; إعادة نبش التاريخ: ماذا فعلت فرنسا بالجزائر حقًا ؟ | مجلة المجتمع

العنوان إعادة نبش التاريخ: ماذا فعلت فرنسا بالجزائر حقًا ؟

الكاتب مجلة المجتمع

تاريخ النشر الاثنين 01-فبراير-1999

مشاهدات 7

نشر في العدد 1335

نشر في الصفحة 33

الاثنين 01-فبراير-1999

معسكرات الاعتقال في حرب الجزائر

تنبع أهمية كتاب كورناتون هذا حول معسكرات التجميع، خلال حرب استقلال الجزائر ١٩٥٤م - ١٩٩٢م من ناحيتين الأولى: هي أن المؤلف بروفيسور له باع طويل في علم النفس الاجتماعي، وله إسهامات مهمة في تأثير الحرب على السيكولوجيا الاجتماعية للمجتمعات والثانية: أنه هو ذاته شارك في حرب الجزائر، وكان ضمن كادر الجيش الفرنسي، وعاين معسكرات الاعتقال بنفسه، وهو يكتب عنها الآن بعدسة المجرب وعدسة الأكاديمي المحلل في آن واحد معًا.

وكانت فرنسا قد اتبعت سياسة معسكرات الاعتقال خلال استعمارها للجزائر كوسيلة من وسائل إخضاع الشعب وتجميع مشاغبيه المحتملين «بمئات الألوف من البشر!» في معسكرات وأماكن يسهل مراقبتها وإدارتها، وتقول بعض الإحصائيات الموثوقة إنه نتيجة لتلك المعسكرات، فإن عدد الجزائريين الذين شردوا من أماكن سكناهم، وأقاموا في تلك المعسكرات تجاوز المليونين وثلث المليون، أي ما يقارب ثلث الشعب الجزائري في ذلك الوقت، وقد تركت هذه الممارسة آثارًا واسعة النطاق، ومن هنا فإن کورناتون يبحث في المخلفات والرواسب السيكولوجية، التي تركت جروحها في المجتمع الجزائري، وحقنته بجرعة مركزة من العنف والعنف المضاد، التي أسهمت لاحقًا في انفجار أوضاع التسعينيات كما نشهدها.

على أن تجربة معسكرات التجميع ليست  حصرية بالحالة الجزائرية، فواقع الحال الكولونيالي  آنذاك كان يشير إلى أن هذه الممارسة كانت تقليدًا استعماريًا مستخدمًا نطاق واسع، والمفارقة الجديرة بالتوقف والتأمل هنا، هي أن مراكز التجميع هذه، وفي أغلب الحالات، استمرت كما هي عليه، حتى بعد اندحار الاستعمار بسبب البنية التحتية والتكوين الاجتماعي الجديد الذي نشأ موازياً لها عبر سنوات.

ويفرق كورناتون هناك بين نوعين من معسكرات التجميع: الأول هو ما كان يقوم بها المستعمر في بداية سنوات الاستعمار، ويهدف من ورائها اجتثاث البني السكانية التقليدية، وتحطيم الهياكل الموجودة لإضعاف حس المقاومة، وبخاصة في المناطق التي يمكن أن تكون ذات عداء واضح للمستعمر، والنوع الثاني كان يصار إلى إنشائها أثناء عملية حروب الاستقلال، وهنا تعمد القوى الاستعمارية إلى هذا لغايات عسكرية واستراتيجية هدفها عدم توفير ملاذات آمنة للثوار أو جيش التحرير، ويرصد المؤلف حالات من النوع الأول اتبعها الرومان قديمًا والإسبان والإنجليز حديثًا، ومن النوع الثاني يرصد حالات كويا وماليزيا وإندونيسيا وكمبوديا .

وعودة إلى الحالة الجزائرية، فإن ما واجهه الفرنسيون في البلاد هو واقع المساحة الكبيرة للجزائر، وانتشار السكان وتبعثرهم على تلك  المساحة بشكل يصعب معه إحكام السيطرة عليهم، ومن هنا جاءت فكرة خلعهم من قراهم وقبائلهم ومدنهم وتجميعهم في أماكن رئيسة وقد طالت هذه العملية ما يقارب ثلث سكان الجزائر، كما ذكرنا، وكانت آثارها أنه سرعان ما دفع المستعمر الفرنسي ثمنًا باهظًا لهذه السياسة ومن عدة نواح، فأولاً بدأت الهوية الوطنية الجزائرية الجماعية تحل تدريجيًا محل الهويات القبلية والمناطقية، محملة بالرغبة في مقاومة الفرنسيين وتحرير البلاد، وثانيًا: أتاح تجميع الجزائريين قرب بعضهم البعض لفصائل الحركة الوطنية الجزائرية إقامة اتصالات بأوسع شرائح ممكنة من الشعب وتجنيدهم، ثم تدريبهم على السلاح المقاومة الجيش الفرنسي، وثالثًا: أتاحت معسكرات التجميع سهولة الدعاية السياسية والتعريف بالأهداف الأساسية لحركة التحرير الوطني التي لم يكن بمقدورها أن تصل كافة قرى ومناطق وقبائل الجزائر النائية.

 مع ذلك كله، فإن المؤلف يرصد أن أوضاع تلك التجمعات من ناحية اجتماعية وفقر وبطالة وفر أرضية خصبة، لتولد تيارات من العنف تخزنت في الوعي الجزائري الذي تعود على العيش منذ ذلك الحين في تجمعات كثيفة ومزدحمة، يكون التنافس فيها على الموارد حادًا ومفضيًا إلى صراعات عنيفة.

ويذكر هنا أن تلك التجمعات التي أقامتها فرنسا في الفترة ١٩٥٤م – ١٩٦٢م، لم تفكك بعد الاستقلال وطرد فرنسا، فحكومة التحرير الوطني رأت الإبقاء عليها وتطوير بنيتها التحتية وإدماجها في برامج التنمية الوطنية الشاملة، والتي كانت آنذاك متأثرة بنموذج أوروبا الشرقية من ناحية ربط التجمعات السكنية بآلة التصنيع الثقيل، ومن دون ملاحظة أو إعطاء اهتمام كبير إلى أن سكان تلك التجمعات جاءوا من أصول ريفية زراعية، وتعودوا على تجمعات قروية ليست كثيفة، الأمر الذي أسهم ولو جزئيًا  في إفشال المشروعات الوطنية .

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل

جزائر القمر

نشر في العدد 30

20

الثلاثاء 06-أكتوبر-1970

مسيرة إسلامية فى فطاني

نشر في العدد 314

9

الثلاثاء 24-أغسطس-1976