطعة ضد صربيا أثناء حرب البلقان مثلًا بقيت مليئة بالثغرات، وتم تجاوزها بعد انتهاء الحرب دون أن يتحقق حتى الحد الأدنى من الشروط الموضوعة في تلك القرارات نفسها.
إن واقع المنظمة الدولية بالنسبة إلى المنطقة الإسلامية وقضاياها الرئيسية، يتلخص في جوانب رئيسية بعضها إيجابي في نظر المدافعين عن ضرورة الاعتماد على الأمم المتحدة، كقوله من المنظمة الدولية أشبه بساحة إعلامية، للإعلان عن المواقف وإن بقي ذلك دون مستوى القرارات الملزمة، أو قولهم إن الغياب عنها يضيع القدرة على محاولات تخفيف وطأة بعض القرارات المجحفة، وإن لم يمنع صدورها وتنفيذها.
وبالمقابل فإن الخلل الشاذ في المنظمة واستمرار الهيمنة الغربية بزعامتها الأمريكية عليها، جعلها وسيلة لإضفاء صبغة الشرعية مزيفة على كثير من الإجراءات التي تتناقض مع القانون الدولي ومع ميثاق الأمم المتحدة نفسها بزيادة قيمتها من خلال المشاركة في إصدارها أو الخضوع لها.
ولا يخفى أن ما يراد الوصول إليه من حقوق مشروع وثابتة لصالح الشعوب الإسلامية، لا يمكن الوصول إليه عن طريق الأمم المتحدة وضعها الراعي في القرارات الحاسمة في ميدان الأمن والسلام، أما أنها خاضعة لمجلس الأمن وهيمنة نظام النقض عليه، أو أنها تتخذ خارج نطاقه في حلف شمال الأطلسي مثلًا عند عدم ضمان موقف الغالبية في مجلس الأمن والقرارات الحاسمة في ميدان المال والاقتصاد، خاضعة لأنظمة هيمنة مشابهة في صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، أو تتخذ خارج نطاق المنظمة في هيئات دولية قائمة بذاتها، مجموعة الدول السبع، أو نادي باريس وما شابهها والقرارات الحاسمة في بعض الميادين المختارة، كانتشار الأسلحة والتقنية المتطورة، خاضعة للهيمنة في هيئات دولية أنشئت لهذا الغرض وكان في الأمثلة على ذلك تمديد اتفاقية حظر الأسلحة الفتاكة لدى مالكيها، ومن يضمنون ولاءه الإقليمي لاستكمال دورهم الرادع تجاه بقية العالم، أما القرارات الأقل أهمية على المستوى الدولي كما هو الحال في الميادين الثقافية والفكرية والاجتماعية والصحية، فقد باتت وسيلة اعتماد الضغوط المالية علنية، كما تشهد السنوات الأخيرة لعمل المنظمة الدولية للتربية والعلوم والثقافة اليونسكو، أو في المؤتمرات الدولية العملاقة بدءًا قمة الأرض في ريودي جانيرو أو بقمة السكان في القاهرة أو المرأة في بكين.
إن العنصر الرئيسي الغائب في تعامل البلدان الإسلامية مع المنظمات الدولية على اختلافها، لا يكمن في طرح السؤال عن الوجود فيها أو الانسحاب منها، وهو ما تطرح بعض الجهات فيما يشبه حملة التيئيس من إمكانية تحصيل الحقوق المشروعة، في ظل السياسة الواقعية الدولية الراهنة، وإنما يكمن في عدم بذل الجهود الحقيقية داخل الدول الإسلامية نفسها، وفي علاقاتها مع بعضها بعضًا ولو بما يعادل مثلًا، معشار ما يبذل من جهود حاليًا في مسيرة كامب ديفيد ومدريد وأوسلو الاستسلامية، وبحيث تستطيع بلداننا اعتمادًا على إمكاناتها الذاتية وتطويرها واعتمادًا على امكاناتها والتعاون فيما بينها، والخروج من فلك التبعيات الأجنبية أن تثبت لنفسها مكانًا فعالًا على الخارطة السياسية والأمنية، والاقتصادية والمالية عالميًا، وتتمكن على الأقل من تحويل الإقليمية القائمة، كجامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي، وكذلك بمشاركة الدول الإفريقية الآسيوية ومجموعة عدم الانحياز، إلى منظمات حقيقية تجعل من توصياتها قرارات، ومن أوراق مشاريعها ومخططاتها واقعًا منشورًا، فآنذاك فقط، ومع هوة الخلل في التعامل السياسي والاقتصادي الفاصلة بين الشعوب والأنظمة، يمكن أن يتحول وجود تلك الدول التي تمثل غالبية دول العالم عددًا وسكان ومساحة وثروات، في المنظمات الدولية وعلى الساحة العالمية، إلى وجود مؤثر في الدفاع عن القضايا الإسلامية، أو على الأقل في الحيلولة دون توجيه الضربات إلى تلك القضايا، بدءًا بالميادين السياسية والأمنية، وانتهاء بقضايا التقدم والتطور، ومكافحة الفقر والتخلف.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل