العنوان «موي» مطمئن للفوز الساحق في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية
الكاتب د. عبدالله الشيخ
تاريخ النشر الثلاثاء 30-ديسمبر-1997
مشاهدات 10
نشر في العدد 1282
نشر في الصفحة 44
الثلاثاء 30-ديسمبر-1997
كينيا
نيروبي:
أجريت يوم ۲۹ ديسمبر ۱۹۹۷م الانتخابات العامة «الرئاسية والبرلمانية والبلدية» في كينيا، وهي الانتخابات الثانية في عهد التعددية السياسية، وهناك اهتمام واسع بهذه الانتخابات لدى الدوائر السياسية الغربية والإعلام العالمي، لا لأنه يتوقع منها أن تسفر عن نتائج مفاجئة أو تؤدي إلى تغيير نظام الحكم في البلد ولكن لأن الغرب يهتم بالاستقرار السياسي والاقتصادي في الدول الحليفة له، ومن أهمها في القارة الإفريقية كينيا، وينبغي أن يكون القارئ العربي مطلعًا على خلفيات وحقائق هذه الانتخابات في هذا البلد الإفريقي المهم في شرق إفريقيا الذي كان للمسلمين دولة على شواطئه قرونًا طويلة.
يتكون البرلمان الكيني من مجلس تشريعي واحد يسمى المجلس الوطني يتشكل بعد التعديل الدستوري الجديد من ۲۱۰ أعضاء منتخبين و۱۲ عضواً معينين وعضوين آخرين بحكم المنصب وهما رئيس المجلس والنائب العام، ويقسم البلد إلى دوائر انتخابية حسب الكثافة السكانية للمنطقة ويعني ذلك أن المناطق المكتظة بالسكان مثل الإقليم «الأوسط» و«نيانزا» و«الغرب» تحظى بدوائر أكثر وبالتالي بنواب أكثر من المناطق الأخرى مثل الشمال ذي الأغلبية المسلمة والذي يعتبر كله أو معظمه شبه صحراء.
يشترط لمن يرغب في منصب الرئاسة أو البرلمان أو عضوية المجالس المحلية أن يرشحه أحد الأحزاب السياسية المسجلة قانونيًا وفوق ذلك يشترط الرئيس أن ينتخب عضوًا في البرلمان وأن يحصل على ٢٥ ٪من الأصوات في خمسة من أقاليم البلد الثمانية، ويقضي نظام الانتخابات الكيني بأن الفوز في مقاعد البرلمان والمجالس البلدية يكون لمن يحوز أغلبية الأصوات بغض النظر عن النسبة التي حصل عليها.
انتخابات عام ١٩٩٢م:
كانت انتخابات ۱۹۹۲م أول انتخابات تعقد على أساس التعددية الحزبية منذ الاستقلال وجاءت نتيجة لحملة واسعة قامت بها الكنائس والسياسيون مطالبين بالديمقراطية والتعددية الحزبية وكانت هذه الحملة تجد كل المساندة والدعم من الدوائر الخارجية وأهمها دول الغرب «المانحة» مثل الولايات المتحدة كان سفيرها في البلاد آنذاك سميث همبستون في الصف الأول في قيادة الحملة وكذلك الاتحاد الأوروبي، وجمدت هذه الدول المساعدات عن حكومة «موي» للضغط عليه، وبعد صراع مرير رضخت الحكومة إلى مطالب الحملة ووافقت- تحت الإكراه- على عقد انتخابات برلمانية ورئاسية على أساس التعددية الحزبية.
ونتيجة لذلك واستعدادًا للانتخابات تكونت أحزاب سياسية كثيرة بالإضافة إلى الحزب الحاكم «كانو» ومن أهم هذه الأحزاب: حزب «فورد» وكان مظلة تجمع معظم المناضلين للديمقراطية. ولكن بعد السماح بالتعددية مباشرة انقسم هذا الحزب على نفسه إلى شقين: شق يقوده السياسي المخضرم المسن «أوجينيجا أودينغا» وهو أول نائب رئيس للجمهورية، وتسمى هذا الجناح بـ «فورد-كينيا» تمييزًا له عن الشق الآخر الذي تسمى باسم «فورد أصيلي» وتعني «الأصلي» بالسواحلية ويقود هذا الجناح «كنيث ماتيبا» سياسي بارز من قبيلة «كيكويو» ووزير سابق في حكومة «موي» ومن الأحزاب الأخرى التي تكونت أيضًا «الحزب الديمقراطي» بقيادة «مواي كيباكي» وهو من قبيلة «كيكويو» ونائب رئيس سابق للرئيس الحالي كما تكونت عدة أحزاب صغيرة أخرى.
وتجدر الاشارة إلى أن الحكومة رفضت تسجيل «الحزب الإسلامي الكيني» الذي تقدم بطلب التسجيل في ذلك الوقت ولم تسمح له بمزاولة النشاط السياسي بدعوى أنه حزب طائفي يدعو إلى التمييز الديني ضد بقية شرائح المجتمع وبحجة أن كينيا دولة علمانية ولا يسمح فيها بمزج السياسة بالدين، ومع ذلك يرى المراقبون أن هذه الدعوى واهية وأن الدافع الحقيقي لحظر الحزب هو أن الحكومة خافت من أن يكتسح مناطق الأغلبية المسلمة في الساحل والشمال وهي مناطق طالما احتكرت فيها الحكومة الولاء السياسي، وأهم من ذلك أنه يؤدي إلى إفاقة المسلمين «ثلث السكان» من غفوتهم السياسية ويصبحون قوة سياسية تنافس النصارى في المناصب وبقية أوجه الحكم والوظائف وهو أمر طالما حرص المستعمر البريطاني والحكومات المتعاقبة بعده على تفاديه بكل التكاليف، وإلا فكيف يفسر النشاط السياسي البارز لرجال الدين النصارى والكنائس؟
وتنافس في انتخابات عام ۱۹۹۲م على منصب الرئاسة ثمانية مرشحين منهم الرئيس الحالي الذي فاز بأقل من ٣٧٪ من الأصوات، يليه كينث ماتيبا بنسبة ٢٦٪. وفاز الحزب الحاكم «كانو» بـ۱۰۰ مقعد من بین ۱۸۸ في حين فاز أقوى حزب من المعارضة بـ۳۱ مقعدًا فقط.
الإصلاحات الدستورية والقانونية:
قامت الأحزاب السياسية المعارضة ومجالس الكنائس وجماعات الضغط بحملة ضغط مطالبة بإصلاحات دستورية وقانونية قبل الانتخابات العامة ۱۹۹۷م، واشتبك أنصار هذه الحملة مع رجال الأمن والشرطة في أكثر من مناسبة مما أدى إلى مقتل العشرات من الناس من كلا الجانبين وإصابة كثيرين آخرين بجروح.
وأخيرًا رضخت الحكومة إلى بعض هذه المطالب وتوصلت إلى اتفاق مع نواب المعارضة أو أكثرهم على حل وسط.
ويقضي الاتفاق بأن لجنة مشتركة من نواب الحكومة ونواب المعارضة بإعداد بعض الإصلاحات الدستورية والقانونية والإدارية وإجازتها من البرلمان قبل الانتخابات، ومن أهم هذه التعديلات:
- إعلان التعددية الديمقراطية في الدستور صراحة.
- إضافة ١٠ أعضاء جدد تختارهم المعارضة إلى لجنة الانتخابات التي كانت المعارضة تتهمها بعدم الحياد.
- يسمح للرئيس بتشكيل حكومة ائتلافية مع المعارضة بعد الانتخابات «لم يكن الدستور يسمح بذلك قبل التعديل».
- أن يتم تعيين ۱۲ عضوًا باقتراح من جميع الأحزاب ذات التمثيل في البرلمان وتعديلات قانونية أخرى.
وقد اعتمد البرلمان هذه الإصلاحات في ١٧سبتمبر الماضي، ومن الملاحظ أنه ليس من هذه الإصلاحات شرط أن يحصل الرئيس على أكثر من ٥٠٪ من الأصوات وكان ذلك من جملة مطالب الإصلاح.
الأحزاب السياسية الحالية:
هناك حوالي ۲۷ حزبًا سياسيـًا مسجلًا ولكن معظم هذه الأحزاب لا يعدو أن يكون حبرًا على ورق، ولا يتوقع أن يحرز مرشحوها أية نتائج تذكر وذلك لأن أصحابها قليلو الشهرة أو عديموها وأهم هذه الأحزاب:
١-«كانو»، وهو الحزب الحاكم: حكم البلاد منذ الاستقلال رئيسه ومرشحه للرئاسة هو الرئيس الحالي «دانيال آراب موي» من قبيلة «كلنتجين».
٢ - الحزب الديمقراطي: وتأسس عام ١٩٩١م، رئيسه ومرشحه للرئاسة هو «مواي كيباكي» من قبيلة «كيكويو».
3- «فورد – كينيا»: تأسس عام ۱۹۹۱م، رئيسه ومرشحه للرئاسة «مايكل كيجانا وامنوا» من قبيلة «الهيا»، ورث رئاسة الحزب بعد موت مؤسسه «أوجنجا أدنجا».
٤- حزب التنمية الوطنية: رئيسه ومرشحه للرئاسة هو «رايلا أودينجا» من قبيلة «للو» وهو ابن السياسي الراحل «أودينجا»، انضم إلى هذا الحزب بعد صراع مرير على قيادة حزب «فورد – كينيا».
٥- «حزب الديمقراطي الاجتماعي»: تأسس عام ۱۹۹۲م، مرشحه للرئاسة هي السيدة «شاريتي نجيلو»، وهي أول امرأة ترشح نفسها للرئاسة، من قبيلة «كامبا»، فاجأت الكثيرين بقوتها حتى الآن وترى الدوائر الأجنبية أنها تمثل جيلًا أحسن من جيل معارضة عامة ١٩٩٢م.
٦ - «فورد أصيلي»: وانشق هذا الحزب عن حزب «فورد كينيا»، وكان يرأسه «كنث متبيا»، لكن بسبب الصراع على قيادته مع «مارتن شيكوكو» الأمين العام للحزب تخلى عن الحزب وعن خوض الانتخابات.. ومرشحه للرئاسة هو «مارتن شيكوكو» من قبيلة «لهيا».
٧- «سفينة»: تأسس هذا الحزب عام ١٩٩٦م لكن الحكومة رفضت تسجيله لأكثر من عام كامل لأسباب غير معروفة، إلا أنه سجل قبل شهر فقط من الانتخابات، ويرى المراقبون أن الحكومة رفضت تسجيله لأنه لم يكن كغيره مبنيًا على أسس قبلية، وتوقع كثيرون أنه ربما ينقذ المعارضة السياسية من الوهدة التي تردت فيها، ومن أشهر مسؤولي الحزب أمينه العام «ريشاد ليكي»، وهو رجل من الأقلية الأوروبية، ولم يرشح الحزب أحدًا للرئاسة.
القضايا المطروحة:
ولعل من المفيد هنا الإشارة إلى أن الطرح السياسي في كينيا في مجمله يرتكز على الانتماء القبلي ولا يحتوي على أي محتوى فكري أو مبدأ سياسي وهذا صحيح بالنسبة لجميع الأحزاب بما فيها الحزب الحاكم «كانو»، إلا أنه من الممكن وصفه بأنه أقل الأحزاب اعتمادًا على القبلية لكونه منتشرًا في معظم أنحاء البلاد بحكم تاريخه الطويل، وامتلاكه لموارد مالية كثيرة، ومع ذلك فهو أيضًا يعتمد على الشخصيات السياسية في كل قبيلة وليس على أفكار يعتقدونها..
وتجد في الحملة الانتخابية أنه ليس هناك كبير فرق بين برامج الأحزاب، وقلما تجد أنهم يختلفون في قضية سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية، وكل ما يقوله المرشح للناخبين أنا خير لكم من هذا وحزبي خير لكم من حزبه لأني سوف أفعل لكم كذا وكذا مثل شق شارع أو بناء مدرسة وهذا في أحسن الأحوال، وكثيرًا ما يحدث أن المرشح يشق طريقه إلى البرلمان بأن يشتري وجوه القبيلة وليس ذلك بصعب لمن لديه أموال كافية، بسبب الفقر المدقع لدى أغلبية الناس.
تكاد تنبؤات المراقبين والمحللين تجمع على أن الحزب الحاكم سيفوز بأغلبية ساحقة أكثر من الانتخابات السابقة في عام ۱۹۹۲م وأن الرئيس الحالي «دانيال آراب موي»، سيفوز كذلك بأغلبية أكثر من التي فاز بها عام ۱۹۹۲م، وهذا رغم أن اقتصاد البلاد في حالة يرثى لها وأن حالة البنية التحتية تدهورت في السنوات الأخيرة، وينسب المحللون السياسيون كل ذلك إلى الفساد الإداري المستشري داخل حكومة «موي». ورغم أن هذه الانتخابات تعقد في ظروف قانونية ودستورية وإدارية مناسبة للمعارضة أكثر من انتخابات عام ۱۹۹۲م، ولكن رغم كل ذلك يرى المراقبون أن الرئيس الحالي والحزب الحاكم سيحرزان فوزًا ساحقًا وأن المعارضة تبدو أسوأ حالًا من أي وقت مضى بسبب الانشقاقات الداخلية وافتقارها للرؤية السياسية الواضحة وبسبب ذلك فقد الناخب أي رجاء في هذا الجيل من قادة المعارضة، أضف إلى ذلك أن الحزب الحاكم ومرشحه الرئاسي في موقف أقوى لأنه يسيطر على أجهزة الدولة وسيساعده ذلك بصورة أو بأخرى ومن المعروف أنه من النادر ألّا يفوز الحزب الحاكم أو الرئيس الحاكم في انتخابات في العالم الثالث وإفريقيا في مقدمة ذلك.
دور المسلمين:
من الملاحظ أنه لم يكن من ضمن المرشحين للرئاسة في الانتخابات السابقة «۸ مرشحين» وفي هذه الانتخابات «۱٥ مرشحاً» مسلم واحد ولم يحدث أن حاول مسلم أن يترشح لهذا المنصب وكأنه يحظر على المسلمين أن يقودوا البلاد قانونيًا. أو أنهم ليسوا في بلادهم، وهذا إنما يدل على مدى استسلام المسلمين للوضع القائم، وهو قيادة النصارى للبلاد منذ الاستقلال، وهو أمر قد مهد لها المستعمر تمهيدًا جيدًا من حيث التعليم وامتلاك وسائل الاقتصاد مما يعني أن المسلمين أصبحوا متخلفين في معظم مجالات الحياة العامة في البلاد بالمقارنة مع غيرهم، وفي الواقع أنهم في المجال السياسي أحسن حالًا منهم في مجالات أخرى.
كان في البرلمان السابق ٢٤ نائبًا مسلمًا فقط من بين ۲۰۰ نواب مما يجعل نسبتهم أقل من ١٢٪ من الأعضاء، وينافس في هذه الانتخابات حوالي ۱۲۰ مسلمًا من بين حوالي ٨٤٠ مرشحًا، ولا يتوقع أن يتجاوز عدد النواب المسلمين ٣٠ نائباً، والسبب أن المسلمين لهم الأغلبية المطلقة فقط في إقليمين من الأقاليم الثمانية وهما «الساحل- والشمال الشرقي» مما يعني أن المسلمين في الأقاليم الأخرى وأيضًا في بعض المناطق من هذين الإقليمين لا تمثيل لهم في البرلمان مثل مسلمي نيروبي وأجزاء من الإقليم الشرقي والغربي حيث توجد أقلية مسلمة كبيرة. نظرًا لقانون الانتخابات الكيني الذي يعطي الكل للأغلبية بدلًا من التمثيل النسبي.
لا يشاركان:
من المهم الإشارة إلى أن هناك شخصيتين مهمتين في الشارع الرئيسي الكيني لا يشاركان في هذه الانتخابات إطلاقًا لأسباب متشابهة أحدهما السياسي الشهير «كنث متبا» رجل المعارضة القوي والرئيس السابق لحزب «فورد أصيلي»، الذي نافس في انتخابات عام ۱۹۹۲م الرئاسية وحصل على المرتبة الثانية بعد الرئيس «موي» بل كانت نسبته تقرب من نسبة الرئيس، ولم يقبل أبدًا نتيجة تلك الانتخابات واتهم الرئيس بالتزوير، ولكن أعلن أنه لن يشارك في هذه الانتخابات حتى يتم تغيير كلي للدستور.
والشخصية الثانية هو الواعظ المسلم صاحب الخطب النارية الشيخ خالد بلال الذي اشتبك انصاره وأنصار الحزب الإسلامي الكيني مع القوات الأمنية في الساحل في بداية التسعينيات وبسبب نقده اللاذع للحكومة سحبت الحكومة منه الجنسية الكينية وهو في زيارة لألمانيا. مما جعله حبيسًا لمدة سنة كاملة وأخيرًا سمحت له بالعودة بعد انتهاء فترة التسجيل للانتخاب بما يعني أنه لا يسمح له المشاركة في الانتخابات.
دور القوى الخارجية:
كينيا دولة حليفة للغرب منذ استقلالها ومهمة في شرق إفريقيا ويرتكز اقتصادها أساسًا على الاستثمار الغربي في السياحة والزراعة والصناعة وتعودت الدول الغربية ومؤسساتها المالية- صندوق النقد الدولي والبنك الدولي- تقديم دعم اقتصادي دائم للحكومات المتعاقبة، ولكن الغرب استخدم هذا الدعم في الضغط على حكومة «موي»، للقيام بإصلاحات ديمقراطية كما يرى الغرب والواقع أن مطالبة الغرب بالتعددية الديمقراطية ما هي إلا لون من ألوان ترتيب الدول النامية في صفوف أو طوابير وراء الدول الكبرى بهدف إملاء التوجه السياسي والاقتصادي عليها لتخدم في النهاية مصالح هذه الدول.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل
وَفد الجَماعَة الإسلاميّة يزور المناطق المتأثرة بالاضطرابات في كشمير
نشر في العدد 450
12
الثلاثاء 19-يونيو-1979