; إغلاق "السلطة" للمؤسسات الخيرية يضاعف معاناة الفلسطينيين تحت الحصار | مجلة المجتمع

العنوان إغلاق "السلطة" للمؤسسات الخيرية يضاعف معاناة الفلسطينيين تحت الحصار

الكاتب مجلة المجتمع

تاريخ النشر السبت 23-فبراير-2002

مشاهدات 14

نشر في العدد 1490

نشر في الصفحة 26

السبت 23-فبراير-2002

الشيخ بحر: آلاف الأسر الفقيرة،ـ وأسر الشهداء، والأيتام فقدت مصادر الإعانة.. الحالة على حافة الانفجار

عندما توجه لمقر الجمعية الإسلامية بغزة ليحصل على المساعدة الغذائية كما اعتاد منذ أصبح عاطلاً عن العمل، فوجئ أبو يوسف الجعبير (٤٥ عاماً) بباب الجمعية مغلقاً، وبأنه مكتوب على جدران الجمعية "مغلق بأمر من السلطة الفلسطينية". 

أبو يوسف عاد أدراجه إلى بيته خالي الوفاض بعد أن فقد مصدر المساعدة الرئيس الذي كان يعينه-بعد- الله على معاناته. 

ومثل أبو يوسف هناك آلاف الأسر الفلسطينية التي فقدت المعونات والمساعدات التي كانت تعتمد عليها كمصدر رزق رئيس وربما وحيد بعدما أغلقت السلطة المؤسسات والجمعيات الخيرية وجمدت أرصدتها البنكية, وهكذا تضاعفت المعاناة. فبالإضافة إلى الفقر والبطالة في ظل الحصار الصهيوني وفقد الآلاف من العمال لمصادر رزقهم جاء قرار السلطة ليقضي على آخر قنوات العيش ولتتسع دائرة الأزمة في ظل بطالة وصلت نسبتها إلى %٦٠ وبلغت نسبة الأسر الفلسطينية التي تعيش تحت خط الفقر ٥٠ خصوصاً في قطاع غزة.

 أبو يوسف الجـعـبـير كان يعمل في مؤسسات الكيان الصهيوني عامل بناء منذ ٢٥ عاماً ووصل متوسط دخله اليومي إلى ٥٠ دولاراً، وبعد الانتفاضة توقف عن العمل وأصبح يعيش على مساعدات ومعونات الجمعيات الخيرية. 

يطرق رأسه وكأنه يمنع الدموع أن تظهر في عينيه وهو يقول: "اليوم لا يوجد في مطبخ بيتي شيء كما أن لي خمسة أبناء في المدارس لا أستطيع أن أوفر لهم مصاريف المدرسة أو احتياجاتهم الأخرى". ويضيف: "كثيراً ما أهرب من البيت كي لا أسمع مطالب أبنائي..."

 الحالة لم تكن أفضل لدى فائق سلامة (٤٠ عاماً) والذي كان يعمل في مجال البناء أيضاً منذ عشر سنوات داخل الكيان لكنه أصبح بدون عمل منذ أكثر من عام ونصف العام وأصبح يعتمد في توفير مواده الغذائية الأساسية على الجمعية الإسلامية والجمعيات الخيرية الأخرى, سلامة لديه ثمانية أبناء أحدهم معاق ذهنياً وكان يحصل من الجمعية الإسلامية على مساعدات مالية لشراء العلاج اللازم, أما اليوم فإنه وأسرته يعيشون "برحمة الله" كما يقول، وأصبح يستدين كي يوفر العلاج ولكن الدين تراكم عليها وحتى فواتير الماء والكهرباء يستدين ليسددها ليستمر التيار الكهربائي في بيته ويتمكن ابناؤه من الدراسة, ناهيك عن أن المنزل ذاته لا تتوافر فيه مقومات الحياة الأولية. 

تعطيل للمشاريع الخيرية

الشيخ أحمد بحر رئيس مجلس إدارة الجمعية الإسلامية في غزة يستغرب إقدام السلطة على إغلاق المؤسسات الخيرية في هذا الوقت الصعب الذي يعيشه الشعب الفلسطيني تحت الحصار، مشيراً إلى أن أثاره مدمرة على آلاف الأسر التي تعتمد- بعد الله - على معونات الجمعيات الخيرية كمصدر رزق رئيس. 

ويقول: نستغرب قرار الإغلاق لأن الجمعية خيرية إنسانية مرخصة من قبل وزارة الداخلية ووزارة الشؤون الاجتماعية الفلسطينيتين وتعمل وفق القانون ولم يثبت أنها خالفت القانون أو نظام المؤسسات الخيرية ولها مدقق حسابات.

ويضيف: لقد طال قرار الإغلاق مقر الجمعية الرئيس ثم نادي الجمعية الذي كان يستعد فريقه لتمثيل فلسطين في الدورة العشرين للأندية العربية في الأردن. 

ويشير الشيخ بحر إلى أن الإغلاق تبعه تجميد أرصدة الجمعية في البنوك العاملة بفلسطين وأرصدة فروع الجمعية، وبلغ حجم المبالغ المجمدة ١٤٠ ألف دولار وهي أموال تتعلق بمستحقات الأيتام والزكاة وبعض المشاريع الخيرية.

 وللجمعية ۹ فروع تتوزع على مختلف مدن قطاع غزة وتكفل ما يقارب من خمسة آلاف يتيم تتراوح كفالة الطفل الواحد ما بين ٢٥ إلى ٥٠ دولاراً شهرياً، كما تكفل الجمعية ما يقرب من ٦٠٠ طفل فقير بقيمة مماثلة شهرياً إلى جانب دعم 500 أسرة فقيرة بمبلغ يتراوح ما بين ٥٠ و ۱۰۰ دولار شهرياً. هذا إلى جانب المشاريع الخيرية الموسمية مثل الحقيبة المدرسية التي يستفيد منها ۳۰۰۰ طفل، ومعونة الشتاء ويستفيد منها نحو ٢٥٠٠ أسرة، ومشاريع رمضان الخيرية وتوزيع الطرود الغذائية وتستفيد منها ما يقارب ١٥۰۰۰ أسرة, والأضاحي ومساعدة الطلبة المحتاجين ومساعدة أسر الشهداء والمعتقلين والجرحى. 

جدير بالذكر أن الجمعية الإسلامية ترعى ٤١ روضة أطفال بمختلف المناطق تضم أكثر من ۷۰۰۰ طفل وتشرف على عدة مراكز طبية. ويؤكد الشيخ بحر أن إغلاق الجمعيات الخيرية أثر على قطاع واسع من الفلسطينيين في ظل الهجمة الصهيونية والحصار الاقتصادي، وأثر بذلك على الخدمات والمشاريع الخيرية التي كانت تقدمها الجمعية الإسلامية ويستذكر الشيخ بحر أن الجمعية تعرضت للإغلاق من قبل السلطة الفلسطينية في عام ١٩٩٦ لعدة شهور ولكن ما زاد على الإغلاق هذه المرة وجعل الأمور أكثر سوءاً هو تجميد الأرصدة. ويعترف رئيس الجمعية بوجود شلل كبير في المشاريع تحاول الإدارة التغلب عليه وتسعي لإعادة تقديم المساعدات لمن هو أشد حاجة حسب الأولويات. 

وفي هذا الصدد ثم التوجه إلى المنظمات الحقوقية والمجلس التشريعي الفلسطيني ووزارة الشؤون الاجتماعية، حيث قدمت الأخيرة وعوداً بالاتصال بالجهات المعنية لتسهيل مهمة توصيل المساعدات، والمستحقات الضرورية، والإفراج عن الأموال لأصحابها من المستفيدين. 

كما أن الضرر طال مئات الموظفين في فروع الجمعية ومراكزها المختلفة الذين سينضمون إلى جيش المحتاجين والعاطلين عن العمل إذا لم يتلقوا رواتبهم. 

وعبر الشيخ بحر عن عميق أسفه لأنه يضطر لرد مئات المحتاجين وأصحاب المستحقات الذين يراجعون فروع الجمعية أو حتى يتوجهون لمنزله يسألونه حاجتهم، فلا يستطيع أن يلبيها نتيجة لشح الموارد المالية وتوقف معظم الأنشطة الخيرية. 

ويقول: إذا استمر الوضع طويلاً على هذا الحال فإن انفجاراً سيحدث من الجماهير المحتاجة والتي ضيق عليها الخناق طويلا وقد تقع اضطرابات تكون السلطة سبباً في اندلاعها نتيجة لقرارها إغلاق هذه المؤسسات. 

في نفس السياق يقول محمد أبو شرخ وهو موظف علاقات عامة بإحدى الجمعيات الخيرية في قطاع غزة: إن المؤسسات الخيرية ومنذ بداية الانتفاضة تواجه مشكلات وصعوبات مالية في ظل ازدياد احتياجات المجتمع وقد أصبحت الحاجة اكبر من قدراتها، فعلى سبيل المثال خلال شهر رمضان الماضي تردد على إحدى الجمعيات الخيرية أكثر من عشرة آلاف مواطن ولم تتمكن من تقديم طرود غذائية إلا لستة آلاف منهم. أضاف: "المشكلة أن السلطة إلى جانب قيامها بإغلاق المؤسسات الخيرية لا تستطيع توفير البديل بل بالعكس فهي لا تقدم أي نوع من المساعدات، وذلك باعتراف وزارة الشئون الاجتماعية نفسها التي كانت تعمل بالتعاون مع المؤسسات الخيرية المختلفة وأصبحت لا تستطيع أداء أي دوره". 

ويشير أبو شرخ إلى أن التأثير طال العاملين في الجمعيات الخيرية الذين يعانون أصلًا من ضعف في الرواتب مقارنة برواتب الدوائر الحكومية إلى جانب أن هؤلاء كان لهم دور اجتماعي مهم في إعالة الأسر التي ليس لها معيل والآن أصبحت أسر العاملين وأقاربهم مهددة بفقدان مصدر رزقها حيث تضم كل جمعية ۳۰۰ موظف على الأقل في مختلف المجالات. 

ويمكن الإشارة في هذا السياق إلى أن المؤسسات الخيرية كانت تشكل حلقة الوصل مع الجهات المتبرعة والداعمة للشعب الفلسطيني, وفقدان هذه الحلقة اليوم يعني وقف جزء كبير من هذه التبرعات وأموال الدعم خصوصاً وأن المؤسسات الإسلامية المغلقة حازت على ثقة الداعمين والمتبرعين الذين لا يقبلون بديلاً عنها حتى لو كانت السلطة الفلسطينية. 

وتحاول المؤسسات والجمعيات الخيرية اليوم الحفاظ على الحد الأدنى من تقديم الخدمات رغم قرار الإغلاق وتجميد الأرصدة ويقول أبو شرخ في هذا الصدد: "نعمل اليوم لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من الحالات الاجتماعية حيث يجري توزيع القليل مما تبقى في مخازن الجمعيات والذي أوشك على النفاد وبهذا تضاف معاناة جديدة إلى ما يعانيه الشعب الفلسطيني". حالة الاستياء الشعبي متزايدة فقد أصبح المواطن يعاني من ضغط اقتصادي خارجي وداخلي في أن واحد وتسعى الجمعيات الخيرية للتحرك من أجل الإفراج عن المبالغ المجمدة حتى يمكنها العمل من خلال فروعها كما التي لم يطولها الإغلاق بشكل رسمي. تحاول المؤسسات المحافظة على استمرار مواردها المالية الداخلية والخارجية حيث تعتمد في مواردها الداخلية على تبرعات الموسرين من الفلسطينيين إلى جانب الاعتماد بشكل كبير على المؤسسات الإسلامية والخيرية الخارجية.

 تأثير تجميد بعض المنظمات الخارجية. 

ومما لا شك فيه أن الجمعيات الإسلامية الخيرية في فلسطين تأثرت بالإجراءات التي اتخذت ضد المنظمات الإسلامية الخيرية في الخارج. ويعترف رئيس مجلس إدارة الجمعية الإسلامية بغزة بأن قرار تجميد أرصدة مالية مثل مؤسسة الأرض المقدسة في الولايات المتحدة -على سبيل المثال- التي كانت تكفل مئات الأيتام في فلسطين وتدعم بعض المشاريع الخيرية قد أضر بجانب مهم من مصادر الدعم للشعب الفلسطيني.

 وناشد الشيخ أحمد بحر كافة المؤسسات الخيرية وخصوصاً الإسلامية منها مواصلة تقديم الدعم والمساعدة للشعب الفلسطيني الذي يمر بأصعب المراحل في محنته، مشيراً إلى أن الجمعيات الخيرية في فلسطين لن تعدم الطريقة والآلية لاستقبال وإيصال هذه المساعدات للشعب الفلسطيني الذي أصبح ضحية للضغوط الصهيوغربية التي تستجيب لها السلطة الفلسطينية. 

الرابط المختصر :