العنوان إلى أدعياء حرية الرأي والتفكير
الكاتب محمد عبدالله الخطيب
تاريخ النشر الثلاثاء 11-فبراير-1997
مشاهدات 13
نشر في العدد 1238
نشر في الصفحة 50
الثلاثاء 11-فبراير-1997
مقال
«عجیب جهل ما يجري.. وأعجب منه لو تدري»، فإنه كلما نادى مخلص لأمته حريص على مستقبلها، يحذرها من دعاة الشر، ويكشف لها عن أعدائها الذين يحاولون طمس هويتها، وإبعادها عن مصادر شرفها وقوتها وعزها، حينما يرتفع هذا الصوت الناصح الأمين، يقف في وجهه بقايا الماركسية، ويقف أمامه المناوئون والمغرورون، ليكيلوا له وللمؤسسات الإسلامية كالأزهر وغيره التُّهم بلا حساب، فما أسرع التفوُّه بعبارات جوفاء مثل: رفض الحضارة والتحديث، والجمود، ومصادرة الفكر، وعداوة الثقافة، وتسمع العجب من هؤلاء يقولون: العقل المصري في خطر، الثقافة والإبداع يتلقيان طعنات قاتلة، مصر ستعود إلى العصور المظلمة «يقصدون العصور الإسلامية»، قوى التخلف نجحت في توسيع دائرة المحرمات، الأزهر يرهب الكتاب والمبدعين، المؤسسات الدينية تفرض وصايتها على الثقافة والإنتاج الأدبي.. إلخ.
سئل أحد الكُتاب عن السر في هذه الزوبعة والهجوم فقال: «الهدف منها التطاول على الإسلام، وهتك مقدساته، وإثارة مشاعر الناس وتضليلهم».
لقد استغل هؤلاء قضية هالك خاسر، تطاول على ثوابت الإسلام ومقدسات الأمة، فجعلوا منها مشجبًا نفثوا من خلاله كل سمومهم وأحقادهم، ولقد جاء في حيثيات محكمة الاستئناف الأدلة الدامغة على حكمها العادل الذي أصدرته ومنها : قوله عن الطاعة للقرآن الكريم: «إنها عبودية للنص»، ومنها المطالبة بتسوية المرأة للرجل في الميراث، علمًا بأن آيات الميراث قطعية الدلالة، ويرفض أن القرآن الكريم هو الحق، وأن ما ورد به الحق، وأنه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، كما رفض أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- لا ينطق عن الهوى، كل ذلك وغيره في أساليب ملتوية وعبارات يتصيدها من هنا وهناك تكشف عن حقيقة هذا الخاسر الهالك.
وهناك في بعض المفاهيم التي يجب تصحيحها وتوضيحها، مثل مفهوم الدين والدولة في الإسلام ، فالبعض من هؤلاء يتصور الخلاف بينها وبين القضاء، ويتصور أن الحكومة على عهد الخلفاء الراشدين، أو من جاء من بعدهم، كانت حكومة إلهية، حكومة معصومة عن الخطأ، أو حكومة مقدسة، وأن الإمام بدوره يحكم نيابة عن الله في الأرض، وأن له وحده حق التحليل والتحريم، أو حق تفسير نصوص القرآن، وهذا صحيح بالنسبة للرسول -صلى الله عليه وسلم- وحده، وهذا الفهم أو التصور، يرفضه مبدأ الاجتهاد في الإسلام، إنه يحول دون العصمة في الرأي، وإنه يحفظ على الإنسان المسلم مستواه كبشر في الخطأ والصواب.
والنصوص الصحيحة الصريحة أكثر من أن تُحصَى، وهي تنفي بوضوح كل هذه المفاهيم:
1-قول الحق تبارك وتعالى عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- ﴿قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ ......﴾ (الكهف: ١١٠).
٢-والحديث: «كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون» (أخرجه الترمذي)
٣-وقول أبي بكر -رضي الله عنه- «إني وليت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني وإن أسات فقوموني».
٤-وحياة النبي -صلى الله عليه وسلم- الخاصة والعامة كان أكثر الناس مشاورة لمن معه من الصحابة، وكان يكلف نفسه بما يكلف به أصغر رجل من أتباعه، وهذه صورة من المشاركة وعدم التميز حرص عليها -صلى الله عليه وسلم-.
فقد كان المسلمون في سفر، وأمر -صلى الله عليه وسلم- أصحابه بإعداد شاة، «فقال رجل: يا رسول الله عليّ ذبحها، وقال آخر: عليّ سلخها، وقال آخر على طبخها، فقال: عليه الصلاة والسلام وعليّ جمع الحطب، فقالوا يا رسول الله: نكفيك العمل، قال: علمت أنكم تكفونني، ولكن أكره أن أتميز عليكم، إن الله سبحانه وتعالى يكره من عبده أن يراه متميزًا بين أصحابه».
٥-رفض -صلى الله عليه وسلم- والمسلمون في حفر الخندق حول المدينة، إلا أن يعمل بيديه، ولولا أنها سنة حميدة، يستنها للرؤساء في المشاركة العملية للشعوب في حمل التكاليف والأعباء، لولا ذلك لأعفى نفسه من ذلك العمل، وأعفاه المسلمون منه شاكرين.
٦-سمع -صلى الله عليه وسلم- خصومة بباب حجرته، فخرج إليهم فقال: «إنما أنا بشر، وإنه يأتيني الخصم، فلعل بعضكم أن يكون أبلغ من بعض، فأحسب أنه صدق، فأقضي له بذلك، فمن قضيت له بحق مسلم، فإنما هي قطعة من النار فليأخذها أو فليتركها» (متفق عليه)
٧ – ولقد كان -صلى الله عليه وسلم- يكره أن تُقبَّل يده، يقول أبو هريرة -رضي الله عنه-: دخلت السوق مع النبي -صلى الله عليه وسلم- فاشترى سراويل، وقال للوازن زن وأرجح، فوثب الوازن إلى يد رسول الله يقبلها، فجذب رسول الله يده، وقال: هذا تفعله الأعاجم بملوكها، ولست بملك، إنما رجل منكم، ثم حمل السراويل، فذهبت لأحمله، فقال: صاحب الشيء أحق بشيئه أن يحمله» (أخرجه البيهقي)وكان -صلى الله عليه وسلم-يقول: «إنما أنا عبد آكل كما يأكل العبد، وأجلس كما يجلس العبد»، فهل معايشة الحاكم لأفراد أمته؟ وذهابه بنفسه إلى السوق لشراء ما يلزمه، وحمله بنفسه إلى بيته، وهل مشاركته لهم في الحفر والبناء وإعداد الطعام، هل هذه هي عصور الظلام والتخلف؟ إنه الزور والبهتان والافتراء على تاريخ المسلمين.
إن أي حكومة أو فرد في الإسلام يطبق كلام الله، فإنه لا يخرج عن دائرة الاجتهاد في التطبيق، بمعنى أنها تدور بين الخطأ والصواب فيه، فلا توجد حكومة إلهية في الإسلام، كما لا يوجد دين ودولة بمعنى «لا توجد سلطتان» إحداهما سلطة رجال الدين والكهنوت تقيم من نفسها هيئة للإشراف، والأخرى سلطة الدولة وهي الهيئات السياسية، والحكومة في الإسلام حكومة إنسانية مدنية، تستند إلى كتاب الله وسنة رسوله في التطبيق، والإسلام يضع الموازين لحياة الفرد والأسرة وسياسة الأمة معًا، ولا يعرف الازدواج في السلطة، ولا يملأ الدواوين بأصحاب المسابح أو التواشيح، لكنه يملؤها بالمخططين والمتخصصين في كل جوانب الحياة، واللبس في هاتين القضيتين في مجتمعاتنا الإسلامية إنما جاء نتيجة للتقليد الأعمى للغرب دون نظر أو فهم المبادئ الإسلام، وصدق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين قال: «لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرًا بشبر وذراعًا بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب خرب لسلكتموه، قلنا يا رسول الله اليهود والنصارى، قال فمن؟ أي فمن سواهم؟» (متفق عليه)وكنا نظن في الفترة الأخيرة خاصة بعد سقوط الشيوعية، وفشل النظرية الماركسية، وكشف زيف العلمانية والعلمانيين، كنا نظن أن التعصب ضد الإسلام قد تراجع أو انكسرت حدَّته كنا نظن أن نارهم قد انطفأت، لكن الذي حدث هو العكس، فقد تعددت وسائل هجومه وازدادت وقاحته، ومع أن الهدف هو صحيح رسالة الإسلام، وعقيدة الإيمان بالله واليوم الآخر، إلا أنهم يحاولون أن يتجهوا بهجومهم إلى ما يسمى بالإسلام السياسي، أو عودة الدولة المسلمة التي تنزل على منهج الله، ويتساءلون: هل يمكن لدولة عصرية اعتماد الإسلام نظام حكم؟ وكأنهم يقولون إن التقدم العلمي والتكنولوجي يغنِي عن دين الله في إسعاد البشرية، وفي خيرها وفي الترابط والأمن والأمان، ونقول لهم ببساطة شديدة إن التفوق العلمي والتقدم التكنولوجي يساعد فقط على التطور المادي وتوفير الماديات للبشرية، ولكن التقدم العلمي وحده لا يستطيع أن يحول دون أن يسيطر فريق من البشر على هذه الوسائل ويحرم منها الآخرين، وهذا هو الواقع الآن بالفعل.
إن التقدم العلمي لا يستطيع أن يمنع توجيه هذه الإمكانات للإضرار بالبشرية وشقائها وهذا هو المطبق الآن، لقد أصبح التفوق العلمي مصدًرا لغدر الناس بعضهم ببعض، ومصدرًا للعبث والفساد، ومصدرًا للتحلل، ومصدرًا لتجارة الرقيق.
وحين تقوم الدولة العصرية على النظام الإسلامي، فإن الصورة تتغير تمامًا وتصبح هذه الإمكانات الهائلة في خدمة البر والخير، في خدمة الإنسانية، في خدمة القيم العليا، في توفير الطمأنينة والأمن والأمان للبشرية. قال الله تعالى: ﴿ما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ﴾ (البقرة: ١٠٥)، وهم ممن يدعى أنهم أهل كتاب ﴿ولا المشركين﴾، وهم الملحدون الوثنيون، هؤلاء وهؤلاء لا يودُّون ﴿أنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكم مِن خَيْرٍ مِن رَبِّكم واللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشاءُ واللَّهُ ذُو الفَضْلِ العَظِيمِ﴾ (البقرة : ١٠٥)ونقول لهؤلاء ثانيًا: وهم الذين يرفضون اعتماد الإسلام نظام حكم في دولة عصرية نقول لهمولماذا اعتمدت اليهودية نظام حكم في إسرائيل؟ولماذا قامت للفاتيكان دولة؟ولماذا تحكم الأحزاب المسيحية في أوروبا؟ولماذا تسكتون عن هؤلاء وتعتبرون عملهم مشروعًا، ثم تهاجمون نظام الحكم في الإسلام بكل وقاحة وضراوة، فهل ديننا وحده هو الذي يستحق الحرمان من الهيمنة على الحياة، وتعطيل الأحكام التي جاء بها؟.
يرد الشيخ محمد الغزالي – رحمه الله – على هؤلاء فيقول: «يتنادى العلمانيون العرب بحرمان الإسلام من السلطة، ومهاجمة الإسلام السياسي؟ عجبًا؟ وهل تحترمون الإسلام في ميدان العبادات والمعاملات؟ سمعت أحدهم يقول: باريس بلد النور... القبلات والأحضان في الحارات والميادين، في الترام وفي السيارات رائحة الحب في الجو كله، تأمل الاهتمامات؟».ثم يقول – رحمه الله – كنت أريد أن أقول له: «أتحب أن تكون أختك أو زوجتك في أحضان آخر ولكني سكتُّ لأني توقعت أن يقول لا مانع من تبادل المتعة، إن الحرب على الإسلام يعلنها أفاكون وقوَّادون لا يؤمنون بلقاء الله ولا يحترمون له هداية، المختار الإسلامي.
مالا يعرفه الإسلام في تاريخه كله
1-لا يعرف الفصل بين دين ودولة، إنما يعرف الحياة الإنسانية للفرد وفي علاقته بغيره.
٢-لا يعرف قضية للدين والعلم، فالعلماء المسلمون قدموا أعظم منهج للبحث العلمي، وطلب العلم عبادة في الإسلام.
٣-ولا يعرف حكومة إلهية، ولا رفعًا لإنسان فوق مستواه الإنساني، وإنما يعرف إنسانًا يصيب ويخطئ في تقديره ورأيه وعلمه، وامرأة مسلمة ردَّت على سيدنا عمر وتقبل منها هذا التوجيه.
٤-لا يعرف إنسانًا ماديًّا أنانيًّا يطغى بماديته وأنانيته، وإنما يعرف إنسانًا محسنًا جوادًا صاحب مروءة يعطي إنسانيته على الأقل بقدر ما يأخذ إن لم يكن يعطى أكثر.
٥-لا يعرف تواكلًا عن السعي والعمل، وإنما يعرف متوكلًا ومعتمدًا على الله سبحانه بعد العزم وأخذ الأسباب، وتحديد الطريق الذي يسلكه في سعيه وفي عمله.
٦-لا يعرف عنصرية ولا طبقية، إنما الناس جميعًا سواء في الاعتبار البشري وفي المسؤولية أمام الله، وأن التفاضل بينهم هو في مدى تحقيق مستوى الإنسانية في تفكير المؤمن وسلوكه وعمله، هو في التقوى والعمل الصالح، ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾ (الحجرات: ١٣).
٧-لا يعرف الإسلام صكوك الغفران، وكراسي الاعتراف، ولا المجالس التي تقوم بالتحليل والتحريم من دون الله، بمعنى أنه لا توجد سلطة سياسية باسم الدين، لأنه لا توجد في الإسلام خصومة بين الدين من جانب والدولة والعلم من جانب آخر.
٨-القرآن الكريم كتاب هداية للإنسان في أحواله وشؤونه، وفي وصوله إلى ربه سبحانه وتعالى، وهو للناس جميعًا متساوين أمامه، وليس مجزءًا بعض مجموعة دينية، وبعضه الآخر، مجموعة كونية أو سياسية.
٩-الإسلام لا يعرف اتجاهًا ماديًّا يفرق بين الأخوة ويجسد عوامل الشر، ويغري بالفتنة، لكنه يعرف نظامًا نابعًا من الشريعة الإسلامية من شأنه أن يجمع ويكتل، ويقرب بين المتباعدين، ويقوي الأواصر، ويربط القلوب، ويهذب النفوس ويطفئ الفتن، وهذه كلها نعم من المولى سبحانه وتعالى، قال تعالى: ﴿وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (103)﴾ ( آل عمران: ١٠٣).
۱۰-يريد الإسلام للبشرية أن لا تسف وتسقط إلى عالم الحيوان، وتغفل عقلها وتتنكر لفطرتها.
۱۱-الإسلام يعرف الإنسان كبشر مخلوق يقدم له الرعاية، ويأخذ بيده حتى لا يقع في الخطأ والزلل، فإذا كبَا وأخطأ أخذ بيده، وأقال عثرته: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا﴾ (الزمر: ٥٣).
۱۲ – ليس الإسلام إعلاء للروح وتعذيبًا للجسد، إنه لا يعترف بالفصل بينهما، إن الروح
والجسد قد صارا شيئًا واحدًا هو الإنسان، ولا نستطيع أن نتبين فيه روحًا من جسد، ومن ثم ينهض الإسلام بهذا الكائن وحدة كاملة، والشعائر الدينية ليست جرعات خاصة بالروح فقط فهي تتضمن أيضًا فوائد للبدن في الصوم والصلاة والحج، وفوائد للعقل في تلاوة القرآن والاستماع له، ولخطب الجمعة والعيد، والحج رحلة فيها ثقافة ورياضة، ولهذا ينظر الإسلام إلى معارج الروح والسمو الإنساني ليست في خارج هذا العالم بل في داخله.
١٣-الإسلام لا يعرفه كهنة للشعائر، وتباشر الوساطة بين العبد وربه إذ كل مسلم يناجي ربه مباشرة، ومن ثم لا مجال لطبقة رجال الدين، أما العلماء في الإسلام، فهم مجرد مبلغين لما درسوه وتعلموه يبينون للناس ما خفي عنهم من دينهم ليس لهم في ذواتهم قداسة، ويستطيع كل مسلم أن يتعلم عنهم أو عن غير طريقهم.
١٤-الإيمان بالغيب هو العتبة التي يجتازها الإنسان، فيتجاوز مرتبة الحيوان الذي لا يدرك إلا ما تدركه حواسه، إن مرتبة الإنسان الذي يدرك أن الوجود أكبر وأشمل من ذلك الحيز الصغير المحدد الذي تدركه للحواس – أو الأجهزة التي هي امتداد للحواس – وهي نقلة بعيدة الأثر في تصور الإنسان لحقيقة الوجود كله، ولحقيقة وجوده الذاتي، ولحقيقة القوى المنطلقة في كيان هذا الوجود، وفي إحساسه بالكون وما وراء الكون من قدرة وتدبير.
وأقول للواهمين «إن الفكر المادي العلماني والشيوعي، يدِّعي التقدُّم والرُّقِي، وآراؤه هذه ودعواه باطلة، فهو فكر متخلف يعمل على تجميد العقل البشري، ويشله عن متابعة كل تطور علمي أو صناعي، إنه فكر مفلس في تحقيق ما يسمى بالعدالة، إنه فكر عاجز عن إيجاد مجتمع إنساني، إنه يدعي التقدم والتقدمية وهو لا صلة له بالتقدم في إنسانية الإنسان، وأنه يزعم العدالة، وهو في الواقع يحقق كل ألوان الظلم والجور والطغيان، ويقضي على الجدية في العمل والتفكير، ولهذا سقط وسقطتم في الهاوية وبقيت رسالة الإسلام الخالدة رغم أنوفكم وأقلامكم المأجورة، وأفكاركم المريضة».
إن فكركم – إن صح هذا التعبير – يحارب جميع الأديان ويمحوها في غير هوادة ولا رحمة، وتقولون إن الدين محور للشعوب، لكن الدين الخالد الذي حفظه الله وتكفل بحفظه رغم تقصير أهله، وقف لكم بالمرصاد وكشف خزيكم ونفاقكم، وعلماء الإسلام سيقفون لكم في كل طريق بالمرصاد، والله من وراء كيدكم ومكركم محيط وقد ضرب القرآن الكريم مثلًا يمكن أن يوضح موقفكم، فهو يقارن بين صورتين صورة رجل يعيش في مجتمع منكوس كالمجتمع الروسي الذي تعملون لحسابه، ولا تستحُون، والآخر صورة رجل يعيش في مجتمع الأمن والسلام والخير الذي تبغضونه وتكرهونه فقال سبحانه: ﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَّجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لَا يَقْدِرُ عَلَىٰ شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَىٰ مَوْلَاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّههُّ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ ۖ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَن يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ ۙ وَهُوَ عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (76)﴾ (النحل : ٧٦ ).
أليس الفرد الماركسي في المجتمعات الشيوعية الملحدة، أبكم أخرس لا يستطيع أن يفتح فمه ولا أن يعبر عن رأيه؟ وأليس هو آلة وترس في عجلة الإنتاج، وأليس هو كلًّا وعبئًا على الدولة التي صنعت منه كمًّا مهمَلًا لا وزن له، إنه أينما توجهه لا يأت بخير؟.
أما الصورة الأخرى فهي للمؤمن الذي قاده إيمانه إلى الصدق والعدل والاستقامة، والعطاء لغيره قبل نفسه: ﴿وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ۚ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (9)﴾ (الحشر: ۹)
يا بقايا الإلحاد
إنه لخطر عظيم أن نقبل دينًا يرفض العلم والحضارة والتقدم، أو نقبل علمًا يرفض الدين والأخلاق والفضائل، وأنتم من دولة بغير دين أو أخلاق، أو دينًا من غیر دولة والإسلام يرفض هذه وتلك، والحضارة التي لا تعتمد سوى العلم في حركتها، حضارة عرجاء تسير على ساق واحدة، ولابد للأعرج المكسح أن يسقط في يوم من الأيام، وهذه الحضارة رغم أنها عرجاء ولا تملك إلا عينًا واحدة، بعد أن اختارت بنفسها أن تطمس الأخرى، ولابد لإنسان أعور أن يفقد الرؤية الصحيحة، والإسلام يحرص بل ويجاهد في تحقيق حضارة سليمة تسير على ساقين، وتبصر بعينين، والإسلام هو الذي حرر الإنسان من العبودية لأي شيء إلا الله وحده، حررهم من العمى والكساح والعرج وكل الآفات التي تهدد مستقبلهم أو تقضي على حاضرهم، وصدق الله العظيم إذ يقول: ﴿أَفَمَن يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّن يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾ ( الملك: ٢٢ ).
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل