; تشجيع الإسلام «الشعبي الطرقي» على حساب الإسلام «السياسي الحركي».. «هيكلة» الحقل الديني في المغرب.. هواجس الأمن وتحديات الإصلاح | مجلة المجتمع

العنوان تشجيع الإسلام «الشعبي الطرقي» على حساب الإسلام «السياسي الحركي».. «هيكلة» الحقل الديني في المغرب.. هواجس الأمن وتحديات الإصلاح

الكاتب محمد السروتي

تاريخ النشر السبت 01-نوفمبر-2008

مشاهدات 19

نشر في العدد 1825

نشر في الصفحة 36

السبت 01-نوفمبر-2008

الدولة تسعى لاستعادة تحكمها الشامل في المجال الديني باندماج الفعاليات والأنشطة الدينية كافة في المجالس العلمية الحكومية

الرهان على «الإسلام الصوفي» كخيار إستراتيجي يقودنا للتساؤل عن مدى أهلية هذا الخبار لمواجهة وتجاوز التحديات المطروحة

الملك محمد السادس أسند للمجلس العلمي إحالة الفتاوى الدينية إلى جلالته.. سدًّا للذرائع.

يحتل الحقل الديني في المغرب مكانة متميزة ضمن الهيكلة المؤسساتية، تجعله من المجالات الحساسة؛ خصوصًا أنه الحقل الذي ينهل منه الملك شرعيته الدينية «بوصفه أميرًا للمؤمنين».. والمتتبع للشأن الديني بالمغرب يلاحظ أن الجهات المسؤولة بادرت عقب تفجيرات الدار البيضاء عام ۲۰۰۳م، بفتح عدة ورش عمل كبرى لتقنين الحقل الديني إعلاميًا ودينيًا، توِّجت بخطاب ملكي أمام المجلس العلمي الأعلى، وأعضاء المجالس العلمية الإقليمية، صدر في ٣٠ أبريل ٢٠٠٤م، بمدينة «الدار البيضاء». 

وقد أشار العاهل المغربي في ذلك الخطاب إلى أن هذه الإصلاحات تندرج في إطار «إستراتيجية مندمجة وشمولية، متعددة الأبعاد، ثلاثية الأركان، لتأهيل الحقل الديني وتجديده، تحصينا للمغرب من نوازع التطرف والإرهاب، وحفاظًا على هويته المتميزة بالوسطية والاعتدال والتسامح»، كما ترمي إلى «الإسهام العقلاني الهادف لتصحيح صورة الإسلام».. بيد أن وزير الأوقاف «أحمد التوفيق» قال في حوار مع صحيفة «الشرق الأوسط» الصادرة في لندن: «إن هيكلة الحقل الديني لا يمكن حصرها في رد فعل على تفجيرات».

أربعة أعوام من الهيكلة! 

وبعد مضي أربع سنوات على إعادة هيكلة الحقل الديني، أعلن المغرب مجددًا عن عدة إجراءات جديدة ترمي إلى إنجاح سياسة تدبير المجال والشأن الديني، في خطاب ثانٍ للملك في هذا الشأن ليلة السابع والعشرين من رمضان ١٤٢٩هـ، الموافق ٢٧ سبتمبر ۲۰۰۸م.

وترجع هذه الدينامية «الحركية» إلى أكثر من عامل خارجي وداخلي، بعضها متعلق بالصحوة الإسلامية المتصاعدة في المغرب، وفي العالم أجمع، وهي صحوة اتسعت دائرتها في مختلف الأوساط الاجتماعية، الأمر الذي بات يعكس حاجات متزايدة للإسلام، تعليمًا وتربية وواقعًا معيشيًا. أما البعض الآخر فمرتبط بالهاجس الأمني والسياسي ووثيق الصلة بما بعد أحداث ١١ سبتمبر ۲۰۰۱م في الولايات المتحدة الأمريكية، وما أسمته «واشنطن» «الحرب على الإرهاب»، وقد اندرج المغرب في هذه السياسة على إثر الأحداث الإرهابية المفاجئة ليوم ١٦ مايو ٢٠٠٣م، وما بعدها من أحداث مشابهة.

وعلى إثر ذلك وغيره، ظهر ما يمكن تسميته «تدبير الحقل الديني» أو غيره من المفاهيم المتشابهة، في المغرب وفي كثير من الدول العربية والإسلامية، تم على إثرها إعادة النظر في السياسات العمومية المعنية بالشأن الديني، وقد شهد الحقل الديني في المغرب موجة من الإصلاحات، كانت الأكبر منذ الاستقلال، وشملت إعادة هيكلة وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، وإنشاء مديرية للتعليم العتيق، وآخرى مختصة بالمساجد. 

وشمل الإصلاح أيضًا إنشاء «رابطة علماء المغرب» التي أطلق عليها الملك اسم «الرابطة المحمدية لعلماء المغرب»، إضافة إلى إعادة النظر في التشريع المتعلق بأماكن العبادات، وتأهيل المدارس العتيقة، وإطلاق برنامج تكوين الأئمة والمرشدات، وإصدار دليل الإمام والخطيب، وبرنامج الوعظ عبر التلفاز، وإعداد برامج ودورات تكوينية لفائدة القيّمين الدينيين.. وفي مجال الإفتاء؛ أسند الملك إلى المجلس العلمي إحالة الفتاوى الدينية إلى جلالته سدًا للذرائع، وقطعًا لدابر الفتنة والبلبلة.

هي في الحقيقة قائمة طويلة من الإصلاحات، أقل ما يُقال عنها: إنها مشاريع معقولة ومهمة، بالنظر إلى حساسية المسألة الدينية، واجتثاثًا لنوازع التطرف والتشدّد، وهي سياسة تهدف إلى استعادة الدولة تحكمها الشامل في المجال الديني، من خلال المجالس العلمية، وإدماج الفعاليات والأنشطة الدينية كافة ضمن المجال المحفوظ للدولة، وذلك من خلال تشجيع ما يُسمّى بالإسلام الشعبي «إسلام الطرق الصوفية، وعلى رأسها طريقة وزير الأوقاف «البودشيشية»»، على حساب ما يُسمّى بالإسلام السياسي الحركي.

ويبقى التساؤل الجوهري في هذا  الصدد، عن السر وراء تزايد الاهتمام بقضايا التصوّف عمومًا (۱)، والطريق «البودشيشية» تحديدًا، «بغض النظر عن كونها طريقة وزير الأوقاف»، من خلال تقديم الهدايا والذبائح التي تُقدم للزوايا في كل مناسبة دينية وباسم الملك، حيث يتم الحرص على تقديمها بحضور الحاجب الملكي، وعامل الإقليم الذي توجد الزاوية في مجال نفوذه، كما أن هذه الطقوس المصاحبة لهذه الاحتفالات تحظى بتغطية إعلامية واسعة، من خلال تزايد اهتمام وسائل الإعلام المرئية والمكتوبة بقضايا الزاوية؛ إذ يلحظ المتتبع لأجهزة الإعلام الرسمية أن هناك تركيزًا كبيرًا على الأنشطة الصوفية، والخطاب الصوفي والتربوي، بل امتد الأمر إلى حدّ تمرير متابعات إعلامية لأنشطة تربوية محسوبة على الطريقة «القادرية البودشيشية».

تاریخ مرتبط بالصوفية

ولمقاربة الموضوع؛ يمكن القول: إن اهتمام المغرب بالزوايا والطرق الصوفية، بل ارتباط السلطة السياسية فيه بالصوفية مسلمة ثابتة تاريخيًا، إلى درجة قول أحد الباحثين: «إن تاريخ المغرب هو تاريخ سيادة التيار الصوفي بمختلف تعبيراته»، هذا أولًا.  أما ثانيًا، فقد كان التوجه نحو التصوّف نتيجة لما عرفه العالم من تطورات ومستجدات؛ أهمها انتشار الفكر الإرهابي بشكل واسع، والذي يقف - برأي العديد من المتتبعين - وراء كثير من الأحداث والتفجيرات التي شهدها العالم في السنوات الأخيرة، ولذلك عملت الأنظمة العربية على إدماج الصوفية في الحكم بهدف مواجهة ومحاربة الظاهرة.

وغداة التفجيرات بمدينة «الدار البيضاء»، التي كشفت عن تورّط مجموعة من الشباب المحسوبين على التيار «السلفي الراديكالي»، قوي الاتجاه الداعي إلى العودة إلى «الإسلام الصوفي» المرتبط بالطرق والزوايا الصوفية التي طبعت تاريخ المغرب الرسمي والشعبي على حد سواء.. فمنعطف ١٦ مايو ٢٠٠٣م استوجب البحث عن حليف إستراتيجي جديد، ولم يكن سوى «الإسلام الصوفي»، خصوصًا أن معطيات عدة تشير إلى أن الجماعات المدبرة للتفجيرات خرجت من رحم الفكر «الإرهــابي».. وقد أصبح التصوّف أحد العناصر الأساس ضمن إستراتيجية إعادة «هيكلة» الحقل الديني بالمغرب، وهي إستراتيجية جديدة، أحد أبعادها الرئيسة تفعيل التصوّف كمحدّد للسلوك؛ بهدف مواجهة التيار «الإرهابي» بصيغته التقليدية والجديدة.

وعلى الرغم من الجهود المبذولة لـ«هيكلة» الحقل الديني في المغرب، إلا أن الملاحَظ عليها أنها ما زالت تحتاج إلى إمكانات مادية وبشرية للتنفيذ، والأهم من ذلك للمواكبة والتتبع الميداني.. ولكي تكون التجربة ناجحة، يجب ابتعادها عن التأطير الأمني، وضرورة تركيزها على البعد التثقيفي، فالوصاية الأمنية تجعل كل ممنوع مـرغـوبًا فـيـه، أمـا الـرهان على «الإسلام الطرقي» كخيار إستراتيجي، فيقودنا للتساؤل عن مدى قدرة وأهلية هذا الخيار لمواجهة وتجاوز التحديات المطروحة!

الهامش

(١) الاهتمام بقضايا التصوف والطرق الصوفية يتجاوز الإطار الداخلي المغربي؛ فيحظى أيضًا باهتمام خارجي، ويمكن التمثيل لذلك بسعي الولايات المتحدة إلى تشجيع ودعم الصوفية؛ باعتبارها إحدى أهم وسائل التصدي للجماعات الإسلامية، وذلك بناءً على توصيات وتقارير العديد من المراكز البحثية، ودراسات عدد من الخبراء الأمريكيين.. فقد وجه «ستيفن شوارتز» خطابًا إلى الإدارة الأمريكية قائلًا: «من الواضح جدًا أن على الأمريكيين أن يعلموا المزيد عن الصوفية، وأن يتعاملوا مع شيوخها ومريديها، وأن يتعرفوا على ميولها الرئيسة.. ويجب على أعضاء السلك الدبلوماسي الأمريكي في المدن الإسلامية؛ من «فاس» في المغرب إلى عاصمة إندونيسيا «جاكرتا» أن يضعوا الصوفيين المحليين على قائمة زياراتهم الدورية»!

ونشرت مجلة «يو إس نيوز آند وورلد ريبورت» الأمريكية عام ٢٠٠٥م تقريرًا بعنوان: «عقول وقلوب ودولارات»؛ يقول: «يعتقد الإستراتيجيون الأمريكيون بشكل متزايد، أن الحركة الصوفية بأفرعها العالمية قد تكون أحد أفضل الأسلحة، وبينما لا يستطيع الرسميون الأمريكيون أن يجاهروا بإقرار الصوفية، بسبب فصل الدين عن الدولة في الدستور الأمريكي، فإنهم يدفعون علنًا باتجاه تعزيز العلاقة مع الحركات الصوفية، ومن بين البنود المقترحة: استخدام المعونة الأمريكية لترميم المزارات الصوفية في الخارج، والحفاظ على مخطوطاتها الكلاسيكية التي تعود إلى القرون الوسطى وترجمتها، ودفع الحكومات لتشجيع نهضة صوفية في بلادها».. كما نشرت مؤسسة «راند» الشهيرة منذ أكثر من عامين وثيقة عنوانها «الإسلام المدني الديمقراطي»، ومن بين توصيات الوثيقة: «توجيه قدر أكبر من الانتباه إلى الإسلام الصوفي؛ بالتركيز على ذلك الجانب من تاريخها، وعلى إدخاله ضمن مناهجها المدرسية»، وتبعًا لذلك أوصت لجنة «الكونجرس» الخاصة بالحريات الدينية بضرورة قيام الدول العربية بتشجيع الحركات الصوفية!.

الرابط المختصر :